الجزء الثالث: “آليات بناء النفوذ الجيوشيعي” ..
إذا افترضنا أن إيران، يقطن بها حوالي 40% من شيعة العالم، فعلينا أن ندرك أيضا أن عملية التمدد الجيوشيعي جعلت إيران محورا لثلاث دوائر اهتمام، تضم كل دائرة منها ثلاث مناطق استراتيجية، لكل دائرة من هذه الدوائر آلية خاصة بها لبناء نفوذها.
دوائر الاهتمام
دائرة شيعة المحيط الجغرافي، والتي تتوزع على ثلاث مناطق استراتيجية:
1. المنطقة المحيطة بحدود إيران الغربية، وتمتد من أقصى شمال غرب هذه الحدود، نزولا باتجاه حدودها الجنوبية الموازية لمياه الخليج العربي، وتضم كل من: تركيا والعراق والكويت والبحرين وقطر والسعودية وعمان والإمارات وعمان.
2. المنطقة المحيطة بحدودها الشمالية، وتضم: أرمينيا وأذربيجان وتركمانستان.
3. المنطقة المحيطة بحدودها الشرقية وتضم كل من أفغانستان وباكستان.
دائرة شيعة الجوار الجغرافي، وتتوزع أيضا على ثلاث مناطق استراتيجية:
1. المنطقة الواقعة شرق البحر المتوسط، وتضم: سوريا لبنان ولأردن وفلسطين.
2. منطقة آسيا الوسطى وروسيا والهند، وتضم طاجيكستان وأوزبكستان وروسيا في الشمال، والهند وبنجلاديش.
3. المنطقة المطلة على مياه المحيط الهندي وبحر العرب، وتضم كل من اليمن، وإريتريا، والصومال وكينيا، وتنزانيا، وأوغندا، فضلا عن أثيوبيا والسودان وجزر القمر.
دائرة البؤر الشيعية حديثة النشأة، التي لا تزال في طور النشأة والتكوين المستمر؛ توطئة لقيام الحكومة العالمية الشيعية. وتتضمن هذه الدائرة أربع مناطق:
1. منطقة شمال أفريقيا، وتضم دول: مصر وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.
2. منطقة غرب ووسط وجنوب أفريقيا، وتضم تحديدا: نيجيريا، وغانا، والسنغال، وسيراليون، وزيمبابوي وجنوب أفريقيا.
3. منطقة جنوب شرق آسيا وتضم: إندونيسيا وماليزيا والمالديف، إلى جانب الصين وتايلاند، وسيرلانكا، والفلبين وبورما.
4. تشمل دولا أوربية، مثل: ألبانيا وإسبانيا واليونان، وإيطاليا، وبلغاريا، وبريطانيا، وفرنسا، وبعض دول أمريكا الجنوبية.
إيران
الرئيس الإيرانى ورئيس وزراء أرمينيا – أرشيفية
الفئات المستهدفة
استهدفت عملية التمدد الجيوشيعي أربع فئات من الشيعة، وحددت لكل فئة منها آلية عمل مناسبة لها، هي:
‌أ. شيعة فعل سياسي، وهم الذين يمكنهم أن يُسهموا تلقائيا في أي في حراك سياسي يتوافق مع الأهداف السياسية الإيرانية بصورة مباشرة، مثل: حزب الله اللبناني والمجلس الإسلامي الأعلى في العراق، وجماعة أنصار الله في اليمن.
‌ب. شيعية تمويل، وهم الذين يتكفلون بدعم الفعاليات والأنشطة الدعوية في الدول الأخرى، سواء بالهبات والتبرعات، أو بدفع أنصبة الخُمس، مثل: شيعة الكويت والإمارات وكندا وبريطانيا وألمانيا.
‌ج. شيعية مُعبأة طائفيا، وهم الذين يمكنهم أن يُصبحوا وقودا لصالح المواقف الإيرانية في حال وقوع نزاع معها، مثل: شيعة باكستان وأفغانستان والبحرين والمملكة العربية السعودية.
‌د. شيعية مهجر، وهم أبناء الجاليات الإيرانية أو الجاليات الشيعية الأخرى، الذين تعيشون بأمريكا وكندا ودول الاتحاد الأوربي.
‌ه. شيعة مستبصره، وهم الذين نجحت الجهود الإيرانية في تحويلهم حديثا إلى المذهب الشيعي، وتمتلك في أوساطهم نفوذاً معنويا كبيراً، يمكن تفعيله في مرحلة مستقبلية. ومن أمثلتهم: الجماعات الشيعية التي تكونت ببعض دول شمال وغرب ووسط أفريقيا والقرن الأفريقي ودول آسيا ودول آسيا الوسطى والصغرى والقوقاز.
آليات التمدد
وتتمحور استراتيجية التمدد الجيوشعي في الآليات التالية:
1. تنشيط ودعم الجماعات الأصولية:
تحرص إيران على تفعيل دور الجماعات السياسية المتأسلمة بمنطقة الشرق الأوسط، وتقديم أوجه الدعم اللازم لها؛ بغرض إعادة صياغة البيئة الإقليمية بطريقة تتجانس مع تصوراتها الاستراتيجية ومصالحها في المنطقة.
ومن ثم، دأبت إيران على بلورة البعد الثوري لهذه الجماعات، بوصفه بعدا جديداً للصحوة الإسلامية، التي يمكنها أن تستلهم النموذج الثوري الإيراني، وتصوغ منه أهدافا متجانسة أو مشتركة بينها وبين هذه الثورة. ولعل تجانس الأهداف هو الذي عمق شعور إيران بتأثيرها المطلق على هذه الجماعات، خاصة أن شعورها هذا قد اقترن بشعور متبادل من هذه الجماعات تلخص في احتياجها للمساعدة على زيادة قدرتها على العمل. وهو الأمر الذ شجع الأجهزة والمؤسسات الإيرانية على توظيف دور هذه الجماعات في مواجهة الأنظمة والحكومات التي لا تقبل مواقفها السياسية.
البريق الأيديولوجي
وفي هذا السياق، بدأت إيران أولى خطواتها برسم صورة أيديولوجية برّاقة لثورتها، عبر خطاب حماسي يداعب مشاعر العامة من المسلمين، مفاده:
– أن جذور الثورة الإسلامية ممتدة إلى العهد النبوي الأول الذي لا تحدُّه حدود أو تكبله قيود نحو الانطلاق للعالمية.
– أن الثورة الإسلامية هي “استمرار لنهضة الأنبياء” التي لم تقتصر على حيز جغرافي دون آخر؛ فالرسول مثلا كان من أبناء الحجاز، ولكن دعوته لم تقتصر على على الجزيرة العربية وحدها بل تعدتها إلى العالم أجمع.
– أن الثورة الإسلامية هي الومضة الإلهية التي أحدثت انفجارا عظيما في أوساط الشعوب الواقعة تحت نير الظلم والاستبداد، وتبشر ببزوغ فجر ثورة حضرة بقية الله الأعظم، المهدي المنتظر.
