تستضيف واشنطن مباحاثات أمريكية -تركية رفيعة المستوى فى إطار ” الآلية الاستراتيجية ” بين البلدين برئاسة وزير الخارجية الأمريكى ” أنتونى بلينكن ” ونظيره التركى ” هاكان فيدان ” وبمشاركة وفود رفيعة المستوى من كل من الطرفين . وتأتى هذه المباحاثات لتلقى الضوء على مجموعة من الملفات العالقة والحيوية للجانبين الأمريكى والتركى على حد سواء . ويستعرض هذا التقرير ملامح الملفات الأمريكية – التركية المشتركة ودور جماعات الضغط ( اللوبى التركى ) داخل الولايات المتحدة في تحقيقها .

  • اللوبى التركى فى الداخل الأمريكى

تتمتع تركيا بمراكز قوى ذات تأثير واضح داخل الولايات المتحدة الأمريكية ولها دور فى رسم توجهات السياسة التركية نحو الولايات المتحدة والعكس، وتًحدد ملامح العلاقة الاستراتيجية بين البلدين . وهذا نابع من مجموعة العوامل أهمها عضوية تركيا فى حلف الناتو والوجود العسكرى الأمريكى من خلال القواعد العسكرية الأمريكية داخل تركيا . وفيما يلى أهم مراكز القوى أو مؤسسات وجماعات الضغط التركية فى الولايات المتحدة الأمريكية .

  1. مؤسسات الدبلوماسية التركية :

تمتلك تركيا 257 مؤسسة وهيئة دبلوماسية على المستوى الدولى منها 32 فى الولايات المتحدة و 99 فى أوروبا و73 فى آسيا و49 فى إفريقيا ، كما جاءت تركيا فى المرتبة 25 حسب المؤشر العام لقياس القوة الناعمة  وفى المرتبة 13 من حيث قوة التأثير العالمى ، وهو ما يعطيها فرصة كبيرة لممارسة الضغط الدبلوماسى من خلال المشاركات فى المبادرات والمؤتمرات الدبلوماسية والتداخل مع المسؤلين الأمريكيين بشكل مباشر وفورى  .

  1. المنظمات والشركات :

وتشمل فى طياتها منظمات وشركات تجارية وإدارية وإعلامية ، ومنها على سبيل المثال ” التحالف التركى الأمريكى – TCA وهو منظمة مستقلة تسعى لتقارب وجهات النظر بين الجانبين من خلال فعاليات مشتركة فى مختلف المجالات والقضايا ، كما وتمثل الاستثمارات التركية فى الولايات المتحدة أحد مراكز القوى وأوراق الضغط من خلال إبراز تداعيات توتر العلاقات بين البلدين على حجم وشكل التبادل والتعاون الاقتصادى حيث تبلغ الاستثمارات التركية المباشرة فى الولايات المتحدة قرابة 2.7 مليار دولار بينما بلغت الاستثمارات الأمريكية المباشرة فى تركيا قرابة 5 مليار دولار ويبلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين قرابة 32 مليار دولار .

مراكز الدراسات الاستراتيجية :

يملك البلدان مجموعة كبيرة من مراكز الفكر والدراسات الاستراتيجية التى تهتم بالبحث الاكاديمى وتحليل الموضوعات والقضايا المختلفة ، وحرصت تركيا على تقديم رؤيتها سواء لدى المواطن الأمريكى أو المؤسسات الأكاديمية والبحثية والتنفيذية فى الولايات المتحدة من خلال مراكزها البحثية ، وتتعاون مراكز الدراسات الاستراتيجية التركية والأمريكية فى كثير من الأنشطة البحثية من خلال المؤتمرات والندوات المشتركة .

شخصيات بارزة فى الولايات المتحدة :

ظهرت فى الولايات المتحدة شخصيات أمريكية بارزة متهمة بممارسة الضغط على الإدارة الأمريكية لصالح تركيا ولعل أبرز هذه الشخصيات ” إريك آدامز ”  رئيس بلدية مدينة ” نيويورك” والمعروف بعلاقاته السياسية القوية فى الولايات المتحدة والذى أًتهم بجمع تبرعات من تركيا بشكل غير رسمى للضغط على الإدارة الأمريكية لصالح تركيا وشارك “آدامز” فى فعاليات متعددة فى تركيا وزار ” البيت التركى ” فى مدينة نيويورك أكثر من مرة وله تصريحات إيجابية عن تركيا وهوما دفع الإدارة الأمريكية لفتح تحقيق حول احتمالية تلقيه دعم مادى من تركيا ، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد فطالت الاتهامات مستشار الأمن القومى السابق “مايكل فلين” بممارسة ضغوط على الإدارة الأمريكية لصالح تركيا خصوصاً فيما يتعلق بترحيل ” فتح الله جولن ” من أمريكا وتسليمه لتركيا .

