أزمة المياه بين إيران وتركيا (تحديات مستمرة)

السدود التركية على الحدود مع إيران

طُرِحَت فكرة إنشاء عدد من المشروعات المائية على الأنهار التي تنبُع في تركيا خلال تسعينيات القرن الماضي وخصوصًا مشروع (جنوب شرق الأناضول) (GAP) ومشروع (شرق الأناضول) (DAP) وهما عبارة عن مجموعة من السدود المقامة أو الجاري إنشاؤها على الأنهار التركية الكبرى العابرة للحدود مع إيران والعراق مثل نهر الفرات ونهر أراس، وعدد من الدول الأخرى مثل سوريا والعراق وأرمينيا وأذربيجان.

• سد أليسو (Ilısu Barajı)

هو سد يقع على المجري الملاحي لنهر دجلة الذي ينبُع في جنوب شرقي تركيا، بمنطقة ماردين، وتبلغ طاقته الانتاجية 1.280.60 ميجاوات. بينما تبلغ الطاقة الكهربائية المُوَلَدَة منه سنويًا 2.696 جيجاوات. وتقوم شركة جنكيز للإنشاءات بتنفيذه، ولا يزال قيد الإنشاء، وتبلغ تكلفته الإجمالية أكثر من مليار يورو. وتبلُغ كمية المياه التي سوف تحتجزها بحيرة السد أكثر من 10.5 مليار متر مكعب، مما سيؤثر على كمية المياه المتدفقة للعراق وإيران، سيؤدي إلى تآكل وغرق وانهيار عدد من القرى الكردية بجنوب شرقي تركيا ([i]).

• سد قارا قورت (Karakurt Barajı): هو من أكبر السدود التركية بمنطقة قارس التركية والذي يقام على نهر أرس الحدودي بين تركيا وإيران بقدرة مركبة تبلغ 96.99 ميجاوات، وسوف تبلُغ القدرة الكاملة الفعلية لتوليد الكهرباء أكثر من 407892 جيجا وات/عام. وتبلُغ كمية المياه المحتجزة في بحيرة السد ما يُقارِب من ملياري متر مكعب من المياه ([ii]).
• سد سويلمز (Söylemez Barajı): يقع على نهر أرس في منطقة كوبروكوي في أرضروم في تركيا تم إنشاؤه في الفترة من 2018: 2022 م ويبلُغ ارتفاعه 105 متر. ومن المُستهدَف توليد كمية طاقة كهربائية من السد تصل إلى 220.57 جيجا وات في العام. وتبلُغ كمية المياه المحتجزة في بحيرة السد ما يزيد عن مليار ونصف المليار من المياه ([iii]).
• سد توزلوجا (Tuzluca Barajı): هو أحد السدود الجاري إنشاؤها على نهر أرس بمنطقة إيغدير، بارتفاع 46.56 متر. وتبلغ سعته التخزينية 195.13 مليون متر مكعب، سوف يستخدم لري 990 فدانًا. بالإضافة إلى أنه سيتم إنتاج 117.10 مليون كيلووات ساعة من الطاقة سنويًا من خلاله ([iv]).
• سد نارين قلعه (Narinkale Barajı): يقع بمنطقة قاغيزمان في قارص على نهر أرس، بسعة مركبة تبلغ 33.50 ميجاوات كهربائية بمتوسط ​​001.328 كيلووات/ ساعة، وتبلُغ السعة التخزينية لبحيرته ما يُقارِب من نصف مليار متر مكعب من المياه ([v]).
• سد صفا كوي (Sefaköy Barajı): يقع بمنطقة قاغيزمان في قارص على نهر أرس ويبلُغ ارتفاعه أكثر من 55 مترا، بطاقة إنتاجية مركبة تبلغ 35 ميجاوات وقدرة إجمالية 141.35 جيجاوات/ ساعة وتبلُغ كمية المياه المحتجزة ببحيرته أكثر من ثلاثمائة مليون متر مكعب ([vi]).
• سد سراب (Serap Barajı): يقع بمنطقة قاغيزمان في قارص على نهر أرس (أراس) بسعة مركبة تبلغ 28.96 ميجاوات كهربائية بمتوسط ​​إنتاج للكهرباء يبلغ 33،550،482 كيلووات / ساعة وتبلُغ كمية المياه المحتجزة في بحيرة السد أكثر من مائتي مليون متر مكعب من المياه ([vii]).
• سد ياغمور (Yağmur Barajı): يقع منطقة آغري على نهر مراد بسعة انتاجية تبلغ 30.00 ميجاوات، وبمتوسط ​​إنتاج يبلغ 33،550،600 كيلووات/ ساعة، وتبلُغ كمية المياه المحتجزة في بحيرته أكثر من مائتي مليون متر مكعب من المياه ([viii]).
• سد يدي گوزه (Yedigöze Barajı): يقع بمنطقة إمام أوغلو في آضنة على نهر سيحون في تركيا بسعة مركبة تبلغ 310.66 ميجاوات كهربائية بمتوسط ​​790،113،175 كيلووات/ ساعة، وتبلُغ كمية المياه المحتجزة في بحيرته أكثر من مليار متر مكعب ([ix]).
• سد قارص قلعه (Karskale Barajı): سد تركي على نهر أراس في منطقة قارص التركية بسعة مركبة 17.10 ميجا وات بمتوسط ​​929.365 كيلووات / ساعة من إنتاج الكهرباء ([x]).

