توجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الأحد 2 فبراير 2025 في زيارة رسمية إلى الولايات المتحد الأمريكية يلتقي خلالها بالرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض. ويُعد نتنياهو أول زعيم يلتقي ترامب منذ تنصيبه للولاية الثانية في العشرين من يناير الماضي، مما يؤكد عمق العلاقات بين الزعيمين، وقوة التحالف العضوي بين إسرائيل والولايات المتحدة. وكان يُفترض أن تستمر الزيارة إلى الجمعة القادمة لكن نظرًا لأهميتها وتوقيتها، تقرر إمدادُها ليوم الأحد المقبل.
ومن المتوقع أن يلتقي نتنياهو بترامب مرتين يوم الثلاثاء الموافق الرابع من نوفمبر، وسيكون اللقاء الأول اجتماع عمل لبحث أهم القضايا الثنائية وعلى رأسها الأمنية والسياسية والعسكرية. أما الآخر فسيكون لقاء عشاء غير رسمي.
زيارة مصيرية!
تأتي زيارة نتنياهو الحالية للبيت الأبيض في مرحلة فارقة من تاريخ إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط. وستحدد نتائج تلك الزيارة ما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية ستستأنف الحرب على غزة لضمان استمرار الائتلاف الحكومي، أم أن نتنياهو سيتجه نحو صفقة كبيرة قد تؤدي لانهيار حكومته والذهاب إلى انتخابات مبكرة. أي أنه بمجرد انتهاء الزيارة، سيصبح نتنياهو أمام خيارين: إما الحفاظ على الائتلاف الحاكم ومواصلة العدوان على غزة، أو الاستجابة لضغوط ترامب لوقف الحرب وتلقي المزيد من الدعم الأمريكي، مع الحصول على مظلة حماية سياسية من أحزاب المعارضة لضمان بقائه في السلطة حتى اجراء انتخابات جديدة.
أجندة المفاوضات:
سيناقش الزعيمان الأمريكي والإسرائيلي العديد من القضايا الحساسة المتعلقة بتداعيات العدوان الإسرائيلي على المقاومة الفلسطينية وحزب الله اللبناني، فضلا عن القضايا الإقليمية وتطلعات نتنياهو وترامب لتغيير ملامح الشرق الأوسط، وزيادة النفوذ العسكري الإسرائيلي في المنطقة.
أرشيفية
وأبرز القضايا المطروحة هي:
1- ملف تبادل الأسرى مع حركة حماس.
يود رئيس الوزراء الإسرائيلي ضمان تحرير جميع المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة. ورغم إصرار ترامب على استكمال صفقة التبادل وتحرير جميع الأسرى الإسرائيليين، إلا أن نتنياهو سيطالب ترامب باستمرارية الدور الأمريكي الفعال لضمان تنفيذ الصفقة بشكل كامل.
وكان من المُفترض أن تُستأنف مفاوضات المرحلة الثانية من صفقة الأسرى يوم الاثنين 3 فبراير، لكن نتنياهو ألغى اجتماعه بفريق التفاوض الإسرائيلي وقرر عدم إرساله إلى الدوحة قبل اجتماعه مع الرئيس ترامب يوم الثلاثاء. وسيؤكد نتنياهو خلال اللقاء على ضرورة القضاء التام على المقاومة الفلسطينية المسلحة وإقصاء حركة حماس عن السلطة في قطاع غزة وعن المشهد السياسي الفلسطيني بكامله.
2- ترحيل أهالي غزة!
من المؤكد أن نتنياهو سيغتنم فرصة الزيارة ليشكر ترامب على فكرة ترحيل الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى مصر والأردن، رغم رفض القاهرة وعمان تلك الخطة الأمريكية التي تهدف لتصفية القضية الفلسطينية وتهديد أمن واستقرار المنطقة. ويبدو أن ترامب عازم على تنفيذ خطته، حيث زعم أن مصر والأردن ستستجيبان لفكرة ترحيل الفلسطينيين. ومن المؤكد أن تصريحات ترامب في هذا الشأن أسعدت نتنياهو وحكومته المتطرفة، وفاجأت تل أبيب بالتحولات الجذرية الأخيرة في الموقف الأمريكي.
3- ملف التطبيع مع السعودية.
