ملامح النظام التجاري الأفريقي الجديد

جاءت فكرة تدشين صندوق تنمية الصادرات في أفريقيا (FEDA) عام 2021 كمنصة تنمية جديدة متعددة الأطراف، لدعم مهمة البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد Afreximbank في إحداث نقلة هيكلية ونوعية في قطاعي التجارة والتصدير في أفريقيا، ولتحقيق آثار إنمائية لدول القارة، وذلك من خلال معالجة فجوات (التمويل – الأدوات المالية – القطاعية – الهيكلية)، وتتألف عضوية الصندوق من أحد عشر دولة هي (رواندا – توجو – جنوب السودان – موريتانيا – غينيا – زيمبابوي – الجابون – سيراليون – ساوتومي – غانا – غينيا الاستوائية)[1]، وهو صندوق يدعو إلى[2]:

  • التحول الهيكلي للتجارة الأفريقية.
  • خلق تنمية اقتصادية ملموسة تتوافق مع الأهداف التنموية للدول الأعضاء المكونة لـ Afreximbank.
  • استقطاب استثمارات حيوية لدفع التجارة البينية بين الدول الأفريقية.
  • تعزيز التصنيع وتنمية الصادرات ذات القيمة المضافة.
  • تحقيق الاستدامة المالية والكفاءة التنظيمية.

أرشيفية

وذلك من خلال الاستثمار في صناديق متنوعة (الأسهم المباشرة – المبادرات الاستراتيجية – الفرص الائتمانية لأفريقيا – المشاريع) في قطاعات (البنية التحتية – التصنيع – الخدمات المالية – الأعمال التجارية والزراعية – التكنولوجيا – المجمعات الصناعية)، حيث تستهدف استراتيجية الصندوق تحقيق أموال بقيمة (1.3) مليار دولار، بلغ منها حتى عام 2022 ما يقرب من (670) مليون دولار فقط[3]، ويسعى الصندوق إلى انضمام باقي الدول الأعضاء في البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد لدعم توسع الاتحاد الأفريقي.

عضوية مصر في الصندوق

وافقت الحكومة المصرية على مشروع قرار رئيس الجمهورية بانضمام مصر لعضوية الصندوق[4]، رغبًة منها في تنمية صادراتها مع الدول الأفريقية، وتعميق مسار التكامل التجاري الأفريقي، وزيادة القيمة المضافة للتجارة بين أفريقيا وباقي دول العالم، وذلك لتنفيذ محاور استراتيجية البنك الأفريقي لتنمية الصادرات والتصنيع وتعزيز التجارة البينية القارية.

مظاهر التحالف المالي الأفريقي

أطلقت المؤسسات المالية متعددة الأطراف في أفريقيا بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي على هامش الدورة العادية (37) لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي فبراير 2024، “تحالف المؤسسات المالية الأفريقية متعددة الأطراف” (AAMFI)[5]، للتآزر والتنسيق فيما بينها لتعزيز النمو والتنمية الاقتصادية المستدامة، والتكامل بما يتماشى مع أجندة 2063 للاتحاد الأفريقي وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وعزم الدول الأفريقية على تشكيل مستقبلها المالي، والذي يضم:

  • مؤسسة التمويل الأفريقية (AFC).
  • البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد (Afreximbank).
  • مجموعة بنك التجارة والتنمية (TDB Group).
  • المؤسسة الأفريقية لإعادة التأمين (Africa Re).
  • مؤسسة التأمين على تنمية التجارة والاستثمار في أفريقيا (ATIDI).
  • البنك الأفريقي للتنمية العقارية (SHAFDB).
  • مؤسسة إعادة التنمية في الكوميسا (ZEP-RE).

حيث اجتمع الأعضاء المؤسسون على التزامهم بتحقيق الآتي:

  • التعاون لتلبية احتياجات تمويل التنمية في أفريقيا.
  • تعزيز مصالح الدول الأعضاء في مؤسسات التحالف.
  • اتخاذ إجراءات دعم استراتيجيات التمويل المستدامة، وتطوير أدوات تمويل مبتكرة.
  • الالتزام بالاعتماد المالي الذاتي في التنمية الاقتصادية المستدامة.
  • الاستفادة من الحلول والموارد المحلية للنهوض بالقارة.

