أحدثت عملية طوفان الأقصى التى قامت بها حماس أصداء عالمية وإقليمية شديدة، فهذه العملية لم تكن كغيرها من العمليات العسكرية التى تقوم بها حماس والفصائل الفلسطينية، فقد برهنت على الفشل الأمنى لإسرائيل، وأوضحت للجيش الإسرائيلي أنه يمكن اختراق الجدار الإلكترونى والدخول للمستوطنات الإسرائيلية، وأسر أعداد من الإسرائيلين فى مشهد لم تألفه إسرائيل من قبل الفصائل الفلسطينية، مشهد أعاد لهم ذكرى حرب يوم كيبور(حرب اكتوبر١٩٧٣)، حيث تزامنت  تلك الاحداث مع توقيت نصر أكتوبر، وقد تباينت ردود الأفعال الدولية على هذه العملية العسكرية، فنجد الرفض القاطع للعملية العسكرية مصحوب بالإدانة والشجب، والدعم والحياد من دول اخرى.

تفاجأت إسرائيل فى السابع من اكتوبر الماضي ٢٠٢٣م بقيام حركة حماس باطلاق عدد من الصواريخ على إسرائيل بالتزامن مع إحداث ثغرات فى الجدار الإلكترونى الفاصل بين غزة واسرائيل، والدخول لبعض المستوطنات الإسرائيلية ما يقرب من ١٢ مستوطنة وأسر مايقرب من 240 إسرائيلى، واصابة حوالى ٣٠٠٠آخرين، منذ بدء العملية وحتى اليوم السادس  لحوالى 1400[1] قتيل، وايضا الاستحواذ على الدبابات العسكرية والمعدات العسكرية والعودة بها لقطاع غزة، لقد فشلت إسرائيل بهذه العملية فشلا ذريعا فقد تمت العملية  فى الساعة السادسة ونص صباحا، والرد الإسرائيلي تم بعد اربع ساعات، وهذا يدل على فشل استخباراتى إسرائيلى ذريع، مصحوب بفشل أمنى وقد اعترفت القيادات الإسرائيلية بهذا الفشل على مدار الأيام الماضية، ثم أطلقت إسرائيل عمليتها الانتقامية على القطاع بأكمله (عملية السيوف الحديدية).

أدانت الدول الغربية والولايات المتحدة الامريكية عملية طوفان الأقصى، وأكدوا على حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، فيما أدانت الدول العربية الهجوم الانتقامى على قطاع غزة، واوضحت أن العملية العسكرية الفلسطينية التى تمت هى نتاج للسياسات المتطرفة التى انتهجتها الحكومة الحالية، تتطرق تلك الورقة لرصد أهم  ردود الأفعال الدولية الغربية.

  • رصد لأهم ردود الأفعال الدولية على عملية طوفان الأقصى.

يمكن تقسيم ردود الأفعال الدولية على عملية طوفان الأقصى لمعسكرين، الأول بقيادة الولايات المتحدة والدول الغربية والتى تدين العملية وتستنكرها، بينما المعسكر الثانى بقيادة روسيا والصين يرى أنه لا ينبغى قتل المدنيين والابرياء فى غزة ، ويجب وقف الحرب فورًا.

  1. الولايات المتحدة الأمريكية:

