امتد تأثير الأزمة الاقتصادية الضارية التي تعاني منها إسرائيل بعد انتشار الموجة الثانية لفيروس “كورونا” على المجتمع الإسرائيلي من حيث ارتفاع معدلات البطالة وضيق العيش، مما دفع الجمهور إلى الخروج والتظاهر ضد أداء الحكومة وإدارتها للأزمة. توافقت هذه المظاهرات مع نتائج استطلاع رأي أجراه “المعهد الديمقراطي الإسرائيلي”، أظهر أن الجمهور غير راض عن أداء الحكومة في إدارة هذه الأزمة، كذلك أشارت البيانات الصادرة من مؤشر “جوتمان” الإسرائيلي الـشـهـري للرأي العـام وبحوث السياسـة في المعهد الديمقراطية الإسرائيلي أن 60٪ من الجمهور في حـالـة “قلق مـالي [1].

وكان الكنيست قد وافق في القراءة الثانية والثالثة على مشروع قانون لزيادة الميزانية، وبموجبه سيتم إضافة 25 مليار شيكل على الميزانية المستمرة من 2019 للتعامل مع جائحة “كورونا” ودعم الفئات المتضررة في المجتمع من خلال حزمة من المعونات، هذا بالإضافة إلى الزيادة التي أُقرت بالفعل في شهري إبريل ويونيو وقدرت بحوالي 50 مليار شيكل.

لم تلق الخطة الاقتصادية التي وضعتها الحكومة دعم الخبراء الاقتصاديين في إسرائيل، ورأي البعض أنها تصب في صالح السياسيين فقط، حيث أكد الدكتور “مايكل شارل” كبير الاقتصاديين السابق في وزارة المالية: “إن الخطة الاقتصادية لوزير المالية ورئيس الوزراء هي خطة لتشجيع البطالة. وإنها توفر شبكة أمان -لكنها ليست خطة اقتصادية. إنها خطة تعوق بشدة نمو الاقتصاد”.

 وعلى الرغم من حزمة الإجراءات الاقتصادية التي وافق عليها الكنيست، والتي وصفها الخبراء الاقتصاديون بأنها خطر على الاقتصاد، إلا أنها لم تُلب طموح الجمهور، ولم تنقذ نتنياهو الذي حددت المحكمة موعدًا لمحاكمته فأعلن رفضه إقرار الموازنة، وهو الحل الوحيد الذي سيسمح له بالتوجه إلى انتخابات جديدة دون أن يصبح جانتس تلقائيًا رئيسًا للوزراء[2].

وتعتقد محافل سياسية إسرائيلية أن نتنياهو يسعى إلى خلق حالة من الفوضى داخل الائتلاف الحكومي بهدف تهيئة أجواء في أوساط الجمهور، بأنه لا يمكن الاستمرار على هذا المنوال ولا مفر من حل الحكومة.

القطاع المالي:

استطرادًا لآثار الأزمة الاقتصادية الحالية؛ تُشير البيانات والأرقام الواردة من المؤسسات الاقتصادية الكبرى في إسرائيل ومنها البنك المركزي إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي سيواجه صعوبات كبيرة في التعافي من الأزمة التي وُصفت بأنها “أسوأ أزمة اقتصادية مرت على إسرائيل”، مما دفع الخبراء لمطالبة الحكومة الإسرائيلية بدعم الشيكل وتعزيزه مقابل سلة العملات الأخرى.

وعلى صعيد التعاملات المالية وسوق المال؛ استمرت البورصة الإسرائيلية في تسجيل مؤشرات سلبية على الرغم من التداول الإيجابي الذي ميز الأسبوعين الأول والثاني؛ حيث شهد الأسبوع الأول ارتفاع الأسعار في معظم مؤشرات الأسهم الرائدة، وجمعت سوق السندات في البورصة 715 مليون دولار في أربعة اكتتابات عامة. كذلك شهد الأسبوع الثاني ارتفاعًا في أسعار الأسهم، حيث ارتفع مؤشر “تل أبيب 35” بنسبة 0.71٪، ومؤشر “تل  أبيب125 ” بنسبة 0.84٪، ومؤشر “تل أبيب SME 60” بنسبة 1.28٪. وبرز مؤشر النفط والغاز عندما صعد نحو 11.45٪، بينما ارتفع مؤشر تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات بنسبة 1.32٪، وانخفض مؤشر البنوك بنسبة 0.49٪.