المسارات المصرية للتكامل الاقتصادي الأفريقي

قامت جهات الدولة مجتمعة خلال الفترة الأخيرة باتخاذ الإجراءات التي شأنها تعزيز التكامل الاقتصادي والتجاري، في إطار مستهدفات الدولة المصرية للوصول بالصادرات الوطنية لتصل إلى ما يقرب من (100) مليار دولار حتى عام 2030 كما جاءت في وثيقة توجهات الاقتصاد المصري للفترة الرئاسية الجديدة[6]، وذلك من خلال إبرام العديد من اتفاقات التعاون التجاري الثنائي أو الإقليمي وعلى رأسها مع التكتلات الاقتصادية بأفريقيا، بهدف فتح أسواق جديدة للصادرات المصرية، كأولوية أولى لتنمية الصادرات المصرية للقارة الأفريقية، إيمانًا بأهمية مسار التكامل الأفريقي لدفع معدلات التنمية في دول القارة وتعزيز سبل الاستقرار بها، وكان منها على سبيل المثال لا الحصر، الانضمام إلى صندوق تنمية الصادرات في أفريقيا كما أشرنا سابقًا، وتنفيذ مبادرة التجارة التفضيلية بين مصر وجنوب أفريقيا[7]، والتي ستسهم في تخفيض التعريفات الجمركية تدريجيا علي مدار 10 سنوات وصولًا إلى (0%) بحلول 2030، وتستهدف تحقيق التكامل الاقتصادي وخلق سوق أفريقية موحدة تماشيًا مع أهداف أجندة الاتحاد الأفريقي 2063، ومن المتوقع أن تسجل 300 مليون دولار، وتضم دول (الجزائر – الكاميرون – غانا – كينيا – رواندا – تونس).

رئاسة مصر لوكالة الاتحاد الأفريقي للتنمية (النيباد)

أرشيفية

تولت مصر رئاسة اللجنة التوجيهية لرؤساء دول وحكومات وكالة الاتحاد الأفريقي للتنمية (النيباد)  NEPADلعامي
(2023 -2024)[8]، حيث ترتكز أهداف مصر خلال رئاستها – بالتنسيق مع سكرتارية (النيباد) – على تحقيق ما يلي:

  • دفع معدلات التكامل الاقتصادي الإقليمي.
  • اقتراح حلول لمواجهة التحديات القائمة.
  • التشاور المستمر مع الدول الأفريقية.
  • العمل على تسريع تنفيذ أجندة التنمية الأفريقية 2063.
  • الاستفادة من الخبرات والإمكانات المصرية في مجالات البنية التحتية والطاقة والاتصالات.
  • توفير الدعم اللازم للدول الأفريقية في مسارها التنموي.

حيث أوضح السيد رئيس الجمهورية خلال قمة أعمال الدورة الخامسة لاجتماع منتصف العام التنسيقية التابع للاتحاد الأفريقي (يوليو 2023) أبرز الأولويات خلال فترة الرئاسة المصرية لوكالة (النيباد)، وهي كما يلي:

  • سرعة الانتهاء من الخطة العشرية الثانية لتنفيذ أجندة التنمية الأفريقية (2024-2034)، والأخذ في الاعتبار الدروس المستفادة من الخطة العشرية الأولى والتحديات التي جاءت بها، وصياغتها بالتنسيق مع التجمعات الاقتصادية الإقليمية، لتكون وثيقة جامعة لتقييم مدى تحقيق أهداف أجندة التنمية العشرية الحالية.
  • استمرار جهود حشد الموارد المالية في المجالات والمشروعات ذات الأولوية (تطوير البنية التحتية – مشروع الربط الملاحي بين البحر المتوسط وبحيرة فكتوريا – الطريق البري بين القاهرة وكيب تاون)، واستمرار المساعي لتعزيز دور القطاع الصناعي أفريقيًا للانخراط في سلاسل القيمة المضافة عالميًا عبر تحفيز تنوع الصناعات الأفريقية، لاسيما تبني مقترح سكرتارية وكالة (النيباد) لإطلاق مبادرة (فريق أفريقيا لحشد الموارد) لتحديد الاحتياجات التمويلية للقارة.
  • تكثيف الجهود مع الشركاء الدوليين والمنظمات التمويلية لإيجاد حلول فعالة لمعالجة أزمة الديون المتراكمة، ووضع آليات لتخفيف عبء الديون عبر الإعفاء أو المُبادلة أو السداد المُيسّر، لاسيما المقترحات المتعلقة بحوكمة النظام المالي العالمي بشكل يراعي احتياجات الدولة النامية بدرجة أكبر.
  • الإسراع نحو تحقيق الآمال المستهدفة من اتفاقية التجارة الحرة القارية، استكمالًا لجهود وكالة (النيباد) بإطلاق مبادرة (100 ألف شركة صغيرة ومتوسطة) لدعم قدراتها على الاندماج في التجارة العابرة للحدود، وكذا مبادرة (تنشيط أفريقيا لبناء قدرات الشباب الأفريقي) في مجالات إنشاء وإدارة الشركات وريادة الأعمال.
  • اتخاذ إجراءات حشد الموارد اللازمة لبرنامج الرابطة الثلاثية بين السلم والأمن والتنمية، والذي يتشارك في أولوياته وأهدافه مع ملف إعادة الإعمار والتنمية بعد النزاعات، ودعوة سكرتارية وكالة (النيباد) للتنسيق مع مفوضية السلم والأمن والشئون السياسية بالاتحاد الأفريقي، ومركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية بعد النزاعات.
  • حجم الصادرات المصرية لأفريقيا

