هناك حالة تنافس جديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين طفت إلى الساحة العالمية، ولقد امتدت إلى أفريقيا، حيث أثار النمو الهائل للعلاقات الصينية – الأفريقية في العقد الأخير مخاوف الولايات المتحدة من الدور والحضور المتنامي للصين في أفريقيا، والذي زاد بشكل سريع على كافة المستويات السياسية والاقتصادية وكذلك الأمنية، وهو تنافس يستخدم فيه الطرفان مختلف الأدوات الاقتصادية والسياسية وأساليب الردع العسكري.

حيث انعقد منتدى التعاون الصيني الإفريقي في دورته الثامنة يومي 29 و30 نوفمبر بداكار السنغال، حسبما أكّدت وزيرة الخارجية السنغالية، وفي نفس الوقت أعلنت الولايات المتحدة عن تنظيم الدورة الثانية من القمة الأمريكية الإفريقية العام المقبل خلال جولة لوزير خارجيتها شمل ثلاث دول من بينها السنغال التي تعهّد لها باستثمارات أمريكية بقيمة مليار دولار أمريكي، فما طبيعة ذلك التنافس؟ وكيف تستطيع الدول الأفريقية الاستفادة من ذلك التنافس؟

التنافس الأمريكي- الصيني في أفريقيا:

لم يكن توقيت زيارة بلينكن لأفريقيا عموماً، واختيار السنغال وكينيا ونيجيريا كمحطات في جولته الأفريقية بمحض الصدفة؛ حيث جاءت الزيارة قبل أيام قليلة من انعقاد قمة صينية- أفريقية “فوكاك” في العاصمة السنغالية داكار في نهاية نوفمبر 2021، من أجل تعزيز الشراكة الاستراتيجية والتعاونية الشاملة بين الصين وأفريقيا.

جولة وزير الخارجية الأمريكي لثلاث دول أفريقية- أرشيفية

كما أن الفندق الذي أقام فيه بلينكين خلال زيارته لكينيا كان يستضيف حينئذٍ اجتماعاً لمجموعة الأعمال الصينية-الكينية، فضلاً عن أن الصين تُعد أحد أكبر المقرضين الثنائيين لنيجيريا عبر الاستثمار في تطوير بنيتها التحتية، وهو ما يُشير إلى امتداد التنافس الصيني- الأمريكي إلى الساحة الأفريقية، في ظل رؤية بايدن لبكين بأنها التحدي الأكبر لواشنطن في القرن الحادي والعشرين، يقابلها رؤية الرئيس الصيني شي جين بينغ لواشنطن كأكبر مهدد للتنمية والأمن في الصين.

فلقد حرص بلينكن خلال جولته الأفريقية على توجيه انتقادات غير مباشرة للاستثمارات الصينية في البنبة التحتية الأفريقية، ودورها في إثقال كاهل الدول الأفريقية بالديون في إطار ما يُسمى بـ “فخ الديون”، دون تسميتها صراحةً، وهي تلميحات رد عليها وزير خارجية نيجيريا جيفري أونياما بأن الدين الصيني بلغ نحو 3.121 مليار دولار بنسبة 3.94٪ من إجمالي رصيد الدين العام لنيجيريا اعتبارًا من مارس 2020، وهي نسبة يُمكن تحملها.

فلا تزال تدين دول القارة بالكثير لبكين لحرصها على تعزيز التعاون مع دول القارة عبر بوابة تعزيز الاستثمار في ملفات رأسمالية ضخمة وثقيلة، عزفت الكثير من الدول عن الاستثمار فيها نظراً لتكلفتها العالية بما في ذلك واشنطن، وهو ما أكسب بكين مع الوقت ظهيراً سياسياً أفريقياً.

واتجه بلينكن عند سؤاله عن أبعاد التنافس الأمريكي- الصيني على الاستثمار في البنية التحتية الأفريقية، للتأكيد على أن الأمر لا يتعلق بالانخراط الصيني أو غيره في القارة، وأن المسألة مسألة “سباق إلى القمة”، أي التنافس والتسابق على تعزيز النفوذ في القارة عبر بوابة التنمية والاستثمارات في البنية التحتية الأفريقية، وهو ما يُفسر سبب توقيع بلينكن مع نظيره النيجيرى أونياما على برنامج مساعدات تنموية بقيمة 2.17 مليار دولار، بما يشير إلى بداية الانخراط الأمريكي التنموي في القارة، في محاولة لوضع الأفارقة أمام القبول بأحد الخيارين، أحدهما يتمثل في النموذج التنموي الصيني المُثقل بالديون، وآخر يتمثل في النموذج التنموي الأمريكي المشروط بتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان.

