تسلم رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” ووزير الدفاع “يسرائيل كاتس” ووزير المالية “بتسلئيل سموتريش” توصيات لجنة “ناجِل” لدراسة ميزانية الدفاع وبناء الطاقة. ويكتسب عمل اللجنة في هذا التوقيت، الذي يشهد تغييرا جذريًا في الوضع في الشرق الأوسط، أهمية خاصة.
لجنة “ناجِل” لدراسة ميزانية الدفاع
تعرف لجنة مراجعة ودراسة ميزانية الدفاع وبنية القوة الإسرائيلية، بأنها لجنة عامة تم تشكيلها منذ عام 2014م، بأمر مباشر من بنيامين نتنياهو بعد استصدار قرار من مجلس الوزراء الذي كان يرأسه آنذاك، وقد قدمت أولى توصياتها عام 2015م، واستُقبلت بضجة كبيرة في الأوساط الأمنية والاجتماعية الإسرائيلية، وسبقتها في هذا العمل لجنتا برودت 2007م، ولجنة تيشلر 2012م. وتعمل اللجنة على صياغة المفهوم الأمني لإسرائيل في ضوء الواقع الأمني المتغير الذي تواجهه، ودراسة وتحديث الأسس التي يعمل عليها الجيش الإسرائيلي في ضوء التحديات العملياتية التي تواجه المؤسسة الأمنية بشكل عام، كما تدرس نطاق ميزانية الأمن (الدفاع) الإسرائيلي للسنوات الخمس المقبلة. وتحرص على التوصية بالشفافية الكاملة ووجوب توفر إمكانات أكبر وموارد أكثر لتلبية احتياجات الاستعداد والتعزيزات الأمنية بشكل عام والجيش الإسرائيلي ووزارة المالية وقيادة الأمن القومي، كما توصي دائمًا بأهمية التدريب للحفاظ على كفاءة الجيش الإسرائيلي والبحث والتطوير في قطاع تكنولوجيا الجيش. ودائمًا ما تواجه توصيات اللجنة انتقادات حادة من المسؤولين في المؤسسة الأمنية؛ ووصفت عام 2016م بأنها رصاصة في عين إسرائيل، فيما يؤديها دائمًا اليمين القومي والليكوديين من أعضاء الحكومات المختلفة.
نتائج وتوصيات اللجنة 2024-2025م
بدأت اللجنة عملها في شهر أغسطس الماضي بتوجيه من “بنيامين نتنياهو”، ورئاسة العميد (احتياط) “يعقوب ناجل”، وطلب نتنياهو من أعضائها التوصية بالتوجهات الرئيسة اللازمة لبناء القوة الإسرائيلية للعقد المقبل والموازنة الأمنية المستمدة منها، والتداعيات الاقتصادية المصاحبة للقرارات التي سيتم اتخاذها، في ضوء احتياجات النظام الأمني واهتمام وزارة المالية وبنك إسرائيل الوطني. واعتبرت اللجنة أن العام الماضي عامًا استثنائيًا. وتضمن تقرير اللجنة لعام 2024م مجموعة توصيات تتعلق بالأمن القومي الإسرائيلي ومنها:
– زيادة مخصصات ميزانية الدفاع إلى 133 مليار شيكل خلال العقد القادم تدريجيًا، وهي زيادة مخصصة لتعزيز الأمن ومواصلته، علما بأن الحد الأدنى الذي طلبته المؤسسة الأمنية والتقديرات الأولية بلغت حوالي 200 مليار شيكل.
– رفع رواتب الموظفين الدائمين بما يتوافق وسوق العمل المدني مقارنة بالقطاعات الأخرى، والتركيز على أقسام التأهيل والأسر الثكلى، كما أوصت بإلغاء ربط رواتب الأجهزة الأمنية الأخرى مثل الشرطة براتب الجيش.
– العمل على تنمية رأس المال البشري، بوصفها قضية حاسمة وجوهرية، خاصة في قطاع الخدمة العسكرية الإلزامية والدائمة والاحتياطية.
– إيران هي التهديد الرئيس لإسرائيل ولابد من معالجة هذا التهديد، والتأكيد على أهمية الاستعداد لحرب مستمرة ضدها، واستثمار معظم معطيات وبنية القوة الإسرائيلية للاستعداد لمواجهتها.
– تعزيز موارد الجيش الإسرائيلي المالية والبشرية والتوصية بزيادة عدد أفراد جيش، وتحسين ظروف الخدمة للجنود وخاصة المقاتلين.
– التأكيد على ضرورة الإعداد العالي للقوى البشرية ومعالجة أزمة الموارد البشرية؛ لأن إسرائيل في الدقيقة 90، قبل نقطة اللاعودة،بحسب تعبير رئيس اللجنة في المؤتمر الصحافي.
