الجزء الرابع: “بناء النفوذ الجيوسياسى” ..
استحدثت إيران مقاربة أيديولوجية لمنطقة الشرق الأوسط، منذ قيام ثورتها عام 1979م، استندت فيها إلى كل مكونات قدراتها الجيوسياسية، وقيمها الثورية، كما اصطحبت معها مفاهيم الصراع التاريخي على مركزية السلطة والثأر ممن اغتصب حق الأئمة في الخلافة. وقد عكست هذه المقاربة جوهر الاستراتيجية الإيرانية في بناء نفوذها الإقليمي، وإدارة ميزان القوى لصالحها، من حيث تشكيل جيوسياسية حصرية لها تسمى محور المقاومة، واختلاق هويات أيديولوجية موالية لها في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان وأفغانستان وباكستان.
وتميزت هذه الاستراتيجية بأنها سارت بخطين متكاملين، الخط الأول انتهج الاستخدام الأمثل للقوة الناعمة في بناء كتلة شعبية متماسكة من المستضعفين مؤهلة لاستقبال قيم الثورة “الإسلامية” ومعبأة للدفاع عنها. بينما انتهج الخط الثاني الاستغلال الأمثل لهذه الكتلة المستضعفة في بناء نفوذ إقليمي متنامٍ على مراحل متحورة. وقد بدأت هذه الاستراتيجية ببناء درع طائفي يحيط باتجاهات إيران الاستراتيجية، كما سبقت الإشارة، ما لبث أن تحول هذا الدرع إلى ظهير جيوسياسي لتوغلها السياسي وتغولها الإقليمي.
ثم ليتطور هذا الظهير إلى تحالف ردع إقليمي جعل من إيران قطبا إقليميا، لا تنازعه قوة سياسية ولا تنافسه طاقة روحية. كما كان يمثل، في تصور طهران، حصنا منيعا لصون نظام ولاية الفقيه في الداخل، ولتحقيق طموحه الإقليمي في التحول إلى قوّة مهابة في محيطها الخارجي. ولذا اعتمدت إيران على شبكة متكاملة من المؤسسات المعنية بنشر قيمها الثورية وفكرها الانتفاضي داخل هذا المحيط. معولة على الأقليات والطوائف الشيعية الموالية لها لتحقيق أهدافها الاستراتيجية وطموحاتها الإقليمية.
إيران
وزير الخارجية الإيرانى – أرشيفية
الأهداف
وقد حققت إيران عددا من الأهداف داخل محيطها الإقليمي، بفضل قدرة مؤسساتها وأجهزتها على تنظيم واستغلال عناصر قدراتها الشاملة، وفكرها المؤسسي المخطط، والاستفادة من أخطاء الخصوم وسلبياتهم. ومن بين هذه الأهداف: اختراق جدار الرفض العربي والإسلامي لنظامها الطائفي، واستقطبت الأقليات الشيعية في بعض المجتمعات العربية، وتحويلها إلى منافذ للتغلغل إلى هذه المجتمعات، وتوظيفها لصالح مواقفها السياسية. وقد تحقق هذا النجاح لإيران نظرا لما يلي:
1. تبني خطاب جماهيري رسخ الصورة الذهنية للنظام لإيراني بوصفه النظام المعادي لإسرائيل، والمتحدي للولايات المتحدة، وشدد، في ذات الوقت أن لدى طهران درسا مستفادا، مفاده أن تبعيتها السياسية، قبل الثورة، كانت سببا لإصابتها بوهن استراتيجي أودى بنظام الشاه، على الرغم من تمتعه بالدعم الخارجي الكامل.
2. تحديد الأهداف، وترتيب مرحلها، وتنفيذها بدقة، وبأساليب مرنة تحددها الظروف المتاحة. ومن أهم هذه الأهداف:
 تعظيم مردود المصالح الإيرانية العليا.
 توطيد نفوذ إيران السياسي على المستوى الإقليمي، وتثبيت دعائمه وضمان أمنه وسلامته.
 تعزيز نفوذ إيران الروحي على المستوى الدولي، الذي يكسبها حق الدفاع عن حقوق جميع المسلمين (وفق المادة 153 من الدستور) ودعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية نقطة من العالم (وفق المادة 154).
3. الإبقاء على أي صراع محتمل بمحيطها الجغرافي، خارج أراضيها، منعا لتكرار تجربة سنوات الحرب مع العراق، اعتمادا على:
 خلق فراغ معنوي داخل المنطقة العربية، من خلال تحطيم ما تبقى من وشائجها التاريخية والإطاحة بمكوناتها القومية.
 دعم قدرات البؤر الشيعية، التي أنشأتها داخل نقاط ارتكازها الإقليمي على مدى زمني طويل.
 شل القدرات العربية بواسطة إشعال صراعات طائفية، بما يجعل ميزان القوى يميل دائماً لصالح طهران.
وهكذا، تكللت الجهود الإيرانية بإيجاد منطقة نفوذ تحت مظلة روحية، تمتد من طهران إلى لبنان وفلسطين مرورا ببغداد ودمشق، ثم اليمن مؤخرا. وهي العملية التي سبق أن نبه إليها مبكرا الملك عبد الله الثاني بن الحسين، عندما حذر في حديثه لصحيفة واشنطن بوست، عام 2004م، من الهلال الشيعي. وهو التوصيف الأيديولوجي الذي كشف مدى إدراك هذا الملك العربي لخطورة التوجهات الإيرانية من كونها سوف تؤثر على مستقبل الاستقرار بالمنطقة، نظرا لأنها تحمل في طياتها إدخال تغيرات واضحة على خريطة المصالح السياسية والاقتصادية لبعض دول المنطقة.
وقد اتضح ذلك التأثير عندما نجحت إيران في تحويل الأقليات الشيعية بالمنطقة، من مجرد وسيلة لمساندة مواقف طهران السياسية، إلى عناصر منخرطة بصفوف المليشيات والفصائل والجماعات المسلحة، وتخوض المعارك نيابة عنها، وفداء لإيران الإسلامية وطاعة لحرسها الثوري تحت ما أصبح يسمى بمحور المقاومة الإسلامية.
بشار الأسد – أرشيفية
أولا: محور المقاومة
يشمل محاور المقاومة الإسلامية، وفق التصورات الإيرانية، كل نظام ومنظمة أو جماعة أو طائفة تأبى الهيمنة الأجنبية والصهيونية على المنطقة، مثل حزب الله بلبنان، وفصائل المقاومة الإسلامية بفلسطين، وأنصار الله باليمن، والشيعة بالعراق وسوريا والبحرين، التي تتمترس جميعا مع إيران في خندق واحد.
وقد تتبع الباحث الإيراني “محمدی‌ سیرت” مراحل ظهور مصطلح محور المقاومة في الأدبيات السياسية الإيرانية، بقوله إن صحيفة “الزحف الأخضر” الليبية هي أول من استخدمه، في مقابل مصطلح محور الشر الذي أطلقه الرئيس جورج بوش الابن على إيران والعراق وكوريا الشمالية، في خطابه بتاريخ 29 يناير2002م، لوصم أنظمة الدول الثلاث بدعم الإرهاب والسعي لبناء أسلحة دمار شامل. فقد نشرت الصحيفة المذكورة مقالا للرد على هذا الخطاب بعنوان: “محور الشر أم محور المقاومة” بقولها إن “القاسم المشترك الوحيد الذي يجمع إيران والعراق وكوريا الشمالية هو مجابهة الهيمنة الأمريكية”.