تراجعت الأسهم في التداول الرابع من الأسبوع الثالث، وانخفضت الأسعار على خلفية الإغلاق المختلط في الولايات المتحدة والاتجاه المختلط في آسيا، وذلك تزامنًا مع ارتفاع أعداد مرضى فيروس “كورونا” في العالم مجددًا، والعودة إلى سياسة الإغلاق[3].

وكان البنك المركزي في إسرائيل قد أعلن أن المؤشر المشترك لحالة الاقتصاد انخفض بنسبة 1.8٪ خلال شهر مايو، بعد انخفاض بنسبة 0.7٪ و1.6٪ في مارس وأبريل على التوالي. ويُعد انخفاض المؤشر في مايو هو الأكثر حدة منذ أكثر من 20 عامًا ويدل على عمق الأزمة[4].

وفي محاولة منه للتعامل مع الأزمة؛ أعلن محافظ البنك المركزي “أمير يارون” أن سعر الفائدة سيظل عند 0.1٪، ووفقًا للبيان الصادر من البنك؛ انخفض مدى التباطؤ الاقتصادي من 36٪ في ذروة الأزمة إلى حوالي 12٪.

ويقدر قسم الأبحاث التابع للبنك أن الاقتصاد سوف ينكمش بنحو 6٪ بحلول عام 2020 بافتراض عدم تشديد إجراءات الغلق مرة أخري. وتُشير التقديرات الأولي للمحاسب العام للدولة عن للعجز وتمويله إلى أن نشاط الموازنة الحكومية في يونيو قد سجل عجزًا قدره 12.2 مليار شيكل، مقارنة بشهر يونيو من العام الماضي عندما تم تسجيل عجز في الموازنة بلغ 6.9 مليار شيكل. وعلى الرغم من ذلك سجل الاقتصاديون في البنك المركزي تفاؤلهم من خلال تقريرهم الأخير بشأن سعر الفائدة، حيث تم تخفيض توقعات النمو السلبية لعام 2020 من سالب 5.3٪ إلى سالب 4.5٪.

أشار تقرير البنك المركزي أيضًا إلى انخفاض ​​الاستهلاك الخاص بنسبة 6.5٪ بحلول عام 2020، على الرغم من الانتعاش الجزئي الذي بدأ في الربع الثالث. وتوقع التقرير أيضًا أن انخفاض الاستثمارات بنسبة 13.5٪ في عام 2020، والارتفاع مجددًا بنسبة 5.5٪ في عام 2021، وارتفاع معدلات البطالة (بين الفئات العمرية الرئيسية) إلى 9٪ في الربع الأخير من عام 2020[5].

الطاقة والموارد الطبيعية:

سجلت مبيعات الغاز في إسرائيل انخفاضًا ملحوظًا مقارنة بالأعوام السابقة، ويُعد قطاع الطاقة من أكثر القطاعات الاقتصادية تأثرًا بالأزمة الحالية نظرًا لانخفاض الطلب عالميًا، حيث سجل الدخل من مبيعات الغاز في إسرائيل عائدًا أقل من الضرائب بنحو 674 مليون شيكل، مقارنة بـ 358 مليون شيكل في الربع المقابل من العام الماضي. تضاعفت الأرباح قبل احتساب الفوائد والضرائب والاستهلاك وسداد الدين إلى 580 مليون شيكل، بينما حقق الربع الثاني من العام الحالي صافي دخل من نشاط الطاقة في إسرائيل بلغ 158 مليون شيكل، مقارنة بـ 104 مليون شيكل في الربع المقابل من العام الماضي[6].