مرشد تنظيم الإخوان – أرشيفية
‌أ. موقف تنظيم الإخوان
لقي البريق الأيديولوجي للثورة الإيرانية قبولاً واسعاً لدى الإخوان المسلمين، والجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر، وحركة النهضة التونسية؛ ولما لا والخطاب الإيراني كان يركز على أن الإسلام هو الوحيد القادر على حل مشكلات الأمة. إذ عبرت مجلة الدعوة الناطقة باسم جماعة الإخوان المسلمين عن موقف التنظيم الدولي للجماعة من الثورة، عبر حوار أجرته مع أبي الأعلى المودودي، الذي قال فيه إن: ثورة الخميني ثورة إسلامية والقائمون عليها هم جماعة إسلامية. وعلى جميع المسلمين عامة والحركات الإسلامية خاصة أن تؤيدها كل التأييد وتتعاون معها في كل المجالات.
كما وصف التنظيم الدولي للإخوان المسلمين آية الله الخميني بـ إمام مسلم وفخر للإسلام والمسلمين. كما رأى أن الثورة الإيرانية بأنها ثورة أبهرت العالم وزلزلت أعداء الإسلام في الشرق والغرب وفرِحَت لها قلوب المؤمنين، وأنها فرع من الحركة الإسلامية العالمية، وأنها ثورة لا تفرق بين مسلم سني وآخر شيعي، وأن الخلافات القائمة بين السنة والشيعة، هي خلافات موجودة أيضا بين أهل السنة أنفسهم، وهو الأمر الذي يجب ألا تكون منطلقا لتفريق الأمة.
كما تبنّى التنظيم المذكور موقفا متشددا وحادا من الشاه المخلوع؛ وطالب الحكومة المصرية بتسليمه إلى شعبه ليطبقوا شرع الله عليه. كما أصدر بيانا حث فيه الجماعات الإسلامية بجميع أنحاء العالم لمؤازرة النظام الإسلامي الوحيد في العالم في صراعه ضد الولايات المتحدة الأمريكية. إضافة إلى أنه ساند إيران أثناء حربها ضد العراق 1980ـ1988م، لدرجة أن جماعة الإخوان المسلمين اصدرت بيانات متتالية لتحرض الجيش العراقي على التمرد؛ بأن: “اقتلوا جلاديكم فقد حانت الفرصة التي ما بعدها فرصة، ألقوا أسلحتكم وانضموا إلى معسكر الثور الإسلامية”.
وفي المقابل، قامت السلطات الإيرانية بترجمة ونشر مؤلفات رموز الإخوان المسلمين مثل في ظلال القرآن ومعالم في الطريق لسيد قطب. فضلا عن إصدار كتب تؤصل للعلاقة التاريخية بين الإخوان المسلمين وإيران، ولا سيما التي ألقت الضوء على زيارة نواب صفوي زعيم جماعة “فدائيان إسلام” للقاهرة وكيف أنه تأثر بالفكر الحركي لهذه الجماعة. كما أطلقت أسماء سيد قطب وخالد الاسلامبولي والشيخ كشك على شوارع كبيرة في طهران. وحاولت إعطاء ثقل سياسي لبعض القيادات الإسلامية بمصر، عندما اشترطت وساطة هذه القيادات للإفراج عن الأسرى المصريين الموجدين لديها، عقب انتهاء الحرب مع العراق عام 1989م.
‌ب. موقف جماعات الجهاد
انطلى بريق الثورة الإيرانية على جماعات الجهاد الإسلامي المتطرفة، التي كانت تنتهج العنف والإرهاب، فكثفت تحركاتها، ومن ثم قام بعض عناصر باغتيال الرئيس السادات في أكتوبر عام 1981م، في إطار محاولة قيامها بثورة على غرار الثورة الإيرانية. وقد أدى ذلك بطبعة الحال إلى أن تقوم السلطات المصرية بدحر هذه الجماعة، وتوجيه اتهامات رسمية متتابعة لإيران بالانخراط في مساندة أعمال العنف والإرهاب التي تقوم بها الجماعات الأصولية المتطرفة في مصر، كما قامت بطرد القائم بالأعمال الإيراني من القاهرة وسحب نظيره المصري من طهران خاصة عقب اتهام وزير الداخلية لإيران بتمويل وتدريب عناصر أصولية متطرفة.
ومن ثم، أخذت تكشف تباعا عن ضبط تنظيمات سرية على اتصال تنظيمي بإيران، منها: تنظيم حزب الله بمحافظ الإسكندرية، وتنظيم طلائع الفتح بمحافظة الشرقية بزعامة فتحي الشقاقي الذي بلغ تأثره بالثورة الإيرانية أن أصدر كتابا بعنوان “الخميني الحل البديل” وكان هذا التنظيم مُكلفا بإعادة إحياء تنظيم الجهاد (رقم401/87 أمن دولة عليا).
إضافة إلى ضبط تنظيمات إرهابية شيعية تدعمها السلطات الإيرانية، هي: تنظيم رقم (341/88 أمن دولة عليا) الذي كان مكلفا بالترويج للمذهب الشيعي وإنشاء الحسينيات وإنشاء مجلس شيعي أعلى، وإغراق البلاد بالمطبوعات وأشرطة الكاسيت التي تستهدف ترويج الفكر الشيعي، وتنظيم (رقم 496/89 أمن دولة عليا) وتنظيم (رقم 861/96 أمن دولة عليا) كما أغلقت السلطات المصرية داري نشر شيعيتان: البداية والبلاغة المكلفتين بنشر كتب المذهب الشيعي في مصر.
‌ج. موقف جبهة الإنقاذ الجزائرية
ولم يختلف الأمر كثيراً بالجزائر عن مصر، إذ حظي زعيم جبهة الإنقاذ الإسلامية عباّس مدني بدعم إيراني غير محدود، وخصصّته طهران باستقبال رسمي حار من رئيسها حينئذ علي خامنئي عام 1989م، وشجعّه طهران على تكرار سيناريو الثورة الإيرانية بالجزائر، إذ وعدته، بحسب تقرير لصحيفة الديلي تلغراف البريطانية، بمنح جبهة الإنقاذ خمسة ملايين دولار إذا تمكنت من الوصول إلى السلطة، خاصة بعد أن حققت فوزاً في الانتخابات البلدية.
وقد قابلت السلطات الجزائرية هذا الأمر باعتقال مدني عام 1991م، واستدعاء سفيرها لدى طهران؛ احتجاجا على التدخّل الإيراني في شئونها الداخلية، كما أطاح انقلاب عسكري في يناير 1992م، بنتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في 26 ديسمبر 1991م، الذي حققت فيه جبهة الإنقاذ فوزاً كبيراً، الأمر الذي أدى إلى اغتيال الرئيس محمد بو ضياف بعد بضعة أشهر على يد أحد أفراد الحرس الرئاسي من ذوي الميول الإسلامية. ومن جانبها، أدانت طهران إلغاء السلطات الجزائرية نتائج الانتخابات المذكورة واصفة هذا الإجراء بأنه إجهاض لانتصار الإسلاميين.
وقد كشفت السلطات الجزائرية عن قيام مسئولين إيرانيين بإرسال أصوليين جزائريين إلى لبنان لتلقي تدريبات عسكرية بمعسكرات حزب الله، كما وجهت اتهاما رسميا لإيران بالتدخل في شئونها ودعمها لجماعات تمارس العنف السياسي، بتدوير مساعدات مالية ضخمة للحركات الإسلامية المتطرفة في الجزائر وتونس والسودان.