ومن بعدها، تبنى الخطاب الإيراني هذا المصطلح، فاستخدمته صحيفة “جمهوري إسلامي”، أثناء معالجتها لانتفاضة الشيعة بجنوب العراق، ثم استخدمه علي أكبر ولايتي في أغسطس 2010م، في قوله: تضم سلسلة (محور) المقاومة ضد إسرائيل: إيران وسوريا وحزب الله والحكومة العراقية الجديدة وحماس. ويمر امتداد هذه السلسلة عبر سوريا، التي تتمتع بدور ذهبي فيها. كما استخدمه سعيد جليلي أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي، خلال لقائه بالرئيس بشار الأسد، في أغسطس 2012م، بقوله: “إن ما يحدث في سوريا ليس شأنا داخليا، بل معركة بين محور المقاومة وأعدائه بالمنطقة والعالم؛ ولذا لن تتسامح إيران تجاه أي تحرك مضاد لهذا المحور”.
بينما رأى الباحث الإيراني “چوبين جودرزي” أن محور المقاومة يعود إلى عام 1979م، عندما كانت سوريا أول دولة عربية تعترف بالثورة الإيرانية، وتقيم معها تحالفا استراتيجيا راسخا، على الرغم من التغير الدائم في نمط التفاعلات الإقليمية، كما تميز بالاستقرار على الرغم من التحديات، بما في ذلك الحرب الإيرانية ـ العراقية. وكان تحالفهما يعد نموذجًا للتوازن الصعب ضد نظام صدام حسين وإسرائيل والولايات المتحدة؛ نظرا لما يجمع طهران ودمشق من أهداف إقليمية مشتركة، وتطابق للرؤى حيال معظم قضايا الشرق الأوسط، وتنامي المصالح المتبادلة، إضافة إلى العلاقات الثقافية والمصالح الأيديولوجية المتشابهة بينهما.
1. عوامل النشأة
مثلت مجموعة من العوامل الأساسية بيئة مواتية لنشأة محور المقاومة، بوصفه تجسيدا لبروز وتنامي النفوذ الإيراني بالمنطقة، منها:
‌أ. استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وتحول القضية الفلسطينية منطلقا لزيادة الانقسام بين الأنظمة العربية.
‌ب. القضية الكردية، بوصفها نموذجا للانقسام العرقي الذي يهدد تركيا وإيران والعراق وسوريا، خاصة أن الأكراد لا يزالون مصرين على نيل الحكم الذاتي، أو قيام كردستان الكبرى، ومستعدون، في سبيل ذلك، للتحالف مع يدعمهم.
‌ج. قيام الثورة الإسلامية بإيران، بوصفها نموذجا مؤثرا في تصاعد الاتجاهات الراديكالية المتطرفة بمنطقة الشرق الأوسط.
‌د. أطماع إيران الإقليمية التي تؤمن بعالمية ثورتها ووجوب تصديرها إلى الخارج.
‌ه. تقادم البنية العربية وعدم قدرتها على تلبية التطلعات التي تولدت لدى الشعوب بفعل تدفق المعلومات ووسائل الاتصال.
‌و. انقسام العلاقات البينية العربية من ناحية، وتدهور علاقات معظمها بإيران.
‌ز. محاولة الولايات المتحدة، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فرض نظام عالمي جديد؛ لتحقق عدد من الأهداف، منها:
– منع ظهور منافس جديد، قد يمثل تهديدا لمصالحها على غرار الذي كان يشكله الاتحاد السوفيتي لها في السابق.
– مراعاة مصالح الدول الحليفة للحد الذي يكفي لردعها عن تحدي انفرادها بقيادة العالم، أو محاولة تغيير نظامه القائم.
– امتلاك آلية لردع المنافسين المحتملين للاضطلاع بدور إقليمي أو عالمي غير مسيطر عليه.
‌ح. دفع الولايات المتحدة منطقة الشرق الأوسط نحو عدم الاستقرار والتفكك، في إطار مساعيها لإعادة هيكلته وفق تصوراتها.
وقد أفضت هذه العوامل مجتمعة إلى حدوث أربع متغيرات مهمة شكلت في حد ذاتها بيئة مواتية لتنامي النفوذ الإيراني بالمنطقة، من خلال ما يسمى بمحور المقاومة، هي:
اجتياح العراق:
بواسطة القوات الأمريكية والبريطانية، في مارس 2003م؛ بزعم امتلاكه أسلحة دمار شامل، والذي أدى إلى انهيار بنية النظام العراقي بالكامل، وتفكيك مؤسساته العسكرية والأمنية والقضائية، وتدمير مؤسساته الإنتاجية. وفرض عملية سياسية أنهت روابط الوطنية والانتماء لدى أبناء العراق، واستبدالها بانتماء طائفي ذي امتداد خارجي؛ وحولته إلى مجرد تابع إقليمي، تديره طبقة سياسية مدعومة من الاحتلال الأمريكي وموالية للنظام الإيراني. وهو الأمر الذي مثل بدوره بيئة خصبة لظهور الميليشيات المتناحرة، ومن ثم طرح فكرة تقسيم العراق إلى ثلاث دول في إطار خطة إعادة ترسيم خريطة للشرق الأوسط.
الصراع الأيديولوجي:
الذي استخدمت فيه كل من إيران، بوصفها زعيمة الإسلام بقراءته الشيعية، والمملكة العربية السعودية، بوصفها زعيمة الإسلام بقراءته السلفية، جميع الوسائل لتحقيق أهدافها السياسية. وقدم كل طرف منهما مليارات الدولارات لدعم وتسليح وتدريب المليشيات التابعة لها، فضلا عن توفير الغطاء السياسي. الأمر الذي حول مساحة شاسعة من المنطقة إلى مرتع للجماعات الإرهابية والمليشيات التي تنتهج الوحشية لتحقيق أهداف داعميها.
الفوضى الخلاقة:
أو ما يسمى بالربيع العربي، التي أدت إلى انتشار فوضى جيوسياسية هائلة بالمنطقة، بدأت بالإطاحة بالرئيسين التونسي والمصري، وتدمير النظام الليبي وتفكيك قواته المسلحة ونهب مخازن أسلحته وتوزيعها على جميع أنحاء المنطقة، وانتهت بتحويل ليبيا إلى مركز لاستقطاب الجماعات الإرهابية على غرار ما حدث للعراق. وقد عزز هذا التدهور الإقليمي السريع الرغبة لدى جميع الأطراف الفاعلة في استمرار الصراع الدموي باليمن، واستكمال تدمير النظام السوري.
تقاطع المصالح:
مثلت الأزمة السورية نقطه التصادم الأعنف بين مصالح القوى الفاعلة بالمنطقة؛ فمن جهة تمثل سوريا القاعدة الوحيدة المتبقية لروسيا بالشرق الأوسط، وبالتالي فإن فقدانها يعني انتهاء نفوذها. وتمثل أيضا الحليف الاستراتيجي لإيران. وهي ذات العوامل التي كانت وراء إصرار واشنطن وحلفائها على رحيل بشار الأسد، منذ بدء الاحتجاجات ضده.
إذ قالت هيلاري كلينتون بتاريخ 6 ديسمبر 2011م، إن هدف بلادها هو القضاء على نفوذ إيران بسوريا، وإذا تمكنت من ذلك، فسيكون إنجازًا كبيرًا. ومن ثم قدمت، بمساعدة تركيا ودول الخليج، الكثير من المساعدات المالية والأسلحة والتدريب للفصائل والجماعات السلفية والإخوان المسلمين والقاعدة بالعراق؛ ما جعلها قوة الدفع الرئيسية وراء ما يجري بسوريا.
وهذا ما أكد عليه نائب الرئيس أوباما جو بايدن بقوله إن حلفاء بلاده قدموا ملايين الدولارات وآلاف الأطنان من الأسلحة لجماعات إرهابية مثل داعش وجبهة النصرة والقاعدة وغيرها؛ لأنهم كانوا مصممين على الإطاحة بـ بشار الأسد، متناسيا أن الولايات المتحدة هي أول من سعى لإنشاء ودعم المنظمات كأداة استراتيجية.
