يُعد إجراء الانتخابات الرئاسية فى الصومال بعد تأجيلها أكثر من مرة والتى فاز فيها الرئيس الصومالى السابق حسن شيخ محمود، إنجازا فى حد ذاته، وذلك لأنها حمت البلاد من الانزلاق فى موجة من العنف خاصة فى ظل ما تقوم به حركة الشباب وتنظيم داعش من أعمال إرهابية داخل الصومال تهدد إستقرارها، فضلًا عن حالة الانقسام السياسى بين الأطراف الصومالية المختلفة.


وقد شهدت الانتخابات الرئاسية منافسة شديدة بين معسكر الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو، ومعسكر المعارضة التى سجلت حضورًا قويًا فى انتخابات البرلمان بمجلسيه، حيث فاز الرئيس الصومالى السابق حسن شيخ محمود وذلك فى الوقت الذى لم يسبق أن فاز أى رئيس سابق بولاية ثانية فى الصومال، وقاد الرئيس حسن شيخ محمود الصومال بين عامى 2012 و2017، ثم خسر فى الانتخابات الرئاسية لصالح محمد عبدالله فرماجو.


وتختلف الانتخابات الرئاسية فى الصومال عن مثيلاتها فى أفريقيا، وذلك لأنها تعتمد على نظام المحاصصة القبلية كأساس لانتخاب أعضاء البرلمان بغرفتيه (الشعب والشيوخ)، بدلا من التصويت الشعبى المباشر الذى تم إجراؤه لآخر مرة فى الصومال عام 1969 ، والذى يتمثل فى إجراء الانتخابات وفق نظام معقد غير مباشر تختار بموجبه مجالس المناطق ومندوبون من عدد من العشائر وفروعها المشرعين الذين يقومون بدورهم باختيار الرئيس، ولكى يتم انتخابه يجب أن يحصل المرشح على أصوات ثلثى النواب وأعضاء مجلس الشيوخ (184 صوتًا) ، وإذا لم يحصل أى منهم على هذا المجموع فى الدورة الأولى، يتم تنظيم دورة ثانية يتنافس فيها المرشحون الأربعة الذين حصلو على أعلى الأصوات، وإذا لم ينجح أى منهم فى هذه الدورة، ينظم اقتراع جديد بين المرشحين اللذين حصلا على أكبر عدد من الأصوات فى الدورة الثانية.


وهذا النظام يعتمد أكثر على مسألة التحالفات والعلاقات وذلك لأنه خلال مراحل الاقتراع، تتبدل استراتيجيات التصويت التى تؤثر عليها الانتماءات العشائرية، وعلى الرغم من الاتهامات التى تواجه هذا النظام الانتخابى فى الصومال، خاصة ما يتعلق بالمحسوبية والمحاباة وشراء الولاءات والانتقائية والإقصاء لبعض القبائل والمرشحين، إلا أن هذا النظام ترتب عنه تداول السلطة فى الصومال بين أكثر من رئيس منتخب، ووجود معارضة قوية استحوذت على عدد كبير من المقاعد فى البرلمان، فضلًا عن أن تطبيق النظام الانتخابى المباشر فى ظل عدم استقرار الأوضاع الأمنية فى الصومال قد يعقد الوضع بشكل أكبر، بل قد تنزلق الصومال فى فوضى كبيرة بسبب الانتخابات قد تصل إلى حرب أهلية.

ملفات أمنية وسياسية واقتصادية بانتظار حسن شيخ محمود

وينتظر الرئيس الصومالى الجديد حسن شيخ محمود، العديد من التحديات، يأتى أبرزها ما يتعلق بمعالجة الأزمات فى الملفات الأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وفى القضايا الدولية والمحلية التى نتجت بسبب اسلوب إدارة الرئيس السابق فرماجو وإتاحته مجال للتدخل الخارجى فى الصومال حيث وضح تزايد النفوذ القطرى والاثيوبى خلال الفترة الاخيرة، بجانب محاولة بعض القوى الاقليمية الأخرى التغلغل فى الصومال والهيمنة على موانئ ومواقع استراتيجية، وذلك بالتوازى مع التحركات التركية حيث أقامت أنقرة أكبر قاعدة عسكرية لها خارج حدودها فى الصومال ، كما قامت تركيا بأنشطة عسكرية عديدة منها تدريب الجيش الصومالى، إلى جانب أنشطة اقتصادية استهدفت تعزيز تواجدها فى منطقة القرن الإفريقى.


