مثلت الأرض لدى اليهود قضية عقائدية هامة وأساسية فهي الإرث الديني الذي جعله الله أبديًّا كما يتصورون، طبقا للوعد الإلهي.
وكان التيار الصوفي اليهودي صاحب الترويج لفكرة “أرض الميعاد” لخدمة اليهودية بوجه عام واليهود بصفة خاصة، هذا التيار الأيديولوجي كان يلزمه “غطاءٌ سياسي” يدعمه ويفضي إليه بآليات تحدد اتجاهه فتفتقت قريحتهم عن آلية الاستيطان لممارسة الدين والسياسة معًا، فلا يعرف كثيرون أن المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة هي اختراع صوفي يهودي خالص.
إسحاق لوريا - أرشيفية
إسحاق لوريا – أرشيفية
اليهود المتصوفة
يعتقد اليهود المتصوفة أصحاب فكر القبالاة أنه لايمكن تطبيق تعاليم التوراة كاملة إلا فى فلسطين، وأن الإقامة فيها تعد عقيدة دينية، ويعتبرون أن الوجود اليهودي فى الأرض يعنى الارتقاء بهم، أما خروجهم منها فيعني الانحدار والسقوط. وبحسب العقيدة القبالية “فإن إيمان اليهودي قائم على فكرة طهارة التربة الفلسطينية؛ الأمر الذى أدى الى ارتباط شعائر الديانة اليهودية بتقديس أرض الميعاد”.
كذلك فإن النبوءة التوراتية التي تلح في طلب فلسطين بوصفها الأرض المزعومة للميعاد التي يلتقون فيها بالمسيح، وقيام مملكتهم الأبدية، هي فكرة تلقفها التيار الصوفي المتمدين الذي انحرف وراح يبحث في تدابير السياسة لتشييد مملكة التصوف الكبرى عندما يتبنى عملاً كبيرًا مثل حماية إسرائيل روحيًّا، والتهيئة لزعمائها ورعايتهم.
فكرة الاستيطان
ولم تبدأ فكرة استيطان أرض فلسطين تأخذ موضع التنفيذ إلا فى منتصف الثلاثينات من القرن التاسع عشر، عندما بدأت تظهر عمليات شراء الأراضي وكان أول حي سكني يقام فى القدس لليهود هو “حى مونتفيورى” عام 1849 وذلك أثر حصول مونتفيوري على حق السماح بشراء أرض لليهود يقيم عليها مستشفى بفرمان من السلطان عبدالمجيد العثماني، لكنه بدلا من إقامة المستشفى أقام حيا سكنيا لليهود هناك ثم بدأت تتوالى الأحياء حتى وصلت إلى الوضع الحالي.
وقد  ظهرت بعض الشخصيات اليهودية التى تبنت فكر القبالاه (التصوف اليهودي) حيث نادى إسحق لوريا صاحب نظرية التعجيل بالنهاية أو ما يعرف بالقبالاة اللوريانية، بأن الفرد اليهودي يستطيع التأثير فى الارادة الإلهية، لذا فهو المسئول عن الإصلاح الكوني،  وذلك عن طريق إقامة دولة وكيان، الأمر الذى يؤدي إلى تعجيل قدوم المسيح المنتظر.
يهودا القلعى – صورة أرشيفية
فكر القبالاه
وكانت هذه النظرية هى الخيط الأول الذي اعتمدت عليه الصهيونية فى تبرير افعالها لإقامة دولة لليهود. ومن أهم رواد هذه النظرية المتأثرين بالنزعة الصوفية اللوريانية، المفكر اليهودي الحاخام يهودا القلعي (1798 – 1878) حيث دعا إلى بناء المستوطنات اليهودية فى فلسطين تمهيدا لاقامة الدولة، كما دعا إلى قيام هجرات يهودية جماعية إلى فلسطين.
وتضخمت الأمور بمرور الزمن حتى صار  الاستيطان اليهودي في الأراضي المحتلة، وتصفية أهلها بالقتل والإبادة والتطهير العرقي مبدأ عاما داخل إسرائيل، تتفق عليه كافة القوى الدينية والعلمانية. وجاء إفرازًا للتيار الديني الصوفي الذي فرض رؤيته في المستقبل مع تزايد المد الديني في إسرائيل ونزوعه نحو التطرف ومعاداة الآخر.
ومن أبرز الحاخامات الحاملين للواء “القبالاه”، التى تدعو إلى استعجال النهاية وعودة المسيح، الحاخام مناحم مندل شنيئورسون ( 1902 – 1994)، وهو الرابي السابع في جماعة “حبد” الحسيدية والذي وصل تقديسه لـ “لأرض إسرائيل” إلى اعتبار “أنها هي الروح القدس ذاتها”.  كما دعا إلى ضرورة استعجال مجيء المسيح والخلاص عن طريق استيطان واستعمار أرض فلسطين. ذلك هو الفكر الصوفي الصهيوني في احتلال أرض فلسطين.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version