كما شنت الصحافة الجزائرية حملة إعلامية مكثفة ضد ما أسمته بمؤامرة النخبة الثيوقراطية في طهران، متهمة إياها بالعمل على زعزعة استقرار الجزائر وبمحاولة الاستيلاء، بواسطة عناصر موالية لطهران، على السلطة في البلاد، وأنها تنتهج نفس الأسلوب في بقية دول المغرب العربي؛ ومن ثم بادرت بطرد سبعة دبلوماسيين إيرانيين، من بينهم الملحقان العسكري والثقافي بالسفارة الإيرانية، وسحبت سفيرها من طهران؛ بعد قيام إيرانيين بمحاصرة السفارة الجزائرية ومنزل السفير الجزائري، ثم قطعت العلاقات كلية معها في مارس 1993م.
راشد الغنوشى – أرشيفية
‌د. موقف حركة النهضة التونسية
احتفت حركة الاتجاه الإسلامي، النهضة حاليا بزعامة راشد الغنوشي، بالثورة الإيرانية؛ بوصفها نموذجا ملهما لها في إمكانية استخدام العنف في مواجهة النظام التونسي وإسقاطه؛ الأمر الذي دفع السلطات التونسية إلى اتهام إيران خلال النصف الأول من الثمانينات بدعم منظمات “خمينية” في البلاد. كما كشفت في مرحلة تالية عن أدلة أشارت إلى تعاون واتصالات مستمرة بين حركة النهضة والجماعات الأصولية الأخرى وبين إيران، مما شكل أحد دوافع حظر نشاط الحركة عام 1987م، وقطع العلاقات مع إيران.
ومع أن العلاقات قد اُستؤنفت بينهما بعد حوالي عام تقريباً، إلا أن بعض المصادر التونسية أشارت إلى أن إيران أجرت اتصالات برجال أعمال شيعة بالخليج لتنفيذ استثمارات في دول المغرب العربي لدعم الحركات الأصولية به بدول إسلامية الأخرى بأفريقيا.
‌ه. موقف جبهة الإنقاذ السودانية
أما السودان، فقد كان الأمر مختلف تماما بعد سيطرة جبهة الإنقاذ الوطني الإخوانية على الحكم، بزعامة عمر البشير، عام 1989م، إذ تحولت العلاقة بين طهران والخرطوم غلى مستوى التحالف الاستراتيجي؛ فقد كان السودان يمثل لإيران مدخلا بديلا للنفوذ الإيراني داخل الدائرة العربية والأفريقية، بينما كانت الحكومة السودانية ترى في تحالفها مع إيران، فرصة للخروج من عزلته الدولية، في وقت كان يشهد حصاراً سياسيا واقتصادياً، بعد إدراجه ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وقد عزز التحالف بين طهران والخرطوم المخاوف لدى مصر ودول المغرب العربي من تزايد النزعة الإيرانية المعلنة لدعم ومساندة الجماعات الأصولية في هذه الدول عبر السودان؛ الأمر الذي ألقى بظلال سلبية على علاقات السودان العربية، خاصة مع مصر وتونس والجزائر، إذ شهدت تدهورا غير مسبوق، حتى بلغت حد القطيعة مع تونس بعدما اتهمت الخرطوم بتقديم الدعم لحركة النهضة المحظورة.
2. دعم ومساندة حركات التحرر:
آلية مهمة في استراتيجية بناء النفوذ الإيراني، وهذا ما عكسته المواقف والتصريحات الصادرة عن طهران، منها تصرح هاشمي رفسنجاني، بعد مرور حوالي عامين من قيام الثورة، قال فيه: “إننا لن نتراجع عن الوقوف إلى جانب حركات التحرر والشعوب المستضعفة”. وسوف نكتفي هنا بإلقاء الضوء على مثالين لدعم ومساندة إيران لحركات التحرر، هما فلسطين وأفغانستان.
القضية الفلسطينية
تعاملت إيران مع القضية الفلسطينية بوصفها إحدى أهم قضايا العرب والمسلمين بالمعنى الاستراتيجي، التي يمكن أن تمثل مدخلا مهما للقيام بدور إقليمي مؤثر، يمكن استخدامه ورقة ضغط إقليميا ودولية لصالحها. وقد استندت السياسية الإيرانية في التعامل مع هذه القضية إلى ثلاث أُطر، حاولت من خلالها إعادة صياغة معادلة الصراع العربي الإسرائيلي في المنطقة وفق معطياتها الخاصة وتصوراتها الاستراتيجية التي تهدف إلى تصدير الثورة الإيرانية للجماهير العربية.
إسماعيل هنية وعلى خامنئي – أرشيفية
‌أ. تفكيك القضية الفلسطينية
أي تفكيكها من ومكوناتها الوطنية وأبعادها العربية، وحصرها في البعد الإسلامي وفق تصوراتها الخاصة فقط، بما يعزز قدرتها على الربط بين تصدير ثورتها الإسلامية وبين هذه القضية. ومن ثم، روج خطاب إيران السياسي لقيم الاستضعاف والاستشهاد وتحرير بيت المقدس. كما رفعت طهران شعاراتها المعادية لإسرائيل، وأقامت احتفالا سنويا بيوم القدس العالمي؛ لحشد العناصر الأصولية والرافضة للسلام حول التصورات الإيرانية.
وفي هذا السياق، عبر وزير الخارجية الأسبق على أكبر ولايتي، عن هذا بقوله: “إننا الدولة الوحيدة من خارج دول الطوق التي تقف على خط المواجهة مع النظام الصهيوني. وقد بادرنا بذلك لأننا نؤمن أن الحل الجذري للقضية الفلسطينية وكل أزمات الشرق الأوسط يكمن في أسلمة القضية … إن النضال ضد الاستكبار العالمي والصهيونية … لن ينحصر بعد ذلك في أبعاده السياسية والاقتصادية والعسكرية التقليدية؛ لأن هناك بعد آخر هو البعد الثقافي لهذا النضال، الذي لا يقل تأثيره عن هذه الأبعاد. ومن هنا فإن جمهورية إيران الإسلامية سوف تستخدم جميع إمكاناتها في هذا النضال.
وقد اعتمدت التصريحات الإيرانية على تكريس القواسم المشتركة بين الثورة وبين القضية الفلسطينية، وتأكيد موقفها القائم على إن حلّ هذه القضية يكمن بإزالة إسرائيل من المنطقة. ومن بين هذه التصريحات، تصريح رفسنجاني الذي قال فيه: “نحن لا ننظر إلى القضية من منظور أننا إيرانيون وهم فلسطينيون وإنما نضع مظلة الإسلام في اعتبارنا. إننا كنا مستضعفين وهم مستضعفون. وكما كنا نعاني من الاستعمار فهم يعانون منه أيضا… إننا ننظر إلى إسرائيل على أنها مصدر للمؤامرات الاستعمارية ضد شعوب المنطقة؛ لأنها منفذ الإمبريالية في المنطقة … وإننا نقولها كلمة واحدة: يجب أن ترحل إسرائيل عن هذه المنطقة.
‌ب. رفض جميع اتفاقيات السلام العربية مع إسرائيل
بدءا من معاهدة السلام المصرية، وصولا إلى المبادرة العربية، مرورا باتفاق أوسلو. ومن المعروف أن آية الله الخميني كان قد صب لعناته على الرئيس السادات عندما وقع معاهدة السلام (1979م) بقوله: “لعنة الله وعباده الصالحين على تلك اليد التي وقعت معاهدة المساومة مع إسرائيل”. كما هاجم بعنف مبادرة الملك فهد ابن عبد العزيز (1981م) كذلك أعلنت إيران رفضها التام لاتفاق غزة أريحا، ومعاهدة “وادي عربة” الأردنية (1994م) ومبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز (2002م) إضافة إلى معارضتها لجميع مؤتمرات السلام الدولية المتعلقة بالتسوية السلمية، مثل مؤتمر شرم الشيخ (1996م).
