حسين محمود التلاوي

اهتم رواد وسائل التواصل الاجتماعي الإثيوبية بالعديد من الملفات الداخلية والخارجية ذات الصلة ببلادهم، ولكن كان هناك تركيز متوقع على ملف سد النهضة على وقع تصريحات الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب” إزاء مشروعية القلق المصري من السد، ووصفه المشاركة الأمريكية في تمويل المشروع بأنه “غباء”. ولم تحضر مصر في وسائل التواصل الإثيوبية من خلال ردود الأفعال على تصريحات “ترمب” فقط، ولكن كذلك من خلال زيارة الرئيس الصومالي “حسن شيخ محمود” إلى مصر. وبالإضافة إلى ذلك شهدت العلاقات الإثيوبية الإريترية تسخينًا على المستويات كافة؛ وهو ما امتد بطبيعة الحال إلى النقاشات والسجالات بين رواد مواقع التواصل.

“تصريحات ترمب في حاجة إلى رد رسمي”

نشر حساب موقع Addis Standard على موقع فيسبوك دعوة إلى الحكومة الإثيوبية للرد على تصريحات الرئيس الأمريكي حول تمويل بلاده لسد النهضة الإثيوبي، إلى جانب تأكيده على أن السد يشكل خطرًا على إمدادات المياه لمصر. وأكد الحساب في منشوره أن السد ممول “بالكامل من المساهمات العامة والموارد المحلية” مشيرًا إلى أنه لا يشكل أي تهديد لمصر. وقال الحساب في منشوره إن الحكومة يتعين عليها ألا تترك “هذه الادعاءات دون رد”، ويتعين أن تعمل مع الولايات المتحدة لـ”معالجة هذه الروايات المضللة وتصحيحها”. كذلك نشر الحساب تقريرًا عن “الترحيب المصري” بتصريحات “ترمب”.

تعددت تعليقات رواد الحساب على هذين المنشورين، وبالإضافة إلى وجود بعض التعليقات الساخرة من تصريحات “ترمب”، وتصدرت حالة من القلق بين رواد الحساب بسبب هذه التصريحات التي رأوها مؤيدة بوضوح للموقف المصري؛ فإلى جانب التأكيد التقليدي على أن تمويل السد كان محليًّا، كانت السمة السائدة التأكيد على عدم رغبة إثيوبيا في إلحاق الضرر بمصر مع غياب نسبي للهجة التحدي التي كانت تسود التعليقات على أي خبر يتعلق بالخلاف المصري الإثيوبي حول السد. وقد اتضح ذلك حتى في الردود المؤيدة لإثيوبيا على بعض التعليقات التي دعت مصر إلى استخدام القوة العسكرية لحسم ملف السد.

كذلك كان من اللافت بعض التعليقات التي حذرت إثيوبيا من قبول الوساطة الأمريكية؛ لأن الوساطة الأمريكية في تقديرهم تعني فتح المجال أمام التدخل الأمريكي في الشئون الإثيوبية بغرض السيطرة على موارد الدولة مقدمين أمثلة التي وجدت الولايات المتحدة فيها طريقًا للسيطرة على موارد الدول من خلال التوسط في النزاعات.

التقارب المصري الصومالي.. قلق وتحدٍ

الأمر في التعليقات كان مغايرًا قليلًا فيما يخص زيارة الرئيس الصومالي “حسن شيخ محمود” إلى مصر؛ حيث نشر الموقع تحليلًا إخباريًّا ذكر صراحة أن مصر “تستهدف أمن البحر الأحمر” من خلال التعهد بتقوية العلاقات العسكرية مع الصومال، والتأكيد على معارضة مصر لأية تحركات تهدد سيادة الصومال، في إشارة إلى الحوار القائم بين إقليم أرض الصومال الانفصالي وإثيوبيا، لإتاحة منفذ على البحر الأحمر في الإقليم الانفصالي، مقابل اعتراف إثيوبيا باستقلال الإقليم عن الصومال.