فور البدء في تنفيذ صفقة تبادل الأسرى برعاية أمريكية، وضعت إدارة ترامب هدفها الجديد وهو المتمثل في إبرام اتفاقية تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، حيث ترى إدارة ترامب أن مفاوضات المرحلة الثانية لتبادل الأسرى تمثل نقطة الانطلاق لبدء مفاوضات التطبيع.
وترى تل أبيب أن التطبيع مع السعودية، يعني انخراط إسرائيل في شراكة مع دول المحور السني للقضاء على نفوذ إيران وإفشال برنامجها النووي، فضلا عن إضعاف حركات المقاومة الفلسطينية وما تبقي من حزب الله اللبناني، بما يحقق مكاسب اقتصادية هائلة لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
ولقد توجه نتنياهو لواشنطن بعد أن تحققت أهم أمنياته، حيث عاد ترامب للبيت الأبيض وهو ليس مجرد رئيس، وإنما عاد يتمتع بدعم الكونجرس والمحكمة العليا. وطوال حملته الانتخابية أعلن ترامب أنه عائد لإبرام الصفقات ووقف الحروب. وهو الآن يمهد الطريق للحصول على جائزة نوبل للسلام عبر السعي لتطبيع بين تل أبيب والرياض.
4- التصدي للمحور الإيراني.
كثيرا ما يؤكد نتنياهو أن النظام الإيراني لا يزال يشكل أخطر تهديد أمني لإسرائيل في ظل إصراره على تطوير برنامجه النووي وتطوير أسلحته الاستراتيجية مثل الصواريخ الباليستية والمسيرات الحديثة، وفي ظل ما تقدمه طهران من دعم عسكري للميليشيات الشيعية الموالية لها في اليمن والعراق وجنوب لبنان.
وسيحاول نتنياهو خلال اللقاء إقناع الرئيس ترامب بالمشاركة المباشرة أو غير المباشرة في شن هجوم عسكري لضرب المنشآت النووية الإيرانية. وترى حكومة نتنياهو أن الفرصة الآن باتت مواتية لشن مثل ذلك الهجوم بل وإسقاط نظام الملالي في طهران بعد انهيار المحور الشيعي وسقوط نظام بشار وإضعاف حزب الله اللبناني. كما سيطالب نتنياهو باستمرار الغارات العسكرية الأميركية على الحوثيين في اليمن الذين يُطلقون الصواريخ على إسرائيل، ويشنون هجمات في البحر الأحمر تُهدد أمن إسرائيل واقتصادها.
5- لبنان وسوريا.
سيتناول لقاء نتنياهو وترامب تداعيات سقوط بشار الأسد وتولى قيادة إسلامية مقاليد الحكم في سوريا، بما يشكل تحديات لإسرائيل. وسيحاول نتنياهو إقناع ترامب ببقاء القوات الأميكية في سوريا دعمًا لميليشيات “قوات سوريا الديمقراطية”، وعدم تمكين الرئيس “أحمد الشرع” من بسط سيطرته على كامل الأراضي السورية . كما سيطالب نتنياهو بالحصول على الدعم الأمريكي الكامل لبقاء القوات الإسرائيلية في سوريا، على الأقل حتى تتضح الملامح الحقيقية لنظام دمشق الجديد وموقفه الغامض من إسرائيل.
وفيما يخص لبنان، فإن واشنطن هي التي تمول الجيش اللبناني وتدفع له الرواتب، وبالتالي فإن إدارة ترامب لديها نفوذ كبير على الجيش اللبناني الذي استعاد السيادة على البلاد بعد الضعف الذي أصاب حزب الله. وسيطلب نتنياهو من الإدارة الأمريكية أن تترك لإسرائيل حرية كاملة في التعامل العسكري مع لبنان لمنع تنظيم حزب الله من التعافي واستعادة تسليح قواته.
خلاصة القول، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي يحمل في جعبته قائمة طويلة من الطلبات التي يريد الحصول عليها من الرئيس ترامب لتحقيق جميع الأهداف التي فشل في تحقيقها بقوة السلاح خلال أطول حرب خاضتها إسرائيل منذ تأسيسها. كما سيناقش نتنياهو كثيرًا من القضايا السرية والمُعلنة، والتي ستصب جميعها في مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة على حساب القضية الفلسطينية وجميع الدول العربية. وبالطبع فإن جميع القضايا المطروحة متشابكة وتحمل في طياتها أحلام نتنياهو واليمين المتطرف في تل أبيب وواشنطن برسم خريطة الشرق الأوسط الجديد.