ومن جهة أخرى، كان تدمير جيوش العراق وليبيا وسوريا يمثل مصلحة لإسرائيل وتركيا، ومن ثم كان من الطبيعي أن تعملان على الإطاحة بالنظام السوري، لذا فإنهما قامتا بشن هجمات متكررة على القوات السورية وحلفائها، وسعتا إلى إلحاق كارثة بها، كالتي ألحقتها بالعراق. لأن انهيار سوريا يوفر لإسرائيل فرصة تاريخية لكسر شوكة حزب الله، ومحاولة ضم مرتفعات الجولان المحتلة. كما يوفر لتركيا فرصة لاقتطاع أجزاء من شمال سوريا، ولذلك لعبت، ولا تزال، الدور الأهم في بناء ودعم الجماعات الإرهابية.
وفي المقابل، وقفت المصالح الروسية وراء خوض المعارك ضد المعارضة السورية، وتقديم الدعم الكامل لنظام الرئيس بشار الأسد، خاصة أن الأزمة السورية كانت تمثل فرصة مواتية لاستدراج الإرهابيين من منطقة الشيشان، انطلاقا من أنهم إذا لم يُقتلوا بسوريا، فسيتعين عليها قتالهم داخل روسيا.
كذلك الأمر، دعت المصالح الإيرانية تقديم الدعم الكامل للأسد، على الرغم مما تعانيه من وطأة العقوبات الاقتصادية؛ نظرا لأن سورية هي الحليف الاستراتيجي الذي يمثل لها ركنا مهما في محور المقاومة ضد إسرائيل، كما يمثل أيضا جسر إيران البري إلى لبنان، حيث حزب الله الركن الثاني بمحور المقاومة. فضلا عن أن طهران تعتقد أن انهيار النظام السوري، سيعرض الطائفة العلوية للإبادة، وأنها إذا لم تقاتل جماعات مثل داعش في العراق وسوريا، فسيتعين عليها قتالهم داخل إيران.
2. جغرافية المقاومة:
اقتضت تصورات إيران لبناء نفوذها الإقليمي على توسيع عمقها الاستراتيجي من اتجاه حدودها الغربية المتاخمة للعراق، من خلال تشكيل قوس جغرافي مترابط بطول 1235,8 كم، يمتد من منفذ مهران الحدودي مع العراق إلى بيروت على البحر المتوسط. وبإجمالي مساحة تبلغ 1,551,852كم، تضم العراق (437,072كم) وسوريا (185,180كم) وجنوب لبنان (929,6كم). على أن يضم هذا العمق، إلى جانب سوريا حزب الله، تحالف طائفي مسلح مؤمن بأيديولوجيتها التوسعية، لديه القدرة على إدارة وتنفيذ استراتيجيات نفوذها الإقليمي، ومتابعة أولويات تموضعها السياسي والعسكري بالمنطقة، لتحقيق الحماية المتبادلة.
والتي تجلت أولى تجاربها العابرة للحدود عندما تعرض نظام الرئيس الأسد، أهم ركائز محور المقاومة، لخطر الإطاحة به؛ تدخل الحرس الثوري وحزب الله بثقلهما العسكري، لمساندة الجيش السوري حتى تمكن من هزيمة قوات المعارضة وتنظيم داعش في معظم النقاط الاستراتيجية المهمة. وكان ذلك بمثابة مكسب كبير لإيران من حث أنه عزز موقفها الإقليمي أمام الولايات المتحدة وإسرائيل.
وفي هذا الإطار، لم يكن العراق بعيدا عن عمليات القتال بسوريا؛ إذ كان بمثابة جسر حيوي لنقل مقاتلي فيلق القدس من إيران، ولتدفق المليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية إلى الأراضي السورية؛ لمواجهة التهديد الاستراتيجي الذي كان يمثله قيام داعش كدولة سلفية جهادية متاخمة لحدودها مع العراق، منذ عام 2014م، فضلا عن مواجهة التحالف الذي كانت تقوده الولايات المتحدة بطول نهر دجلة على الحدود السورية. أم فيما يتعلق باليمن، التي عززت نفوذها فيه عبر مساندة جماعة أنصار الله الحوثية للسيطرة على العاصمة صنعاء، وتعزيز مواقعها بالمناطق الشمالية المتاخمة للحدود السعودية، واتخاذها ركيزة لشن هجمات برية وصاروخية على الأراضي والمنشآت السعودية.
حسن نصرالله – أرشيفية
3. كيانات المقاومة:
نجحت إيران في تكوين عشرات الكيانات الطائفية المسلحة داخل مناطق ارتكاز نفوذها الإقليمي، تحت مظلة محور المقاومة، في لبنان والعراق وسوريا واليمن. واتخذتها قوة داعمة لمصالحها الإقليمية وحروبها الجيوسياسية، وخزانا طائفيا يسهم في إحداث التغيير الديموغرافي لصالح أبناء الطائفة الشيعية الموالية لها بهذه المرتكزات. والتي نشير إلى أبرزها بإيجاز على النحو التالي:
1. حزب الله اللبناني:
أشهر من ارتبط، من حيث التأسيس والمبادئ والأهداف، بالاستراتيجية الإيرانية في بعدها العربي، وتحديداً في منطقتي شرق البحر المتوسط والخليج العربي. وقد اكتسب حزب الله شرعيته المحلية وشعبيته الإقليمية عن طريق مقاومة الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982م، لا سيما بعد تأسيسه عام 1985م، إذ جاء في بيان التأسيس أنه “ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في آية الله الموسوي الخميني مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة”.
ويرى المتابعون لشؤون هذا الحزب أن ارتباطه بإيران انطلق من مفردات طائفية، إذ إن كل عناصره هم من اللبنانيين الشيعة، الذين يتخذون الولي الفقيه في إيران مرجعا دينيا وسياسيا لهم. فضلا عن أنه يتلقى دعما ماديا كاملا منه، إضافة إلى التبرعات وأموال الخمس التي يتلقاها من أنصاره. وقد وظف حزب الله قدراته العسكرية بوصفة تنظيم “مقاومة” في ترسيخ نفوذ المكون الشيعي بالدولة اللبنانية، وتعزيز نفوذ إيران الإقليمي. وهو ما تنتهجه المليشيات الأخرى، التي تم استنساخها في العراق واليمن وسوريا، وفلسطين.
2. الحشد الشعبي بالعراق:
عبارة عن غطاء قانوني عام تنضوي تحته الفصائل الشيعية المسلحة التي زاد عددها مؤخرا عن 67 فصيلا. تأسس، في يونيو 2014م، لمواجهة تنظيم داعش، واكتسبت أهمية متزايدة بفضل الانتصارات التي حققها عليه، حتى بات جزء من المنظومة الأمنية العراقية، بعد هيكلته وتحويله إلى تشكيل عسكري يضاهي جهاز مكافحة الإرهاب في يوليو 2015م، ويتمتع الهيكل التنظيمي للحشد بالمرونة واللامركزية معا، من حيث أن لكل فصيل فيه قيادته العسكرية ومرجعيته الدينية الخاصة، إذ يقلد ثلثيه المرجعيات الإيرانية وعلى رأسها آية الله خامنئي، بينما يقلد ثلثه الآخر المرجعيات العراقية، وعلى رأسهم آية الله السيستاني.
كما أن لكل فصيل أيضا منطقة عمله ونطاق عملياته، والتي يتمركز معظمها ببغداد وسامراء وكربلاء وصلاح الدين والأنباء وديالى والنخيب. بينما تقاتل بقيتها في سوريا دعما لنظام بشار الأسد، مثل جيش المختار، ولواء أبو فضل العباس، وحركة حزب الله النجباء، وعصائب أهل الحق، وفيلق بدر، وفيلق الوعد الصادق، ولواء أسد الله الغالب.