إستراتيجية الصين في أفريقيا:

للسياسة الصينية في إفريقيا بُعداً مهماً يدخل في إطار استراتيجيتها لإضعاف القوى الغربية، وبخاصة الولايات المتحدة، بشكل يخلق وضعاً دولياً ملائماً للمصالح الصينية العالمية، فاستراتيجية الصين في إفريقيا هدفها خلق بيئة تعددية، وهو ما يلقى صدى إيجابياً لدى دول القارة الإفريقية، كما تؤدي الصين دور الناطق باسم الدول النامية التي تدعو إلى خلق بيئة دولية تعددية، وإعادة النظر في الاقتصاد الدولي الذي تراه غير عادل، وينهب حقوق الفقراء.

وهناك ثلاثة صفوف من المشاركين الصينيين الفاعلين في إفريقيا، وهي: الحكومة المركزية، والحكومة المحلية، والشركات المتعددة الجنسيات الصينية، وهذه الفواعل الثلاث تعد بمثابة الانتقال الكبير في الاستثمارات الصينية الإفريقية، وهو ما يُعرَف بـ “القوة الناعمة” الصينية في إفريقيا.

أيضاً، تحترم الصين التكامل الإقليمي لدول القارة، فهي تمزج بين الاقتصاد والقوة الناعمة، وتسعى بذلك إلى إيصال رسالة للعالم مفادها أن العلاقات الصينية – الإفريقية عنوانها: الوحدة، والسيادة.

أرشيفية

إنّ الهدف من النزوح الصيني إلى إفريقيا هو تحقيق غاية واحدة، تتمثّل في الاستحواذ على الموارد الأفريقية، فالصين تحصل على نسبة 9% من نفط إفريقيا جنوب الصحراء بينما يتجه 30% منه إلى أوروبا، ومن هنا تسعى الصين إلى الاستفادة من حصص أعلى وأكثر من نفط إفريقيا.

ومن الوسائل الدبلوماسية الصينية في إفريقيا الدعوة إلى تحسين الأوضاع القائمة في القارة، مثل ما تجلّى تجاه أزمة دارفور، إذ كانت السياسة الخارجية الصينية تدعو إلى مساعدة الحكومة السودانية في معالجة ومواجهة أوضاعها الأمنية الداخلية.

وبحسب الصينيين، فإن الغرب لا يزال يتعامل مع إفريقيا بوصفها مستعمرة، بينما يقوم اهتمام بكين على أساس التنمية الاقتصادية المتبادلة، وتوسيع حجم الاستثمارات، حيث استطاعت الصين من خلال شركاتها العملاقة الحصول على امتياز التنقيب عن النفط في مساحات واسعة من تشاد، ووقّعت شركات النفط الصينية عقوداً مع الكونغو (برازافيل) لبدء استكشاف النفط البحري وإنتاجه، ولبدء عمليات الاستكشاف النفطي في شمال ناميبيا، حيث تتطلع الشركات الصينية إلى إنشاء مصفاة لتكرير النفط هناك، كما تدعو الصين دوماً إلى التعايش السلمي، والإسراع في تقديم جملة من المساعدات الإنسانية؛ لذا برزت الصين في إفريقيا بنموذجها المتمثل في المساعدات المالية والدبلوماسية غير المشروطة، على أنّها قوّة حضارية تفضّلها الأنظمة الإفريقية بجوهر عدم التدخل في الشؤون الداخلية.

وتبرز أهمية الدوّر السياسي للصين في إفريقيا من خلال امتلاكها حق الفيتو، ومن ثم إمكانية تعطيلها صدور أي قرار عن المجلس قد يكون ضاراً بمصالحها، وعلى رأسها استمرار تدفق النفط إليها؛ لذا تحرص دوماً على تفعيل منتديات التعاون الصيني – الإفريقي.

ساهمت مبادرة “الحزام والطريق” في تعزيز العلاقات الصينية – الإفريقية، حيث تحتاج الدول الإفريقية لتمويل وإنشاء مشروعات بنية تحتية، في حين أن بكين تمتلك عدة أذرع وآليات تمويلية، فضلاً عن أن المبادرة تهدف في الأساس إلى ربط أكثر من 70 دولة من خلال إقامة مشروعات بنية تحتية عملاقة.