طبقًا لتقرير الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات بشأن حركة التجارة بين مصر ودول العالم خلال عام 2023، بلغت الصادرات المصرية لدول أفريقيا – دون الدول العربية – ما يقرب من 5 مليار دولار، موزعة جغرافيًا على سبيل المثال لا الحصر في دولة كينيا (326 مليون دولار)، ودولة ساحل العاج (223 مليون دولار)، ودولة غانا (203 مليون دولار) [9]، وتمثلت في (مواد البناء – الصناعات الغذائية – المنتجات الكيماوية والأسمدة – السلع الهندسية والإلكترونية – الأثاث – الصناعات الطبية – الغزل والمنسوجات والملابس الجاهزة)، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على توجهات الدولة المصرية نحو تعزيز مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري مع دول القارة، خاصًة في الدول التي تتمتع فيها المنتجات المصرية بمزايا تنافسية عالية وقبول لدى المستهلكين الأفارقة، وذلك من خلال الاستفادة من الاتفاقيات التجارية الموقعة بين مصر ودول وتكتلات القارة، لا سيما اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية AFCFTA التي ستدخل حيز التنفيذ نهاية العام الجاري، وتهدف إلى تسريع نمو التجارة البينية الأفريقية، واستخدام التجارة بشكل أكثر فعالية كمحرك للنمو والتنمية المستدامة.

تحديات التصدير في إفريقيا

هناك ثمة تحديات جمة قد تعوق مسارات التصدير داخل القارة الأفريقية بوجه عام، والصادرات المصرية لأفريقيا على وجه الخصوص، وفيما يلي بعض من تلك التحديات:

أولًا: على المستوى القاري:

  • عدم وجود خطوط شحن مباشرة للعديد من الدول.
  • ارتفاع تكلفة شحن ونقل البضائع للدول الحبيسة في القارة، أو بين الدول الأفريقية وبعضها البعض، وكذا تكلفة التأمين على المنتجات المصدرة.
  • افتقاد معظم الدول الأفريقية لنظم مصرفية جيدة.
  • نقص عدد شركات تأمين البضائع بين الدول الأفريقية، مما يصعب من عملية التصدير.

ثانيًا: على المستوى المصري:

  • نقص خطوط نقل مباشرة بين مصر وعدد من الدول الأفريقية سواء برية أو بحرية، ونقل البضائع عبر دولة وسيطة.
  • قلة عدد فروع البنوك المصرية في كثير من الدول الأفريقية، حيث يُمثل 4 بنوك مصرية في عدد 6 دول فقط.
  • انخفاض قيمة الصادرات المصرية إلى الدول الأفريقية، والتي لا تُمثل أكثر من 1% من إجمالي واردات هذه الدول.
  • انخفاض عدد المراكز اللوجيستية المصرية في غالبية الدول الأفريقية، حيث يتواجد (15) مكتبًا للتمثيل التجاري المصري داخل القارة فقط.

فرص مصر الواعدة

تمحورت غالبية الرؤى التي تسعى لمضاعفة صادرات مصر إلى أفريقيا – في اعتقادي – حول عدة محددات، تماشيًا مع ميلاد “مسار نيباد” التي تقوده مصر خلال رئاستها الحالية للوكالة الأفريقية، وإذا ما تحققت مع حسن استغلالها بالكيفية المطلوبة، تكون فرصة مصرية سانحة للوصول إلى عمق القارة الأفريقية، وتتمثل تلك المحددات في:

  • الترويج والتسويق للمنتجات المصرية وفتح أسواق جديدة.
  • تقديم التسهيلات اللوجيستية محليًا وإقليميًا للمستثمرين المحليين والأفارقة.
  • إنشاء قاعدة بيانات زراعية وصناعية تتضمن أهم المعلومات ذات الأهمية لدى المستثمرين، للاستفادة من الميزات النسبية للمنتجات المصرية.
  • دراسة الأسواق الأفريقية وتحديد مطالبها والفرص الاستثمارية بها.
  • الاستفادة من أصول مصر بأفريقيا لزيادة المراكز اللوجيستية بدول القارة.