ويدير الحشد الشعبي مجلس شورى المقاومة الإسلامية، برئاسة جمال جعفر الإبراهيم المكنى حركيا بـ أبو مهدي المهندس (اغتيل برفقة قاسم سليماني، يناير 2020م) وهادي العامري. ويتألف هذا المجلس من بعض قادة الفصائل المهمة، ويختص بإصدار قرارات التدريب والتسليح غيرها دون الرجوع إلى رئيس الوزراء العراقي. وعلى الرغم من أن الحشد يتكون من 67 فصيلاً مسلحاً إلا أن 80٪ من جهده العسكري يقع على عاتق سرايا السلام، وفيلق بدر، وكتائب حزب الله العراقي، وعصائب أهل الحق.
3. حزب الله – العراق:
إحدى الميليشيات التي تعد تجسيدا مثاليا للعمالة المخلصة لإيران، وأكثرها مرونة في الحركة لإلحاق أقصى الضرر بالخصم. تأسس عام 2003م، باسم أنصار الله الأوفياء، على يد حيدر الغراوي بالتعاون مع سرايا السلام التابعة لمقتدى الصدر، وكانت عناصره تتلقى تدريباتها القتالية في مركز كميت التابع لها. وبعد ثلاث سنوات تقريبا، أصبح حزب الله جزءا من حركة “المقاومة الإسلامية، على غرار حزب الله اللبناني ومقربا منه ومشاركا له في نفس المبادئ والأيديولوجية، من حيث الدفاع عن ولاية الفقيه والإطاعة المطلقة للمرشد الأعلى للثورة آية الله خامنئي، ورفض احتلال القوات الأجنبية للبلاد.
ومن ثم أعلن حزب الله العراقي، عام 2007م، عن أن الهدف من وجوده هو محاربة الاحتلال الأمريكي حتى إخراجه من العراق، وإقامة جمهورية إسلامية بالعراق، على غرار نظيرتها بإيران. وقد انضوت تحت لواء هذا الحزب خمس كتائب شيعية أخرى، تشكلت عقب الاحتلال الأمريكي، هي: جيش المختار، ولواء أبي الفضل العباس، وكتائب كربلاء، وكتائب السجاد، وكتائب زيد بن علي، التي أدرجتها واشنطن على القائمة السوداء للإرهاب (2009م) بعد أن نفذت عمليات كبيرة ضد قواتها. كما انخرط الحزب في قتال تنظيم داعش، ودخلت قواته سورية للدفاع عن نظام بشار الأسد. وتتمتع عناصره بمستوى من الكفاءة الأمنية والقدرة القتالية.
4. جيش المختار:
إحدى المليشيات التابعة لحزب الله العراق، بزعامة واثق البطاط الذي كان مقيما بإيران منذ عام 1993م، بوصفه عضو بفيلق بدر، وكم كان مجاهرا بالولاء المطلق لآية الله خامنئي، لدرجة أنه أكد مراراً إنه سيقاتل إلى جانب إيران إذا ما دخلت في حرب مع بلده العراق؛ على اعتبار أن خامنئي “معصوم من الخطأ”، وشدد أيضا على أن تنظيمه امتداد لحزب الله اللبناني، ويرفع رايات صفراء مثله لكن بشعارات مختلفة. وقد عمل جيش المختار، منذ تأسيسه في يونيو 2010م، على قتل أعضاء حزب البعث وأبناء أهل السنة لأنهم من “النواصب والوهابيين”. وقد تبنى، في نوفمبر 2013م، قصفاً صاروخياً استهدف مخافر حدودية سعودية انطلاقاً من صحراء السماوة جنوب غربي العراق، ردا على ما زعمه البطاط بتدخلها في شؤون العراق.
5. لواء أبو الفضل العباس:
كتيبة طائفية مسلحة مكونة من عدة فصائل، أسسها المرجع العراقي قاسم الطائي عام 2013م، لحماية الأضرحة المقدسة لدى الشيعة بسوريا، خاصة ضريح السيدة زينب الكبرى، ولمساعدة قوات النظام السوري والدفاع عن. ويضم مقاتلين عراقيين ولبنانيين، ينتمي أغلبهم إلى جماعة اليوم الموعود بقيادة مقتدى الصدر، وجماعة عصائب أهل الحق بقيادة الشيخ “قيس الخزعلي” المحسوب على جيش المهدي إلى جانب جماعات شيعية أخرى سبق أن قاتلت تنظيم داعش في العراق. وكانت طهران قد أعلنت عن تشكيل هذه الكتيبة في سوريا للعمل تحت قيادة حزب الله اللبناني الموحدة. ويقودها اليوم “حسين أبو عجيب” وهو شيعي عراقي يقيم بسوريا وله علاقات وثيقة بفيلق القدس التابع للحرس الثوري.
6. كتيبة النجباء:
إحدى المليشيات التابعة لحزب الله، مثلها مثل كتيبة أبا الفضل العباس، هي فصيل فرعي من جماعة عصائب أهل الحق، بقيادة أكرم الكعبي نائب مقتدى الصدر. تأسست بهدف الدفاع عن المقدسات الشيعية في سوريا والعراق، وتدين بالولاء التام لمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، والجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري. كما ترتبط بعلاقة قوية مع حزب الله اللبناني، خاصة بعد أن تلقى عدد من قادتها تدريباتهم الميدانية، على يد خبراء هذا الحزب. ويشارك مقاتلو النجباء في الصراع الدائر بسوريا، إذ يقاتل لواء عمار بن ياسر في حلب، ولواء الحسن المجتبى في دمشق.
7. جيش المهدي:
الجناح المسلح للتيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، تأسس عام 2003م، لقتال القوات الأميركية بالعراق. ولكنه تلقى منها هزيمة عسكرية، أُجبر بعدها على تسليم أسلحته إلى لجنة عراقية أميركية مشتركة، وتجميد عملياته، وطرد عناصره المتورطة في عمليات التطهير الطائفي بحق أهل السنة. ولكنه ظهر مرة أخرى، عام 2014م، باسم “سرايا السلام” باستعراض عسكري في بغداد، حمل خلاله مقاتلوها الأسلحة الثقيلة والصواريخ التي تلقوها من طهران؛ بزعم حماية المزارات الشيعية. ثم تغير اسمها مرة أخرى إلى “لواء اليوم الموعود” بذات الأهداف السابقة، فضلا عن المشاركة في قتال داعش بسامراء وديالى وآمرلي.
8. عصائب أهل الحق:
مليشيا مسلحة تتبنى نهج حزب الله اللبناني، من حيث الإيمان بولاية الفقيه وتقليد آية الله علي خامنئي، تكونت عام 2004م، بوصفها فصيل تابع لجيش المهدي تحت اسم المجاميع الخاصة، ثم انشقت عنه، بزعامة قيس الخزعلي عام 2007م، وأصبحت تعمل تحت رعاية اللواء قاسم سليماني. وقد اتهمها مقتضى الصدر بـ “ارتكاب جرائم طائفية” ومن ثم طالب “إيران بوقف التمويل عنها”. خاصة أنها عُرفت بأنها من أشد الفصائل الشيعية تشددا والتي تلقت عناصرها تدريبات عسكرية خاصة بإيران. وارتكبت، فيما بين عامي 2006 و2007م مجازر بشعة بحق أهل السنة بمدينة بعقوبة مركز ديالى، ومناطق حزام بغداد، وإعدام المئات منهم دون محاكمة والتمثيل بجثثهم، فضلا عن تدمير مساجدهم. وقد انتقلت، عام 2014م، إلى سوريا للقتال لحساب الحرس الثوري.
