ينظر إلى إسرائيل على أنها من الدول الرائدة في صناعة الماس وتصديره عالميًا، إذ تشكل تجارة الماس جزءًا كبيرًا من دخلها القومي، فهي تمتلك بورصة الماس ضخمة في منطقة رمات جان في تل أبيب، ولكن هذه الصناعة مثيرة للجدل، فمن المعروف أن إسرائيل لا تمتلك الماس الخام، فهي تستورده وتستخرجه بطرق ملتوية، مستغلة ثروات الدول الأفريقية، من هنا أصبح يطلق عليها “تجارة الدم”، لما يشكله من مجازر ومآسي ونهب لثروات الدول الأفريقية.
إسرائيل والماس الأفريقي
لم تتصدر إسرائيل، التي تفتقر للمقومات الطبيعية لصناعة الماس، قائمة أكبر الدول المنتجة له من فراغ، بل سلكت طرقا تقوم على الاستغلال، فاخترقت بشكل صارخ القوانين الدولية، فاستولت على الماس الأفريقي الخام، بعدما تعمل على تأجيج الصراعات في القارة السمراء, من هنا تتبنى إسرائيل سياسة الماس مقابل السلاح، وهي التي تضمن تدفق الماس الخام إليها, وكلما شهدت القارة الأفريقية المزيد من الصراعات والنزاعات كلما تدفق عليها اللماس الأفريقي.
يقول يورام دفاش، رئيس بورصة الماس الإسرائيلية، في هذا السياق، إن رحلة إسرائيل المذهلة كدولة صغيرة بلا مناجم للألماس إلى موقع الريادة في صناعة الأماس العالمية تفتح أسواقا جديدة وضخمة للماس الإسرائيلي[1]. وهكذا يعترف رئيس بورصة الماس الإسرائيلية، بأن تل أبيب لا تمتلك مناجم للماس، فهي تفتقر لمثل هذه المقومات اللازمة للوصول إلى موقع الريادة العالمية في تلك الصناعة الدقيقة. وتؤكد صحيفة معاريف العبرية في تقرير لها عدم تواجد معادن طبيعية أو الماس ليتم تعدينها في إسرائيل، ومع ذلك، تصبح إسرائيل رابع أكبر مركز تجاري للماس في العالم، وفقا لما قاله أفيئيل إيليا الرئيس التنفيذي للمعهد الإسرائيلي للماس، وفي الوقت نفسه تنفي الصحيفة أن تكون لتل أبيب علاقة بما يحدث في مناجم الألماس في أفريقيا ودعم الإرهاب وتأجيج الصراعات[2].
حجم تجارة الماس الإسرائيلية
تأسست سوق تجارة الماس في إسرائيل مع مطلع سبعينيات القرن الماضي، وتعد من المراكز التجارية الكبري للماس في العالم، وتُعتبر حجر الزاوية في الاقتصاد الإسرائيلي على مدار عقود سابقة، فهي مصدر مهم للدخل القومي، إذ إن لها أسواقا عالمية في الخارج في الولايات المتحدة والصين وهونغ كونغ وغيرها. وتشكل تجارة الماس أكثر من 8% من إجمالي الصادرات الصناعية الإسرائيلية في الوقت الحالي، بعد أن كانت هذه الارقام مضاعفة في أوقات سابقة. ويعمل أكثر من 10000 فرد في هذه الصناعة، فضلا عن 30000 في أعمال مساعدة لهذه الصناعة، ويشارك في هذه الصناعة المتدينون المتشددون بنسبة 15٪[3].
كيف تسيطر إسرائيل على الماس الخام في أفريقيا؟
بدأت السيطرة الإسرائيلية على الماس الأفريقي في مطلع التسعينيات، بعدما قدمت نفسها لدول القارة السمراء بإنها دولة ديمقراطية، متقدمة اقتصاديًا وتجاريًا، قادرة على مد يد العون لدول القارة، فضلا عن علاقة إسرائيل بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، أضف إلى ذلك وجود جماعات يهودية في بعض دول القارة التي تمتلك نحو 95% من احتياطي الماس في العالم، والتي تنتج نحو 50% من إجمالي إنتاج العالم منه، هذه الأسباب وغيرها أتاحت لها بسط سيطرتها على مناجم الماس الخام في أفريقيا.
الدول الأفريقية ومناجم الماس وإسرائيل
وطدت إسرائيل علاقاتها مع عدد من الدول الأفريقية، منها جنوب أفريقيا، التي تنعم بمناجم الماس الخام، دون وجود قدرة على تصنيعه، وهو ما تستورده إسرائيل وتصدره الماسا مصقولا للعالم. من هنا نجد إسرائيل تسيطر على مناجم الألماس في الكونغو الديمقراطية، والكاميرون، وسيراليون، وأنجولا، وليبيريا، وساحل العاج، وغينيا، وزائير، وإفريقيا الوسطى، وتنزانيا، وحتى جنوب السودان. وتعود تعزيز علاقة إسرائيل بهذه الدول في غالبيتها لرجل الأعمال الإسرائيلي ليف ليفيف، والذي يسيطر على مناجم الماس في هذه الدول[4].
