يشهد شمال موزمبيق تصاعدًا كبيرًا فى العمليات الإرهابية، خاصة بعد إعلان تنظيم داعش السيطرة على مدينة بالما الواقعة فى شمال موزمبيق فى الـ 29 من مارس 2021 وذلك بعد استهدافها بهجوم إرهابى، أودى بحياة أكثر من 2900 شخص وفرار الآلاف، وفق منظمة أكليد المختصة فى تتبع النزاعات، فضلا عن نزوح حوالى 800 ألف آخرين وفق الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من تعهد رئيس موزمبيق فيليب نيوسى، بالقضاء على المسلحين المنتمين لتنظيم داعش فى شمال البلاد، وموافقة الدول الأفريقية الأعضاء الـ16 فى الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقى “السادك”، على نشر قوات للمساعدة فى إنهاء التمرد فى إقليم كابو ديلغادو الغنى بالغاز منذ أواخر عام 2017 ، إلا أنه لم تحدد الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقى عدد القوات التى ستُرسل أو موعد نشرها.
بداية تنظيم حركة الشباب وعلاقته بداعش
موزمبيق
هروب الآلاف من خطر الإرهاب شمال موزمبيق – المصدر/ DW
شهدت منطقة شمال موزمبيق فى عام 2015م ظهور جماعة مسلحة عنيفة، تعرف باسم تنظيم الشباب، وتنتشر تلك الجماعة المتشددة فى المقام الأول فى مقاطعة كابو ديلغادو، وهي تختلف عن حركة “الشباب” فى  الصومال، حيث بدأت كحركة دينية منذ ظهورها لتصطدم مع الدولة، ثم انتقلت إلى تشكيل فصائل عسكرية، ومن ثم الدخول فى حرب العصابات، ثم التعاون مع منظمات إرهابية عالمية. وكانت الجماعة تمتلك في بداية الأمر، ما يقارب 50 مقاتلًا، لكن عددهم ظل يتزايد حتر بلغ الآن 1500 مقاتل يعملون فى خلايا صغيرة على طول الساحل الشمالى بموزمبيق، كما عملت الجماعة على تجنيد عناصر أخرى فى مناطق مختلفة داخل موزمبيق.
وفى يناير 2018م، أعلنت الجماعة من خلال مقطع فيديو مصور انضمامها لتنظيم داعش على غرار جماعة “بوكو حرام”، وتم الاعتراف بها من قبل التنظيم فى أبريل 2019م، ومن هنا صارت تُمثل امتدادًا للتنظيم بوسط أفريقيا بجانب جماعة “قوات الحلفاء الديمقراطية” فى الكونغو الديمقراطية ولاية داعش بوسط أفريقيا، وفى مارس 2020م، أعلن تنظيم داعش سيطرته على منطقة “كيسينجا”، إلى جانب مسؤوليته عن العمليات الإرهابية التى ضربت “كابو ديلجادو”، كما أعلن سيطرته على ميناء ميكيمبو دى برايا بعد قتال عناصره مع أفراد الأمن.
لماذا شمال موزمبيق…؟
هناك عدة أسباب أدت لانتشار الارهاب فى منطقة شمال موزمبيق، نرصد أبرزها فيما يلى..
التهميش الاقتصادى والاجتماعى والتعامل الأمنى العنيف، حيث هيأت الأوضاع المعيشية المتدنية والتهميش والتجاهل الحكومى على كافة الأصعدة، الفرصة لأن تصبح شمال موزمبيق بيئة خصبة لتنامى تنظيم حركة الشباب، وتمكنه من استقطاب المئات لصفوفه، فالإقليم يعانى حالة من التهميش وهو ما تسبب فى ارتفاع معدلات البطالة لتصل إلى 25.4% وذلك بسبب سياسة الحكومة الموزمبيقية فى الاعتماد على عمالة وافدة من زيمبابوى للعمل فى أعمال التنقيب عن الغاز والنفط، فضلًا عن الزيادة المطردة فى معدلات الفقر التى وصلت إلى 63.7% عام 2020، فى حين وصل الدين الإجمالى الحكومى فى العام ذاته إلى 121.3%
كما تُمارس القوات الأمنية فى موزمبيق العنف ضد أى محاولات للتعبير عن الرأى، وهو ما تسبب فى ازدياد حالة الغضب والرفض  من المواطنين للنظام، وهو ما حدث فى أبريل 2017 حينما خرجت تظاهرات غاضبة على قمع القوات الشرطية للمدنيين، لتتحول تلك التظاهرات إلى مواجهات دامية أسفرت عن قتلى وجرحى، وكانت بمثابة نواة لظهور حركة الشباب.
