كما كان الحال منذ ظهور أذربيجان كدولة مستقلة في عام 1991م، تشهد العلاقات بين إيران وأذربجيان قدراً من التوتر بين الحين والأخر.إلا ان مظاهر التوتر  تنامت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث ينظر السياسيون الإيرانيون إلى أذربيجان المجاورة على أنها وكيل لإسرائيل، وهو ما قد يفسر سبب تسمية إيران لأكبر مناوراتها العسكرية البرية في السنوات الأخيرة على الحدود الإيرانية الآذرية، “غزاة خيبر”.

وترتبط مظاهر التوتر بين طهران وباكو مؤخراً حول ثلاث قضايا: مناورة عسكرية مشتركة أجرتها القوات الأذربيجانية جنبًا إلى جنب مع نظيرتيها التركية والباكستانية على بعد 500 كيلومتر من الحدود الإيرانية؛ القيود الأذربيجانية على دخول سائقي الشاحنات الإيرانيين إلى أرمينيا واحتجاز سائقين؛ والعلاقات الأذربيجانية مع إسرائيل.

العلاقات الإيرانية الأذارية – أرشيفية

وقد جاء إطلاق تدريبات عسكرية إيرانية في بداية شهر أكتوبر الحالي بالقرب من حدودها الشمالية الغربية، بعد أيام من نشر الحرس الثوري الإسلامي معدات عسكرية في المنطقة ليضيف مزيداً من التصعيد بين البلدين حيث قوبلت هذه الخطوة بقلق من الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، الذي قال في وقت سابق من هذا الأسبوع إنه فوجئ بالتدريبات المخطط لها مشيراً إلي انه يمكن لكل دولة تنفيذ أي مناورات عسكرية على أراضيها. هذا حقها السيادي. ولكن لماذا الآن، ولماذا على حدودنا؟” وقال علييف إن هذه هي المرة الأولى منذ سقوط الاتحاد السوفيتي قبل 20 عاما التي تخطط فيها إيران لمثل هذا الاستعراض للقوة بالقرب من حدودها”.

إورغم إستياء النظام الإيراني من تنامي العلاقات العسكرية المتنامية بين باكو وأنقرة، إلا ان الشراكة الإسرائيلية -الأذربيجانية تعد الأولوية الأهم لطهران في المواجهة. بالنسبة لإيران، يعد الوجود الإسرائيلي المتزايد على عتبات أبوابها مسألة أمنية ملحة لأنه يُنظر إليها على أنها ذات أهمية متزايدة لسياسة تل ابيب الأساسية في مواجهة طهران. لم يكن لإسرائيل في أي وقت من تاريخها مجموعات كثيرة من العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والاستخباراتية مع الدول المتاخمة لإيران. وهذا يرقى إلى مستوى النفوذ الإسرائيلي، وطهران مستاءة من هذا التطور، لكنها لم تحدد بعد سياسة لتحييد تقدم إسرائيل بخلاف مناشدة جيرانها لإبقاء إسرائيل في مأزق. هذا النداء، على أقل تقدير، لم يلق الكثير من التعاطف. بل علي العكس، يتطلع عدد من جيران إيران -أذربيجان والبحرين والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والحكومة الكردية في العراق على الأرجح -إلى إسرائيل للتعاون ضد الأجندة الإقليمية الإيرانية في المنطقة.

ترى إيران أن إسرائيل تكثف جهودها للاقتراب منها كوسيلة للضغط على طهران. حيث حذر المرشد الأعلى علي خامنئي جميع جيران إيران مما وصفه “بتدخل الأجانب في المنطقة” بأنه “مصدر للخلاف والضرر”. في ضربة مباشرة في باكو، وعد خامنئي بالانتقام لتلك الدول المجاورة التي تتعاون مع الإسرائيليين. فمن الواضح أن طهران تشعر بضغوط تجاه ما تعتبره استراتيجية تطويق من قبل اسرائيل.  لذلك لم يكن لدى طهران خيار جيد للمشاركة في جولة الصراع في هذه اللحظة حيث لم يكن لديها نفوذ كاف على الجهات الفاعلة الرئيسية: أرمينيا وأذربيجان وروسيا وتركيا.