وعلى صعيد التعاون الدولي؛ أعرب الخبراء الإسرائيليون عن قلقهم من الكشف الذي أعلنت عنه شركة الطاقة الإيطالية “إيني” في مصر، حيث أعلنت الشركة عن اكتشاف طبقة غاز كبيرة يبلغ سمكها 152 مترًا. وتعتقد “إيلا فرايد” الخبيرة الاقتصادية في “لئومي كابيتال ماركتس” إن اكتشاف “إيني” للغاز في مصر سيضر قطاع الغاز الإسرائيلي، وسيكون له تأثير من سلبي إلى معتدل على معدل الصادرات وعلى تسعير عقود الغاز الرئيسية في إسرائيل[7].

وفي مجال الطاقة أيضًا؛ وقعت شركة الطاقة العملاقة “شيفرون” اتفاقية ملزمة للاستحواذ على شركة “نوبل إنرجي”، التي تمتلك حقول “تمار” و”ليفثان” للغاز الطبيعي، مقابل 5 مليار دولار. وتنظر “برندا شافر” المستشارة العالمية في شؤون الطاقة، إلى عملية الاستحواذ تلك بأنها انعكاس مذهل للدفء في العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج. ولكنها في الوقت نفسه أعربت عن قلقها من احتفاظ “شيفرون” بالأصول الإسرائيلية أو بيعها، لأن ذلك يعتمد على عوامل تجارية بحتة[8].

أما فيما يتعلق بالمياه ومحاولات إسرائيل الدؤوبة توفير احتياطي استراتيجي لحل مشكلة نقص المياه؛ أعلنت إسرائيل ولأول مرة عن قرب البدء في ضخ المياه على نطاق واسع من وسط إسرائيل إلى بحيرة طبريا. وأفاد موقع “يديعوت أحرونوت” أن ذلك يتم في إطار الحفاظ على التزام إسرائيل بتوصيل مياه من البحيرة إلى الأردن بموجب اتفاق السلام بين البلدين، ولضمان بقاء البحيرة خزانًا استراتيجيًا للمياه[9].

 

قطاع الأعمال والصناعة:

تواجه إسرائيل حقيقة فقدان أكبر شركاتها في مجال الطيران والشركة صاحبة الاسم الأشهر تجاريًا وهي شركة “إل – عال”، التي لا زالت تعاني من صعوبات مالية قد تؤدي إلى دفعها لقبول عرض بشراء أكثر من نصف أسهمها من قبل أحد المستثمرين. وكانت شركةإل- عال” قد أرسلت رسالة إلى وزير المالية “إسرائيل كاتس” ووزيرة النقل “ميري ريجيف” تُطالب فيها على الفور بالإفراج عن الأموال الفائضة والمتراكمة في صندوق تعويضات موظفي الشركة والتي تقدر بحوالي 230 مليون شيكل[10].

وأوضحت الشركة أنها تحتاج إلى هذه الأموال من أجل إدارة تدفقها النقدي، وحذرت من وضع الشركة الخطر الذي قد يؤثر على استمرارها على المدى القريب، وأشارت إلى أن عدم استلام الأموال يعني انهيار الشركة.

وعلى الصعيد ذاته؛ كشفت شركة “إل- عال” النقاب عن عرض لرجل الأعمال “إيلي روزنبرج” لاستثمار 75 مليون دولار في الشركة مقابل 44.99٪ من أسهمها. ووفقًا لهذا العرض تصبح قيمة الشركة 95 مليون دولار، وهو أعلى بنسبة 5٪ من قيمتها في البورصة.

بموجب العرض، سيستثمر روزنبرج 75 مليون دولار في الشركة مقابل 49.99٪ من أسهمها، وللتعبير عن جديته، افتتح روزنبرج صندوقًا مشتركًا في بنك “مزراحي”، وحول فيه 15 مليون دولار[11].

إلى جانب الخسائر الفادحة التي تعرض لها قطاع الطيران؛ تأثرت الصناعات العسكرية أيضًا بصورة كبيرة جراء الأزمة الحالية-وهي واحدة من أهم موارد الاقتصاد الإسرائيلي إلى جانب التكنولوجيا المتطورة- وواصلت مبيعات الأسلحة الإسرائيلية في العام الحالي انخفاضها الذي كانت قد سجلته في عام 2019 حيث سجلت 7.2 مليار دولار، مقارنة بـ 7.5 مليار دولار في 2018، وذلك بعد الطفرة التي سجلتها صادرات الأسلحة في عام 2017 والتي بلغت  9.2 مليار دولار.