بالإضافة على السدود التي سبق ذكرها تُخطط الحكومة التركية إلى إنشاء عددًا آخر من السدود الحدودية الأخرى على نهر أرس (أراس) العابر للحدود مع أرمينيا وأذربيجان ومن أهمها سد آغابي وسد ناجان وسد توزلوجا ناجان.

التحديات التي تواجه إيران بسبب السدود التركية

تمثل السدود التركية على الأنهار الحدودية مع إيران – خصوصًا نهر أراس (أرس) – تحديا حقيقيًا وبما تهديدًا على الأمن القومي الإيراني والنظام الحاكم في المقام الأول كما تمثل تحديًا لا يقل خطورة بالنسبة للشعب الإيراني خصوصًا في ظل التغييرات المناخية والمتغيرات الديموغرافية التي تشهدها معظم المناطق الإيرانية.

• ‌أ- تحديات سياسية

تمثل السدود التركية فرصة كبيرة للدولة التركية والنظام الحاكم في تركيا من أجل معالجة عدد من القضايا القومية الداخلية المعلقة منذ زمن بعيد دون حلول، وأهمها أزمة دمج الأقلية الكردية داخل القومية التركية ذات الأغلبية من حيث الخريطة الديموغرافية في البلاد؛ وبالتالي تمثل هذه السدود فرصة لإنعاش الوضع الاقتصادي لهذه الأقلية، بالإضافة إلى أهداف سياسية أخرى يحاول النظام التركي من خلالها تثبيت أركان مشروعه السياسي الجديد المتمثل في العثمانية الجديدة، وهو الأمر الذي ينتقص من الدور الإيراني سواء على المستوى الداخلي أو حتى على مستوى التعاطي الفعال في القضايا والأزمات الإقليمية. أما التحديات السياسية التي تواجه إيران بسبب السدود التركية على الأنهار الحدودية بين البلدين فتتمثل في مواجهة مرتقبة بين النظام الإيراني والقوميات والأقليات خصوصًا العرب والأكراد والبختياريين والأقليات التي تقيم في الجنوب والجنوب الغربي الإيراني حيث ستمثل هذه الأزمة منفذًا للانفصاليين والمُطالبين بالاستقلال عن إيران، كما سيتحتم على النظام الإيراني مواجهة عدم الاستقرار الأمني الناتج عن هذه السدود خصوصًا على الحدود العراقية الإيرانية ومواجهة الإرهاب المُحتمل بهذه المنطقة. كما من المحتمل حدوث انتفاضات وثورات المياه بالمناطق الإيرانية المختلفة، كما أن التوتر بين إيران والعراق من جهة وإيران وتركيا من جهة أخرى يمثل أهم التحديات التي ستواجه النظام الإيراني للتعاطي مع هذه الأزمة مستقبلًا.