9. فيلق بدر:
الجناح العسكري لمنظمة بدر أحد أشرس المليشيات الطائفية العراقية، وأحد أشهر المليشيات التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع الحرس الثوري الإيراني. ويقوده حالياً هادي العامري، صديق قاسم سليماني، وعضو البرلمان السابق ووزير النقل في الحكومة العراقية، والشخصية الرئيسية في الحشد الشعبي العراقي ضد داعش. تكون فيلق بدر من مجموعة من السجناء واللاجئين العراقيين في إيران، عام 1981م، بواسطة المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، الذي كان يسمى في ذلك الوقت “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية”، بزعامة “محمد باقر الحكيم”، وشارك في شن هجمات عسكرية من الأراضي الإيرانية ضد نظام الجيش العراقي.
كما تولى معظم مقاتليه، بعد سقوط نظام صدام حسين، مناصب قيادية بالأجهزة الأمنية وبوزارة الدفاع وجهاز الاستخبارات، وكان ذلك يمثل فرصة لأن يقوم فيلق بدر بقتل آلاف السُنة من قادة الجيش العراقي السابق، ولا سيما ضباط القوات الجوية والطيارين، وكذلك عدد كبير من أعضاء حزب البعث. ويعد فيلق.
10. سرايا الخراساني:
كونها حميد تقوي أحد قادة فيلق القدس (قُتل بسامراء في ديسمبر 2014م) من شيعة جنوب ووسط العراق، بهدف محاربة داعش. ويقودها رجل اسمه سيد علي الياسري الذي دعا صراحة إلى تشكيل حرس ثوري بالعراق. ومن السمات التي تميز سرايا الخراساني عن غيرها من المجموعات العسكرية الأخرى في العراق وسوريا، اتخاذها شعار الحرس الثوري الإيراني شعارا لها. وتفوقها القتالي على الفصائل الشيعية الأخرى؛ بسبب تلقيها الدعم المباشر من طهران عسكريًا ولوجستيا.
11. كتائب الإمام على:
من بين المليشيات التي أسسها الحرس الثوري بالعراق؛ لمواجهة تنظيم داعش بقيادة محمد شبل الزيدي الذي قُتل في مارس 2015م، وخلفه “علي موسوي” وكنيته بـ “أبو حسين” الذي يرتبط بعلاقات وثيقة بفيلق القدس.
12. کتائب سید ‌الشهداء:
أسسها الحرس الثوري، عام 2003م، لمقاتلة القوات الأمريكية بالعراق، ولعبت دورًا فعالًا في الصرع بسوريا، منذ عام2011م، ويشار إلى أن أبو مصطفى الشيباني الخزعلي هو قائدها الميداني، و”أبو علاء الولائي” أمينها العام.
13. كتيبة لواء ذو الفقار:
ثاني فصيل عراقي مسلح يدخل دمشق بعد كتيبة أبو الفضل العباس للدفاع عن ضريح السيدة زينب، بقيادة أبو شهد الجبوري (قُتل بسوريا في فبراير 2014م) وخلفه رجل يُدعى “فاضل صبحي” وكنيته “أبو حجر” من جماعة عصائب أهل الحق، (قُتل هو الآخر بسوريا) ولا يُعرف الكثير عن هذه الكتيبة، لكن قائديها، “الجبوري” و”فاضل صبحي” كانا من أشهر أعضاء “المدافعين عن أضرحة أهل البيت”.
14. فيلق حُماة الحرم:
أو الدافعون عن أضرحة أهل البيت، أو المدافعون عن المزارات الشيعية، مسمى لمنتخب قتالي، يضم 15 مجموعة مسلحة من شيعة إيران وأفغانستان وباكستان والعراق وسوريا ولبنان، يقاتل بسوريا والعراق لحساب الحرس الثوري، الذي نجح في تجنيد وتدريب وتوجيه عناصره بقاعدة الإمام الحسين، التي إنشاؤها خصيصا لقيادة وتوجيه العمليات الإيرانية في سوريا والعراق، ثم نقلهم إلى معسكرات حزب الله اللبناني، لتوزيعهم على نقاط الاشتباك في سوريا، تحت إشراف العميد بحري حرس حسين همداني (قتل بسوريا يوم 9 أكتوبر 2015م).
ويمكن، استنادا إلى مجمل تصريحات بعض قيادات الحرس، أن نشير إلى وجود أكثر 200 ألف عنصر من عناصر فيلق حماة الحرم بسوريا، منهم 70 ألفا تم تدريبهم بمعسكرات فيلق منطقة “ملاير” التابع للحرس، ويتوزعون على 42 مجموعة و128 كتيبة، إلى جانب 130 ألفًا من عناصر الباسيج. ويتألف فيلق حماة الحرم من فرقتين رئيسيتين تضمان المقاتلين الأفغان والباكستانيين، تحت ما يسمى بـ لواء الفاطميون، ولواء الزينبون.
15. لواء “الفاطميون”:
تنظيم طائفي مسلح أسسه أحد أقدم العملاء الأفغان للحرس الثوري يدعى علي رضا توسلي، والمكنى بـ “أبو حميد”؛ عقب تدمير جبهة النصرة ضريح “حجر ابن عدي” وتهديده بتكرار هذا العمل مع المزارات الشيعية الأخرى. وقد بدأ تأسيس هذا الفيلق بمناداة بعض المؤسسات الرسمية وغير الرسمية لاستقبال أبناء الجالية الأفغانية المقيمة تحديدا في مدينتي مشهد وقم للقتال بسوريا دفاعا عن أضرحة أهل البيت؛ فتشكل ما يُسمى فاطميون داخل معسكرات الحرس الثوري من الأعضاء السابقين في جيش محمد الأفغاني الذي قاتل القوات السوفيتية في الماضي، ولواء أبو ذر، وانضم إليه الأفغان الذين كانوا يقيمون بسوريا.
16. لواء “زينبيون”:
مجموعة مدربة من المقاتلين الباكستانيين الشيعة، التي تم استقطابهم من المدن الباكستانية ذات الكثافة الشيعية، مثل پاراچنار ولاهور وكراتشي وغيرها، والتي سبق أن قامت إيران بضخ استثمارات كبيرة فيها من أجل تشكيل الوعي الجمعي بها وجذب المجنّدين منها، ومن بين المقيمين بإيران، وممن تم استدراجهم عبر جامعة المصطفى الدولية والمجمع العالمي لأهل البيت. وقد تولى الحرس الثوري تدريب هذه العناصر وتسليحها إما داخل معسكرات التدريب التابعة له بمدينة قم، أو بمعرفة حزب الله الباكستاني بإسلام آباد الباكستانية، من ثم ضمها للمليشيات المقاتلة بسوريا.
17. حركة الصابرين نصراً لفلسطين:
كونها الحرس الثوري داخل قطاع غزة على غرار حركة أنصار الله باليمن وحزب الله بلبنان. وقد عبر هشام سالم زعيم الحركة عن تماهي أهداف حركته مع مبادئ المذهب الشيعي، عندما شبه ما يحدث بفلسطين بما حدث في كربلاء، وزعم أن تحرير فلسطين يحتاج إلى “حسين” جديد لا يعرف للتضحية حدودا. وتتخذ حركة الصابرين شعاراً قريب الشبه بشعار حزب الله اللبناني والذي يُعد بدوره قريب الشبه بشعار الحرس الثوري الإيراني. وتعتبر هذه الحركة نفسها حركة مقاومة فلسطينية، تهدف إلي طرد المحتل الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية.
