تواجه الأحزاب الفلسطينية داخل حدود الـ 48 إشكالية سياسية من حيث اختيار الأسلوب الأمثل للحصول على الحقوق المدنية عبر المشاركة في النظام السياسي الإسرائيلي. وتعجز الأحزاب الفلسطينية داخل إسرائيل عن تكوين جبهة موحدة تمثل جميع التيارات السياسية، فيما يعكس المشهد السياسي في إسرائيلي مدى الانقسام الشديد والأجواء المشحونة بين أعضاء القائمتين المشتركة والموحدة داخل الكنيست.
بداية الانقسام
كانت بداية الانقسام السياسي لفلسطيني الداخل، عندما انشق منصور عباس عن القائمة المشتركة قُبيل الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ليخوض المنافسة كرئيس للقائمة الموحدة ويحصل على أربعة مقاعد، بينما تراجع تمثيل القائمة المشتركة في الكنيست إلى ستة مقاعد. وقد اتسع الانقسام بين القائمتين عندما انضم منصور عباس لحكومة بينيت، وأصبحت القائمة المشتركة ضمن قوى المعارضة التي يتزعمها نتنياهو. ومنذ ذلك الحين بات الخلاف عميقا وعلنيا، بما يهدد التماسك السياسي للمجتمع الفلسطيني داخل حدود الـ 48.
مظاهر الانقسام 
لم يتوقف الانقسام بين أعضاء القائمة الموحدة والقائمة المشتركة عند حد المزايدات السياسية والخطابات الشعبوية، بل بلغ الأمر مداه في المواقف الفعلية تجاه القرارات الحكومية، ومشاريع القوانين التي يقرها الكنيست الإسرائيلي، وقد تمثل ذلك في:-
السياسي
القائمة المشتركة – صورة أرشيفية
1- قانون المواطنة
بدا الخلاف واضحا بين القائمتين فيما يتعلق بقانون المواطنة، وهو قانون عنصري يهضم حقوق الفلسطينيين ويمنع لم شمل الأسر الفلسطينية بزعم الحفاظ على أمن إسرائيل. وبينما أيدت القائمة الموحدة تمديد القانون وفق مطلب الائتلاف الحكومي، فإن القائمة المشتركة أيدت موقف المعارضة وأسقطت القانون لتحقق بذلك انجازا سياسيا، بعدما هزت أركان الائتلاف الحكومي وكشفت مدى هشاشته.
وربما يكون الفائز الأكبر من إسقاط قانون المواطنة، هي القائمة المشتركة برئاسة أيمن عودة، لأن أعضاءها السته هم مَن أسقطوا القانون بعد 18 عاما من التمديد المتواصل. ولقد فعلوا ذلك عن اقتناع شخصي ودون انتظار مقابل أو مصلحة من أحد، كما أنهم وجهوا ضربة لخصومهم من أعضاء القائمة الموحدة التي انقسمت على نفسها خلال التصويت على القانون المذكور.
2- قانون تشكيل لجنة تحقيق في تفشي الجريمة
بلغ الانقسام ذروته عنما رفضت القائمة الموحدة دعم مشروع قانونٍ بالكنيست لتشكيل لجنة تحقيق في تفشي الجريمة والعنف داخل المجتمع الفلسطيني. ففي حين أيد مشروع القانون رئيس المعارضة نتنياهو وحزب الليكود والقائمة المشتركة وأحزاب من اليمين، إذا بالقائمة الموحدة تصوت ضد القانون وتُسقطه بثلاثة أعضاء منها. وكانت النتيجة النهائية 54 صوتًا مؤيدًا و57 صوتًا معارضا.