• تحديات اقتصادية

أما التحديات الاقتصادية الناجمة عن السدود التركية على الأنهار الحدودية مع إيران فتتمثل في نزوح عدد كبير من قوة العمل النوعي خصوصًا المتخصصين بالطب والهندسة وغيرها من العلوم الحيوية، من المناطق الغربية والجنوب غربية إلى المناطق المركزية في إيران، أو ستضطر إلى الهجرة خارج إيران. كما ستتقلص قوى العمل المتخصصة بمجال الزراعة بسبب النقص الحاد في مصادر وإيراد المياه، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تقلُص الصادرات الزراعية، خصوصًا في الأحواز التي تمثل 40% من إجمالي صادرات إيران الزراعية. كما ستؤدي السدود إلى اختلال الميزان البيئي لصناعات مثل النفط والغاز واستخراج الحديد والصلب، خصوصًا في الأحواز. وهو الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض حاد في صادرات إيران ونقص حاد في العملات الأجنبية، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع قياسي في معدلات التضخم في إيران.

• تحديات ديموغرافية

تتمثل التحديات الديموغرافية للسدود التركية على الأنهار الحدودية مع إيران في هجرة القوميات والسكان الإيرانيين المقيمين بالمناطق الحدودية المتاخمة للسدود، خصوصًا بالمناطق الغربية والمناطق الجنوبية الغربية إلى داخل المحافظات الإيرانية الأخرى؛ مما سيؤدي إلى موجة نزوح جماعية داخلية من هذه المناطق، وبالتالي حدوث اضطرابات أمنية بهذه المناطق. بالإضافة إلى ذلك ستظهر أزمة العشوائيات وقاطني العشوائيات في إيران بشكلٍ كبير خلال السنوات القادمة بسبب النزوح إلى المناطق المركزية الإيرانية وهو الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع نسب البطالة، ونقص حاد بالخدمات، والذي سيؤدي في النهاية إلى مزيد من التناحُر بين القوميات والأقليات العرقية والمذهبية والدينية في إيران، وارتفاع معدلات الجريمة والإدمان وغيرها.

• تحديات بيئية

تتمثل التحديات البيئية الناتجة عن السدود التركية على الأنهار الحدودية مع إيران في عدد من الأزمات البيئية منها ارتفاع معدلات الغبار والأتربة بالمحافظات الغربية والجنوبية غربية في إيران ومنها الأحواز ولرستان وعيلام وهو الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى ارتفاع حالة الغضب والسخط الشعبي ضد النظام الإيراني. كما ستؤدي السدود إلى ارتفاع نسبة التصحُر والجفاف في عدد كبير من المناطق الزراعية بالإضافة على تدمير الحياة البرية والغابات، ومن ثم انقراض عدد من الحيوانات التي تعيش في المناطق الجبلية، حيث ستؤدي السدود إلى تغييرات في المحيط البيئي في إيران.

تدويل الأزمة.. خيار غير مطروح

يبقى خيار تدويل الأزمة بين إيران وتركيا بشأن السدود التركية على الأنهار الحدودية بين البلدين خصوصًا على نهر أراس غير مطروحًا حيث إن البلدين ليسا عضوين بالاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة للأنهار غير الملاحية العابرة للحدود لسنة 997م، وهو الأمر الذي يزيد من صعوبة تدويل القضية، وذلك بسبب وجود أطراف إقليمية أخرى سواء عربية مثل سوريا والعراق وغير عربية مثل أرمينيا وأذربيجان تشترك في هذه الأزمة، حيث إن المشروعات التي تنفذها تركيا على الأنهار والقنوات المائية العابرة للحدود مع إيران، تنفذ الحكومة الإيرانية مثيلا لها ولا تزال، حيث أنشأت أكثر من 220 سد على الأنهار الحدودية مع العراق مما أدى إلى حالة من الفقر المائي به.