وتعد القروض الصينية آلية تمويل جذابة للدول الإفريقية، وذلك لأنها لا تتضمن أية رقابة من الجانب الصيني على أوجه صرفها، مما يعني أنه إذا تم تبديد هذه الأموال دون إقامة المشروعات، فستجد الدول الإفريقية نفسها في فخ تراكم ديونها، في حين أن المتابعة الصينية الوحيدة تكون لعمليات سداد هذه القروض بشكل منتظم، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع النماذج التقليدية للمساعدات الإنمائية خاصة القروض، فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، تعطي الأولوية للشفافية، وتطلب موافاتها بوثائق تفصيلية للمشروع، وكذلك تقارير للتقييم البيئي والاجتماعي لآثار المشروع، كما تتم مراقبة مشتريات المشروع ومعدلات التنفيذ.

ولذلك شكلت الاستثمارات الصينية 30% من الدين الخارجي العام لإثيوبيا، و90% من ديونها الثنائية الجديدة، منذ العام 2015، كما تواجه جيبوتي، التي تستضيف أول قاعدة عسكرية تنشئها الصين في الخارج، مخاطر عالية من الديون المحتملة نتيجة الانخراط في مشروعات البنية التحتية في إطار مبادرة “الحزام والطريق”.

قمة فوكاك: –

انعقد المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي (فوكاك) في السنغال في ٢٩ نوفمبر الجاري، وتأتي تلك الخطوة في وقت تكثّف الصين انخراطها في أفريقيا، حيث شارك بها أعضاء المنتدى البالغ عددهم 55 عضوا، مما يظهر الرغبة القوية لدى الصين وأفريقيا لتعميق التعاون الثنائي.

أرشيفية

القمّة الإفريقية الصينية لهذه الدورة موضوعها هو “تعميق الشراكة بين الصين وأفريقيا وتعزيز التنمية المستدامة لبناء مجتمع صيني أفريقي ذي مستقبل مشترك في العصر الجديد”، والتي تسعي لتعزيز الشراكة الاستراتيجية والتعاونية الشاملة بين الصين وأفريقيا ويرسم مسارا للتنمية المستدامة والعالية الجودة للتعاون الصيني الأفريقي، وسيلعب المؤتمر دورا في بناء مجتمع صيني أفريقي ذي مستقبل مشترك في العصر الجديد.

ورغم أهمية هذه القمة إلا أن هناك علاقة غير متكافئة إلى حد كبير، فبعد 21 عامًا من القمم التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ فإن الانطباع السائد هو أن الصين تجني من هذه العلاقة أرباحًا أكثر من شركائها الأفارقة، حيث فشلت إفريقيا في سداد الديون التجارية الهيكلية السنوية التي تزيد عن 20 مليار دولار والتي تطالبها بها للصين، لاسيما مع أنشطة التصنيع المحدودة للغاية تضطر البلدان الأفريقية إلى استيراد منتجات نهائية باهظة الثمن من الصين وتصدير المواد الخام هناك بتكلفة أقل، وتعتمد البلدان الأفريقية على الشركات والدائنين الصينيين لتمويل وبناء البنية التحتية الأساسية للتصدير، ومع ذلك، تواجه الشركات الأفريقية حواجز كبيرة أمام الدخول تمنعها من تصدير السلع إلى أسواق المنتجات ذات القيمة المضافة الصينية.

الإستراتيجية الأميركية في إفريقيا:

شكل تسلم الرئيس جو بايدن السلطة في الولايات المتحدة بداية انطلاقة جديدة في مسار العلاقات الأمريكية – الأفريقية التي شهدت تراجعاً واضحاً خلال حقبة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، الأمر الذي سمح لأطراف دولية منافسة، لا سيما الصين وروسيا، بلعب دور بارز على حساب النفوذ الأمريكي في القارة.

