تدخلت إسرائيل مؤخرا طرفًا في جهود الوساطة لإنهاء الأزمة الروسية الأوكرانية، على الرغم من عدم الجوار والتباعد الجغرفي الكبير، مع سعى رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت إلى التواصل مع الرئيس بوتين، ووزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد مع نظيره الروسي سيرغي لافروف لسرعة التوصل إلى حل لإيقاف العملية العسكرية. وسيتناول هذا التقرير الرد على السؤال المهم: لماذا تهتم إسرائيل في التدخل في تلك الأزمة؟

العلاقات بين إسرائيل وروسيا

شهدت العلاقة بين إسرائيل وروسيا تحولات عدة، بدأت باعتراف الاتحاد السوفيتي بإسرائيل فور إعلان قيامها عام 1948، إلى أن انحازت الحكومات الإسرائيلية أكثر إلى الولايات المتحدة الأمريكية والابتعاد عن الاتحاد السوفيتي تدريجيًّا، إلى أن شاركت موسكو في رعاية عملية السلام، وحضور مؤتمر مدريد، حيث تكررت الزيارات المتبادلة بين قادة الدولتين،كان آخرها زيارة الرئيس الروسي بوتين لإسرائيل عام 2005م، ومنذ عام 2009م توطدت العلاقات الثنائية. ويعزو البعض ذلك إلى وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك أفيجادور ليبرمان. وفي عام 2016 إحتفلت الدولتان بمرور ربع قرن على العلاقات فقام رئيس وزراء روسيا آنذاك ديمتري ميدفيديف بزيارة إسرائيل، وعلق رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال هذه الفترة بأن بلاده تطوّرت علاقات مهمة مع روسيا دون المساس بعلاقة إسرائيل مع الولايات المتحدة.

ونتيجة لذلك وقعت إسرائيل وروسيا مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية، لتصبح روسيا من خلالها واحدة من أهم شركاء إسرائيل التجاريين، ووصل إرتفاع حجم التبادل التجاري، بعد إلغاء تأشيرات دخول السياح، فزاد عددهم لتصبح إسرائيل نقطة جذب الروس للترفيه وزيارة الأماكن المقدسة، ليزورها سنويًّا حوالي مليون سائح. على الجانب الآخر إزداد عدد السياح الإسرائيليين إلي روسيا. بالإضافة إلى تعزيز التعاون في مختلف المجالات مثل (الأبحاث الفضائية والتكنولوجية، المجال الزراعي، الاتصالات، تجارة الماس الخام). وقد زاد التبادل السلعي بين البلدين بعد عام 2011 بنسبة 20%، ليبلغ حوالي 6 مليارات دولار، في مجال الهواتف النقالة، والأجهزة الطبية، ومنتجات الصناعة الكيميائية والغذائية والمستحضرات الطبية.

ولابد من الإشارة إلى أن العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل وروسيا تفوق العلاقات الاسرائيلية مع الدول الأوروبية الأخرى، مما وضع إسرائيل في مأزق كبير. حيث أن العلاقات الإسرائيلية الروسية متشعبة في المجالات الاقتصادية؛ فهناك كثير من رجال الأعمال الروس يؤثرون بشكل كبير في الاقتصاد الإسرائيلي، ولهم علاقات قوية ببعض القيادات السياسية في الحكومة الإسرائيلية.

ورغم نجاح الجانبين في الإرتقاء في المجالات الاقتصادية المتنوعة، إلا أن هناك خلافات في بعض القضايا السياسية والعسكرية، مثل الحرب الروسية الجورجية عام 2008م، خاصة أن إسرائيل كانت تزود جورجيا بطائرات مُسيرة وأسلحة وألغام وقامت بتدريب قواتها العسكرية، والتواجد الروسي في سوريا، والموقف الإسرائيلي من الحرب الروسية الأوكرانية.

العلاقات بين إسرائيل وأوكرانيا

توجد علاقات متميزة بين إسرائيل وأوكرانيا، تبدأ بوجود مايقرب من مئتي ألف إسرائيلي من أصول أوكرانية، ووجود ما يقرب من ثلاثين ألف مهندس أوكراني يعملون في مشاريع إسرائيلية متعلقة بالتكنولوجية المتقدمة (هايتك).

لقد فتحت أوكرانيا أبوابها أمام الاستثمارات الإسرائيلية، ليوقعا اتفاقية إقامة منطقة تجارة حرة بينهما تصل قيمتها إلى ملياري دولار سنويًّا وذلك خلال السنوات 2019-2024[1]. وبحسب معطيات وزارة الاقتصاد والصناعة ، بلغت صادرات إسرائيل إلى أوكرانيا عام 2019 نحو 162 مليون دولار ، وبلغ الحجم الإجمالي للتجارة عام 2019 نحو 857 مليون دولار([2]). والصناعات الرئيسة المصدرة إلى أوكرانيا هي الكيماويات (63٪)، والبلاستيك والمطاط (10٪)، والآلات (8٪). والواردات الرئيسة من أوكرانيا هي المنتجات الزراعية والمواد الغذائية (74٪)، والمعادن الأساسية (16٪)، والآلات (4٪).