على الجانب الاخر أقامت الإمارات قاعدة عسكرية كبيرة فى “أرض الصومال” التى أعلنت استقلالها عن الصومال من جانب واحد ولم تنل إعترافًا دوليًا بعد، هذه القاعدة تقام على موقع بمطار مدينة بربرة فى الإقليم وسمح لها بالبقاء فيها لمدة ثلاثين عاما، وتقع بربرة على بعد أقل من 300 كيلومتر إلى الجنوب من اليمن، هذا التنافس حول الصومال إلى ساحة للصراع بين القوى الإقليمية.


ويمثل مواجهة الجماعات الإرهابية فى الصومال تحديًا كبيرًا للرئيس الجديد، خاصة من قبل حركة الشباب الصومالية الموالية لتنظيم القاعدة، والتى قامت بهجمات إرهابية عديدة سقط على إثرها الآلاف من القتلى، فضلًا عن أنها تعتبر من أغنى الحركات الإرهابية الموالية للقاعدة وذلك بسبب قدرتها على جمع الأموال والسيطرة على العديد من الثروات التى تتمتع بها الصومال، وتطبيق الجباية والإتاوات تحت بنود عدة من خراج وزكاة وضرائب على كل أشكال النشاط الاقتصادى، بجانب نفوذها الكبير فى أماكن هامة مثل ميناء مقديشو، بالشكل الذى يعكس نجاح الحركة فى تأسيس حكومة موازية للحكومة الفيدرالية، فضلًا عن داعش الذى ظهرت فى الصومال للمرة الأولى فى سلاسل جبال جال جالا فى منطقة بارى فى بونتلاند عام 2015 ، لكن الجماعة تمكنت من بسط نفوذها عقب ذلك فى المناطق الجنوبية والوسطى من البلاد بما فى ذلك العاصمة مقديشو.

أرشيفية


ويواجه الرئيس الصومالى المنتخب بجانب ماسبق العديد من التحديات؛ منها العمل على تطبيق الانتخابات الرئاسية المباشرة والذى لم ينجح الرئيس فرماجو فى تطبيقه؛ فضلاً عن استكمال دستور البلاد، وعرضه للتصويت الشعبى لتحويله إلى دستور رسمى، بالإضافة إلى مواجهة المجاعة التى تهدد حياة أكثر من 4 ملايين مواطن صومالى، والعمل على تحسين العلاقة بين الحكومة الفيدرالية والولايات التى شهدت تدهورًا فى ظل حكم الرئيس فرماجو.

التأثيرات المحتملة لفوز حسن شيخ محمود على العلاقات المصرية الصومالية..؟

ترتبط منطقة القرن الإفريقى وجنوب البحر الأحمر بالأمن القومى المصرى، لما تمثله تلك المنطقة من أهمية حيوية لقناة السويس أحد أهم روافد الاقتصاد المصرى ، خاصة فى ظل التهديدات الأمنية فى تلك المنطقة الحيوية ، والتكالب الواضح من الدول الكبرى والإقليمية على ضمان نفوذها فى تلك المنطقة.

وخلال فترة الرئيس فرماجو شهدت العلاقات المصرية الصومالية تراجعًا كبيرًا، وذلك بسبب الدعم الإثيوبى والقطرى والتركى للرئيس فرماجو والذى بدوره أثر على علاقته مع مصر والضغط عليه لاتخاذ مواقف معادية ضد الدولة المصرية، ومنها أزمة سد النهضة، حيث أنه عندما أصدرت الجامعة العربية، قرارًا فى يونيو 2021 بشأن سد النهضة ، شمل أن الأمن المائى لمصر والسودان جزء لا يتجزأ من الأمن القومى العربى، تحفظت كل من جيبوتى والصومال على البند الخامس منه، والذى يؤكد على ضرورة امتناع كافة الأطراف عن اتخاذ أية إجراءات أحادية، دون التوصل إلى اتفاق مع دولتى المصب.

