تمكن ستة أسرى فلسطينيين في وقت مبكر من صباح يوم أمس الإثنين من الهروب من سجن جلبوع الإسرائيلي شديد التحصين، في عملية هروب تاريخية هزت عرش المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، ولم تتمكن القوات الأمنية من العثور عليهم أو كشف ملابسات الحادث بدقة حتى الآن، وبهذا يتواصل التاريخ الطويل من عمليات هروب الأسرى التي ترعب إسرائيل، وهو ما يترك كبير الأثر على إسرائيل وعلى السلطة الفلسطينية أيضًا، وهو ما نوضحه في هذا التقرير.
سجن جلبوع
سجن جلبوع هو من أشهر السجون الإسرائيلية وأكثرها قوة وتحصينًا، ويعرف في إسرائيل باسم الخزنة، ويسميه الأسرى الفلسطينيين باسم غوانتانامو إسرائيل نظرًا لقوته، تم إنشاء هذا السجن عام 2004، ويضم بين جدرانه 400 أسير فلسطيني من المتهمين بتنفيذ عمليات ضد إسرائيل أو ممن يشكلون خطرًا عليها. وتعبر عملية الهروب من هذا السجن معقدة للغاية، حيث شهد السجن ثلاث محاولات هروب فاشلة، كان أخرها في عام 2004، عندما هرب أسيرين، وتم إغتيال أحدهم وهرب الأخر.
أشهر عمليات الهروب من السجون الإسرائيلية
شهدت السجون الإسرائيلية العديد من عمليات الهروب من قبل الأسرى الفلسطينيين منذ زمن بعيد، ومن أبرز هذه العمليات:
العملية الأولى:
شهدت السجون الإسرائيلية أول عملية هروب عام 1938 من سجن عتليت، حيث وثقت أول عملية هروب للفلسطينيين من السجون إبان الاحتلال البريطاني، وكان بطلها الأسير عيسى الحاج سليمان البطاط أحد أبرز قادة “ثورة القسام” عام 1936 واستشهد عام 1938.
والبطاط هو أحد الناشطين في النضال ضد الإنجليز بفلسطين، وكانت السلطات البريطانية تشتبه في تورطه بقتل عالم الآثار البريطاني جيمس ليزلي ستاركي في يناير/كانون الثاني 1938.
الفلسطينيين
سجن جلبوع – صورة أرشيفية
العملية الثانية:
كانت العملية الثانية في 31 يوليو/تموز 1958 من سجن شطة، حيث سجّل سجن شطة (شمالي الأغوار) أكبر عملية هروب من السجون الإسرائيلية، حيث خاض نحو 190 أسيرًا فلسطينيًا مواجهة مع سجانيهم، وسيطروا على عدد منهم، فاستشهد 11 أسيرا، وقُتل سجانان إسرائيليان، ونجح آنذاك 77 أسيرًا في الهرب.
العملية الثالثة:
كانت عام 1964 من سجن عسقلان، حيث شهدت عملية هروب فردي للأسير حمزة يونس الملقب بـ”الزئبق” ابن قرية عارة في المثلث (جنوب حيفا) الذي نجح في الهرب من السجون الإسرائيلية 3 مرات.
ـ الأولى من سجن عسقلان في 17 أبريل/نيسان 1964، والثانية من المستشفى عام 1967، والثالثة من سجن الرملة عام 1971 حيث انضم إلى صفوف المقاومة الفلسطينية في لبنان.
العملية الرابعة:
كانت في نوفمبر/تشرين الثاني 1969 من سجن رام الله، حيث تمكن محمود عبد الله حمّاد ابن قرية سلواد (شمال شرق رام الله) من الهروب خلال نقله من سجن إلى آخر، وظل مطاردًا 9 أشهر قبل أن ينتقل إلى الأردن.
العملية الخامسة:
كانت في 27 يناير/كانون الثاني 1983، وتتمثل في هروب الأسير ناصر عيسى حامد من مبنى محكمة الاحتلال برام الله، لكنه قام بتسليم نفسه بعد اعتقال والدته.
العملية السادسة:
وتسمى عملية الهروب الكبير، وكانت في 17 مايو/أيار 1987، من سجن غزة المركزي، حيث نجح 6 من أسرى فلسطينيين في الهروب جماعيًا من سجن غزة المركزي، ومعظمهم محكومون بالمؤبدات، بقيادة الشهيد مصباح الصوري القيادي في “حركة الجهاد الإسلامي”.
العملية السابعة:
كانت في عام 1987 من سجن نفحة، وتتمثل في هروب 3 أسرى من سجن نفحة في النقب، وهم: خليل مسعود الراعي من حيّ الزيتون بغزة، وشوقي أبو نصيرة، وكمال عبد النبي، لكن أعيد اعتقالهم بعد 8 أيام وهم في طريقهم إلى معبر رفح على الحدود مع مصر.
العملية الثامنة:
كانت في عام 1990، بعد نحو 4 سنوات من الاعتقال، ودخوله المستشفى في بيت لحم، إثر تدهور وضعه الصحي بسبب الإضراب عن الطعام، تمكن الأسير عمر النايف من الهرب. بعد مدة وجيزة نجح النايف في المغادرة إلى الأردن ثم إلى بلغاريا عام 1994، وهناك اغتيل في 26 فبراير/شباط 2016.