حيث عكست جولة بلينكن الأولى لأفريقيا عدة دلالات، وحملت العديد من الرسائل السياسية لدول القارة، وكذلك لبعض القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في علاقات متشابكة مع القارة وعلى رأسها الصين، كشفت في مجملها عن الحرص الأمريكي على استعادة أفريقيا مكانتها في السياسة الخارجية الأمريكية كشريك استراتيجي مهم وقوة جيوسياسية رئيسية، وذلك عبر مقاربة أمريكية جديدة نحو القارة، بعدما وصلت العلاقات الأمريكية- الأفريقية لأدنى مستوياتها خلال عهد دونالد ترامب، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

جدية أمريكية لدعم دول القارة في مواجهة تداعيات ظاهرة التغيرات المناخية: –

جاءت الجولة الأفريقية عقب أيام من انتهاء قمة جلاسكو للمناخ “المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن التغير المناخي” (كوب 26) المنعقدة على مدار أسبوعين منذ انطلاقها في 31 أكتوبر 2021، والتي تعهدت واشنطن خلالها بالالتزام بوقف تمويل مشاريع مصادر الطاقة الأحفورية بحلول نهاية العام 2022، ويعد ملف الحد من ظاهرة التغيرات المناخية أحد مداخل تعزيز التقارب الأمريكي- الأفريقي من المنظور الأمريكي، وهو ما يُفسر تعهد بلينكن بدعم تعاون واشنطن مع دول القارة لمواجهة التغير المناخي، في ظل عدم وفاء المجتمع الدولي بالتزامه بمنح 100 مليار دولار كل عام للدول النامية لدعم قدراتها على مواجهة تداعيات تلك الظاهرة، وهو ما دفع وزير الخارجية النيجيري جيفري أونياما لمطالبة واشنطن بحث ودفع الدول الصناعية الأخرى على الوفاء بالتزاماتها.

نقاط ارتكاز أمريكا في أفريقيا: –

تحرص واشنطن على تحديد نقاط تمركز جديدة في شرق وغرب القارة ممثلة في البلدان الثلاث (كينيا، نيجيريا، السنغال)، تمثل كل منها أهمية استراتيجية في سياسة واشنطن نحو القارة، حيث تنظر واشنطن إلى كينيا كحليف استراتيجي جديد في شرق أفريقيا له ثقل سياسي واقتصادي، وكذلك نيجيريا، فتكمن أهميتها الاستراتيجية لواشنطن في عدة نقاط: أولها؛ أن الاقتصاد النيجيري يُمثل ثانى أكبر اقتصاد بعد جنوب أفريقيا وثانيها؛ أن نيجيريا تعد أكبر دول أفريقيا من حيث التعداد السكاني بواقع 214 مليون نسمة، وفي ضوء ما تشهده الساحة الأمنية النيجيرية، ومنطقة الساحل من تحديات أمنية أدت إلى تنامي نشاط التنظيمات الإرهابية، فهناك ضرورة ملحة لتعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي الأمريكي- النيجيري لمجابهة الإرهاب.

لذا، قام بلينكن -في خطوة لكسب الود النيجيري- بإزالة نيجيريا من القائمة السوداء للولايات المتحدة للدول التي تنتهك الحرية الدينية قبيل جولته لأفريقيا، وهو القرار الذي سبق وأن اتخذه سلفه مايك بومبيو في عهد الرئيس السابق ترامب.

وإن جولة بلينكن تستهدف كسب أرضية أوسع في مواجهة تمدد نفوذ الصين التي تعمل على توسيع دائرة وجودها اقتصايا واستراتيجيا في جميع أنحاء إفريقيا وهو تحرك تخشاه واشنطن وتعتبره جزءا من جهد كبير لإعادة تشكيل النظام العالمي.

وبالتزامن مع زيارة بلينكن إلى إفريقيا، أعلن البيت الأبيض عن اعتزامه عقد القمة الأمريكية الإفريقية الثانية العام المقبل، بعد أن مرّت ثماني سنوات على الاجتماع الأول في عام 2014، وزعم بلينكن أن الولايات المتحدة ستثبت بأنها ستعود بتحرّكات عملية في إفريقيا، مروّجا بذلك إلى مبادرة بايدن حول “بناء عالم أفضل”، ومع ذلك، فإنه من مشروع “كهرباء افريقيا” الذي أطلقته إدارة أوباما، إلى مبادرة “إفريقيا المزدهرة” التي أطلقتها إدارة ترامب، ثم إلى مبادرة بايدن حول “بناء عالم أفضل”، ظلّت السياسات الأمريكية تجاه افريقيا مجرّد مفاهيم فارغة ينقصها الصدق.

وقد أصبحت البلدان الأفريقية أكثر عقلانية في مواقفها تجاه الوعود الفارغة، حيث انتقد وزير الخارجية الكيني أومامو الولايات المتحدة قائلا، بأنها بحاجة إلى إرسال إشارة مهمة، توضّح للعالم بأنها عادت بالفعل وأنها تهتم بالتنمية في إفريقيا.