18. حركة أنصار الله:
أو الحوثيون، وهي حركة طائفية يمنية مسلحة، تأسست عام 1992م، بمدينة صعدة باسم حركة الشباب المؤمن، وتُعرف باسم الحوثيين نسبة إلى مؤسسها حسين بدر الدين الحوثي الذي قتل على يد القوات اليمنية عام 2004م، وقد حاولت هذه الحركة السيطرة على الدولة اليمنية بالكامل عام 2015م، وتدير منذ ذلك الوقت صراعا مسلحا مع المملكة العربية السعودية. وتدل إدارة أنصار الله للاشتباكات مع القوات السعودية، ونوعية الأسلحة التي تستخدمها، والشعارات السياسية التي ترفعها مثل: الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود، على دعم إيران اللامحدود لها.
إسماعيل هنية – أرشيفية
4. خصائص المقاومة:
اتسم محور المقاومة، بوصفه أحد أدوات إيران لتوسيع نفوذها وتعظيم دورها الإقليمي، بمجموعة من الخصائص، أهمها:
‌أ. النهج شبه العسكري:
هو نهج عملياتي تميز بالكفاءة، وأثبت قدرة إيران على إجراء عمليات عسكرية أكبر من المعتاد، وبأقل تكلفة ممكنة، ولا يكن له أثر ملموس يمكن أن يصبح دليلا على تورطها فيها. كما اتصف بالمرونة؛ من حيث قدرتها على تقليل أو زيادة وجودها، حسب مقتضيات الحاجة. واكتسب الاستدامة والقدرة على بناء القوة والولاء لصالح إيران لدى الشركاء لضمان فوائد طويلة الأجل. وفي هذا الإطار قام فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بتدريب الجهات الفاعلة المحلية، وتقديم المشورة لها وإعادة تأهيلها. ولقد مكن هذا النهج إيران من تحقيق فعالية تشغيلية كبيرة بشأن استراتيجياتها لبناء النفوذ الإقليمي.
‌ب. القدرة على الانتشار عبر الحدود:
تعلمت إيران والميليشيات التابعة لها كيفية تنفيذ ومواصلة العمليات العسكرية في دول أخرى. فقد نفذ حزب الله، على سبيل المثال، مهام استشارية في اليمن مع الحوثيين، وفي العراق مع قوات الحشد الشعبي، وأجرى عملية برية طويلة الأمد في سوريا. كذلك قاد فيلق القدس وحزب الله والميليشيات الشيعية القادمة من العراق وسوريا وأفغانستان وباكستان عمليات عسكرية لصالح النظام السوري.
‌ج. القدرة على التشغيل البيني:
تمتلك إيران حاليًا مجموعة متنوعة من المليشيات ذات المهارات القتالية والخبرات العسكرية في تنفيذ العمليات المشتركة على جبهة واحدة، أو جبهات متعددة في آن واحد. ومن ثم أثبتت، على سبيل المثال، قدرات قتالية فائقة أثناء العمليات القتالية في حلب بسوريا، وفي تكريت بالعراق، وعمليات تطهير الجبال والصحراء الواقعة بغرب وشرق سوريا على التوالي، فضلا عن شن هجمات خارجية على السعودية من اليمن.
5. النتائج الجيوسياسية:
حصدت إيران جملة من المكاسب الاستراتيجية والسياسية من محور المقاومة، نسوق أهمها على النحو التالي:
 تنامي وعي الأقليات الشيعية في المنطقة بحقوقها وبات بعضها شريكا أيديولوجيا لها وبعضها الآخر حليفا سياسيا.
 زيادة وزن إيران النسبي بالمنطقة، وتعزيز قدرتها على التأثير توازنها الاستراتيجي، من خلال إدارة المليشيات والتنظيمات الموالية.
 حولت جماعات ما دون الدولة إلى قوة مساندة لاستمرار نفوذها الإقليمي، كما استخدمتها وسيلة للترويج للمذهب الشيعي.
 ضمنت لنفسها، من خلال ارتباط الشركاء والتزامهم الأيديولوجي تجاهها، ركائز عسكرية في كل مناطق المقاومة.
 أكسب الصراع حلفائها شرعية سياسية وعسكرية وتفكيرًا إقليميًا جديدًا، خاصة بعد تفوقهم على خصومهم التكفيريين.
 أصبحت أقرب إلى توفير طرق برية لتوطيد نفوذها الإقليمي، وتعزيز قدرتها على الحركة في نقل القوات والأسلحة إلى حلفائها.
 طورت قوة حزب الله اللبناني حركة أنصار الله؛ ليتحول من مجرد تيار محلي، إلى محور إقليمي موال لها، كما خلقت مسار ولاء لدى الأقلية الشيعية بأفغانستان وباكستان وربطتهم بنفوذها ومعاركها بالعراق وسوريا واليمن.
 توسعت دوافعها للتحول من مرحلة الدفاع عن الحلفاء والشركاء الإقليميين، إلى مرحلة الردع الطائفي، والهجوم على المناوئين.
 طورت مفهوم المقاومة من مجرد محور إلى تحالف إقليمي داعم لمركزها التفاوضي حيال ملفها النووي والصاروخي.
ثانيا: تحالف المقاومة
في ظل ديناميات العلاقة بين إيران ومكونات محور المقاومة من حيث الدور والخطط المهام، والمكاسب الإقليمية، ارتقى مفهوم هذا المحور إلى مرحلة التحالف، من حيث التوازن بين تهديدات الأعداء (إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية) وبين متطلبات الأمن الجماعي والدفاعي المتبادل، ومن حيث الإدراك الكامل للتهديد الخارجي المشترك والوحدة الأيديولوجية.
أي أن محور المقاومة أصبح اليوم عبارة عن تحالف تقوده إيران لتحقيق الأمن الجماعي المتبادل بينها وبين حلفائها والجماعات الموالية لها، ولردع المناوئين استنادا إلى قدرة هذا التحالف على الحركة العابرة للحدود.
الأمر الذي يستوجب فهم جوهري للتحدي الإقليمي المعقد الذي تفرضه إيران وحلفاؤها. وذلك بعد أن أصبح هذا التحالف أكثر جرأة وقوة بعد أحداث الربيع العربي. وبعد أن تحولت استراتيجية إيران من المرحلة الدفاعية إلى المرحلة الهجومية، باتت تتبنى مواقف إقليمية ودولية أقوى؛ استنادا إلى مكاسبها العسكرية والأمنية من وراء الصراع بالعراق وسوريا واليمن.
والحقيقة أن هذا التحول أصبح يؤكد على أن إيران أنهت المرحلة الرئيسية الأولى من تصوراتها الاستراتيجية لحجم دورها ومدى نفوذها بمنطقة الشرق الأوسط، وهي المرحلة الأكثر عدوانية وتهديدا للاستقرار الإقليمي؛ إذ تبين أن الولاء الأيديولوجي لها بالعراق يستهدف تقويض سيادته وخلق ثغرات تمهد لها الطريق للانقضاض على مفاصله.
خاصة أنها لا تزال تعرقل مساعيه نحو تحقيق الاستقرار والتنمية، من خلال بعض المليشيات التي نجحت في تحويل بعضها إلى قوة قادرة على فرض نفوذها بالدولة العراقية، ودمج بعضها الآخر بمؤسساته الرسمية. مثل مليشيات الحشد الشعبي التي تهيمن عليها شخصيات موالية للحرس الثوري، وتتلقى أوامرها من قيادتها التنظيمية وليست الحكومية، وكثيرا ما خالفت الأوامر الحكومية بزعم أنها تتعارض ومصالح طهران؛ الأمر أدى إلى تآكل سلطة الدولة العراقية لحساب إيران والقوى الموالية لها.