تحديات القائمة الموحدة:
لم يسبق لأي حزب فلسطيني أن سعى للمشاركة في ائتلاف حكومي إسرائيلي، لِما يمثل ذلك من تخلٍ عن القضايا القومية والوطنية، واعترافٍ بالاحتلال الإسرائيلي. لكن رئيس القائمة الموحدة منصور عباس، قد تبنى خطابا جديدا أسماه “التوجه الجديد”، وهو ينطلق من استعداده للمشاركة في أي حكومة إسرائيلية مهما كانت مكوناتها وتوجهاتها، طالما أنها ستحقق مطالب المجتمع الفلسطيني داخل حدود الـ48. وهذا التوجه الجديد هو الذي شجع يائير لبيد لضم القائمة الموحدة لائتلافه الحكومي، بعدما تعهد بمكافحة الجريمة والعنف في المجتمع الفلسطيني، وتخصيص ميزانيات كبيرة له، وعمل تسوية قانونية لبعض القرى العربية البدوية غير المعترف بها، وإلغاء قانون “كامينتس” الذي يقضي بهدم البيوت الفلسطينية بحجة أنها غير مُرخصة.
لكن القائمة الموحدة، التي تشارك في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي وأصبحت جزءاً مؤثرًا من مكوناته، تواجه العديد من التحديات التي تشكل خطرًا على مستقبلها السياسي، أهمها:-
أ‌- تغير الخريطة الحزبية:
لا يتسم المشهد الحزبي والسياسي في إسرائيل بالاستقرار، بل إنه مرشح للتحول التام بمجرد تنحي نتنياهو من رئاسة حزب الليكود أو انتهاء زعامته للمعارضة، وربما قد يحدث ذلك قريبًا، وعندئذ لن تكون هناك حاجة للاستعانة بأي حزب عربي لتشكيل الائتلاف الحكومي، وستعود أحزاب اليمين وأحزاب المتدينين (الحريديم) لقيادة الحكومة مرة أخرى.
ب‌- استمرار التوجه اليميني:
رغم وجود أحزاب يسارية ضمن الحكومة الحالية إلا أن رئيس الوزراء نفتالي بينيت، ينتمي لحزب يميني متطرف وسيظل متبنيا للمواقف المتشددة فيما يخص القدس وحي الشيخ جراح والنهج العدواني تجاه قطاع غزة، فضلًا عن عدم الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية. ولذا فإن أعضاء القائمة الموحدة قد يجدون أنفسهم في وقتٍ ما أمام مواقف إسرائيلية متشددة لا تتيح لهم الاستمرار في الائتلاف الحكومي حتى لا يخسرون شعبيتهم لصالح أعضاء القائمة المشتركة.
ج- شرعنة الاحتلال الإسرائيلي:
إن مشاركة القائمة العربية الموحدة في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي تمثل خطوة غير مسبوقة لأي حزب عربي، وسيكون لها أبعاد سياسية خطيرة، لا سيما فيما يتعلق بالهوية القومية والوطنية لفلسطينيي 48. وتختلف مشاركة القائمة الموحدة في الائتلاف الحكومي عن مشاركة الأحزاب الإسرائيلية، لأن وجود قائمة عربية يُضفي طابع الشرعية على دولة الاحتلال التي تُشرد الشعب الفلسطيني وتغتصب أراضيه. وهناك من يرى أن مشاركة القائمة الموحدة في ائتلاف حكومة بينيت، لا تختلف كثيرا عن اتفاقيات التطبيع الأخيرة التي وقعتها تل أبيب مع دول الخليج.
د- استمرار النهج العدواني:
إن مشاركة القائمة الموحدة في ائتلاف حكومة بينيت لم يضع حدًا للانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ولم يوقف الاعتداءات على أهالي القدس، أو التهجير القسري في حي الشيخ جراح، أو الحصار على غزة. كما أن حكومة بينيت لم تتعهد بإلغاء قانون القومية العنصري تجاه الفلسطينيين، ولن تكف عن إقرار القوانين المعادية للفلسطينيين، حيث حاولت تلك الحكومة مؤخرا تمديد قانون المواطنة الذي يمنع لم شمل الأسر الفلسطينية. ولا شك أن استمرار النهج العدواني الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، يمثل خطرًا حقيقيًا على المستقبل السياسي للقائمة الموحدة ورئيسها منصور عباس، لأن كل مَن يضحي بالحقوق القومية أمام المصالح المدنية الضيقة والامتيازات الاقتصادية والخدمية فسيخسر حتما في النهاية.