‌ج. تقديم الدعم والمساندة لفصائل فلسطينية محددة
وذلك وفق رؤيتها الخاصة وتصوراتها الاستراتيجية. وتأتي على رأس هذه الفصائل: منظمتا الجهاد الإسلامي وحركة المقاومة الإسلامية حماس، التي اعترف قادتهما بالتأثير الكبير الذي تركه الفكر الثوري الإيراني عليهما، وهو “الفكر الذي شكَّل من القضية الفلسطينية قضية المستضعفين الأولى، في الأساس والمنطلق”. ولم ينكروا أيضا الإعجاب بالنموذج الثوري الإيراني. ومن ثم هرول قادة كل من حماس والجهاد الإسلامي نحو إيران، ولم يُخفوا يوما تلقيمه الدعم المادي والمعنوي منها.
القضية الأفغانية
أما بالنسبة لأفغانستان، فإنها تشترك مع إيران بحدود جغرافية تصل لأكثر من 940 كم وتمثل حجر الزاوية في استراتيجية إيران للتمدد شرقا نحو باكستان والهند والصين، وشمالا نحو جمهوريات آسيا الوسطى، ولا سيما طاجيكستان. ومن ثم لعبت دورا بارزاً في دعم ومساندة فصائل الجهاد الأفغاني، منذ اجتياح القوات السوفييتية لكابل، عام 1979م، وحتى بعد انسحابها في فبراير عام 1989م، إذ نجحت في وضع الفصائل الشيعة الموالية لها على خارطة مقاومة الغزو الأجنبي لأول مرة في تاريخ أفغانستان؛ خاصة فصائل نصر ورعد وجيل الحضرة وحزب الله وقدمت لها مساعدات عسكرية ومالية سخية.
وعلى الرغم من ذلك، فقد أدى استبعاد إيران من ترتيبات الحكم في أفغانستان، عقب انسحاب السوفييت، إلى إثارة قلق طهران، مما جعلها تعارض قيام حكومة المجاهدين الانتقالية برئاسة صبغة الله مجددي، التي تشكلت في 24 فبراير 1989م، كما دفعها أيضا إلى التقارب مع نظام الرئيس نجيب الله في كابول، الذي أسقطه المجاهدون، ثم تورطوا بعد ذلك في الصراع على السلطة. الأمر الذي انتهزته إيران لتعزز قدرة ومكانة الفصائل الشيعية بالمجتمع الأفغاني.
حتى عندما أفضى صراع المجاهدين على السلطة إلى ظهور حركة طالبان عام 1994م، لم ترى إيران غضاضة في القوات الأمريكية للقضاء على طالبان؛ وحصد عدد من المكاسب أهمها: اشتراكها في رسم مستقبل أفغانستان، فشاركت في “مؤتمر بون” للمصالحة بين الفصائل الأفغانية، في نوفمبر 2001م، كما تمكنت قبائل الهزاره بفضل الدعم الإيراني، من إحكام سيطرتها على مدينة هراه، الواقعة على الحدود المشتركة بين البلدين، كما سيطرت على الأحياء الشيعية في العاصمة كابل أيضا. وكان من شأن ذلك تسهيل مهمة تجنيد الشباب الأفغاني في الصراع الذي خاضته إيران في سوريا بعد ذلك.
3. تصدير أعمال العنف والإرهاب:
نهضت بهذه الالية أجهزة الأمن الإيرانية المختلفة وحققت من ورائها عدد من الأهداف، أهمها:
‌أ. تصفية عناصر المعارضة الإيرانية بالخارج
على سبيل المثال: علي أكبر طباطبائی الملحق الصحفي السابق بالسفارة الإيرانية بواشنطن (يونيو 1980م) وشهريار شفيق ابن الأميرة أشرف بهلوي (ديسمبر ۱۹۸۱م) والفريق غلامعلی اويسی (عام 1984م) ورئيس الوزراء الأسبق شابور بختيار (اغسطس 1991م) فضلا عن تصفية بعض رموز المعارضة الكردية بأحد مطاعم مدينة میکونوس (سبتمبر1992م) مثل: صادق شرفکندی أمين عام الحزب الديمقراطي الكردي، همايون اردلان مدير مكتب الحزب بألمانيا، وفتّاح عبدلی ممثل الحزب بأوريا، ونوری دهکردی الناشط في مجال رعاية اللاجئين الإيرانيين بألمانيا.
‌ب. الانتقام من الدول المعادية للنظام الإيراني
عبر تنفيذ مجموعة من العمليات الإرهابية، مثل تفجير عناصر حزب الدعوة الشيعي السفارة العراقية ببيروت (15/12/1981م) الذي أودى بحياة 61 شخصاً، بينهم السفير العراقي وجرح 110 آخرين، وتفجير عناصر حزب الله مبنى السفارة الأمريكية في بيروت (18/4/1983م) الذي أودى بحياة 63 شخصا، ومقر قوات المارينز الأمريكية ببيروت أيضا، وأودى بحياة 241 جنديا، وتفجير مقر قوات النخبة الفرنسية الذي أودى أيضا بحياة 58 جنديا، و6 مدنيين واثنين من المهاجمين، إضافة إلى 75 جريحا (23/10/1983م) وتفجير مبنى السفارة الإسرائيلية والمركز الثقافي اليهودي في بيونس آيرس بالأرجنتين الذي أوى بحياة مئة يهودي (17/3/1992م).
تميم بن حمد وحسن روحانى – أرشيفية
‌ج. تهديد استقرار دول الخليج العربي
من خلال تأسيس ودعم تنظيمات شيعية تنتهج العنف والتخريب والعمل على قلب أنظمة الحكم في هذه الدول، مثل: الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين، وحركة أحرار البحرين، والتي حاولت إسقاط حكم آل خليفة بدولة البحرين (31 ديسمبر 1980م) وحزب الله الكويتي الذي خرجت من تحت مظلته تنظيمات إرهابية أخرى مثل: صوت الشعب الكويتي الحر، وحزب الدعوة، وقوات المنظمة الثورية في الكويت، وطلائع تغيير النظام للجمهورية الكويتية والتي ارتكبت جميعها أعمال إرهاب وتخريب بجميع أنحاء الكويت.
ومن بين هذه الأعمال الإرهابية، محاولة تفجير موكب الشيخ جابر الصباح أمير الدولة (25/5/1985م) فضلاً عن تفجير وخطف الطائرات، التي أضرت بالمجتمع الكويتي. كما طال الإرهاب الإيراني السعودية، خاصة أثناء موسم الحج 1986م، وموسم العام التالي عندما دفعت الحجاج الإيرانيين إلى ممارسة أعمال عنف شعائر الحج.
كما حرضت إيران الجماعات والتنظيمات الشيعية العراقية للقيام بانتقاضه في جنوب العراق عام 1991م، حيث الأغلبية الشيعية، وهو الأمر الذي وقف دليلا قاطعاً على إصرار طهران على تحريض شيعية العراق والدول الخليجية لصالح تنفيذ مخططاتها، الرامية للهيمنة على هذه المنطقة. وبالتالي لم تمض أشهر قليلة على تحرير الكويت عام 1992م، حتى واجهت غيران اتهامات رسمية برعاية الإرهاب من كل من: مصر والجزائر والأردن وتونس ولبنان والصومال تركيا وأفغانستان والبوسنة والأرجنتين.