وتـأتي بعض الآراء التي تدعم الفكرة، تزامنًا مع التطورات المحلية الحالية ومناخ الانفتاح الاستثماري والتجاري، والبحث عن الفرص الواعدة، ويُمكن تلخيصها كما يلي:

  • تقديم الدعم اللازم لتسهيل حركة مرور البضائع بين مصر والدول الأفريقية المختلفة.
  • دعم منظومة الصادرات المصرية بهدف فتح أسواق جديدة للبضائع المصرية، وكذا استيراد المواد الخام اللازمة للتصنيع.
  • تحّمل الشركة المصرية لأعمال النقل البحري جزء من تكلفة النقل عن طريق الخطوط الملاحية الحالية.
  • إعادة هيكلة شركات الملاحة القائمة والتي ترفع سفنها العلم المصري، وتطوريها بما يحقق الجدوى الاقتصادية المطلوبة.
  • تشغيل خطوط ملاحية بين الموانئ المصرية والأفريقية على مرحلتين، الأولى إنشاء خط ملاحي في اتجاه شمال أفريقيا ثم شمال غرب أوروبا، والثانية إنشاء خط ملاحي في اتجاه شرق أفريقيا بين أحد مواني البحر الأحمر.

الخلاصة

تشهد الساحة الاقتصادية الدولية تطورات متسارعة في ظل الأزمات التي يشهدها العالم والتي تفرض مزيدٍ من التحديات، لذا اتجهت عددًا من التحالفات والتجمعات الاقتصادية الإقليمية والدولية لإعادة تشكيل استراتيجياتها من جديد لمواكبة التطورات الجارية، مما دفع المنظمات الإقليمية الأفريقية إلى تبنى رؤية شاملة، تُعيد من خلالها رسم ملامح النظام التجاري الأفريقي، وتنفيذ شراكات جديدة نحو تكامل تجاري أفريقي، لتعظيم حجم التجارة الأفريقية البينية‏، ونفاذ الصادرات الأفريقية للأسواق العالمية، وفي إطار التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري (2024-2030)، والتي ترسم وتحدد أولويات التحرك على صعيد السياسات الاقتصادية فيما يتعلق بتنمية الصادرات المصرية إلى العالم بوجه عام وإلى أفريقيا على وجه الخصوص، ومضاعفة قيمة التبادل التجاري مع الدول الأفريقية، تسعى الدولة المصرية نحو تدشين شراكة أفريقية جديدة، تستهدف حشد الموارد لتنفيذ البرامج والمشروعات القارية ذات الأولوية، دعمًا للأمن والسلام في القارة‏،‏ وتحقيق الحكم السياسي والاقتصادي الرشيد‏،‏ وتعميق مفاهيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان،‏ وزيادة الإنتاجية الزراعية وتحقيق الأمن الغذائي‏،‏ وتحسين البيئة‏،‏ وتطوير التعليم والبحث العلمي‏،‏ وتعظيم الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات.

[1] fund export development in Africa، https://2u.pw/NZ33IGA

[2] fund export development in Africa، https://www.fedagroup.org/

[3] fund export development in Africa، https://2u.pw/WW7AEo8

[4] مجلس الوزراء المصري، اجتماع رقم 278، فبراير 2024، https://www.cabinet.gov.eg/Meeting/Details/11775

[5] African Export-Import Bank African Multilateral Financial Institutions forge historic ، https://2u.pw/iHyy5fQ

[6] أبرز التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، https://2u.pw/QnAzAq2

[7] جريدة البورصة، التجارة التفضيلية تفتح بابًا تصديريًا جديدًا للشركات المصرية في جنوب أفريقيا، https://2u.pw/RuJ2XUM

[8] كلمة الرئيس السيسي في الجلسة الافتتاحية لقمة الاتحاد الأفريقي التنسيقية، اليوم السابع، https://2u.pw/TdQJWPs

[9] صادرات مصر السلعية تسجل 35 مليار عام 2023، الهيئة العامة للاستعلامات، https://2u.pw/W0YSyQa

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version