محاولة تنظيم داعش إيجاد مصدر تمويل: بعد الخسائر المتلاحقة التى مُنِى بها تنظيم داعش الإرهابى فى سوريا والعراق سعى لإيجاد مصدر تمويل وبقعة تحتضنه فى العمق الأفريقى، لذا وسع نطاق نفوذه لدولة موزمبيق، مستغلًا حالة التمرد ضد الحكومة، لشن عملياته الإرهابية بعد التعاون مع تنظيم حركة الشباب، لذلك يمكن القول إن التنظيم يعزز انخراطه فى موزمبيق كجزء من سعيه لتوسيع وجوده فى عدة أنحاء من أفريقيا، كما أن الاكتشاف الهائل للغاز الطبيعى فى تلك المناطق بموزمبيق، يدفع الجماعات المتشددة لمهاجمة مناطق الطاقة التى تعمل فيها شركات أجنبية.
الأهمية الإقتصادية لإقليم “كابو ديلجادو” – أرشيفية
الأهمية الاستراتيجية لإقليم كابو ديلجادو: يعتبر إقليم “كابو ديلجادو” من أهم أقاليم المنطقة الشمالية، نظرًا لموقعه الجغرافى المُطل على المحيط الهندى، وتضاعفت أهميته بعد اكتشاف (5000) مليار متر مكعب من الغاز الطبيعى، تحديدًا فى حوض “روفوما” بالقرب من الساحل الشمالى، وتعد تلك الكمية أكبر احتياطى للغاز الطبيعى المسال فى القارة الأفريقية،  وتأتى موزمبيق فى المرتبة التاسعة عالميًّا، لتشكل أرباح صادرات الغاز وفقًا لتقديرات الحكومة حوالى 60 مليار دولار.
فالأهمية الاستراتيجية للإقليم جعلت منه مطمعًا للتنظيمات “الجهادية” التي تسعى للاستيلاء عليه، لا سيما أن السيطرة عليه تمكنهم من التحكم فى بعض الطرق المؤدية للمحيط الهندى، ومن ثم إمكانية استلام الدعم اللوجيستى من الخارج، وتعظيم مواردهم المالية، مما يؤدى إلى توسيع وجودهم واستقطاب الآلاف لصفوفهم.
اختراق مناطق النفوذ الفرنسى: لم يعد الوجود الفرنسى فى أفريقيا مقتصرا على مناطق غرب القارة فحسب، بل تتواجد فرنسا عبر شركة “توتال” للتنقيب عن الغاز فى شرق القارة، وتحديدا فى موزمبيق حيث تقدر تكلفة مشروع الغاز الطبيعى المسال لشركة توتال الفرنسية للنفط والغاز فى موزمبيق بقيمة 20 مليار دولار، ما يشير إلى وجود صراع على مناطق النفوذ بين فرنسا ودول أخرى داعمة للتنظيمات الارهابية التى تهاجم تلك المناطق، كما يؤكد قدرة تلك التنظيمات على اختراق مناطق النفوذ الفرنسى حتى فى شرق القارة الأفريقية..
ضعف الجيش:يعتمد تنظيم داعش فى موزمبيق على عجز القوات المسلحة فى البلاد التى تضم 11200 جندى فقط يتوزعون على النحو التالى: 10 آلاف فى الجيش، و200 بسلاح البحرية وألف بسلاح الجو، وكان من تداعيات ضعف الجيش فى موزمبيق نجاح الإرهابيين فى شن هجوم واسع النطاق، أسفر عن السيطرة لمدة 90 يوما على ميناء موكيمباوا بإقليم كابو ديلجادو فى أغسطس 2020، لكن اقتحام بالما قبل أيام يُعد الإنجاز الأكبر حتى الآن، كونها تشكل تهديدا مباشرا لمنشآت الغاز الضخمة شمال البلاد.