4. بناء درع طائفي حول إيران:
حرصت طهران، منذ قيام الثورة على تكوين هذا الدرع الطائفي، بقدر حرصها على أن يتوحد أبناء الطائفة الشيعية بالمنطقة مع أهدافها، ويتظاهروا في نفس الوقت باهتمامهم بقضايا أوطانهم خاصة إذا كانت ترتبط بقضية بتحرير أرض أو دفع عدوان، كي يثبتوا أمام أبناء وطنهم أن الشيعة يعملون على تحقيق الأهداف العليا للدولة التي يعيشون؛ بوصفهم جزءاً أصيلا منها، ويدرؤون عن أنفسهم أي تهمة قد تُوجه إليهم بالولاء لنظام ولاية الفقيه. عندئذ يمثلون رصيدا سياسيا للنظام الإيراني بوصفه النظام الوحيد المقاوم للاستكبار والداعم للمستضعفين، ومن ثم يتحول هؤلاء الشيعة تلقائيا إلى وسيلة فعالة في الترويج للمواقف الإيرانية.
وفي هذا السياق، أسست إيران عددا كبيرا من الفصائل والمليشيات والأحزاب الشيعية المسلحة، بالمنطقة العربية المحيطة بحدودها الغربية (سنتناولها تفصيلا بالجزء التالي من هذه السلسلة) تجسيدا لجوهر الغايات المذهبية الرامية لتكوين حكومة الإسلام (الشيعي) العالمية تمهيدا لعودة المهدي المنتظر في العقيدة الاثنا عشرية. كذلك الأمر بالنسبة لحدودها الشرقية مع أفغانستان وباكستان.
في أفغانستان
تمثل أفغانستان، في الاستراتيجية الإيرانية منطقة رخوة ومنطلقا لأنشطة تمثل لها تهديد أمني واجتماعي مثل: تهريب المخدرات، وتدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الأفغان إليها. وعلى الرغم من هذا، عملت إيران على تعزيز نفوذها السياسي والمذهبي، والارتقاء بمكانة أبناء الأقلية الشيعية بالمجتمع الأفغاني، ومن ثم تمكنت هذه الأقلية، بفضل الدعم الإيراني، من الحصول على أول اعتراف رسمي بها، بموجب الدستور الأفغاني الجديد، والتمتع بالحرية الدينية وممارسة شعائرهم علنا؛ فضلا عن تمتعهم بمقاعد برلمانية ومناصب عدة في الحكم. والتزام السلطة القضائية بـتطبيق أحكام المذهب الشيعي في القضايا الخاصة بالأحوال الشخصية بهم.
وبناء عليه، أصبح الطريق مفتوحا أمام الشيعة الأفغان لتحقيق مزيد من المكاسب الاجتماعية والسياسية، خاصة بعد أن أصبحت أحزابهم تتمتع بالصفة الرسمية، رغم ضعفها مقارنة بالأحزاب السنية، مثل وحزب الوحدة، وحركة نصر، وحركة الشورى والاتفاق، وحرس الجهاد، والحركة الإسلامية، وحزب الله. فتولى عدد من رموزهم مناصب رفيعة بالدولة، مثل كريم خلیلی نائب الرئيس حميد كرزاي، ومحمد محقق وزير التخطيط بحكومة كرزاي، ثم شغل منصب المساعد الثاني لرئيس الجمهورية للشئون التنفيذية.
في باكستان
تضم باكستان ثاني أكبر وجود شيعي بعد إيران؛ بنسبة تقدر بـ 20٪. من إجمالي عدد السكان. ويتوزع شيعة باكستان بصفة أساسية على مدن وقرى إقليم البنجاب، والمناطق الداخلية لإقليم السند، والأقاليم الشمالية المتاخمة للصين. ويتمتعون بنفوذ خاص واعتلاء المناصب العليا، منذ تأسيس الدولة عام 1947م، مثل محمد علي جناح مؤسس الدولة، واسكندر ميرزا صدر أول وزير دفاع، ولياقت علي خان أول رئيس وزراء، ثم یحیی خان، رئيس الجمهور (1968ـ۱۹۷۱م) وذو الفقار علي بوتو الذي تولى رئاسة الجمهورية (1971ـ1973م) ورئاسة الوزراء (1973ـ1977م) فضلا عن بينظير بوتو، وزوجها الرئيس آصف زرداري.
وقد أسس شيعة باكستان، برعاية أجهزة الأمن الإيرانية، مجموعة من التنظيمات السياسية، أهمها: جماعة تحریک جعفریة أو حركة تطبيق الفقه الجعفري، عام ۱۹۷۹م، التي عارضت قرار الرئيس ضياء‌ الحق (۹۷۷-۱۹۷۸م) بتطبيق الفقه الحنفي بالدولة، وفرض الزكاة بصورة إجبارية، وتأميم الأوقاف الشيعية.
وتحولت الحركة، بعد ذلك، إلى حزب يسمى تحریک إسلامي، بوصفه أهم تنظيم سياسي شيعي في تاريخ باكستان، والذي تم حله بسبب تورطه في تأجيج أحداث العنف الطائفية التي عمت أرجاء باكستان عام 2003م، كما أسس شيعة باكستان أيضا مليشيات مسلحة، أهمها ما يُطلق عليه جيش المختار، عام 1986م بهدف حماية المساجد والحسينات والحوزات والمزارات الشيعية، ومنظمة جيش محمد، عام 1993م، بمدينة لاهور، والتي حظرت السلطات نشاطها، عام 2003م، بعد تلقي الآلاف من عناصرها تدريبات قتالية مختلفة داخل معسكرات الحرس الثوري بإيران.
ويمتلك شيعة باكستان عشرات المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية الرسمية. فضلا عن مراكز التعليم الديني الأهلية الأخرى، مثل: مؤسسة «تنظيم المکاتب» التي تدير حوالي ألفاً ومائتين فرعا لها بالمدن الباكستانية، ومؤسسة «محمدیه ترست» التي تدير مائة وخمسة وعشرين فرعا، ومؤسسة «دانشجویان اصغریه» وسلسلة مدارس «مولانا غلام رضا سریوال» والتي يتركز نشاطها جميعا في: كراجي، وإسلام آباد، ومولتان، والبنجاب، وبيشاور، وراولبندي.
كما يتبعون نظاماً خاصاً في تنظيم أداء أنصبة الخمس، عبر جمعيات يشرف عليها وكلاء معتمدون من المراجع الدينية، وتتكفل ببناء المدارس والمساجد والحسينيات والمراكز الخدمية، ورعاية الفقراء والمعوزين. كما أنهم ينشطون في مجال التثقيف العقائدي والدعوة للمذهب، بالتعاون مع المؤسسات الإيرانية المعنية والقنصليات الإيرانية الموجودة بكراتشي ولاهور وبيشاور وكويتا، والمستشارية الثقافية بإسلام آباد، التي تدير وحدها خمس مراكز ثقافية أخرى. ولذا تشهد باكستان حركة تشييع واسعة النطاق بين أهل السنة، خاصة بالمناطق الفقيرة.
وفي هذا السياق، نجحت الأجهزة والمؤسسات الإيرانية في استدراج الشيعة الباكستانيين للتورط في الحرب الدائرة في سوريا، بأعداد كبيرة ضمن صفوف ما يُسمى لواء الزينبيون تحت قيادة الحرس الثوري (سترد الإشارة إليه لاحقا).