عباس وبينيت ولابيد – أرشيفية
سيناريوهات القائمة الموحدة:
تخوض القائمة الموحدة برئاسة منصور عباس، تجربة غير مسبوقة في تاريخ العمل السياسي، وهي تمارس دورها الجديد بحذر شديد حتى تحقق أكبر قدر من النجاح، فى ظل تحسبها من السيناريوهات التالية:-
1- البقاء في الحكومة!
ينطلق هذا السيناريو من حرص منصور عباس على البقاء في الحكومة، رغم المواقف السياسية المتشددة من جانب الأحزاب اليمينية تجاه القضايا الفلسطينية. ولن يتمكن عباس من تحقيق معظم الإنجازات لفلسطيني الداخل، إلا من خلال بقائه في الحكومة، التي تستند على كل مركب من مركباتها، بما في ذلك القائمة الموحدة. ويعلم عباس جيدًا، أن خروجه من الحكومة سيثبت فشل “النهج الجديد” الذي تبناه، وسيُعطي قوةً للخطاب “الشعبوي” المناهض له من جانب القائمة المشتركة.
2- الخروج من الحكومة
قد يتحقق ذلك السيناريو إذا اندلعت أزمة سياسية، تؤدي إلى خروج القائمة الموحدة من الائتلاف الحكومي، مما سيُسفر عن إسقاط الحكومة. وقد يحدث ذلك جراء اتخاذ الحكومة الإسرائيلية قرارات لا يمكن للقائمة الموحدة قبولها أو تسويقها أمام الرأي العام الفلسطيني، مثل شن عدوان جديد على قطاع غزة، أو دعم الاستيطان في الضفة الغربية أو تصعيد جديد في القدس والمسجد الأقصى.
3- الإطاحة من الحكومة
ينطلق هذا السيناريو من احتمال أن تتخلى أحزاب الائتلاف الحكومي عن القائمة العربية الموحدة. وربما قد يحدث ذلك إذا تفكك معسكر المعارضة بقيادة نتنياهو. وعندئذ سيكون في إمكان الحكومة الإسرائيلية استمالة أحزاب أخرى من التيار اليميني أو الديني، للانضمام إلى الائتلاف، مما سيؤدي حتما إلى التخلص من القائمة الموحدة وإخراجها من الحكومة.
*********
يتضح مما سبق، أن المشهد السياسي لفسطينى 48، قد دخل مرحلة جديدة وغير مسبوقة، بعد قبول القائمة الموحدة الانضمام للائتلاف الحاكم في إسرائيل.
ومن سمات تلك المرحلة:
1- أن القائمة الموحدة ذات التوجه الإسلامي، أصبحت تمثل علامة فارقة في التوجه السياسي للأحزاب الفلسطينية داخل حدود 48، فإذا نجحت مشاركتها في الحكومة الإسرائيلية وحققت المُكتسبات الاقتصادية والاجتماعية، سيتحول المشهد تماما، وسيكون للقائمة الموحدة شأن كبير وكتلة تصويتية يُعتد بها في الانتخابات المقبلة، مما يهدد مستقبل القائمة المشتركة.
أما إذا فشلت القائمة الموحدة في تحقيق المصالح والامتيازات التي تعهد بها الائتلاف الحكومي، فسوف يؤدي ذلك إلى ضياع المستقبل السياسي لمنصور عباس والقائمة الموحدة، مما سيعزز فُرص القائمة المشتركة برئاسة أيمن عودة.
2- رغم أن الائتلاف الحكومي الحالي كان مُضطرا لقبول القائمة الموحدة ضمن مكوناته، إلا أن التجربة الحالية قد تشجع الحكومات الإسرائيلية القادمة على الاستناد على الأحزاب الفلسطينية في الداخل، وسيكون ذلك دون تكلفة كبيرة لأي ائتلاف حكومي قادم، نظرًا لأن الأحزاب العربية ستقبل بما قبلت به القائمة الموحدة، وهو عدم الحصول على أي منصب وزاري والاكتفاء بتخصيص الميزانيات والخدمات للمجتمع الفلسطيني.
شاركها.

تعليق واحد

  1. تنبيه: هروب الأسرى الفلسطينيين من سجن جلبوع .. التفاصيل وتأثيرات العملية! - N.V.D

اترك تعليقاً

Exit mobile version