تحلل هذه الورقة البحثية الصادرة عن مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي تاريخ العلاقات الاقتصادية بين الصين وإسرائيل، بدءا من إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما في عام 1992 حتى يومنا هذا.

في ضوء هذا التحليل، سيتم طرح أسئلة بشأن مستقبل العلاقات والاتجاهات المحتملة للتنمية، مع اقتراح مخطط مستصوب للعلاقات المستقبلية. السؤال المركزي الذي يطرحه التحليل هو ما إذا كانت العلاقات الإسرائيلية الصينية يمكن أن تتطور في الاتجاهات المرغوبة والمفيدة للمصلحة الاقتصادية الإسرائيلية، وكيف؟

تشهد الصين مع قرب انتهاء عام 2018، أربعة عقود من الإصلاحات الاقتصادية التي أطلقها الزعيم الصيني “دنج شياو بينج”، والتي تضمنت أيضًا انفتاح الصين على العالم وعلى الغرب على وجه الخصوص، الأمر الذي أدى إلى النمو السريع، ومضاعفة معدلات النمو السنوية، وهكذا تحول الاقتصاد الصيني ليصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وتركز الصين الآن على نمو أكثر اعتدالًا، وهذا يعني التركيز على الابتكار كمحرك للنمو على حساب الإنتاج والصادرات والاستثمارات.

خلال فترة حكم ماو، كانت الأسواق الصينية مغلقة، ولكن مع بداية الإصلاحات أصبحت مصدرًا للعمالة الرخيصة وهدفًا جذابًا للمستثمرين الأجانب. ومع ذلك، فإن الصادرات الصينية اليوم ليست سوى واحدة من محركات النمو في البلاد، ومعظم إنتاجها موجه بالأساس إلى السوق المحلية.

نعم، محركات النمو الرئيسة للاقتصاد الصيني هي الاستهلاك المحلي، والاستثمار المحلي، وخاصة البنية التحتية، والاستثمارات الصينية في جميع أنحاء العالم، المصممة لضمان توفير المواد الخام للصناعة الصينية والسوق المحلية النامية. هذه الإصلاحات الهيكلية في اقتصاد الصين أحدثت تغييرًا في طبيعة السكان الصينيين. ففي بداية فترة الإصلاح في عام 1978 كان 17,9 % فقط من السكان يعيشون في المدن، في عام 2016 كان حوالي 56,9%  من مواطني الصين في المناطق الحضرية. جلبت الإصلاحات أيضًا تغييرات مهمة في السياسة الخارجية للصين، مما أدى إلى تغيير في مكانة الصين وأنشطتها في الساحة الدولية، وخاصة في علاقاتها الاقتصادية مع بقية العالم. في الواقع أصبحت الصين، التي كانت ولا تزال وجهة للاستثمارات الأجنبية، لاعبًا بارزًا ومهمًا في جميع أنحاء العالم.

ومن المتوقع أن يستند اقتصاد الصين في السنوات القادمة على التنمية المحلية والبحوث، وعلى صناعات التكنولوجيا الفائقة، وعلى الخدمات، وزيادة الاستهلاك المحلي. ويرجع السبب الرئيس لهذه السياسة الاقتصادية إلى التكلفة البيئية الضخمة للتنمية المتسارعة، إلى جانب رغبة الصين في التنافس مع أسواق أوروبا وأمريكا الشمالية الرائدة في المجالات التكنولوجية، وذلك على أساس المساواة بين الاقتصادات المتقدمة.

وتنعكس هذه الاستراتيجية الاقتصادية في الخطة الخمسية الثالثة عشرة التي أقرتها الصين للسنوات 2016-2020، وفي تقرير المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي، الذي يحدد هدفًا بأن تصبح الصين “رائدة عالمية في مجال الابتكار” مع حلول عام 2035.

في إسرائيل أيضاً، حدثت تغييرات بعيدة المدى في الأربعين سنة الماضية. من الناحية الاقتصادية، أصبحت إسرائيل اقتصادًا مركزيًا موجهًا نحو الزراعة لعبت فيه الحكومة دورًا مركزيًا في اقتصاد السوق الحر ذي الخدمات. لقد نجحت دولة إسرائيل في الاستفادة من الاستثمار الهائل في التعليم والبحث والتطوير في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ووصفت إسرائيل بأنها دولة “ناشئة”.

ربطت إسرائيل والصين علاقات دبلوماسية امتدت طوال 25 عام، وهي العلاقات التي تبلورت نتيجة عدة عوامل، منها؛ التغييرات الجيو- سياسية نتيجة تفكك الاتحاد السوفييتي والكتلة الشيوعية، وعقد مؤتمر مدريد للسلام في نوفمبر 1991. وفي يناير 1992، وخلال أسبوع واحد فقط، أقامت إسرائيل علاقات مع كل من الصين والهند.

 شهدت العلاقات الإسرائيلية الصينية تغيرًا على مر السنين. حيث اتسم العقد الأول من هذه العلاقة بتوثيق التعاون بين المؤسسات العسكرية للبلدين، وشراء الصين عددًا من الصناعات الدفاعية الإسرائيلية.

بينما ركز العقد الثاني إلى جانب تكثيف التعاون العسكري الأمني على التعاون الزراعي المكثف، حيث أولى الممثل الإسرائيلي في الصين منذ بدء العلاقات الدبلوماسية اهتمامًا كبيًرا بهذا المجال، ولاسيما بإنشاء العديد من المزارع الإسرائيلية والصوب الزراعية في بكين. وأصبحت الصين بلدًا مستهدفًا لأنشطة قسم التعاون الدولي بوزارة الخارجية الإسرائيلية، حيث تم عقد المئات من دورات التدريب في مجالات الزراعة وريادة الأعمال والتعليم والصحة في الصين وإسرائيل، والتي كانت محل تقدير كبير من قبل القيادة في بكين.