العملية التاسعة:
كانت في عام 1996 من سجن النقب، وتتمثل في هروب الأسير صالح طحاينة من سجن النقب بعد أن انتحل شخصية أسير مفرج عنه.
العملية العاشرة:
حيث كانت ملاعق الطعام أداة الهروب، ففي عام 2003 بسجن عوفر تمكن 3 أسرى من الهرب من السجن بعد حفر نفق طوله 15 مترًا على مدار 17 يومًا.
ـ عندما لم تتهيأ لهم الأدوات لجأ الشباب الثلاثة (أمجد الديك، رياض خليفة، خالد شنايطة) إلى الحفر بملاعق الطعام، وساعدتهم على ذلك طبيعة الأرض غير الصخرية في تلك المنطقة.
ـ ليلة 22 مايو/أيار 2003: قرر الديك ورفيقاه الهرب، وبعد 5 ساعات من اختفائهم، اكتشف السجانون أمرهم وقت العد الصباحي.
ـ تمكن الشبان من الاختفاء مدة 7 أشهر عاشوا فيها مطاردين، وانتهت حريتهم المؤقتة ليلة 12 ديسمبر/كانون الأول 2003 بعد العثور عليهم قرب قرية كفر نعمة في اشتباك أدى إلى اغتيال رياض خليفة الذي عرف بصفته قائدا “لسرايا القدس” في منطقة رام الله حينئذ، واعتقال أمجد الديك، أما ثالثهما خالد شنايطة فاعتقل لاحقا وأفرج عنه بعد سنوات، واستشهد أيضًا في اشتباك مسلح أيضا عام 2006 شمال بيت لحم.
الأسرى الفلسطينيون الستة – أرشيفية
أسماء الأسرى الستة ومعلومات عنهم
يعتبر الأسرى الستة الهاربين من السجن من منطقة جنين في شمال الضفة الغربية جميعهم، وهم من حركة الجهاد الإسلامي ومنظمة فتح، وهم:
الأسير محمود عبد الله عارضة (46 عامًا) من عرابة /جنين معتقل منذ عام 1996، محكوم مدى الحياة.
الأسير محمد قاسم عارضه (39 عامًا) من عرابة معتقل منذ عام 2002، ومحكوم مدى الحياة.
الأسير يعقوب محمود قادري (49 عامًا) من بير الباشا معتقل منذ عام 2003، ومحكوم مدى الحياة.
الأسير أيهم نايف كممجي (35 عامًا) من كفردان معتقل منذ عام 2006 ومحكوم مدى الحياة.
الأسير زكريا زبيدي (46 عامًا) من مخيم جنين معتقل منذ عام 2019 وما يزال موقوف.
الأسير مناضل يعقوب انفيعات (26 عامًا) من يعبد معتقل منذ عام 2019.
تفاصيل ميدانية عن عملية الهروب
بدء كشف عملية الهروب عند الساعة 1:49 فجرًا يوم الإثنين، عندما كان أحد السائقين في الشارع المؤدّي لمدينة بيسان، ولمَح عدّة أشخاص يركضون في السهول، ليقوم بتبليغ الشرطة. وعند الساعة 1:58، وصلت دورية شرطة إلى المكان وبدأت بالبحث دون أدنى فكرة عن طبيعة الحدَث. وفي تمام الساعة 2:05 فجرًا بالتقريب، أبلغ أحد عمّال محطة الوقود بالقرب من السجن عن شخص غريب يمرّ من خلف المحطة.
وعند الساعة 2:14 فجرًا، أتصل رئيس قسم شرطة بيسان بسجن جلبوع ليُبلغهم حول الشكوك ليتمّ فحص أي هروب محتمل للمساجين. وفي تمام الساعة 3:29 فجرًا، أكتشفت سلطة السجن أنّ هناك ثلاثة سجناء مفقودين من زنزانة رقم 5، قسم 2. وكشفت سلطة السجن عند الساعة 3:59 فجرًا عن هروب ثلاثة سجناء آخرين. وفي تمام الساعة 4:00 فجرًا، أبلغت سلطة السجون الشرطة وجهاز الشاباك وكل الأجهزة الأمنية عن عمليّة الهروب وبدأت عمليّة المطاردة والبحث، وفقًا لما نشره الإعلام الرسمي الإسرائيلي.