كيف تستغل الدول الأفريقية ذلك التنافس:

يمكن أن يكون التنافس الأمريكي – الصيني فيه تنافس حميد لصالح القارة الإفريقية، مثلما هو جيد للقوتين العظميين في سياق تعزيز القوة الناعمة، هو التعاون في مجال الرعاية الصحية ومكافحة الأوبئة، فقد كان للدعم الطبي الصيني والأمريكي دور كبير في مكافحة أمراض مثل الملاريا والإيدز وإيبولا من قبل في إفريقيا، وكذلك في مكافحة وباء كورونا المستجد في إفريقيا عن طريق توزيع اللقاحات المنتجة في البلدين، أو عن طريق الدعم الفني واللوجستي للمستشفيات ومراكز العزل في الدول الإفريقية الأكثر تأثراً بالوباء.

وقد أعلنت واشنطن مؤخراً الانخراط في إفريقيا عبر محورين، أحدهما تمت تسميته “الدبلوماسية الصحية”. بينما ركّز المحور الثاني على تحسين صورة الولايات المتحدة في إفريقيا عبر عدد من المبادرات.

وتجدر الإشارة إلى حرص البلدان علي الاستثمار في السياسة والاقتصاد و مجال البنية التحتية والصناعة بأنواعها المختلفة من صناعة البتروكيماويات والنفط إلى الصناعات الغذائية والدوائية، فبينما اشتهرت الولايات المتحدة بتقديم الدعم الفني والتدريب والمعاهد العليا ومراكز البحوث الصناعية، والذي يُطلق عليه الدعم الناعم (soft)، اشتهرت الصين بتقديم الدعم في البنية التحتية من طرق ومستشفيات وسكك حديدية وشبكات كهرباء، وهو دعم يمكن أن يوصف بالدعم الصلب (hard) في مقابل الدعم الأمريكي.

ويعتبر أداء بعض الشركات مثل (هواوي) نموذجاً لتطور أداء الشركات الصينية في إفريقيا من حيث تشغيل العمالة المحلية أو من حيث توفير التدريب والتأهيل، ويمكن أن تكون الكهرباء والسكك الحديدية أفضل مجالات الاستثمار والتعاون مع إفريقيا بالنسبة للشركات الصينية المملوكة للدولة، خاصة في ظل الدعم الذي تجده هذه الشركات من الحكومة الصينية في إطار “مبادرة الحزام والطريق”.

أما بالنسبة للولايات المتحدة فإن توفير التمويل والدعم الفني والتدريب للمستشفيات ومراكز الأبحاث والجامعات والمسؤولين الحكوميين في المستويات الوسيطة يمكن أن يكون أفضل الطرق للدخول إلى قلوب الأفارقة وعقولهم، وتحتاج الولايات المتحدة إلى استثمار القوة الناعمة بدلاً من القوة الخشنة، والتعاون مع الحكومات والمجتمعات المحلية بدلاً من عقلية العقوبات والوصفات الجاهزة، التي لا تراعي الفوارق الهائلة بين المجتمعات الغربية ونظيرتها الإفريقية من حيث التعليم والبنية التحتية والتطور التاريخي للمجتمعات القبلية في إفريقيا وتقبلها للديمقراطية الغربية، مقارنة بالمجتمعات الغربية.

نأمل في أن تستفيد قيادات وحكومات الدول الإفريقية من هذا التنافس في تطوير القارة التي تحتاج لبنية تحتية تكون الأولوية فيها لتوفير الكهرباء وشبكات الطرق والسكك الحديدية وآبار المياه والمؤسسات الصحية، لتتطور لاحقاً إلى توفير التدريب الفني والمعاهد الصناعية وتدريب الأطُر الوطنية في مجالات الإدارة العامة والحوكمة ومكافحة الفساد، وهي كلها مجالات تعاني إفريقيا من تخلّف شديد وتحتاج لدعم فني ومالي خارجي.

خاتمة

إن السباق الأمريكي الصيني هو عبارة عن مباراة مفتوحة بين نظرتين مختلفتين للتعامل مع القارة، بين مقاربة أمريكية يحتل الأمن مساحة كبيرة فيها، تقابلها استراتيجية صينية تضع الطاقة على رأس الأولويات.

وفي ظل التنافس الشرس بين الصين والولايات المتحدة، وانشغال كل منهما بالآخر وعدم الاكتراث بالدول النامية الإفريقية، فإن هذا الأمر يعد فرصة مواتية لتحقيق مزيد من التعاون والاعتماد الإفريقي المتبادل.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version