الرئيس الأذري إلهام علييف ورئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو – أرشيفي

بالنسبة لكل من أذربيجان وإيران، يعتبر هذا التنافس الجيوسياسي حساسًا بدرجة كبيرة نظرًا لقربهما التاريخي والديني والعرقي والجغرافي. خلال الحرب الأرمينية الأذربيجانية عام 2021، كان من الواضح أن إيران لم يكن لديها خيار سوى الانتظار لمعرفة أي فصيل في النزاع سيسود. داخل إيران، يمكن أن تخلق القومية الأذربيجانية العرقية جنبًا إلى جنب مع الغضب القائم على الظروف الاجتماعية والاقتصادية وضعا متفجرا في المقاطعات الشمالية الإيرانية، التي تضم حوالي 20 مليونا من سكان أذربيجان الإيرانيين. هذا الواقع لا يغيب عن خصوم إيران. لدى كل من تركيا وإسرائيل سجل من السعي لتعبئة الاقلية الأذربيجانية الإيرانية ضد طهران.  

لذلك يتعين على أذربيجان أن تكافح للوصول الى بعض الحقائق الأساسية التي تقيد خياراتها تجاه طهران. في ذروة المناوشات الكلامية بين طهران وباكو في أوائل أكتوبر، ألمح الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف إلى أن الأقلية الإيرانية الكبيرة من الأذربيجانيين قد تثور للدفاع عن اخوانهم في الشمال في جمهورية أذربيجان. يثير هذا النوع من الكلام من باكو غضبًا في طهران، التي ترى أنه يهدف إلى تشجيع نزعة انفصالية داخل إيران وبين الأقلية الأذربيجانية. يبلغ عدد سكان أذربيجان في إيران ضعف عدد سكان جمهورية أذربيجان على الأقل، وأي تلميح لاستيعابهم من قبل باكو هو في الأساس لا معنى له وسيكون بالتأكيد بمثابة نهاية البلاد كما نعرفها اليوم. وبالتالي لا شك في أن كلا الجانبين يعترفان بأن الوضع الراهن في العلاقات، مهما كان مضطربًا، أفضل من الانتقال إلى وضع يرفض فيه كل من باكو وطهران الاعتراف بوحدة أراضي الطرف الآخر.

صورة تجمع المرشد الأعلي الإيراني علي خامنئي مع الرئيس الأذري إلهام علييف برفقة حسن روحاني الرئيس الإيراني الأسبق – أرشيفية

سيناريوهات الأزمة

من المتوقع ان تأخذ الأزمة أحدى السيناريوهين الآتيين، أما ان تصعد إيران وباكو من موقفهما وإما اتجاه الازمة نحو التهدئة، وبالنظر الي الأوضاع في المنطقة واستقاء الخبرة من التحليل التاريخي، نجد ان السيناريو الثاني هو المرجح، وذلك لأن طهران وإن كانت تتحسب من علاقة باكو القوية بإسرائيل إلا انها لا تريد التصعيد بسبب ان الأقلية الأذرية الكبيرة عددياً في إيران، فإيران تعلم ان أي تدهور في العلاقات الاذرية الإيرانية يصل إلي حد الصدام المباشر مع باكو سيكون له عواقب وخيمة علي إيران التي يشكل فيها الاذاريون اقلية قومية كبيرة عددياً وستكون بالتأكيد فرصة ذهبية لإسرائيل التي ستعمل بالتأكيد مخابراتياً بالتعاون مع باكو في تقليب الأقلية الأذرية ضد النظام الحاكم مما سيفتح جبهة صراع طهران في غنى عنها الان، هذا بالإضافة إلي ان النهج الجديد لحكومة إبراهيم رئيسي يقوم علي منطق خفض التصعيد مع دول المنطقة سواء الدول العربية في الخليج او في أسيا الوسطى، كما ان إيران تتهيئ لرفع مرتقب للعقوبات يعقب اتفاق جديد بين إيران والدول الكبرى حول المسائل النووية وقضايا امنية أخرى وعليه وفي ظل فقدان أرمينيا السيطرة علي معظم قرة باغ في حربها الأخيرة مع أذربيجان فإن طهران ستضطر للتعاون مع باكو التي ستمر من خلالها جزء ليس بقليل من التجارة الإيرانية ولذا فإن خفض التصعيد مع أذربيجان يعد الخيار الأمثل لمرحلة ما بعد رفع العقوبات، وأخيراً، فليس من مصلحة إيران حالياً تصعيد الموقف مع أذربيجان حيث ان مثل هذا التصعيد سيدفعها إلي أحضان إسرائيل وتركيا اكثر مما يعمق من مسألة الأمن القومي الإيراني.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version