تأجيج الصراعات والنزاعات في أفريقيا
تشارك المؤسسة العسكرية في إسرائيل في هذه التجارة، وهو ما يعني أن السلاح الإسرائيلي يُغرق كافة الدول التي بها صراعات، وتعمل تل أبيب على تأجيج هذه الصراعات الدموية في مقابل استمرار تجارتها، إذ تورد السلاح للأنظمة الأفريقية الفاسدة، وتقدم لها التدريبات العسكرية، ويؤجج سلاح إسرائيل الحروب الأهلية أو الإبادات الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان، كما أن الصناعة الإسرائيلية في أفريقيا تقوم على أسلوب السخرية والعبودية[5]. وقامت تل أبيب بعقد العشرات من صفقات السلاح للدول التي تعج بالصراعات والنزاعات، مثل سيراليون والكونغو وأنجولا، ومن هنا أُطلقت تسمية “الماس الدموي” على تجارة إسرائيل، وفي 2009 اُتهمت إسرائيل رسميًا بالتورط في استيراد الماس بطريقة غير شرعية من القارة الأفريقية في مقابل تأجيج الصراعات. وكانت الحرب الأهلية في أنجولا وسيراليون من أشهر الحروب والصراعات التي اشعلتها إسرائيل. ويذهب جزء كبير من أرباح تجارة الماس إلى المؤسسة العسكرية في إسرائيل، ويقول أحد تجار الماس “إنه في كل مرة تبيع فيها إسرائيل ماسًا في الخارج، فإن بعض هذه الأموال تساعد في تمويل الجيش الإسرائيلي”.
وتواصلت شركة “دي بيرس” مع عناصر في إسرائيل لطلب المساعدة في تأمين مناجم الماس التابعة لها، والتي تقع بشكل رئيسي في جنوب إفريقيا وبوتسوانا، وهي شركة رائدة في مجال استخراج وتجارة الماس في العالم. وعملت الشركة- التي لها فروع في جنوب أفريقيا- على التواصل مع شركات أمنية إسرائيلية متخصصة، بما في ذلك أنظمة الكاميرات وأنظمة التحقق من هوية الموظفين، في ظل سرقة 25٪ من الماس الخام المستخرج[6].
فضائح تجارة الماس الإسرائيلية الدموية
لاشك أن هذه التجارة غير الشرعية التي تقوم بها إسرائيل مليئة بجرائم النصب والاحتيال والقتل وغيرها الكثير. فقد فتحت الشرطة الإسرائيلية تحقيقات حول عملية احتيال كبيرة في أكبر سوق للماس في العالم في 2016، وهو ما أدى إلى إفلاس الكثير من تجار الماس المعروفين عالميًا، وبلغت قيمة الماس والأموال المتصلة بجريمة الاحتيال في السوق العالمية للماس في منطقة رامات جان بتل أبيب إلي 65 مليون دولار في عام 2020م، وارتبطت هذه القضية بأحد تجار الماس المعروفين في إسرائيل والعالم، وهو حنان أبراموفيتش، الذي قام بدور الوسيط، ثم فشل في توصيل المال والماس المتفق عليهما لتجار آخرين مما سبب لهم خسائر فادحة.
تم إثبات تهمة احتيال لجمع أموال تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات، بينما يزعم أبراموفيتش من جانبه أن التهمة تعود لمشكلات تجارية ولاعلاقة لها بالجريمة، وقال المدير الإداري لسوق الماس الإسرائيلية إيلي أفيدار في ذلك الوقت: “لقد شهد قطاع الماس الإسرائيلي أوقاتا صعبة في السنين الأخيرة، وهو ما يدعو للأسف، أننا صرنا نتعرض لحوادث مؤسفة، حيث يتم استغلال آخرون هذا الوضع، كما أن إدارة السوق تلقت شكاوى من شركات أخرى لم تتسلم حصتها من المال والماس المتفق عليهما من قبل أبراموفيتش على مدار عدة أشهر[7].
كان الملياردير الإسرائيلي دان جيرتلر من الشخصيات المثيرة للجدل، وهو واحد من بين 13 شخص فرضت عليهم الولايات المتحدة عقوبات بموجب قانون يسمى قانون “ماجنيتسكي” في العام 2018، نتيجة انتهاك حقوق الإنسان. جمع جيرتلر مليارات الدولارات من صفقات مشبوهة في جمهورية الكونغو الديمقراطية من صناعة الماس، واُتهم بانتهاك حقوق الإنسان وقضايا فساد، وهو الذي شق طريقه غير الشرعي هناك من خلال علاقته الوطيدة مع رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث عمل وسيطًا لمبيعات أصول التعدين في الكونغو التي تحصل إسرائيل على معظم حصتها من الماس الخام[8].
وفي عام 2016، اعتقلت السلطات الإسرائيلية، بيني شتاينميتس، رائد صناعة الماس الإسرائيلي، حين كشف تحقيق سري أن أحد الأغنياء في العالم متورط بتبييض الأموال ورشوة مسؤولين حكوميين في أفريقيا، مقابل تمرير مصالحه التجارية في البلاد، ورغم اعتقاله إلا أنه اُطلق سراحه في عام 2018م[9].
المصادر:
(1) https://web.archive.org/web/20210123184339/https://www.themarker.com/news/macro/.premium-1.6810234
(2) https://www.maariv.co.il/business/economic/israel/Article-1009681
(3) https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-3769070,00.html
(4) https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-3078445,00.html
(6) https://www.maariv.co.il/news/israel/Article-537766
(8) https://www.france24.com/en/live-news/20221223-israel-drops-charges-against-magnate-beny-steinmetz
(9) مرجع سابق_ المرجع رقم 1