تتباين علاقة تركيا مع كل دول الخليج فهى تحظى بتقارب مميزمع قطر، توطد نتيجة الدعم المتبادل بين البلدين أثناء الأزمات، كما تجمعها علاقات دبلوماسية قوية مع عُمان والكويت. ومرت علاقاتها بعدة عقبات مع السعودية والبحرين والإمارات.
انتقلت تركيا فجأة من تأجيج القطيعة بين دول الخليج إلى ترحيب بالمصالحة الخليجية وأمنيات معقودة على أن تنعكس إيجابا على التعاون مع دول المنطقة، في رسائل تعكس استدارة تركية إلى تهدئة التوتر على أكثر من جبهة ضمن ما سماه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “إعادة تصحيح مسار العلاقات الخارجية”، مدفوعة بأزمة اقتصادية يأمل الرئيس التركي الخروج منها بأقل الأضرار.
الخليجية
روهصار بكجان – أرشيفية
وقد أثنت وزيرة التجارة التركية روهصار بكجان بالمصالحة الخليجية، مؤكدة أنها ستنعكس إيجابا على التعاون بين بلادها ودول المنطقة. وبينت في تصريحات أدلت بها خلال لقائها وفدا من “جمعية المراسلين الاقتصاديين” في تركيا، أن المصالحة التي تمت خلال قمة مجلس التعاون الخليجي في الدورة الـ41 “خطوة إيجابية”. وأن المصالحة الخليجية لن تؤثر فقط على التعاون بين بلدان الخليج، بل ستنعكس إيجابا أيضا على التعاون بين تركيا وبلدان المنطقة.
تضرر الاقتصاد التركي بشدة بسبب التوتر مع دول خليجية على رأسها السعودية التي قادت فيها شركات كبرى حملة مقاطعة للمنتجات التركية على خلفية التصعيد والإساءة للمملكة في أكثر من قضية. مثل قضية مقتل الصحفى السعودى جمال خاجقشى في قنصلية بلاده فى اسطنبول في أكتوبر 2018 وحرصت على إثارتها في أكثر من مناسبة ودفعت بشدة لتدويلها. كما أفسد أردوغان العلاقات مع دول الخليج بتدخلاته في الشأن الخليجي وباحتضانه قيادات فارة من تنظيم الإخوان المسلمين.
وأظهرت تركيا في الفترة الأخيرة إشارات إيجابية حيال عدد من دول الخليج بداية بالترحيب بالمصالحة الخليجية ثم بتخفيف لهجتها في خطاباتها الرسمية حيال دول المنطقة. وبعد سنوات من التوتر تتزامن التوجهات التركية المفترضة للخليج، مع تحرك لتصحيح المسار مع دول الاتحاد الأوروبى والدفع نحو تهدئة التوترات المتناثرة.
ويصرح محللون أن إنجاح خطة الإصلاح الاقتصادى التي أعلنها أردوغان تتطلب تسوية الخلافات العالقة مع الشركاء الأوروبيين والخليجيين وتغيير خطاب المكابرة والتصعيد والتخلى عن نهجه الصدامى الذى أضرّ بمكانة تركيا دوليا وإقليميا وأثقل كاهل الاقتصاد بأزمات هو في غنى عنها.
ويشيروا بأن الحكومة تواصل تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لتحقيق نهضة قوية فى الاقتصاد التركى، وتقوم بتعبئة إمكاناتها من خلال نهج يرتكز على الاستثمار والإنتاج والنمو والعمالة والصادرات.
د. خالد الجابر – صورة أرشيفية
وفي إطار المصالح الخليجية مع تركيا:
دعا الدكتور خالد الجابر، مدير مركز مينا للأبحاث في واشنطن في حوار سابق مع TRT عربى، دول الخليج، إلى إجراء نوع من الموازنة ما بين تركيا والقوى الأخرى، سواء كانت إقليمية مثل إيران أو خارجية مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، معبراً عن اعتقاده أن دخول تركيا في المعادلة “سيحقّق نوعاً من التوازن، ولو كان هناك اختلاف فى بعض الأجندات مع السياسة الخارجية التركية”.