أدانت الولايات المتحدة الأمريكية عملية طوفان الأقصى، وأوضح بايدن ان” “الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل وتدعم بشكل كامل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وغرد بلينكن وزير الخارجية الأمريكية قائلًا “”إننا نتضامن مع حكومة وشعب إسرائيل، ونرسل تعازينا للإسرائيليين الذين قتلوا[2]“، ثم أعلن وزير الدفاع الأمريكي عن إرسال حاملات طائرات أمريكية ضخمة لشرق المتوسط ، واضافة لذلك اعلان البحرية الأمريكية عن توجه سفينة القيادة والسيطرة الأمريكية لشرق المتوسط، فى سياق متصل قام رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وزير خارجيته ووزير الدفاع بزيارة إسرائيل مؤكدين على الدعم والتضامن فى ظل إعلان إسرائيل حالة الحرب، وفى سياق متصل طلب بايدن تمويل بقيمة ١٤ مليار دولار لمساعدة إسرائيل واوكرانيا من الكونجرس [3]الأمريكي، كما تبنت الولايات المتحدة الأمريكية الرواية الإسرائيلية التى تتعلق بمجزرة مستشفى المعمدانى فى غزة، حيث تقول إسرائيل أنها لم تستهدف المستشفى وإنما حماس من فعلت هذا عن طريق الخطأ.

  1. دول اوروبا

أدانت فرنسا وألمانيا وايطاليا وبريطانيا واوكرانيا والاتحاد الأوروبي حركة حماس لقيامها بعملية طوفان الأقصى، وقد قام عدد من المسؤولين الاوروبيين بزيارة إسرائيل للتأكيد على مبدأ الدعم والتضامن معها، وأبرزهم رئيس وزراء بريطانيا الذى أعلن دعمه لإسرائيل، كما أعلنت وزارة الدفاع البريطانية عن توجه سفن حربية بريطانية لشرق المتوسط لدعم إسرائيل فى عمليتها ضد غزة.، وأيضًا المستشار الألماني “شولتز” الذى أكد على دعم إسرائيل، كما أعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية تضامن فرنسا مع إسرائيل، والجدير بالذكر أن هذا الدعم المطلق لإسرائيل اختلف قليلا بعد مجزرة مستشفى المعمدانى التى تمت فى قطاع غزة ،وأودت بحياة ما يقرب من ٥٠٠شهيد أغلبهم نساء وأطفال،  وتحول الرأى العام الدولى الغربي انذاك ونادى بضرورة وقف التصعيد لما له من تداعيات خطيرة على المنطقة بأكملها، كما أشار إلى ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة للحد من الكوارث الإنسانية وتنبيه إسرائيل لاحترام القانون الدولى الإنساني،وقد نددت العديد من الدول بهذا الحادث الغاشم على رأسهم رئيس فرنسا ، رئيس المجلس الأوروبي،  ألمانيا،  بريطانيا ، فيما أدان الأمين العام للأمم المتحدة القصف الإسرائيلي ودعا لوقف اطلاق النار وادخال المساعدات والافراج عن الرهائن، وأيضًا أدانت منظمة الصحة العالمية ذلك الحادث .

  1. روسيا والصين

منذ بدء العملية العسكرية فى غزة وروسيا لها موقف واضح وهو ضرورة وقف اطلاق النار ونبذ العنف ، وضبط النفس، والدعوة لمفاوضات جادة لإقامة دولة للفلسطينيين، كما القى بوتين باللوم على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية فى حل الصراع بين الجانب الإسرائيلي والفلسطينى، وقد تبنت الصين الموقف ذاته وشددت على عدم توسيع نطاق الصراع بالمنطقة وعدم التصعيد، إضافة لذلك قامت الدولتان بإفشال اجتماع لمجلس الأمن يهدف لادانة عملية طوفان الاقصي، وقدمت روسيا مشروع قرار يدعو لوقف فورى لاطلاق النار فى غزة ولكنه فشل بسبب الفيتو الأمريكي، وأيضًا أدانت روسيا حادث المعمدانى، وطالبت إسرائيل بصور الأقمار الصناعية لمعرفة الحقيقة.