وهذه ليست المرة الأولى التي رفضت فيها الصومال فى ظل حكم فرماجو الوقوف إلى جانب الحقوق المائية التاريخية لمصر والسودان، ففى مارس 2020 ، رفضت وزارة الخارجية الصومالية مشروع قرار قدّمته مصر لجامعة الدول العربية، بشأن سدّ النهضة تؤكد فيه حقوقها التاريخية فى مياه النيل، وقال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولى الصومالى أحمد عيسى عوض، وقتذاك، إن بلاده اتخذت موقفًا محايدًا إزاء ما أسماه بـ”النزاع القائم بين مصر وإثيوبيا”، وأن المشكلة “لن تُحل بالطريقة التى انتهجتها الجامعة العربية، مشيرًا إلى أنهم يأملون فى أن تتخذ الدول الأخرى الأعضاء فى الجامعة بمثل موقف الصومال وجيبوتى.

هذا التغير الداعم لإثيوبيا اُعتبر مفاجئًا بسبب الخلافات التاريخية الكبيرة بين الصومال وإثيوبيا ، فضلًا عن تنافيه مع ثوابت الشعب الصومالى ومبادئه المعروفة تجاه العلاقة مع الدول العربية والحفاظ على الأمن القومى العربى وعلى رأسهم مصر.

أرشيفية

لذلك فأنه مع وصول الرئيس حسن شيخ محمود إلى الحكم، فأنه من المتوقع أن تشهد العلاقات الصومالية المصرية تطورًا إيجابيًا، خاصة مع كل الدلالات التى تشير إلى انتهاج “محمود” سياسة مختلفة عن فرماجو، الامر الذى يتطلب اتخاذ مصر عدداً من المبادرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، التى تدعم العلاقات بين البلدين ، وهو ما يمكن إيجازه على النحو التالى:-

*دعم مصر اقامة سدود لحصاد مياه الأمطار فى الصومال، وتطوير نظم الرى فى ظل محدودية الموارد المائية، خاصة مع ما تعانيه الصومال من ضعف كميات الأمطار المتساقطة عليها مقارنة بالدول الاخرى بالمنطقة.

*سعى مصر من خلال رئاستها لمؤتمر المناخ القادم COP27، إلى تعبئة المجتمع الدولى لدعم الصومال من خلال توفير التبرعات والمنح فى مواجهة المجاعة التى تعانى منها والتى تعتبر إحدى تداعيات ظاهرة التغير المناخى.

*دعم مصر جهود ومساعى الصومال فى بناء جيش وطنى قادر على مواجهة التهديدات الأمنية ومواجهة الارهاب .

*تكثيف الزيارات من قبل القيادة السياسية والمسؤولين المصريين فى المناطق الصومالية التى تعانى من الجفاف مع تقديم مساعدات مادية وغذائية.

*تفعيل دور الأزهر الشريف فى مواجهة الفكر المتطرف فى الصومال ونشر مبادىء الدين الإسلامى الصحيح وذلك فى الوقت الذى ينظر فيه الصوماليون إلى مؤسسة الأزهر الشريف بإجلال واحترام ، لا سيما أن الكثير من النخبة فى الصومال درست فى الأزهر.

*زيادة أعداد الوافدين القادمين من الصومال للدراسة فى مصر وزيادة أعداد المنح الدراسية .

وختامًا يمثل ما أسفرت عنه الانتخابات الرئاسية الصومالية أمل للشعب الصومالى الذى يعانى من ويلات الحرب والتشرد والتهجير واللجوء والمجاعة، فى أن يتم توحيد البلاد والدفع باتجاه فتح نافذة أمل للمستقبل، يتجاوز فيها الصوماليون الانقسامات السياسية والعشائرية، ووضع حجر الأساس لعودة الصومال لقوتها وعراقتها كما كان يطلق عليها سويسرا أفريقيا.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version