المواجهة العسكرية.. خيار مطروح مستقبلًا

تبقى المواجهة العسكرية بين إيران وتركيا بشكلٍ مباشر أو غير مباشر أحد الخيارات المطروحة من الجانب الإيراني في المستقبل وذلك في حال نفاد الحلول السلمية لهذه القضية المصيرية بين البلدين، بالإضافة إلى تفكك التحالف الإيراني التركي وفق مقتضيات المصلحة العامة لتركيا وإيران خصوصًا التي تتعلق بالعراق وسوريا وغيرها من ملفات التوافق شبه الكامل بينهما. بالإضافة إلى عدد من القضايا الأخرى مثل مسالة الاتفاق النووي الإيراني والعقوبات الغربية والدولية المفروضة على إيران، والتحالف الاقتصادي بين البلدين المعتمد على كَون تركيا وسيطًا لتصدير النفط الإيراني بالإضافة إلى استيراد تركيا للنفط الإيراني. كل هذه المؤشرات سوف تمثل الخطوط العريضة لاستخدام الخيار العسكري في المستقبل والذي من المُتوقَع أن يكون محدودًا إلى حد كبير أو عن طريق وكلاء إيران في المنطقة لاسيما المليشيات الشيعية بالعراق وسوريا وغيرها وهو الأمر الذي سيكون له عواقب وخيمة على مجريات وتطورات الأمور في إقليم الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من ذلك، أظهرت التصريحات المتكررة لأمير عبد اللهيان وزير الخارجية الإيرانية خلال العام الجاري جانبًا غير مباشرًا لتعاطي النظام الإيراني مع أزمة السدود التركية على الأنهار الحدودية بين البلدين والتي جاءت بعد تغيير سياسات النظام التركي والقائمة على حل الأزمات والقضايا العالقة مع الأطراف الإقليمية لاسيما مصر ودول الخليج العربي. وأثبتت استخدام الجانب الإيراني لورقة السدود كورقة ضغط على النظام التركي لإيقاف وتيرة إعادة وتطبيع العرقات التركية مع عدد من الدول العربية على رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، حيث أكدت إيران أنها ترفض مشروعات السدود التركية التي ستضُر بدول المنطقة وكانت هذه التصريحات من المرات النادرة التي عبرت فيه إيران عن إدانتها واستنكارها لأزمة السدود التركية وتزامنت هذه التصريحات مع تطبيع العلاقات التركية مع إسرائيل والسعودية والإمارات.

الرؤية العربية للسدود التركية على الأنهار الحدودية

تتوافق الرؤي العربية مع مواثيق الأمم المتحدة والاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة باقتسام الحصص المائية للدول المُطلَة على الأنهار الإقليمية والدولية وفق “الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة للأنهار غير الملاحية العابرة للحدود، حيث تؤكد الدول العربية وجامعة الدول العربية مرارًا وتكرارًا رفضها التام لإنشاء السدود الإيرانية والتركية على الأنهار الحدودية المشتركة مع العراق وسوريا لما لها من أثر سلبي على شعوب الدول العربية وعلى الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط.

([i]) https://www.enerjiatlasi.com/hidroelektrik/ilisu-baraji.html

([ii]) https://www.enerjiatlasi.com/hidroelektrik/karakurt-baraji.html

([iii]) https://iccgrup.com/tr/soylemez-baraji-insaati/

([iv] (https://yesiligdir.com/haber/detay/29061

([v]) https://www.enerjiatlasi.com/hidroelektrik/narinkale-hes.html

([vi]) https://www.gulsanholding.com.tr/sefakoy_hes.asp

([vii]) https://www.enerjiatlasi.com/hidroelektrik/serap-hes.html

([viii])https://agri.csb.gov.tr/murat-nehri-uzerinde-yapilmasi-planlanan-yagmur-baraji-hes…-ced-raporu-haber-1730

([ix]) https://www.enerjiatlasi.com/hidroelektrik/sanibey-baraji.html

([x]) https://www.enerjiatlasi.com/hidroelektrik/kars-kale-hes.html