حالة من القلق الشديد تنتاب المسؤولين الإسرائيليين بسبب نوايا الرئيس الأمريكى الجديد “جو بايدن” لاستئناف المفاوضات مع طهران. وتسارع القيادة السياسية والأمنية في إسرائيل للبحث عن كيفية التعامل مع توجهات الإدارة الأمريكية ونيتها للعودة للاتفاق النووى الموقع بين إيران والدول العظمى.
لكن رغم قلق تل أبيب من إجراء المفاوضات وما سيترتب عليه من رفع العقوبات عن إيران، إلا أن هناك بعض المحللين الإسرائيليين يرون أن شروط إيران ومطالبها التعجيزية ستصُبُّ في صالح إسرائيل، لأنها في نهاية المطاف ستُؤدي إلى نسف الاتفاقية.
إيران
يوسى كوهين – صورة أرشيفية
اجتماع مصيرى..
كان رئيس الحكومة الإسرائيلية “بنيامين نتنياهو” قد عقد اجتماعا مصيريا الاثنين (22 فبراير الماضى)، لبلورة خطة للتعامل مع توجه واشنطن للعودة إلى الاتفاق النووى. وشارك في الاجتماع كبار القادة السياسيين والأمنيين، وفي مقدمتهم، وزير الدفاع “بنى جانتس” ووزير الخارجية “جابى أشكنازى” ووزير المخابرات “إيلى كوهين”، ورئيس الأركان “أفيف كوخافى”، ورئيس الموساد “يوسى كوهين”، ورئيس مجلس الأمن القومى    “مئير بن شبات”، ووكيل أول وزارة الدفاع “أمير ايشيل”، إضافة إلى سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة “جلعاد أردان”.
وشاركت القيادات الإسرائيلية في ذلك الاجتماع الحساس عبر مكالمات الفيديو المشفرة، واجتمع بعضهم داخل المقر الحكومى في تل أبيب، بينما اجتمع الباقون في ديوان رئيس الوزراء. واستمر النقاش قرابة ثلاث ساعات متواصلة، وأسفر عن اتخاذ عدة قرارات تكتيكية. وهناك أقاويل بأن “نتنياهو” سيجرى قريبا اجتماعا آخر.
الرئيس الفلسطينى “محمود عباس” – أرشيفية
استحالة التأثير على واشنطن!
جدير بالذكر أن إسرائيل تعارض بشدة نية الولايات المتحدة العودة إلى الاتفاق النووى، وهي على يقين بأن ممارسة الضغوط على النظام الإيرانى وتهديد مستقبله، هو السبيل الوحيد الذى سيُجبره على التخلى عن طموحاته النووية. لكن على النقيض من ذلك، فإن الإدارة الأمريكية الجديدة ترى أن الحوار الدبلوماسى مع إيران سيؤدى إلى نتائج أفضل. وفي ظل هذا الوضع فإن الرأي السائد في إسرائيل هو استحالة التأثير على واشنطن أو منعها من توجهها الدبلوماسى حيال الملف النووى الإيرانى.
وبالتالى أصبح الإسرائيليون يشعرون باليأس، لكنهم يعلقون آمالهم على عناد إيران وتعنت مواقفها، على اعتبار أن ذلك العناد الإيرانى- إضافة إلى المتغيرات الواقعية منذ توقيع الاتفاق النووى في عام 2015- سيؤدى في نهاية المطاف إلى انهيار الاتفاق النووى. وهنا يقول مصدر إسرائيلى: “كما أن الرئيس الفلسطينى “محمود عباس” هو الذي أنقذ الدولة العبرية بفضل رفضه التنازلات الإسرائيلية “الخطيرة” في الضفة الغربية، فربما مطالب طهران التعجيزية بالحصول على تعويضات من الولايات المتحدة، هي التى ستؤدى إلى فشل التفاوض بين الطرفين، وعليه فستبقى العقوبات القاسية مفروضة على إيران”.
وتُبدي إسرائيل غضبها مما تعتبره “سياسة أمريكية مُنبطحة” تجاه إيران، إذ يرى المحلل الإسرائيلى “أريئيل كاهانا” أن إدارة “بايدن” لا تزال ترضخ لنظام الملالى في طهران، بعدما أوضح وزير الخارجية الأمريكى “أنتونى بلينكين” أن واشنطن مهتمة بتمديد وتعزيز الاتفاق النووى مع إيران. ورغم زعمه بأن الولايات المتحدة ملتزمة بعدم تمكين إيران من امتلاك أسلحة نووية، إلا أنه أكد أن سياسة الدبلوماسية هى الوسيلة الأمثل لتحقيق تلك الغاية.
لم يستشر تل أبيب ..
جو بايدن – صورة أرشيفية
غير أن أكثر ما يُقلق الإسرائيليين، هو النهج السياسى الجديد الذي يتبناه الرئيس الأمريكى “بايدن”، وهو بالطبع نهج مُختلف تمامًا عن الذى كان يتبناه سابقه “دونالد ترامب”. ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل إن إدارة “بايدن” لم تستشر القيادة الإسرائيلية في الشأن الإيرانى، وإنما نسقت مواقفها مع الشركاء الأوروبيين استعدادا لبدء التفاوض مع طهران. وهذا يفسر سبب تأخر “بايدن” في الاتصال برئيس الوزراء الإسرائيلى “نتنياهو”.
ويرى المحلل الإسرائيلى “رون بن يشاى” أن قضايا الشرق الأوسط عموما، باتت تحتل المرتبة الثالثة في قائمة أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة، التي تولى اهتماما أكبر بتحسين العلاقات الأمريكية مع أوروبا ومواجهة الخطر الصينى.
رأى الباحث
يعكس ماسبق استشعار مراكز البحث الإسرائيلية جدية الإدارة الأمريكية الجديدة في مساعيها لبدء التفاوض بشأن البرنامج النووى الإيرانى، وربما لن تأخذ في حُسبانها المخاوف الإسرائيلية أو حتى الخليجية.
وبالنظر إلى حالة القلق التي تنتاب المسؤولين الإسرائيليين والتى جعلتهم يسارعون في البحث عن خطط للرد على التداعيات الخطيرة جراء تحول السياسة الأمريكية، فقد يكون من المفيد أيضا لمصر والدول الخليجية التأهب لمواجهة تلك التداعيات، والاستعداد لما قد يُسفر عنه الحوار الأمريكى- الإيرانى، وما سيعقبه من إسقاط للعقوبات المفروضة على طهران.
ووفقا لما نرى، فإن إيران لن تعاند طويلا في ظل التحول السياسى الأمريكى الذى يتسم باللين والدبلوماسية، لكن طهران ستماطل، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية. لذا فإنها ستتبنى سياسة النفس الطويل، حتى تحقق أكبر قدر من المكاسب، سواء فيما يتعلق باستمرار النشاط النووى أو فيما يتعلق بإسقاط العقوبات وتحقيق المكاسب الاقتصادية.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version