وكانت تركيا قد نددت بالاعتداء الأخير لجماعة الحوثى على الرياض، وأمام هذا التهديد المستمر الذي تعيشه السعودية توجهت إلى التعاون العسكرى مع تركيا عبر توقيع عقود لشراء الأسلحة التركية المتطورة، ومن بينها طائرات بيرقدار لحسم الصراع مع جماعة الحوثى. علاوة على التعاون الأمنى والعسكرى، فإن دول الخليج ومن بينها السعودية والإمارات، تتطلع إلى زيادة استثمارها في السوق التركية، وهو ما سيعود بالنفع على جميع الأطراف.
تمكنت تركيا وعواصم الخليج من إعادة ضبط العلاقات بينها وتخفيف التوتر الذى استمر لسنوات، وساهمت المصالحة الخليجية في توحيد رؤى البلدان الخليجية نحو تركيا كحليف اقتصادى وعسكرى مهمّ في المنطقة. فهل سيكون لهذا التقارب الحذر بينها مستقبلاً ما يؤثر في سياساتها في التعاطى مع ملفات المنطقة؟
قمة العلا – مرحلة جديدة:
من الملاحظ أن قمة العلا التي وصفت بالتاريخية، والتي ضمت دول مجلس التعاون الخليجى الست بالإضافة إلى مصر، وخرج بيانها الختامى ليتمحور حول وحدة الصف وإعلاء المصلحة المشتركة والمصالح العليا لدول المجلس والدول العربية والتأكيد على توجه لطي صفحة الماضى وتدشين مرحلة جديدة من العلاقات بين الرباعى العربى- السعودية والإمارات والبحرين ومصر- وبين قطر بعد قطيعة دامت أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة.
في ظل هذه الأجواء علق الوزير القطرى قائلا: “تنطوي اليوم صفحة الخلاف بروح من المسؤولية والسعى لفتح صفحة جديدة ترسخ معانى التضامن والتعاون لما فيه خير الشعوب الخليجية ولمواجهة التحديات التي تتعرض لها المنطقة” ، مؤكداً أن قطر تتطلع إلى “مواصلة العمل الخليجى والعربى المشترك الذي يعود بالخير على الشعوب الخليجية وعلى أمن واستقرار المنطقة، آملين أن يحقق هذا الاتفاق المزيد من التقدم والازدهار والرخاء”.
ولا شك أن ديباجة الوزير القطري متفائلة وتبعث على الأمل لكن أن يتبع هذه التصريحات المتفائلة بما ذكره من التزام وثيق بالتحالفات القائمة مع تركيا بكل ما تحمله من اشكاليات وتوجّسات خليجية تتطلب من قطر المزيد من العمل حتى لا تبقى قضية خلافية دون حل وتكدر الأجواء الخليجية الإيجابية ما بعد قمة العلا
التاريحية.
تشاووش أوغلو – صورة أرشيفية
إشارات إيجابية:
هناك إشارات إيجابية من جانب أنقرة قد تمهد لكسر حالة الجمود السياسى، ومنها الزيارات التي قام بها وزير الخارجية التركى مولود تشاووش أوغلو، للكويت وعُمان وقطر. ولقد جاء أختيار تلك العواصم ترجمة لاعتراف أنقرة بالدورالذي لعبته البلدان الثلاث في تحقيق المصالحة الخليجية، ولكونها تشكل حلف الاعتدال داخل مجلس التعاون الخليجى.
وتُعتبر تلك الدول أبرز حُلفاء تركيا في منطقة الخليج، ولقد أعرب فيها تشاووش أوغلو عن استعداد بلاده لتفعيل التعاون مع منطقة الخليج بأكملها والبناء على شراكة استراتيجية مع مجلس التعاون الخليجي. ولقد تم الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة بليبيا ذات إنتماء للدولة التركية، وتقديم الدعم للحكومة الجديدة، وتوقيع اتفاقية للعربات المدرعة لجيش سلطنة عمان، لدعم الصناعات الدفاعية التركية.
كما تم الاتفاق على إقامة مصنع لإنتاج “حمض الكبريتيك” بتركيا بشراكة قطرية، ومشاركة قطر في العمل على دفع “الحوار اللبنانى” وتقديم الدعم المادى للدولة اللبنانية. ولقد ضم وفد وزير الخارجية التركى عددًا من رجال الأعمال الأتراك المشاركين فى إعمار ليبيا لإطلاع الجانب الخليجى بمشاركتهم.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version