وهرب الأسرى من نفق أستمر حفره لمدة عام تقريبا، النفق طوله حوالي 20-25 مترًا، تم حفره بمعرفة عدد محدود من السجناء. وتشير التحقيقات الأولية إلى أن أحد الحراس نام أثناء مهمة الحراسة، وأنه لم يكن هناك من يحرس البرج فوق فتحة الهروب، بعد ثلاثة أميال من خروجهم من فتحة النفق صعدوا إلي سيارة أبعدتهم عن السجن. ويعتقد الأمن أن سيارة كانت تنتظر الهاربين خارج السجن. استنتج المتعقبون ذلك من بركة ماء كانت في مكانها، والتي ينسبونها إلى مكيف هواء السيارة. كما عثر الأمن على آثار أقدام، مما أدى إلى استنتاج مفاده أن الإرهابيين قاموا بتغيير ملابسهم قبل ركوب السيارة وقام أحدهم على الأقل بتغيير حذائه. وتشير التقديرات إلى أن إثنين من الإرهابيين الفارين قد انتقلا إلى الأردن، وأن أربعة آخرين في البلاد. ومن بين الأربعة ، يختبئ إثنان على ما يبدو في مجدل شمس.
تأثيرات عملية الهروب على إسرائيل
تعتبر عملية هروب الأسرى الفلسطينين من سجن جلبوع ضربة قاسية للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية على مختلف مستوياتها، وبحسب المحللين الإسرائيليين تشكل عملية الهروب الجماعي للمعتقلين الفلسطينيين اختراق للمنظومة الأمنية الاسرائيلية، وقد تكون أصابت حكومة بينت لابيد في مقتل أمني، وقد تترك تداعياتها على أجهزة الأمن الاسرائيلية فيما لو ثبت أن هناك قوى خارجية ساعدت السجناء الفلسطينيين على عملية الهروب وربما في الساعات أو الأيام القادمة ستتضح معالم عملية الهروب الجماعي والأخطر على حكومة بينت لابيد والمنظومة الأمنية فيما لو تمكن السجناء الهاربين من تخطي الحدود واللجوء إلى إحدى الدول العربية وقد تصاب الحكومة في مقتل إذا تمكن الهاربين من تخطي الحدود الشمالية في لبنان.
وباتت قضية هروب السجناء الفلسطينيين تترك انعكاساتها على المكون السياسي الفلسطيني، فيما نقلت وسائل الإعلام العبريّة عن مصادر أمنيّةٍ إسرائيلية مطلعةٍ قولها إنّ التفتيش عن الأسرى الهاربين يتمحور في نقطتيْن مركزيتين: الأولى، أنْ يقوم الأسرى بالتوجّه نحو مخيّم جنين، المعروف بمُقاومته وبصلابته، والثاني أنْ يُقرروا الفرار إلى المملكة الأردنيّة الهاشميّة، علمًا أنّ السجن الذي هربوا منه قريبًا جدًا من الحدود الاسرائيلية الاردنية.
بالإضافة إلى ذلك، أوضحت المصادر ذاتها أنّ المؤسسة الأمنيّة الإسرائيليّة تخشى من أن يقوم الأسرى بتنفيذّ عمليّةٍ عسكريّةٍ ضدّ أهداف إسرائيليّةٍ من طرفيْ ما يُطلَق عليه الخّط الأخضر، مُضيفةً أنّ الحديث يدور عن أسرى خطرين جدًا، على حدّ تعبيرها، لذا، أضافت، أنّ التفتيش عنهم لاعتقالهم يجري أيضًا على المُستوى المُخابراتي.
كما أن الشارع الإسرائيلي يشتعل الآن بعد هذه العملية والتي يصفها بأنها تعتبر فشل ذريع، واخفاق كبير وغير مسبوق للمنظومة الأمنية الإسرائيلية بأكملها، كما أن المواطنين في حالة رعب وتخوف من إحتمالية قيام الأسرى الهاربين بتنفيذ أي عمليات داخل إسرائيل، وهو ما تسبب في بقاء المواطنين في المنازل منذ الإعلان عن الحادث، خاصة وأنه وقع عشية الإحتفال بعيد رأس السنة العبرية الجديدة.
تأثيرات عملية الهروب على السلطة الفلسطينية
سيكون لعملية هروب الأسرى الفلسطينين من سجن جلبوع تأثيرًا كبيرًا على السلطة الفلسطينية والفلسطينيين، وتتمثل أهم مظاهر التأثير فيما يلي:
_ ملف الأسرى: فقد تضغط إسرائيل بعد هذه العملية لوقف مفاوضات ملف تبادل الأسرى رغم ضغوطات أسرها الجنود لدى حماس عليها لإتمام الصفقة، خاصة أن موضع تبادل الأسرى يحظى بإجماع الشارع الفلسطيني كاملًا نظرًا لأهميته.
_ ملف التسوية السياسية: فقد تعمل إسرائيل على تعطيل وربما وقف المبادرة الدولية بقيادة مصر للتسوية السياسية الشاملة مع الفلسطينيين.
_ ملف التسهيلات الدولية لقطاع غزة: فقد تستغل إسرائيل هذه العملية في وقف بعض التسهيلات الدولية المقدمة لقطاع غزة وتضيق الخناق أكثر على سكان القطاع.
_ التخوف من قيام إسرائيل بعملية عسكرية موسعة في منطقة جنين بالتحديد، أو في مختلف مناطق الضفة الغربية وغزة من أجل البحث عن الأسرى، وربما الإنتقام من أسرهم، حيث بدأت إسرائيل عملية بحث موسعة صاحبها نشر القوات الإسرائيلة من الجيش والشرطة في مناطق واسعة.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version