بمعنى أن إيران أصبحت تتحكم في الدولة العراقية، منذ عام 2006م من خلال الحشد الشعبي بما له من ثقل سياسي وعسكري وأمني وإعلامي واقتصادي، وارتباط أهم فصائله بها، وهذا ما يجعل منه جيشاً رديفاً للنظام الإيراني، الذي يمكن أن يستخدمه أداة للتدخل في شؤون الدول العربية الأخرى وزعزعة استقرارها. كما أن سيطرة الفصائل المسلحة، مثل سرايا السلام، وكتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وفيلق بدر على مناطق معينة ببغداد وبعض المحافظات ذات المكون الشيعي، يزيد من فرضية تهديد استقرار العراق، إذ دبت الخلافات بينها، بدليل إن هذه الفصائل سبق وخاضت صدامات مسلحة فيما بينها بجنوبي العراق.
ومن ناحية أخرى، أسهمت إيران بالتنسيق مع روسيا في إحباط جميع محاولات الإطاحة بنظام الحكم السوري؛ بوصفه الشريان الجيوستراتيجي الرئيسي لإيران في الشرق الأوسط، وبالتالي بقي الرئيس بشار الأسد في الحكم، واضطرت القوى الفاعلة الاعتراف، ضمنيًا أو رسميًا، بالوضع القائم بدمشق، وهذا ما يعد في حد ذاته انتصاراً لإيران وتحالف محور المقاومة.
أما فيما يخص الحرب الجيوسياسية التي تؤججها إيران باليمن، والتي تؤثر على أمن منطقة الشرق الأوسط، فقد أفشلت إيران محاولات السعودية لإضعاف مليشيات أنصار الله الحوثية والفضائل التابعة لها. واستدرجتها لخوض حرب استنزاف تركت تداعيات سلبية على أوضاعها الداخلية والخارجية، كما دمرت صورتها الذهنية المحافظة أمام الشعب اليمني. 
كما نجحت في رفع القدرات الحوثية على إدارة المعارك والتعامل مع المواقف القتالية الصعبة والمعقدة، ودفعهم لتطبيق معادلات الردع باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز ضد المواقع العسكرية، وضرب منشآت أرامكو في بقيق وخريس بشرق السعودية، واستهدفت مطارات الرياض وجدة والطائف وخميس مشيط وجيزان ونجران وأبها بصواريخ باليستية.
وهنا يفرض التساؤل نفسها، مفاده: ما هي فرص التي أتاحها تحالف المقاومة وما هي التحديدات التي تواجهها؟
1. الفرص
خلقت إيران لصالحها فرصا جيوسياسية على المستوى الإقليمي تتسم بالمرونة والديناميكية، أسهمت في تنويع خياراتها السياسة، وزيادة قدرتها على المناورة والحصول على تنازلات سياسية واقتصادية لتعزيز نفوذها الإقليمي على المدى الطويل، وذلك لما يلي:
 عززت استراتيجيتها الدفاعية؛ للحد الذي تقلصت معه مخاطر شن هجوم عسكري تقليدي مباشر على أراضيها.
 عزز قدراتها العسكرية، عبر تطوير ديناميكية تحالف المقاومة من الدفاع إلى الهجوم، للحد الذي يهدد الأمن القومي العربي.
 عززت قدراتها على فرض هلال نفوذ شيعي حول ثروات دول الخليج وابتزازها في هذا الإطار.
 حولت جماعة أنصار الله الحوثية باليمن إلى قوة تتحدى المملكة العربية السعودية، وتستنزف قواها، وتحطم هيبتها الإقليمية.
 جعلت الحشد الشعبي بالعراق رهنا لإرادتها، إلى الحد الذي يمكنها استخدامه في زعزعة استقرار دول الخليج، وقتما تشاء.
 جعلت من تحالفها مع سوريا إحدى التحديات الفعالة للدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط.
 جعلت القوى الفاعلة تتحسب من نشوب حرب إقليمية، أو على أقل تقدير التحسب من الانتقام، حال تعرضها أو تعرض حزب الله اللبناني لعمل عسكري.
 نجحت في الربط الجيوسياسي بين الأقلية الشيعية بأفغانستان فاطميون وباكستان زينبيون وبين نفوذها بالشرق الأوسط.
 حولت هيمنتها الأيديولوجية على ركائزها الإقليمية إلى عملية سياسية ومؤثرة، تؤهلها للعب دور وسيط مستقبلي مؤثر في الأزمات الإقليمية الكبرى؛ الأمر الذي يكسبها هيبة سياسية.
 أفشلت التحالف الإقليمي المعادي لها بقيادة السعودية، بالتزامن مع تأزم العلاقات القطرية والتركية مع دول الخليج ومصر.
 يمكنها استخدام مقاتلي فاطميون في تعزيز المكون الشيعي في الدولة الأفغانية، وتشكيل مستقبلها وفق مصالحها الخاصة.
 يمكنها تحويل مقاتلي زينبيون إلى أداة لتنفيذ أهدافها في باكستان، أو للمساومة مع الهند إذا نقلتهم إلى إقليم كشمير.
 فتحت أسواقا جديدة لمنتجاتها، بما يعزز اقتصادها الوطني، ويزيد من قدرتها على الالتفاف على العقوبات.
2. التحديات
– العقوبات الاقتصادية:
الرئيس الأمريكى “بايدن” ووزير خارجيته “بلينكين” – أرشيفية
أ. العقوبات الأمريكية
التي فرضتها إدارة الرئيس السابق ترامب، عقب انسحابها من الاتفاق النووي (8 مايو عام 2018م) وتسببت في إلحاق الضرر الأكبر بالاقتصاد الإيراني أكثر من أي إجراء آخر؛ خاصة أنها شملت إدراج الحرس الثوري الإيراني على لائحة المنظمات الإرهابية (8 أبريل 2019م) وفرض عقوبات صارمة على هيئات الصناعات البحرية والجوية والطيران (15 يناير 2021م) والبنك المركزي الإيراني (20 سبتمبر 2019م) ومؤسسة المستضعفين (18 نوفمبر 2020) ومؤسسة الإمام الرضا ولجنة تنفيذ أوامر الإمام (13 يناير 2021م) فضلا عن عدد من الشركات والمؤسسات ذات النشاط المتنوع، بوصفها كيانات داعمة وممولة للإرهاب والتنظيمات الإرهابية في المنطقة.
‌ب. إدراج FATF إيران على قائمتها السوداء
إذ مجموعة العمل المالي إيران ضمن القائمة السوداء في فبراير 2020، التي قلصت من قدرات إيران على الارتباط بشبكة البنوك الرئيسية في الصين وروسيا، فضلا عن البنوك الصغيرة، الأمر الذي أدى إلى: حرمانها من الحصول على الخدمات البنكية، ورفع تكلفة نقل الدولار من وإلى الاقتصاد الإيراني، وهو ما سوف يساعد إلى جانب العوامل الأخرى إلى استمرار الانكماش في حجم الإنتاج القومي السنوي.
وتكمن أهمية العقوبات على إيران في كونها ستقلص قدرتها على مواصلة دعم معظم المليشيات التابعة لها أو دفع مخصصاتها المالية.
– العمليات النوعية
أ. عمليات داخلية:
تمثلت في استهداف علماء برنامجها النووي والصاروخي، وتفجير جانب مهم من منشأة نطنز النووية، ومجمع بارچين العسكري، فضلا عن الهجمات السيبرانية التي عطلت عددا كبيرا من أجهزة الطرد المركزي، والسطو على أخطر وثائق البرنامج النووي والصاروخي.