– تنمية القدرات الهجومية في ثلاث دوائر متصلة، الدفاع الجوي، والدفاع عن الحدود، وتكييف قوة الجيش الإسرائيلي مع المنعطفات المحتملة وغير المتوقعة، والاستعداد الدفاعي السري،والبدء في بناء استقلال تسليحي، مع التركيز على “السلاح الصاروخي”، وإنشاء بنى تحتية ذات صلة بالساحة الفضائية لإسرائيل، وتعديل هيكلية الجيش وأنشطته بما يلزم ذلك من تغييرات تنظيمية في هيكلية الجيش، وضرورة تعزيز منظومة المناورة الأرضية وتعزيز القدرات متعددة الأبعاد.
– الانتقال من مفهوم “الاحتواء” والحماية، إلى مفهوم “الوقاية”،والاستعداد والجاهزية على كافة المستويات وفي كل المؤسسات، إضافة إلى وجوب الاستعداد للحرب والضربات الاستباقية.
– التأكيد على أهمية الاقتصاد القوي كأساس لدعم الأمن الوطني،والتوجه ماليًا لتعزيز الأمن بدءًا من ميزانية عام 2025م، بالشكل الذي يحقق التوازن بين الاحتياجات الأمنية والقدرات الاقتصادية للدولة.
– على إسرائيل أن تدافع عن نفسها بكامل قواتها، وأن تكون مستعدة لذلك في كل الأوقات.
– لابد أن يرتكز أمن إسرائيل دائمًا على التفوق النوعي على كافة المستويات، مع التركيز على التضامن الشعبي والروح القتالية والإدراك المتقدم للمفاجآت والتفوق التكنولوجي وتحسين البنى التحتية الحيوية وتطوير القدرات الهجومية والدفاعية متعددة المستويات بما في ذلك داخل حدود الدولة.
– استيعاب الدروس المستفادة من الحرب حتى الآن وتأثيرها على الخطط والموازنات المطلوبة، على مختلف المستويات في وزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي.
– التأكيد على التوازن بين احتياجات الدفاع والهجوم والاستعداد للتغيرات في الشرق الأوسط.
– على إسرائيل أن تستثمر كل ما لديها وتبذل كل ما تستطيع في المرحلة القادمة في مجال بناء القوة الأمنية والاقتصادية.
– تبسيط عمليات إعداد الميزانية وتعزيز الرقابة والشفافية فيما يتعلق بالإنفاق الدفاعي، والدعوة إلى التعاون بين الوزارات الحكومية المعنية لتنفيذ توصيات اللجنة.
الاستعداد لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية، مع التأكيد على ضرورة التعاون الدولي، وضرورة تقليل الاعتماد على القوى الخارجية على المدى الطويل.
– التأكيد على تحليل تداعيات التغيرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك تعزيز النفوذ الإيراني والدور التركي.
نتنياهو يتحمل المسؤولية
وجهت اللجنة في تقريرها اتهامًا لـ”بنيامين نتنياهو” بأنه السبب المباشر فيما وصل إليه المجتمع الإسرائيلي، من خلال إدانتها المفهوم الأمني الشامل لإسرائيل الذي يتبناه المستوى السياسي ويكتبه “نتنياهو” وفريقه خلال 15 عامًا الماضية على الأقل، واعتبر التقرير أن هذه الإدانة يفسرها مفهوم “إدارة الصراع” لديه، والذي كان أحد الأسباب الرئيسة (لكارثة) 7- أكتوبر والحرب التي اندلعت بعدها ولم تنته بعد.
كما أشار التقرير إلى أهمية التحول من مفهوم “الشمولية” لدى نتنياهو ورغبته الدائمة في تجنب القرارات الصعبة وتُميز تصوره الأمني. كما أن منع تقوية العدو من جميع النواحي أهم من الصمت المستمر، الذي هو في بعض الأحيان صمت زائف، وفي هذا يُشير التقرير إلى سياسة الصمت التي اتبعها نتنياهو في السابق مع “حماس” والسماح بنقل حقائب الأموال إلى حماس من بعض الدول، ولم يحاول منع إيران من تسليح حزب الله، أو أن تصبح دولة على وشك امتلاك القوة النووية.