وقوع شمال موزمبيق فى منطقة معروفة بانتشار المخدرات: ومن المعروف أن الشمال الموزمبيقى يقع فى نطاق يعرف بانتشار الهيروين والمواد المخدرة، حيث يتم التعامل مع المخدرات وغيرها من المواد المهربة (مثل العاج والأخشاب والياقوت) عن طريق البحر أو البر عبر الحدود بين تنزانيا وموزمبيق، بشكل رئيسى، حيث تنقل إلى مابوتو وجنوب أفريقيا بعد ذلك، ونظرًا لوجود نسبة كبيرة من البطالة يستطيع أمراء الجريمة تجنيد الشباب العاطلين عن العمل فى شبكاتهم الإجرامية من خلال حوافز مالية مغرية، وهكذا يتمكن المتطرفون من التحرك والعمل بحرية فى المنطقة من خلال وجود حواضن اجتماعية توفر لهم الملاذ الآمن.
فرص وتحديات التمدد فى جنوب أفريقيا
يشكل موقع دولة موزمبيق فى جنوب قارة أفريقيا، الذى يطل على قناة موزمبيق، بين جمهورية جنوب أفريقيا وتنزانيا، تحديًا كبيرًا لدولة جنوب أفريقيا،  خاصة بعد تمدد جماعة الشباب فى مقاطعة كابو ديلجادو وعجز الحكومة على ضبط الأمن وحماية المواطنين، وهو ما يعنى تعرض المستوى الأمنى للانكشاف، وأنه غير مؤهل بالقدر الكافى لاحتواء هجمات التنظيم والسيطرة عليها.
ويمثل نشاط الجماعة فى منطقة حيوية مثل ميناء ميكيمبو دى برايا تهديدًا بالغ الخطورة للمشاريع الاستثمارية  الخاصة بجنوب أفريقيا التى تُقام فى المنطقة، وقد يؤثر على استمرار هذه المشروعات وتعطيل مسيرة العمل بها، كما أن نشاط العناصر الإرهابية يُمثل خطرًا كبيرًا على جنوب أفريقيا من احتمالية انتقاله إليها نظرًا لأنه ينتشر بكثافة، بالإضافة إلى تهديده لجنوب أفريقيا، حيث تدخلت جنوب أفريقيا لمساعدة الحكومة فى مواجهة التمرد الذى اندلع فى شمال موزمبيق في أكتوبر 2017م، وقامت بدعمها بهجمات جوية بطائرات خفيفة، وهو ما وضعها على حافة التهديد من جانب الجماعة التى أعلنت أن تدخل جنوب أفريقيا فى كابو ديلجادو” يدفع الجماعة لتكوين جبهة قتالية ممتدة فى جنوب أفريقيا، ويمكن إجمال مخاطر تمدد التنظيم على دولة جنوب أفريقيا فيما يلى..
* تنفيذ عمليات إرهابية فى جنوب أفريقيا، حيث تمتلك جنوب أفريقيا بنية تحتية متطورة يمكن أن تحفز “داعش” على تنفيذ هجمات انتقامية، خاصة بعد إعلان السادك بقيادة جنوب أفريقيا التدخل لمواجهة الارهاب فى موزمبيق.
* التأثير على استثمارات جنوب أفريقيا، حيث إن لها استثمارات كبيرة فى مشاريع التنقيب عن الغاز الطبيعى فى موزمبيق، ويمثل تمدد التنظيم وتكثيف نشاطه تجاه الجهات الأجنبية العاملة فى المنطقة تحديًا اقتصاديًّا كبيرًا يهدد مشاريع جنوب أفريقيا.
* تداعيات فشل القضاء على بؤر تنظيم داعش بموزمبيق، قد يستدعى استقطاب بعض القوى الدولية الطامحة للعب دور فى القارة، وتوسيع رقعة استثماراتها، وهو ما دلل عليه إرسال موسكو مجموعة “فاغنر” إلى موزمبيق لمساندة القوات الحكومية، ووصول بعض القوات الأمريكية والبرتغالية إلى موزمبيق لتدريب قواتها فى حربها ضد داعش، وهو ما تخشاه دولة جنوب أفريقيا من فقدانها السيطرة على منطقة الجنوب الأفريقى.