وبالنظر إلى خريطة مبيعات الأسلحة الإسرائيلية نجد أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ ظلت أكبر مشتر للأسلحة الدفاعية الإسرائيلية، واستحوذت على 41% من إجمالي الصادرات، تلتها أوروبا بنسبة 26% وأمريكا الشمالية بنسبة 25%. واستحوذت كل من إفريقيا وأمريكا اللاتينية على 4% من مشتريات الأسلحة.

ومن حيث النوع؛ شكلت أنظمة الرادار والحرب الإلكترونية الجزء الأكبر من الصادرات الإسرائيلية بنسبة 17%، تلتها الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي بنسبة 15%. بينما بلغت نسبة الصادرات من الطائرات بدون طيار والطائرات المسيرة 8% من جميع مبيعات الأسلحة، وبلغت نسبة صادرات أنظمة “السايبر” وأنظمة الاستخبارات الالكترونية بنسبة 7%، وذلك بارتفاع طفيف عن العام السابق. يُشار إلى أن المبيعات الإسرائيلية لهذه التكنولوجيا واجهت تدقيقًا متزايدًا في السنوات الأخيرة من قبل الدول التي ترغب في الحصول عليها؛ بسبب مزاعم باستخدامها من قبل بعض الدول للتجسس على المعارضين السياسيين والصحفيين[12].

خلاصة القول؛ تُشير المؤشرات والبيانات الاقتصادية الصادرة هذا الشهر عن سوء إدارة الحكومة الإسرائيلية للأزمة الاقتصادية الحالية والناتجة عن تفشي فيروس “كورونا”، فالأداء الحكومي فشل في اقناع المتخصصين والجمهور على حد سواء، وذلك على الرغم من زيادة المنح الحكومية للعاطلين عن العمل وزيادة أعداد المستحقين.

عكس الأداء الحكومي أيضًا فردية العمل من قبل نتنياهو الذي يصر على العزف منفردًا خارج السرب لتحقيق مكاسب شخصية بتأجيل محاكمته، وسياسية بالدعوة إلى انتخابات جديدة لعدم تسليم رئاسة الحكومة لزعيم حزب “أزرق أبيض” “بيني جانتس”. 


[1] استطلاع رأي: يخشى معظم الإسرائيليين من مستقبلهم الاقتصادي، موقع “القناة 20” 9/7/2020.

[2] نتنياهو: عدم طرح الميزانية العامة والتوجه لانتخابات جديدة، هيئة البث الإسرائيلي “راديو مكان” 23/7/2020.

[3] موقع “talniri “5/7/2020.

[4] المكتب المركزي للإحصاء: تراجع مؤشر الأسعار بنسبة 0.1٪، موقع صحيفة “إسرائيل اليوم” 15/7/2020.

[5] ارتفاع العجز إلى 6.4٪ خلال شهر يونيو، موقع صحيفة “معاريف” 6/7/2020.

[6] مؤشرات نشاط الطاقة في إسرائيل خلال الربع الأول من العام، موقع “bizportal” 1/7/2020.

[7] الاكتشاف في مصر قد يؤثر على سعر الغاز لشركة الكهرباء الإسرائيلية، موقع “ذا ماركر”، 5/7/2020.

[8] خبيرة في مجال الطاقة: شراء شركة “شيفرون” لشركة “نوبل” تعكس دفء العلاقات مع دول الخليج، موقع “تايمز أوف إسرائيل” 23/7/2020.

[9] إسرائيل تبدأ قريبًا بضخ مياه من المنطقة الوسطي الى بحيرة طبريا، هيئة البث الإسرائيلي “راديو مكان” 17/ 7/2020.

[10] إل عال” تناشد وزارة المالية الإفراج عن أموال التعويض لإنقاذ الشركة، موقع “ذا ماركر” 21/7/2020.

[11] إل  عال”: عرض للحصول على نصف أسهم الشركة مقابل 75 مليون دولار، موقع ” bizportal” 20/7/2020.

[12] تايمز أوف إسرائيل، 22/7/2020.

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version