التغلغل الإيرانى فى أفريقيا عن طريق نشر التشيع
5. فتح آفاق دعوية في أفريقيا:
تعتمد طهران على هذه الآلية داخل دائرة الجوار الجغرافي ودائرة الشيعة حديثة النشأة؛ لاستقطاب المؤسسات والجمعيات الإسلامية وجماعات السياسية المتعاطفة معها، وجذب اهتمام المثقفين وزعماء القبائل المحليين وأصحاب الحضور الفاعل بوسائل الاتصال الجماهيري بالقارة الإفريقية؛ بغرض توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي ونشر المذهب الشيعي. وتحظى إفريقيا باهتمام إيراني خاص؛ نظرا لأنها قارة بِكر يُشكل المسلمين فيها نسبة 60٪ وتشهد انتشاراً سريعا للإسلام. فضلا عن أن دولها تُشكل تمثل ثلث أعضاء منظمة الأمم المتحدة، وهي كتلة تصويتية مهمة تحتاجها طهران.
كما تولي اهتماما خاصا بمنطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا، بهدف تحقيق وجود بحري مؤثر لها بمنطقة باب المندب ومدخل وقناة السويس، التي تجعل وصولها إلى ساحات المواجهة المركزية بالشرق الأوسط سهلا، كأن يمكنها مثلا تهريب الأسلحة والعناصر الإرهابية إلى قطاع، غزة واليمن عبر اريتريا والصومال وجيبوتي، أو أن تمثل حلقة وصل مهمة لبكة التهريب الواسعة التي يديرها حزب الله اللبناني لحساب الحرس الثوري.
وتعمل إيران على بناء نفوذ جيوشيعي بالقارة الإقريقية من خلال شبكة المراكز الثقافية المنتشرة في اثنتي عشرة دولة، تغطي القارة كلها، هي: نيجيريا، وكينيا، وأوغندا (غير نشطة)، وزامبيا، وتنزانيا، وأثيوبيا، وزيمبابوي، والسنغال، وسيراليون، وجنوب أفريقيا، والسودان (أغلقت) والجزائر (أغلقت) وتونس، وغانا.
إذ تتكامل جهود المؤسسات المعنية بنشر المذهب الشيعي هناك، مثل رابطة الثقافة والاتصال الإسلامية، وجامعه المصطفي العالمية، ومركز أهل البيت العالمي ومجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية، ومنظمة الحوزات والمدارس العلمية بالخارج، ومؤسسة دار الهدى للنشر والتوزيع، وجامعة الإمام الخميني الدولية، ومكتب نشر آثار الإمام الخميني. إضافة إلى وزارت العلوم والبحث العلمي والتكنولوجيا، التي نجحت في نشر علم الإيرانيات وتأسيس كراسي تدريس اللغة الفارسية واستقطاب أساتذة اللغة من القارة الأفريقية، ومكاتب تمثيل الفقهاء الشيعة.
الأهداف
تستهدف جهود هذه المؤسسات جميعا تحقيق عدد من الأهداف الإيرانية، تتلخص في النقاط التالية:
– تعزيز علاقة الأقلية الشيعة بمسلمي أفريقيا، والعمل على وإدماجهم في المجتمعات التي يعيشون فيها.
– نشر رسائل إيران ونماذجها الثورية، من خلال عرض تصور دعائي ملهم للصحوة الشيعية على الجماهير الإفريقية.
– الاستفادة من طاقة الديانات السماوية الأخرى الثقافية والحضارية في نشر المعتقدات الشيعية.
– تكوين جيل أفريقي موال لإيران عن طريق العمل توفير المنح الدراسية بالجامعات والحوزات العلمية للطلاب الأفارقة.
– المواجهة الشاملة مع التيارات المعادية لإيران في بعض دول القارة.
– ربط الشيعة الأفارقة وجماعات الإسلام السياسي والجماعات الصوفية بالمنظمات والمؤسسات الإيرانية المشار إليها سلفا.
العوامل المساعدة:
اعتمدت إيران على مجموعة من العوامل المساعدة على تحقيق أهدافها بالقارة الأفريقية، منها:
أ ـ القواسم المشتركة:
إذ تمثل هذه القواسم مدخلا مهما لإيران بأفريقيا، وتتمثل في وجود طائفة منن البلوش والشيرازيين بشرق أفريقيا، منذ زمن طويل، وانتشار الجماعات الصوفية المحبة لآل البيت التي تحرص إيران على تعزيز علاقاتها بأقطابها المؤثرين في مجتمعاتهم، كحرصها على ذلك مع الأشراف من أهل البيت.
ب ـ تنوع المقومات:
وتتمثل في مساعدة الحكومات الأفريقية في مجال الاتصالات والانترنت، وتقديم المنح الدراسية في مجالات الطب والهندسة لأبناء زعماء القبائل ولذوي النفوذ المحليين، وتقديم المساعدات الانسانية المختلفة، والاستعانة بالشيعة المهاجرين (خاصة اللبنانيين والخواجات الهنود والبهرة الاسماعيلية) في أفريقيا، واحترام خصوصية الثقافات والعادات والتقاليد المحلية.
ج ـ تكامل الأدوار الفاعلة:
من خلال تفعيل الاتفاقيات التي نجحت في عقدها مع بعض الدول الأفريقية، الحرص الدائم على تأهيل الدعاة الأفارقة، وتشجيع الهجرات الإيرانية النوعية المؤثرة إلى دول بعينها، وتشجيع رجال الأعمال والمستثمرين والمؤسسات الاقتصادية ذات الأهداف السياسية مثل مؤسسة المستضعفين، وجهاد البناء ومؤسسة الشهيد وغيرها للاستثمار بالبنية الأساسية.
مسارات النفوذ
وبناء على هذا، استطاعت إيران تحقيق نجاح نسبي لاستراتيجية تصدير المذهب الشيعي وقيمها الثقافية إلى بعض الدول الأفريقية، باستخدام أدوات قوتها الناعمة والتي اتخذت عدة مسارات في هذا الاتجاه، نذكر منها ما يلي:
مسار علمي وتعليمي:
بموجب اتفاقيات مع بعض الجامعات الأفريقية، ومؤسسات التراث الثقافي الأفريقي؛ في مجال حفظ وحماية وفهرسة النسخ الخطية وتأسيس كراسي تدريس اللغة الفارسية وآدابها، عقد الدورات التدريبية مستمرة لتنمية مهارات الحاسب الآلي، ومحو الامية بالقرى الأفريقية، وذلك على النحو الذي حدث في سيراليون وغانا.
مسار الأنشطة الثقافية:
من خلال عقد دورات تعليم اللغة الفارسية، وتأسيس مكتبات شاملة باللغات المحلية مزودة بكتب تعليم اللغة الفارسية والمراجع الدينية والسياسية المختلفة، ودورات تنمية المهارات الفنية والأشغال اليدوية، وإقامة الندوات والفعاليات المختلفة خاصة التي تروج للمواقع التاريخية والمزارات الدينية الإيرانية. فضلا عن إقامة المهرجانات الثقافية، مثل أسبوع الفيلم الإيراني، والأسابيع الثقافية التي تروج للثقافة والفنون والآداب الإيرانية لاستقطاب النخب الإفريقية المؤثرة.