ب. عمليات خارجية:
تمثلت في تعريض أمنها القومي للتهديد بسبب نشوب الحرب بين أرمينيا أذربيجان حول مرتفعات قره باغ (27سبتمبر ـ 10 نوفمبر 2020م) التي فرضت وضعا جيوسياسيا جديد بمنطقة القوقاز لا تمثل إيران محورا مهما فيه، مقابل زيادة الوزن النسبي لتركيا، وتعزيز العلاقات الإسرائيلية الأذربيجانية على المستويات الأمنية والعسكرية والاقتصادية. فضلا عن زيادة احتمالات تراجع فرص مرور خطوط نقل الطاقة من تركمانستان وكازاخستان إلى أوروبا، عبر أراضيها. إلى جانب استمرار تعرض عناصر الحرس الثوري والعناصر التابعة له لضربات العسكرية الإسرائيلية المؤثرة على الأراضي السورية.
– احتمال تفكك تحالف المقاومة
أ‌- ضعف الروابط الأيديولوجية بين إيران وبعض شركائها بتحالف المقاومة، الأمر الذي يزيد من احتمال حدوث انقسام بين المليشيات العراقية لأسباب تتعلق باختلاف المنظور السياسي للحكم بين السيستاني وخامنئي.
ب‌- تزايد اتجاه الجماهيرية العربية لتغليب الانتماء الوطني على الانتماء الطائفي.
ت‌- انفصال المصالح السياسية بين إيران وبعض شركائها بمحور المقاومة، مثل انفصال حماس عن إيران، وابتعاد مقتدى الصدر عنها.
ث‌- عرقلة الأهداف الإيرانية ومصالحها مع سوريا، بفعل تحسن علاقاتها مع محيطها العربية، في ظل احتاجها لإعادة الإعمار.
ج‌- تراجع مستويات التعاون الحالي بين إيران وروسيا في سوريا؛ خاصة أن طهران تدرك أن الروس غالبًا ما يتخلوا عن حلفائهم بفعل اتفاقيات تسوية مع الولايات المتحدة وحلفائها.
– البيئة المناوئة
‌أ. الرفض الأمريكي:
تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى إضعاف نفوذ إيران الإقليمي عبر قطع دعمها لتحالف المقاومة، ولكن ذلك يتطلب استراتيجية إقليمية واسعة لاحتواء وإضعاف هذا التحالف المقاومة في كل ركيزة من ركائزه وتدمير كل هؤلاء الشركاء. ولكن مع ضرورة وجود بدائل تحظى بثقة للولايات المتحدة وحلفائها، خشية أن يؤدي تقليص دعم إيران لحلفائها في سوريا والعراق واليمن مثلا إلى خلق فرص جديدة لإعادة ظهور داعش أو القاعدة، قد يستغل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية تراجع الحوثيين لتوسيع نفوذه. وهو الأمر الذي يتطلب تحديد الأولويات وتقييم المخاطر بشكل واقعي.
ب. الرفض الخليجي:
باستثناء عمان، إخلال إيران بالتوازن الإقليمي، ومن ثم قامت السعودية بتسليح الجماعات السلفية في العراق وسوريا بمساعدة تركيا وقطر، وسعت لإنشاء محور سني بمساعدة تركيا ومصر لمجابهة محور المقاومة كما سعت للإطاحة بنظام الأسد ودفع حماس بعيد عن إيران نقل مكاتبها من دمشق إلى العواصم السنية. وقد وصلت محاولة المملكة العربية السعودية لاحتواء إيران إلى درجة العمل على إنشاء محور سري يقوم على اتفاق غير مكتوب مع النظام الصهيوني لمواجهة طهران، ومدها بمعلومات استخباراتية تتعلق بتنفيذ عملياتها العسكرية في اليمن.
‌ج. الاتفاق العربي الإسرائيلي:
على خطورة الدور الإيراني بالمنطقة، وأهمية التصدي له، وهو الأمر الذي ترجمته الاتفاقات الإبراهيمية، التي أبرمت خلال الربع الأخير من 2020م، وتم بموجبها تطبيع علاقات بعض الدولة العربية، وعلى رأسها الإمارات والبحرين، مع إسرائيل. ومنحها صفة التواجد الرسمي على الشاطئ المقابل لإيران بمياه الخليج العربي، فيما يمكن أن يدخل ضمن عملية الإعداد لتطويق النفوذ الإيراني.
‌د. ضم إسرائيل إلى سينتكوم:
إذ تم نقلها من القيادة الأوروبية للجيش الأميركي إلى قيادة المنطقة الوسطى سينتكوم المسئولة عن الشرق الأوسط وآسيا الوسطي، 15 يناير 2021م، وذلك ضمن الامتداد الطبيعي للاتفاقيات الإبراهيمية، التي شرعت الأبواب لتحقيق هدف استراتيجي بالمنطقة يتمثل في قيام حلف أمني إسرائيلي – عربي مضاد لإيران.
ه. الرفض التركي:
لأن تمدد نفوذ إيران الإقليمي يهدد مصالحها وطموحاتها الإقليمية هي الأخرى، إذ تحاول أن تكون اللاعب الأول الذي يتمتع بأكبر قدر من التأثير في المنطقة، من خلال إنشاء خطوط لنقل النفط والغاز الخليجي إلى أوروبا عبر أراضيها، وهو أمر يمكن أن يضر بالاقتصاد الروسي والإيراني. كما يتضمن إنشاء خط اتصال بري مباشر مع دول الخليج عبر الأراضي العراقية، مما يعني توصيل أوروبا بدول الخليج مباشرة، فضلا عن إنشاء خطوط أنابيب لنقل المياه من تركيا إلى دول الخليج وإسرائيل، والتي ستمر عبر العراق أو سوريا ثم الأردن، ومنها إلى دول الخليج العربي وإسرائيل. لكن هذا المشروع لاقى معارضة عراقية وسورية، لأنه يقلل من حصص المياه لهذه الدول من نهري دجلة والفرات.
و. التحفظ الروسي:
تدرك إيران أن روسيا تستهدف تعظيم المردود السياسي والعسكري والاقتصادي لتواجدها بالشرق الأوسط، مع تقليص الفرص قصيرة المدى للجهات الفاعلة المتنافسة. وأن سياستها تسمح بمزيد من حرية العمل إلى الحد الذي يمكنها فيه تضمين الجهات الفاعلة المتنافسة مثل المملكة العربية السعودية وإيران وإسرائيل في سلة دبلوماسية خاصة بها. ومن ثم تمكنت من التعاون عسكريًا مع إيران، وأبرمت اتفاقيات عسكرية مع السعودية، وتبادلت المعلومات الأمنية والاستخباراتية مع إسرائيل.
3. الخيارات القائمة
تواجه إيران ثلاثة خيارات فيما يتعلق بنفوذها الإقليمي على النحو الذي تمارسه اليوم:
الخيار الأول: تقليص التزاماتها الإقليمية بسبب الأزمة الاقتصادية بالداخل، إذا لم تشهد تهديدات استراتيجية من قبل منافسيها الإقليميين.
الخيار الثاني: في حال تصاعد التوترات الإقليمية، وتحسن الوضع الاقتصادي لإيران، وتعزيز قوة حلفائها في بلدانهم، وفي هذه الحالة فإن المحور سيصبح عدوانيًا. وتواصل إيران تنفيذ سواء على المستوى الحالي أو التوسع إلى مناطق جديدة مثل فلسطين ودول الخليج العربي وأفغانستان.
الخيار الثالث: بحسب بعض الاعتبارات الداخلية، يمكن لإيران الانسحاب من بعض المناطق كاليمن، أثناء محادثات السلام، مع الحفاظ على موقعها في بعض المناطق الأخرى مثل العراق وسوريا، وفي غضون ذلك، بحسب حزب الله في لبنان، إن توطيد موقفها الداخلي سيعطيها استقلالية في العمل أكثر مما كانت عليه في الماضي.
                                        .. انتظروا الجزء الخامس من الدراسة: “الوضع الجيوسياسى الراهن” ..
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version