ويمكننا أن نفهم مما سبق لماذا تم توجيه الانتقادات المباشرة إلى أعضاء اللجنة فور الانتهاء من الاجتماع مع نتنياهو، ومن المهم التأكيد على أن هذا ليس انتقادا من اليسار. وقد كتب التقرير ممثلون يمينيون عينهم نتنياهو، سموتريش وغالانت، ويحتوي على تصريحات “يمينية” بشكل واضح. وتظهر حقيقة أن أعضاء اللجنة، برئاسة “يعقوب ناجِل” الذي انتقد نتنياهو وكتب بالتعاون مع باق أعضاء اللجنة هذه الوثيقة الذي نصت على أنه كان ينبغي على اليمين أن يتخلى عن نتنياهو منذ زمن طويل، وعن سياساته التدميرية التي جلبت كارثة 7 أكتوبر.
ختامًا؛
جاء تقرير اللجنة في نحو 110 صفحة بينها أكثر من 20 صفحة سرية. آثر واضعوه على عدم الخوض في عمق قضية تجنيد الحريديم والأعباء المتساوية، واكتفى رئيسها بالإشارة إلى أن الخدمة الإلزامية المتساوية لجميع المواطنين هي مبدأ أساس في المجتمع الإسرائيلي بما يحقق الأهداف الأمنية والاجتماعية والمدنية، خاصة عندما تواجه دولة إسرائيل تهديدات أمنية مستمرة. وأوصت اللجنة بإجراء “التغيير الضروري بشكل تدريجي، وبما يتوافق مع قدرات التجنيد لدى الجيش الإسرائيلي واحتياجاته، دون ذكر أو إشارة لكلمة “حريدي” أو “متدين” صراحة، على الرغم من آثارها الاقتصادية الكبيرة على ميزانية الدفاع والتضامن الاجتماعي واستقرار المجتمع، مما يعكس الحساسية السياسية للقضية.
كما قال رئيس لجنة “ناجِل” في مؤتمر صحافي: “أن المبالغ التي حددتها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية كانت أعلى بعشرين ضعف من الحد الأدنى الذي حددته اللجنة التي استهدفت المصلحة العامة وعدم الإضرار بالاقتصاد”، وأوصت اللجنة بزيادة سنوية بقيمة 15 مليار شيكل ابتداءً من عام 2026م، على أن يتم الحفاظ على هذا المستوى لمدة خمس سنوات حتى عام 2030م، واعتبارا من عام 2031م، ستنخفض الزيادة السنوية تدريجيا إلى 13 مليار شيكل في عام 2031م، و 12 مليار شيكل من 2032 إلى 2034م.ورغم أن اللجنة قد مُنحت تفويض كامل لإعداد التقرير، إلا أنها لم تذُكر مصادر تمويل هذه الزيادات، إلا أن تكون قد اتفقت مع الحكومة على زيادة أعباء المواطن الإسرائيلي وإثقال كاهله بزيادات الأسعار والضرائب، على أساس محدودية القدرات والرؤية الأشمل والأوضح لدي وزارة المالية وبنك إسرائيل. وقد أوصت الوزارة بثلاثة مصادر رئيسية للتمويل: زيادة مكافحة “رأس المال الأسود”، وإلغاء الإعفاءات الضريبية عن رفع معدلات الضرائب، واعتبر رئيسها أنسياسات الوقاية بشكل عام والهجوم الوقائي ليس كلمة قذرة (وفقًا لتعبيره)؛ لأن الصراع سيضر حتمًا بالاقتصاد، كما أشار إلى أن التطورات مع إيران قد خفضت تصنيف إسرائيل الائتماني، ونهاية ستُساعد في تقليل المخاطر ويسرع التعافي؛ ما يعكس القلق والتخوف من أزمة حقيقية في الاقتصاد الإسرائيلي يجتهدون في العمل على إخفائها وهي موشكة على الانفجار.
في النهاية، على ضوء ما تقدم اقترح جواباً من كلمة واحدة على التساؤلات التي قد تقفز في الأذهان: من الذي سيحدد بماذا تبدأ إسرائيل؟، وبأي منهجية يتم العمل؟، ومن يتخذ القرارات المتعلقة بتفعيل توصيات اللجنة؟، وفي أي ظروف يتم ذلك؟. والإجابة الوحيدة هي “نتنياهو”. المتهم شكليًا، ومن بيده مقاليد الأمور فعليًا، ولا خلاص إلا بمحاسبة حقيقية تتناسب وخطورة قرراته السياسية التي تُلغي كل النقاشات، وتُعيد ترتيب الأولويات، وتُغير الأهداف القريبة وطويلة المدى وفق لحاجته ورؤيته وأولويته وأهدافه. ولا أدل على ذلك من نتائج لجنة تتهمه شكليًا وتقبل وتُنفذ توصيات حكومته فعليًا، وتدخل إلى مصاف اللجان المُسيسة في أكثر الحكومات اليمينة تطرفًا في تاريخ إسرائيل.