  1. دول أمريكا اللاتينية

كان لدول أمريكا اللاتينية موقف داعم للقضية الفلسطينية وللفلسطينيين، حيث عبر جوستافو بيترو رئيس كولومبيا عن رفضه لما يحدث للفلسطينيين فى قطاع غزة، ونشر العديد من التغريدات التى تهاجم إسرائيل، حيث شبه إسرائيل بالنازية، الأمر الذى دفع إسرائيل للرد عليه، وفى سياق متصل ادانت فنزويلا فى بيان رسمى ما يحدث فى غزة موضحة  أن الوضع الحالى  “هو نتيجة لعدم قدرة الشعب الفلسطيني على إيجاد مساحة في القانون الدولي للتأكيد على حقوقه التاريخية”[4]، وأيضًا أدانت كوبا مايحدث فى غزة  وأشارت في بيان لها إلى أن هذا التصعيد هو “نتيجة 75 عامًا من انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني وسياسة إسرائيل العدوانية والتوسعية”.[5] وطالبت كوبا بحل شامل وعادل ودائم يسمح للشعب الفلسطيني بممارسة حقه في تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة ضمن حدود ما قبل 1967م وأن تكون القدس الشرقية عاصمة لها.

تبنى امريكا لسياسة ازدواجية المعايير

منذ أكثر من عام ونص على اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية، والولايات المتحدة الامريكية تقف فى صف اوكرانيا وتدين الغزو الروسي لها، بينما أكدت روسيا على دفاعها عن حدودها، فأمدت الولايات المتحدة الأمريكية أوكرانيا بالدعم العسكري الضخم لحربها ضد روسيا[6]،كما فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات اقتصادية على روسيا لتضغط عليها من أجل وقف الحرب فى اوكرانيا، حيث تسعي الولايات المتحدة الأمريكية لكسر الهيمنة الروسية وتحجيمها قليلا بما يحقق مصالحها، فما أن استطاعت اوكرانيا الدخول للناتو، أصبحت حدود روسيا فى خطر، وفى سياق منفصل دعمت الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل فى حربها ضد حماس فى قطاع غزة، ولم تشير اطلاقا لحق الشعب الفلسطيني فى الدفاع عن أرضه ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لارتكاب مجازر بالقطاع دون النظر إلى أن

  • الحرب فى اوكرانيا وروسيا ضد جيشين نظامين، بينما لا يوجد جيش نظامى لفلسطين.
  • فلسطين لا حدود لها وليس لها سيادة .
  • تستطيع إسرائيل قطع جميع سبل الحياة عن القطاع وبالتالى تعرض القطاع لإبادة جماعية، وبالتالى مخالفة القانون الدولى الإنساني فى المادة الثانية من قانون تجريم الابادة الجماعية.

والجدير بالذكر أن العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل كانت متوترة للغاية فى الاشهر الاخيرة، وذلك على إثر السياسات المتطرفة التى انتهجتها الحكومة الإسرائيلية الحالية ضد الفلسطينيين، كتوسيع الاستيطان و زيادة العنصرية والتطرف تجاه الفلسطينيين مثلما حدث فى بلدة حوارة فى نابلس بالضفة الغربية.

  • أهداف الدعم العسكرى الأمريكي لإسرائيل

من المؤكد أن الدعم العسكرى الأمريكي لإسرائيل يثير تساؤلات عدة بسبب قوته واعداده، فليس هين أن ترسل الولايات المتحدة الأمريكية أكبر حاملة طائرات أمريكية فى العالم (فورد) وترسل آخرى (ايزنهاور) ، وليس من الطبيعي إرسال الدول الاوروبية ايضا مساعدات عسكرية وسفن حربية لإسرائيل، وبالتالى توجد دلالات واضحة لمثل هذا الدعم أهمها:

  • الخوف من اندلاع حرب إقليمية فى الشرق الأوسط، وهو ما حذر منه رؤساء العديد من الدول على رأسهم مصر، روسيا ، الصين والولايات المتحدة الامريكية وبالتالى لجأت الولايات المتحدة الأمريكية لاستخدام استراتيجية الترهيب من أجل ردع تطور الصراع بالمنطقة.
  • الحفاظ على المصالح الاستراتيجية الاوروبية و الأمريكية، وهذا لن يتحقق سوى بوجود إسرائيل فى المنطقة، ولهذا ستعمل الولايات المتحدة الأمريكية على إعادة الهيبة لإسرائيل بعد أن فقدتها فى العملية العسكرية الأخيرة، ولعل أبرز تلك المصالح هو الغاز المتواجد فى شرق المتوسط وضرورة الا تسيطر عليه دول معادية للولايات المتحدة الامريكية وأوروبا، وأيضًا الطريق البرى الجديد الذى أعلن عنه الرئيس الأمريكي، ذلك الذى يربط الهند بأوروبا مرورا بإسرائيل، والجدير بالذكر أن هذا المشروع يأتى لتقويض مشروع طريق الحرير الصينى وبالتالى يحد من الهيمنة الصينية بالمنطقة، كما أن السيطرة على غاز شرق المتوسط بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية سيحد من احتياج اوروبا للغاز من روسيا وبالتالى تنخفض الهيمنة الروسية على الغاز الذى تصدره لأوروبا.

التوصيات:

فى ضوء ما سبق ، يرى الباحث أهمية النظر فيما يلى:

  • ضرورة تعميق العلاقات بين مصر والصين، كون الصين حليف قوى وله مصالح عديدة فى المنطقة، وله مصالح مع مصر.
  • ضرورة العمل على اقامة دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧م والتنسيق الدبلوماسي بين الجانب الفلسطيني لتوحيد الصف والجانب الإسرائيلي، حيث لن يتم حل الصراع الا بوجود دولة للفلسطينيين، وبالتالى تدشين مبادرة دولية لوقف اطلاق النار وبدء مفاوضات سلام.
  • استغلال السوشيال ميديا فى الترويج لضرورة اقامة دولة فلسطينية حاليًا، عن طريق حملات الترويج على الفيسبوك و الانستجرام ومنصة إكس، والتنسيق من الجانب الأمريكي للعمل على تحقيق هذا بشكل فورى.

[1] ____   ، היום ה-6 למלחמה: מעל 1,300 נרצחים, אושרה ממשלת החירום בכנס  now14 ,تاريخ الدخول :20/10/2023, לינק : https://www.now14.co.il/%D7%94%D7%99%D7%95%D7%9D-%D7%94%D7%A9%D7%99%D7%A9%D7%99-%D7%9C%D7%9E%D7%9C%D7%97%D7%9E%D7%94-%D7%A0%D7%9E%D7%A9%D7%9B%D7%95%D7%AA-%D7%94%D7%AA%D7%A7%D7%99%D7%A4%D7%95%D7%AA-%D7%94%D7%9E%D7%90%D7%A1/

[2] ירון אברהם , ביידן לנתניהו: תומכים בזכות ישראל להגן על עצמה; רה”מ: תידרש מערכה עוצמתית ממושכת , N12تاريخ الدخول : ٢٠/١٠/٢٠٢٣ ، לינק: https://mobile.mako.co.il/news-military/6361323ddea5a810/Article-6692a299c6a0b81026.htm

[3] ____ ، ביידן לקונגרס: מבקש סיוע מיוחד לישראל בסך 14 מיליארד דולר   ، كالكليست ، تاريخ الدخول : ٢٢/١٠/٢٠٢٣ ، לינק : https://m.calcalist.co.il/Article.aspx?guid=hkvc00ykfp

[4] ___، كيف تفاعلت دول أمريكا اللاتينية مع الحرب في غزة،  الوفاق، تاريخ الدخول ٢٣/١٠/٢٠٢٣، متاح على : https://al-vefagh.net/82525/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B9%D9%84%D8%AA-%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AD/

[5]  المصدر السابق

[6] Joseph Clark, DOD Announces $800M Security Assistance Package for Ukraine, U.S. Department of Defense,  20/10/2023,accsess: https://www.defense.gov/News/News-Stories/Article/Article/3451905/dod-announces-800m-security-assistance-package-for-ukraine/

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version