جاءت التعليقات على الخبر متحدية فيما يخص رغبة الصومال في تقوية علاقاتها مع مصر. ومع وجود بعض التعليقات المناهضة لمصر، كانت غالبيتها تنصب على الصومال بإشارات إلى هشاشة الدولة الصومالية في مواجهة حركة الشباب، وأنه لولا إثيوبيا لكانت حركة الشباب قد سيطرت على الصومال. ويورد الحساب بشكل متكرر أخبارًا عن تقدم للحركة على حساب القوات الحكومية في مناطق مختلفة من الصومال. لكن بعض التعليقات الداعمة للصومال أشارت إلى أن الكلام عن دور إثيوبيا في تحجيم حركة الشباب غير دقيق؛ لأن القوات الإثيوبية متواجدة في الصومال منذ نحو 15 عامًا دون أن تتمكن من القضاء على حركة الشباب، واعتبر الكثير من التعليقات أن هذا الأمر يدل على عدم وجود رغبة حقيقية لدى الإثيوبيين في محاربة الحركة، بل الاستفادة من وجودها لإضعاف الحكومة الصومالية.

في الواقع فإن لهذه التعليقات المتشككة في جدية جهود إثيوبيا لمحاربة حركة الشباب ما يعززها؛ فقد سبق أن أوردت وكالة رويترز في يوليو 2024 تقريرًا عن أن أسلحة إثيوبية المنشأ كانت في طريقها إلى جهة غير محددة في الصومال وقعت في إيدي ميليشيات محلية صومالية، حيث هاجمت قافلة الأسلحة عند منطقة “أو دواق” وسط الصومال، بسبب ضعف الحراسة على القافلة، وانتهت الأمر بالأسلحة إلى الوقوع في يد حركة الشباب الصومالية من خلال التفاهم مع العشائر التي سيطرت على الأسلحة، أو شرائها من السوق السوداء. وقد تضمنت هذه الأسلحة رشاشات ثقيلة، ومدافع مضادة للطائرات، وقاذفات قنابل آر بي جي. وُصفت هذه الحادثة بأنها “أسوأ انتشار للأسلحة في الصومال” منذ رفع الأمم المتحدة حظر تصدير الأسلحة إلى الصومال. وقد انتقد المسئولون الصوماليون إثيوبيا بسبب دورها في تدفق السلاح إلى الصومال؛ لأن ذلك يعزز من حالة عدم الاستقرار، كما أن السلاح قد ينتهي إلى الوقوع في يد التنظيمات الإرهابية؛ مثل حركة الشباب.

دبلوماسية الاتفاقات الاقتصادية.. مقاربة إبداعية..

ورد مقال على منصة Substack للكاتب “آندرو كوريوبكو” الذي يصف نفسه بأنه محلل سياسي أمريكي مقيم في موسكو، يهتم بالانتقال العالمي إلى عالم متعدد الأقطاب. يقول الكاتب إن إثيوبيا إذا أرادت إنهاء التوترات مع مصر وفي منطقة القرن الإفريقي عمومًا، يتعين عليها اتباع ما سماها “مقاربة إبداعية” بتوقيع اتفاقيات اقتصادية مع كل من السعودية والإمارات، واتفاق أمني مع الولايات المتحدة شبيه بذلك الذي وقعته الكونغو الديمقراطية مع الولايات المتحدة لاستغلال المعادن مقابل التوسط في إنهاء النزاع الكونغولي الرواندي.

يرى الكاتب أن مثل هذا الاتفاق يعزز الاقتصاد الإثيوبي، ويجعل هناك ورقة ضغط إثيوبية على مصر فيما يخص ملف سد النهضة؛ حيث يعتقد الكاتب أن بمقدور السعودية والإمارات الضغط على مصر في هذا الملف استغلالًا للعلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين مصر وهذين البلدين، بالإضافة إلى أن عضوية البلدان الأربعة – مصر وإثيوبيا والسعودية والإمارات – في مجموعة بريكس يمكن أن يشكل إطارًا يحتوي النزاع المصري الإثيوبي. ويقول إن الاتفاق الأمني مع الولايات المتحدة يفيد إثيوبيا في طمأنة الأمريكيين بأن إثيوبيا لا تنوي الإضرار بالدولار بسبب عضويتها في مجموعة بريكس.