مسار الأنشطة الإعلامية
إذ يتم توزيع المطبوعات الإيرانية على وسائل الإعلام الأفريقية المختلفة؛ للتعريف بحضارة إيران وثقافتها ومذهبها الشيعية. كما يتم التعاون بين هيئة الإذاعة والتلفزيون ونظيراتها الأفريقية في مجال إنشاء المواقع المتخصصة على شبكة المعلومات الدولية باللغات المحلية؛ لرفع المستوى الثقافي والمعرفي لدى المسلمين، والقضاء على الخرافات المنتشرة بينهم مثل السحر والشعوذة. إضافة إلى عقد الندوات المختلفة لاستعراض منجزات الثورة الإيرانية في بعض المناسبات.
مسار الأنشطة الخدمية
وتتضافر فيه جهود مؤسسة المستضعفين وجهاد البناء، وهيئة الامام الخميني للإغاثة، ومؤسسة الشهيد، وجمعية الهلال الأحمر الإيراني؛ لتقديم أنشطة خدمية متعددة ومختلفة في بعض دول القارة. والتي نجحت في تأسيس عدد من المستشفيات والمستوصفات والمراكز والعيادات الطبية في كل من الكونغو، وزيمبابوي، وزامبيا، وساحل العاج، وتنزانيا، والصومال، ومراكز للهلال الأحمر في مالي وزيمبابوي وساحل العاج والصومال. وقامت بتدريب أطباء من سيراليون ومالي والنيجر والصومال. وضاعفت شحنات الأدوية المرسلة إلى النيجر والصومال والسودان.
كما نجحت في تأسيس فرع لهيئة الامام الخميني للإغاثة بجمهورية جزر القمر، وقدمت عبره المساعدات العينية والمالية الكبيرة للطائفة الشيعية. كما افتتح مكتب جهاد الزراعة فرعاً له بالعاصمة الجامبية بانجول، قدم من خلاله خدمات زراعية لدول أخرى مثل سيراليون وغانا، تمثلت في حفر آبار لمياه الشرب ومياه الري. كذلك نفذت مؤسسة جهاد البناء مشروعات بنية تحتية في غانا، والسودان، وسيراليون، زيمبابوي، وتنزانيا، شملت شق الطرق وتشييد الجسور والمدارس، محطات الكهرباء وغيرها. فضلا عن إنشاء مصنعاً لإنتاج السيارات بالسنغال
مسار الفعاليات المذهبية
من خلال إقامة الطقوس والاحتفالات الشيعية، ونشر القيم والتعاليم المذهبية المختلفة، وإعداد وتأهيل دعاه الشيعة المحليين، وتأسيس المدارس والحسينيات الرسمية والمعلنة بتسعة عشرة دولة أفريقية، منها: كينيا وأثيوبيا وتنزانيا وأوغندا ونيجيريا، وجنوب أفريقيا وساحل العاج، وسيراليون وغانا … الخ، فضلا عن بعض الحسينيات التي يديرها الشيعة خفية في مقار مختلفة داخل دولهم، مثل مصر والجزائر وتونس والمغرب والسنغال … الخ.
وقد أثمرت الجهود الإيرانية في إنشاء قواعد شيعية محلية موالية لها في بعض الدول الأفريقية، مثل جماعة الحركة الإسلامية في نيجيريا أو إخوان نيجيريا بزعامة إبراهيم الزكزاكي المنتشرة في ولايات الشمال النيجيري، ولا سيما في كانو وكادونا وزاريا، والتي تقوم بتجنيد أعضائها من خريجي بعض جامعات الشمال النيجيري المسلم مثل جامعة أحمدو بللو وعثمان دان فوديو. كما نجحت أيضا في تجنيد جاليات شيعية مقيمة في بعض الدول الأفريقية، وخاصة الجالية اللبنانية، للإسهام في نشر المذهب الشيعي بين الأفارقة، كما هو الحال بالنسبة لساحل العاج.
6. بلورة إطار مؤسسي للأقليات الشيعية:
نجحت إيران في تكوين كيانات شيعية متماسكة داخل الأوساط السنية، من خلال مجموعة من الإجراءات، نذكر منها ما يلي:
المجالس الشيغية – صورة أرشيفية
‌أ. تأسيس المجالس الشيعية العليا
على غرار تجربة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الذي أسسه موسى الصدر في لبنان عام 1967م، لتنظيم شؤون الطائفة والارتقاء بمستواها الاجتماعي والاقتصادي، والاضطلاع بدور مباشر في نشر المذهب الشيعي والترويج لقيمه الفكرية والسياسية والاجتماعية، داخل المحيط الاجتماعي الأكبر. وتختلف مهمة هذه المجالس من دائرة اهتمام إيرانية إلى أخرى، كاختلاف المجالس الشيعية بمنطقة الشرق الأوسط تختلف عن نظيرتها الموجودة في آسيا وأفريقيا. ومن بينها:
– المجلس الشيعي الأعلى في فلسطين:
وهو عبارة عن محاولة أعلن عنها فلسطيني يُدعى محمد غوانمة، على الرغم من عدم وجود طائفة شيعية معروفة بالأراضي الفلسطينية. حيث أعلن تأسيس هذا بوصفه “امتدادا للإسلام العظيم”. في إيران؛ على اعتبار أنها تمثل، في نظره، ركيزة المشروع الإسلامي العالمي. مؤكدا على أن مشروع هذا المجلس هو “مشروع إسلامي دعوي”، يعمل في إطار “دولة فلسطين، حكومة ورئاسة شعبا “خاصة أن هدف دعوته ديني سياسي سلمي يصب في خدمة المشروع الوطني الفلسطيني وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس.
وأضاف: «إن تأسيس هذا المجلس من شأنه توثيق العلاقات بين الشعبين الفلسطيني والعراقي، إضافة للإخوة في إيران. وأن المجلس الشيعي في فلسطين هو امتداد للمشروع الإسلامي، الذي سبقنا إليه الإخوة في مصر في تأسيس المذهب الجعفري هناك». وعلى الرغم من ذلك فقد أعلن، بعد أسابيع قليلة، عن تراجعه عن تشكيل هذا المجلس، بقوله: انه لا وجود لمثل هذا المجلس بعد اليوم، وأنه لا علاقة له بالطائفة الشيعية وأنه يبرأ من هذه الفكرة.
– المجلس الشيعي الأعلى في الكويت
عبارة عن محاولة أخرى أعلن عنها عبد الحميد دشتي النائب بالبرلمان الكويتي في أغسطس 2013م، وعندما أعلن نيته الإعداد للجنة التحضيرية التأسيسية لتكون نواة لهذا المجلس، مشيرا إلى أن «مقر المجلس المؤقت سيكون في ديوانيته وأنه مستعد للانتقال لأي مكان يخصصه أي من الخيرين لهذا العمل، وعندها سوف يقوم بتسليم إدارة المجلس لمن يتم اختيارهم، متعهداً ألا يكون له أي دور فيه سوى أن يكون خادما له.