ما الأسباب التي جعلت إسرائيل طرفا في المعادلة؟

تحاول إسرائيل دائمًا أن تضمن تأييد الدول الغربية، ضمانًا لمصالحها، ولكن هناك بعض الأسباب التي جعلها تقف على مسافة واحدة ما بين روسيا وأوكرانيا دون موقف ثابت وواضح:

1- وجود جاليات يهودية في روسيا واوكرانيا؛ ففي روسيا 150 ألف يهودي، وفي أوكرانيا 43 ألف يهودي، ولاشك أن تلك الجاليات ستتأثر بالحرب، لتسرع وزارتا الخارجية والشتات، والوكالة اليهودية للهجرة في يناير 2022 بوضع خطط لتسهيل هجرات اليهود الأوكرانيين إليها، مقابل وجود مليون ناطق بالروسية في “إسرائيل” مما سيجعلهم يمثلون جسرًا ثقافيًّا لها مع الدولتين.

2- سيؤدي تفاقم الحرب بينهما إلى تدخل الولايات المحدة الأمريكية مما يجعلها تنشغل عن الشرق الأوسط، مما يُفسح الطريق للقوى الأقليمية المقاومة في المنطقة أن تنهض، ونهضتها ليست في صالح إسرائيل.

3- إحتمالات تدهور العلاقات الاقتصادية مع البعدين فور انحيازها لأحد الجانبين، خاصة وأن إسرائيل في هذه الحرب تبحث عن مصالحها.

4- هناك اتفاق عسكري بين إسرائيل وروسيا ينظم قواعد الاشتباك على الساحة السورية، وبما يسمح لروسيا توجيه ضرباتها للتواجد الإيراني في سوريا، ووبسبب إدانة إسرائيل لروسيا ستتخذ ضدها موقفا قويا بخصوص سوريا.

الرئيس الروسي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت- أرشيفية

التداعيات الإقتصادية:

تشير تقارير مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، ووزارة الاقتصاد الإسرائيلية إلى أن حجم التبادل التجاري بين روسيا وإسرائيل بلغ عام 2020 حوالي 3.8 مليار دولار، ومع أوكرانيا في العام نفسه 955 مليون دولار. مما يؤكد ان الاقتصاد الإسرائيلي سيتضرر بشكل كبير، وينتج عن هذا الضرر ارتفاع في أسعار الكثير من السلع المختلفة، خاصة القمح والحبوب، والأخشاب والحديد، والأدوية، وتصنيع المجوهرات، والمعادن، لأن إسرائيل تستورد المعادن النفسية خام وتقوم بتصنيعها وتصديرها للأسواق العالمية[3]. وعلى سبيل المثال شركة الأدوية “تيفع” تُصدر لروسيا بما يقرب بملياري دولار سنويًّا، وأرباحها تصل إلى أكثر من 580 مليون دولار.

ختامًا:

*تسعى إسرائيل إلى إبقاء علاقاتها قوية مع روسيا وأوكرانيا معًا؛ وذلك لإعتبارات سياسية وعسكرية واقتصادية، وخشية أن تفقد مكاسبها من كل من الجانبين. ولكن مع نشوب الحرب بينهما جعلها مضطرة لأن تتخذ موقفًا للانحياز للجانب الأوكراني، وذلك بعيدًا عن الحياد واللون الرمادي الذي تتلون به، إرتباطًا بطبيعة العلاقات الخاصة بالنظام الأوكراني، وإنتماء غالبية مسئولي الحكومة لليهود، وتمتع بعضهم بالجنسية الإسرائيلية، وما ظهر في عدم الاعتراض على انضمام بعض العناصر العسكريه المشاركة في العمليات العسكرية في أوكرانيا تحت غطاء الاعمال التطوعية، أو ستار شركات الأمن على الساحه الأوكرانية.

*إن أكثر ما تخشاه إسرائيل هو تصاعد قوى عالمية أخرى بجانب الولايات المتحدة الأمريكية، لأن تصاعد قوى جديدة سيجعل النظام الدولي ثنائي القطبية وستكون فرصة سانحة للقوى المعادية لإسرائيل للصعود وتحقيق رغباتها.


[1])) نص الاتفاقية موجود كاملًا على الموقع التالي:  https://www.gov.il/BlobFolder/policy/isr-ukraine-fta/he/sahar-hutz_agreements_intro-ukraine-israel-fta.pdf

[2]))  https://www.gov.il/he/departments/news/economy-news-040121

[3])) https://www.gov.il/he/departments/central_bureau_of_statistics/govil

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version