* إمكانية انتماء أفراد من جنوب أفريقيا لتنظيم داعش، خاصة مع تعاطف عدد كبير من المواطنين فى جنوب أفريقيا معه وهو ما يهدد الأمن فى جنوب أفريقيا ويعمل على زيادة العمليات الإرهابية داخلها. 
سيناريوهات الأزمة
السيناريو الأول: نجاح قوات السادك فى مواجهة الإرهاب فى موزمبيق
تشكل التحديات العديدة التى تواجه “السادك” عائقًا أمام نجاح هذا السيناريو، وذلك نظرًا لعدم قدرة المنظمة على القيام بمهامها ومواجهة التنظيمات الإرهابية فى شمال موزمبيق، والتى كان أبرزها غياب التوافق بين الدول الأعضاء فى قضايا عدة، وعجز التمويل اللازم للقيام بمهمة مكافحة الإرهاب على النحو المطلوب، فضلًا عن قوة التنظيم واندماجه داخل المجتمع المحلى بالشمال بما يشكل صعوبة مواجهته من قبل القوات الخارجية.
 السيناريو الثانى: إعلان ولاية جديدة لداعش فى شمال موزمبيق
يعتبر هذا السيناريو هو الأخطر، وذلك لأنه فى إطار مساعى داعش لتوسيع رقعته الجغرافية فى أفريقيا، قد يجد في إقليم جنوب أفريقيا بؤرةً جديدة وملاذًا لعناصره ومعسكرات جديدة لتدريب العناصر الجديدة، يساعده على ذلك وجود خلايا داعشية فى بعض دول المنطقة وتوافر البيئة الملائمة لانضمام العديد من الموالين الجدد للتنظيم، فقد شارك نحو 12 مواطنا جنوب أفريقى ضمن صفوف مجموعات داعش التى هاجمت مدينة بالما فى موزمبيق، ما يعنى كثافة نشاط التنظيم في عملية التجنيد والاستقطاب فى بلدان المنطقة، التى تنظر بعض المجتمعات المسلمة فى إقليم جنوب أفريقيا إليه، نظرة مثالية خاصة فيما يتعلق بمشروع بناء دولة عادلة لجميع المسلمين، والدعوة لإنشاء الخلافة الإسلامية “المزعومة”، وهى عوامل تدفع لتجنيد أعداد كبيرة.
السيناريو الثالث: وجود تحالف دولى لمواجهة الإرهاب فى موزمبيق
لا تبدو فكرة تدشين تحالف دولى جديد للحرب ضد داعش فى شمال موزمبيق وإقليم جنوب أفريقيا مطروحة فى الوقت الراهن، وذلك فى ضوء التخوف من فشل تجربة التحالف الدولى فى العراق وسوريا، وتردد دول المنطقة فى انخراط القوى الدولية، خوفًا من تصاعد التنافس والصراع على مواردها مما قد ينتقص من نفوذها وسيادتها، غير أن بعض القوى الدولية مثل فرنسا تتخوف من الانخراط فى مواجهة مباشرة تستنزف قدراتها العسكرية والمادية، برغم حجم استثماراتها النفطية من خلال شركة توتال فى المنطقة والذى يبلغ حوالى 23 مليار دولار، كما أن الرئيس الأمريكى جو بايدن أعلن فى تصريحات مختلفة نيته انتهاج إستراتيجية داعمة للمؤسسات الديمقراطية داخل القارة، كما جاء قرار بايدن بتوقف دعم واشنطن للعمليات العسكرية فى اليمن ليعكس عدم ميل الإدارة الجديدة للخيارات العسكرية.
ختامًا
يظل غياب اتخاذ الإجراءات الفعلية فى منطقة الجنوب الأفريقى بوجه عام وموزمبيق بوجه خاص ضد تهديدات تنظيم داعش دافعًا قويًا نحو تحويل المنطقة إلى ساحة غير مستقرة أمنيًا، فضلًا عن توحش تنظيم داعش فى المنطقة، وبسط نفوذه على مساحات شاسعة فى إقليم جنوب أفريقيا خلال السنوات المقبلة، مما يحمل تداعيات سلبية سوف تعانى منها القارة الأفريقية مثلما حدث مع حركة بوكوحرام فى الغرب الأفريقى خلال العقد الماضى.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version