– المجلس الأعلى لرعاية آل البيت في مصر
أسسه محمد الدريني، ويصدر صحيفة بعنوان “صوت آل البيت” والتي تستهدف نشر المذهب الشيعي بين الأشراف ورجال الطرق الصوفية في صعيد مصر وشبه جزيرة سيناء. ويمارس هذا المجلس نشاطه تحت غطاء توفير بعض الخدمات اجتماعي، أسوة بمسار تقديم الخدمات الرئيسي، الذي تعتمده الاستراتيجية الإيرانية المشار إليه سلفا. والذي يتمثل في رعاية مصالح الأشراف، ومساعدة المحتاجين الفقراء. وتقديم خدمات تعليمية متعددة من خلال “جمعية الحوراء الخيرية” التي تُعنى بتحفيظ القرآن، ورعاية الأيتام، وعقد دورات تدريبية لتنمية مهارات الحاسب الآلي، وعقد الندوات والمؤتمرات، وتنظيم الرحلات، وإصدار بعض المطبوعات التي تستهدف تربية النشء.
إلى جانب العمل على إحياء فكرة التقريب بين المذاهب، وإقامة الفعاليات المذهبية التي من شأنها ترسيخ مكانة أهل البيت، وفقا للرؤية الشيعية، في الوعي الجمعي المصري. ومن ناحية أخرى، فقد أضاف هذا المجلس بُعدا سياسيا لتحركاته المذهبية، عندما تبنى دعوة لاستعادة منطقة أم الرشراش، التي يزعم أنها محتلة من إسرائيل.
وقد نجح في كسب تعاطف عدد من أشراف سيناء للانضواء تحت لوائه، خاصة أنه عقد احتفالا لهذا الغرض بمنطقة يزعم أنها مخشع الإمام على بطور سيناء. كما يعمل المجلس المذكور على تنفيذ مشروع لإحياء مسار آل البيت في مصر، أسوة بإحياء مسار العائلة المقدسة؛ بوصفه مدخلا لتوافد الشيعة من كل مكان، لاسيما من إيران؛ لزيارة العتبات المقدسة بمصر، ولهذا فإنه يقدم لبعض المرشدين السياحيين دورات عقائدية عن تاريخ وسيرة آل البيت، كي يكون بمثابة مصدر لتمويل دعوته العالمية للمذهب الشيعي، على حد زعمه.
‌ب. ترميم الأضرحة والمزارات الشيعية
في جميع الأماكن التي ترمي إيران ترسيخ جذور نفوذها على المستوى التاريخي وتأصيل الممارسات المذهبية على المستوى الاجتماعي، بما يعزز من درجة قبول الأقلية الشيعية داخل الوعي الجمعي من باب التسامح الديني. وتضطلع بهذا الموضوع لجنة رسمية إيرانية تُسمى: اللجنة العالمية لحفظ التراث الشيعي، التي تُعنى بالمهام التالية:
1. البحث عن الأضرحة والقبور والمزارات والمساجد والحسينيات المعرضة للاندثار، لاسيما الموجودة في كل من العراق وسوريا واليمن وأفغانستان وعُمان وآسيا الوسطى وشبه القارة الهندية وشرق أفريقيا، وتسجيلها. ومن ثم العمل على ترميمها وتحويلها إلى عتبات مقدسة لشيعة الداخل والخارج بوصفها مزارا دينيا ومقاصدا سياحيالشيعة العالم.
2. جمع وتصنيف وفهرسة جميع الكتب والمخطوطات والوثائق والمطبوعات التي تتناول الموضوعات المتعلقة بتاريخ الشيعة، وبمؤلفات الرحالة والدعاة والمهاجرين الإيرانيين في العالم، ومن ثم العمل على طباعتها طباعة فاخرة.
3. تشجيع الباحثين وطلاب الدراسات العليا في العالم على إجراء بحوثودراسات علمية حول التراث الشيعي والرموز الشيعية في العالم، ومن ثم إلقاء الضوء عليهم إعلامياً، بما يحولهم إلى نماذج تُحتذى لأقرانهم من الباحثين.
‌ج. نمذجة المستبصرين والمتعاطفين
إذ تبذل المؤسسات الإيرانية المعنية جهدها الحثيث للتعرف على الشخصيات الشيعية البارزة أو المستبصرين الجُدد، والاطلاع على مؤلفاتهم وتجاربهم الذاتية في التحول إلى المذهب الشيعي، فضلا عن متابعة جهودهم في نشر التشيع في مجتمعاتهم، ومن ثم تحويلهم إلى نماذج تُحتذى. من خلال تدوين سيرهم الذاتية، ونشر مؤلفاتهم وترجمتها أيضا إلى العديد من اللغات الأخرى، للترويج لتجاربهم الحية في التحول إلى المذهب الشيعي. فضلا عن التعرف أيضا على كل من أبدى تعاطفه مع المشروع الإسلامي في إيران، ومن ثم تصنع منهم إيران نماذج تُحتذى من شأنها كسب المزيد من المتعاطفين إليها.
ترسيخ العقيدة لدى شيعة المهجر
الذين يمثلون أبناء الجاليات الإيرانية في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، أو أبناء الجاليات الأخرى من أتباع المذهب الشيعي، أو الذين تحولوا حديثا إلى الاستبصار الشيعي. وفي هذا الصدد، تتجلى جهود المؤسسات الشيعية المختلفة، سواء التي تخضع للحوزة العلمية في قم أو في النجف، حيث تتضافر جهود المؤسسات الإيرانية في الولايات المتحدة مع جهود مؤسسة الإمام علي في بريطانيا، في ترسيخ العقيدة المذهبية لدى الجاليات الشيعية، وتوفير الخدمات الاجتماعية والتعليمية والثقافية لهم. فضلا عن مهام الدعوة بوصفها المهمة الأساسية لجميع المؤسسات التي أنشأها الشيعة داخل هذه الدول المتقدمة.
وفي هذا الإطار، تقوم مؤسسة الإمام علي، التي أُنشئت عام 1994م في لندن؛ من خلال خمسين فرعا ومؤسسة ومركز ومدرسة وحسينية تابعة لها في اثنتي عشرة دولة أوربية، بثلاث مهام رئيسية، تتكامل في تحقيق أهدافها مع جهود المؤسسات الإيرانية التي تنهض بالدعوة للمذهب الشيعي في الخارج، خاصة أن لها مكاتب في قم، ومشهد، وطهــران. وهي:
– تقديم الرعاية الاجتماعية
من خلال تعليم أبناء الجاليات الشيعية اللغة العربية والقران الكريم بالإضافة الى المواد التربوية والدينية، والإجابة على تساؤلاتهم الدينية، فضلا عن إبرام عقود الزواج والطلاق، ومعالجة الخلافات بين أفراد الجالية، وتزويدهم بالوثائق والمحررات التي يحتاجونها في جميع شؤون حياتهم، وإقامة المناسبات الاجتماعية الخاصة بهم.
– الدعوة للمذهب الشيعي
من خلال ترجمة وتوزيع الكتب الدينية والمطبوعات المتعلقة بفكر ومنهج المذهب الشيعي وتوزيعها في جميع أنحاء العالم، وإيفاد الدعاة والخطباء إلى المراكز والمؤسسات الأخرى في الدول الأوربية والأمريكية؛ لتعريف الشعوب الأوربية بتعاليم المذهب الشيعي وقيمه الخاصة. إضافة إلى توفير التغطية الإعلامية لجميع الفعاليات الدينية في أوربا وأمريكا وكندا، ورفع البيانات والكتب والمقالات الثقافية والإعلانات، على موقعها الإليكتروني. فضلا عن إجراء الدراسات والبحوث المتعلقة بمقارنة الأديان، والتقريب بين المذاهب.
                                      .. انتظروا الجزء الرابع من الدراسة: “بناء النفوذ الجيوسياسى” ..
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version