في حين يتميز العقد الثالث والحالي من العلاقات بين البلدين، بتعزيز الروابط الاقتصادية والتعاون في مجالات الابتكار.

وعلى مدار العقد الماضي، كانت الحكومة الصينية والشركات الخاصة تشتري الشركات الإسرائيلية، وتستثمر بشكل متزايد في مجالات مدنية مختلفة مثل النقل، والمواد الغذائية، والكيماويات، والتعدين، والخليوي، والأمن الإلكتروني، والتسويق عبر الهاتف.

وفي إسرائيل شأنها شان العديد من البلدان- التي يخضع فيها الحصول على الأصول المحلية من قبل شركة أجنبية لتوجيهات تنظيمية- يتعين على الشركات التجارية أن تبلغ على الفور هيئة الأوراق المالية الإسرائيلية وتتعهد بشراء أصولها- بمعني أخر استثمار يمنح السيطرة- منذ مرحلة التفاوض. وهكذا تركز العملية التنظيمية في إسرائيل على الجوانب المالية في جوهرها، وتفحص من بين جملة أمور، مدى النفوذ المالي للشركة المكتسبة وهيكلها المؤسسي.

على النقيض من إسرائيل، في العديد من الدول الغربية، تعمل هيئات تنظيمية خاصة، والتي تدرس المخاطر الأمنية والسياسية التي قد تنشأ من استحواذ الشركات المحلية على الشركات الأجنبية وإمكانية سيطرتها على ما يعرف بأنه موجودات استراتيجية. تنظر هذه الدول إلى حملة الاستحواذ الصينية حول العالم باعتبارها تحديًا اقتصاديًا وسياسيًا متكاملاً.

من الناحية الاقتصادية، فإن تقدم الصين السريع نحو وضع قوة عظمى للتكنولوجيا والابتكار يهدد المزايا التنافسية للدول المتقدمة ذات الاقتصاد عالي التقنية مثل الولايات المتحدة وألمانيا وكوريا الجنوبية واليابان. في عام 2016، احتلت الصين المرتبة 25 في مؤشر الابتكار العالمي (في حين احتلت إسرائيل المرتبة 21) وارتفعت في عام 2017 إلى 22 (بينما ارتفعت إسرائيل إلى المرتبة 17). وبالتالي يُنظر إلى قوة الصين في الابتكار، بالإضافة إلى قدرتها الإنتاجية الهائلة وطموحاتها السياسية على الساحة الدولية، على أنها تهديد للمستقبل الاقتصادي لهذه الدول.

من الناحية السياسية، تخشى معظم هذه الدول من أنه إذا كانت هذه الشركات تسيطر على أصول تهيمن عليها الحكومة الصينية، حيث تسيطر هذه الشركات علي مجالات استراتيجية مثل؛ الكهرباء والاتصالات والزراعة والتكنولوجية المدنية والتطبيقات العسكرية، هذا يعني أن الحكومة الصينية يمكنها الاستفادة من السيطرة الاقتصادية لخدمة نفوذها السياسي، أو الاستفادة من مشترياتها للحشد العسكري، الأمر الذي دفع بعض الدول إلى إنشاء هيئات تنظيمية خاصة لمواجهة زيادة تغلغل الصين في أسواقها.

تواجه إسرائيل مخاطر مماثلة في إدارة الاستثمارات في أصولها من قبل كيانات أجنبية بشكل عام وصينية بشكل خاص، سواء زعمت هذه الكيانات أنها مملوكة من قبل الحكومة أو الشركات الخاصة. في السنوات الأخيرة، وضعت إسرائيل نفسها كقوة في مجال الابتكار التكنولوجي الدولي، وصناعة التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية المزدهرة هي واحدة من ركائز النمو الاقتصادي في إسرائيل إلى جانب الصناعة الدفاعية، وتصنيع الماس، والسياحة، ومعالجة المعادن والكيميائية.

الخلاصة: يعتبر الاقتصاد الإسرائيلي اقتصادًا عالي التقنية، ولديها تكاليف باهظة فيما يتعلق بالعمالة، كما أنها تفتقر إلى القوة البشرية اللازمة للمحافظة على خطوط الإنتاج الفعالة بمرور الوقت والتي ستكمل صناعة الخدمات المتقدمة. من ناحية أخرى، تتمتع الصين بقدرات إنتاجية واسعة ومثبتة، فضلاً عن سوق محلية كبيرة وجذابة ومتنامية. كثيرًا ما يصف القادة الصينيون اقتصادات إسرائيل والصين بأنها مكملة، وتستطيع الصين أن تستثمر كميات كبيرة من رأس المال في الشركات الإسرائيلية، وتستفيد من خبراتها التكنولوجية، ومراكز التصنيع والبحث والتطوير المفتوحة في الصين.

إن سيادة القوة الاقتصادية للصين، وثقافتها السياسية الفريدة، التي تتميز بعلاقات سياسية وصناعية وثيقة، وتطلعاتها الوطنية للتطور التكنولوجي والابتكار، إلى جانب استثماراتها المتزايدة في شركات إسرائيلية متنوعة، هي بالتالي تحد اقتصادي وسياسي بالنسبة لإسرائيل.

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version