حملة شاملة على إريتريا

شنت وسائل التواصل الإجتماعى الإثيوبية حملة شاملة ضده إريتريا، وكذلك وسائل التواصل الإريترية المعارضة المدعومة من إثيوبيا. فعلى صفحات شبكات التواصل الاجتماعي وردت العديد من الأخبار عن إجراءات إثيوبية ضد إريتريا؛ من بينها موافقة إثيوبيا على استمرار تفويض بعثة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في إريتريا؛ لأن الحالة الحقوقية في إريتريا تستدعي وجود تدقيق دولي بشأنها.

كذلك ورد في منصة Substack مقالًا يرى في الرئيس الإريتري “أسياس أفورقي” تهديدًا ليس فقط لاستقرار إثيوبيا، ولكن لاستقرار منطقة البحر الأحمر بأكمله. ينتقد المقال الرئيس الإريتري واصفًا إياه بـ”الديكتاتور” مشيرًا إلى أن اتهاماته إلى إثيوبيا بأنها تحضر للحرب على إريتريا للاستيلاء على موانئ على البحر الأحمر ما هي إلا محاولة من الرئيس الإريتري لصرف النظر عن الأزمات الداخلية في بلاده. ويحاول كاتب المقال “هابتوم جيرزجياهير”؛ وهو أحد الكتَّاب الدائمين في المنصة، أن يفند اتهامات أفورقي لإثيوبيا بالقول إن إثيوبيا ليست في حاجة ماسة إلى موانئ إريتريا؛ حيث يمكن لها العثور على بدائل في جيبوتي والسودان. ويجدد الكاتب انتقاداته إلى إريتريا؛ حيث يشير إلى أنها على الرغم من حجمها الصغير، فإنها تتمتع بتجانس عرقي يكسبها استقرارًا يستغله قائدها في تعزيز حالة الاضطراب في الدول المجاورة، ويؤكد أن استمرار وجوده على رأس الدولة سوف يؤدي يكون له أثر مدمر على الغرب؛ حيث باتت إريتريا بوابة للنفوذ الإيراني والصيني والروسي إلى المنطقة.

وحملة أخرى ضد السودان..

لم تسلم السودان من الانتقادات كذلك؛ حيث نشر الكاتب نفسه مقالًا أشار فيه إلى أن السودان بدأت في التحول إلى منصة للجماعات الإسلامية المسلحة، ومن جديد يشير الكاتب إلى دور الرئيس الإريتري في ذلك؛ حيث يقول إن رئيس مجلس السيادة السوداني “عبد الفتاح البرهان” يحاول التصدي لقوات الدعم السريع المدعومة من الإمارات في إطار الحرب الدائرة حاليًّا بين الجيش السوداني بقيادة البرهان والدعم السريع. ويقول المقال أن البرهان، في سبيل ذلك، يتلقى الدعم من أفورقي في مقابل السماح لإيران بإدخال طائراتها المسيرة وصواريخها إلى الأراضي الصومالية من خلال شبكة تضم جماعة أنصار الله اليمنية (جماعة الحوثي) وإريتريا. ويقول الكاتب إن ذلك يمثل خطرًا وجوديًّا على إسرائيل؛ لأنه يعني تطويق البحر الأحمر لحساب إيران من الشرق عبر اليمن، ومن الغرب عبر السودان وإريتريا. وفي نهاية المقال يدعو الكاتب الولايات المتحدة وإسرائيل إلى منع انزلاق السودان إلى ما يسميه “محورًا إيرانيًّا” جديد غرب البحر الأحمر، ويجدد الدعوة إلى الإطاحة بالرئيس الإريتري “أسياس أفورقي”.

اللافت في هذه الحملة أنها جاءت عقب المقال الذي نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست” عن الموضوع نفسه، والتحذير من أن السودان تحت قيادة رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان قد تتحول إلى منصة للنفوذ الإيراني؛ ما قد يشير إلى وجود حملة منسقة تستخدم فيها إسرائيل أذرعها الإعلامية على شبكات التواصل الاجتماعي لكسب الرأي العام الشعبي في تلك الدول إلى صفها في المواجهة المفتوحة مع إيران.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version