وسائل الإعلام :

تمتلك تركيا مجموعة شبكات قنوات إخبارية ضخمة ولديها مكاتب ومقرات فى مجموعة من الدول منها الولايات المتحدة ، وذكرت تحقيقات صحفية غربية بشأن جماعات الضغط الأجنبية المصنفة من قبل وزارة العدل الأمريكية  التى تمارس خطاب إيجابى نحو تركيا بوجود مجموعات خيرية وإعلامية تتلقى تمويل من تركيا .

أرشيفية

  • علاقات متشابكة وملفات عالقة

تتشابك المصالح الأمريكية – التركية فى كثير من الملفات ويزداد معها فرص التعاون ونقاط الخلاف وهو ما يفرضه موقع تركيا الحيوى بالقرب من مناطق تشابك المصالح الأمريكية ، ولذلك كلما زاد التشابك زادت المنفعة الثنائية . وهو ما ندلل عليه من خلال :

  1. موافقة الكونجرس الأمريكى على مقترح بيع عدد (40) طائرة حربية مقاتلة من طراز F-16 وذلك بعد موافقة تركيا على انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو ليكتمل بذلك النصاب القانونى للبلدين للانضمام للحلف كذلك أيضا رفض مجلس الشيوخ الأمريكى مؤخرا مشروع قرار يحظر بيع الطائرات المقاتلة لتركيا . وهنا تجدر الإشارة إلى نقاط مهمة حول إتمام هذه الصفقة لاستبيان طبيعة العلاقة بين البلدين .

أ – ملف الناتو  : حاولت تركيا استثمار عضويتها فى الناتو لتعظيم مكاسبها من الولايات المتحدة وأوروبا على حد سواء فقامت بالضغط السياسى والإعلامى من أجل إتمام صفقة الطائرات الحربية وتحسين علاقتها مع دول أوروبا وهو ما يمكن أن نستدل عليه من زيارة الرئيس التركى لالمانيا للحصول على طائرات من طراز “يوروفايتر”  فى سبيل موافقتها على إنضمام السويد وفنلندا .

ب – ملف اليونان : وهو من أهم الملفات المتشابكة والخلافية بين تركيا والولايات المتحدة حيث أن اليونان بدورها عضو فى حلف الناتو وعلاقتها متوترة مع تركيا بسبب قضية الجزر المتنازع عليها بين البلدين حتى وصل الأمر إلى حد التصعيد باستخدام القوة وهو ما أثار مخاوف الولايات المتحدة من حصول تركيا على هذه الطائرات واستخدامها ضد اليونان ولذلك كان لزاما على تركيا أن تعطى ضمانات حول هذا الملف من أجل الحصول على الطائرات الحربية من الولايات المتحدة وألمانيا وهو ما ظهر فى عملية التطبيع بين تركيا واليونان .

  1. رغبة الولايات المتحدة فى مواجهة النفوذ الروسى المتصاعد فى مناطق شرق أوروبا واحتواء النفوذ الروسى فى آسيا وإفريقيا وشرق أوروبا ، وهو ما تعوًل عليه الولايات المتحدة من خلال تركيا فى هذه المناطق، فضلاً عن الدور التركى فى الأزمة الروسية الأوكرانية وبيع تركيا مسيرات تركية لأوكرانيا لمساعدتها فى مواجهة الجيش الروسى .
  2. سعى الولايات المتحدة لاستثمار النفوذ التركى فى إفريقيا وهو ما ساعد فى توقيع تركيا والصومال اتفاقية عسكرية تحصل بموجبها تركيا على امتيازات عسكرية واقتصادية للحد من ومواجهة النفوذ الصينى المتصاعد فى إفريقيا .
  3. استثمار تركيا لعلاقات التشابك بينها وبين الولايات المتحدة يتماشى مع سياسات تركيا التوسعية ، وحاجتها الملحة فى رفع حجم التبادل التجارى مع الولايات المتحدة إلى 100 مليار دولار لمواجهة الأزمة الاقتصادية فى تركيا فضلاً على رغبتها فى تسكين الخلافات التركية – الأمريكية بسبب الوضع الداخلى فى تركيا من ناحية والانتخابات الأمريكية المقبلة من ناحية آخرى . وهنا يمكن تقسيم مراحل تأثير اللوبى التركى فى الداخل الأمريكى من خلال :

أ – إدارة ترامب : يمكن أن نلحظ تأثير اللوبى التركى فى الداخل الأمريكى من خلال التقارير الصحفية الغربية التى تناولت تنامى نفوذ اللوبى التركى داخل أمريكا وهو ما يظهر فى طبيعة العلاقات الأمريكية التركية فى تلك الفترة .

ب – إدارة بايدن : توترت العلاقات الثنائية بين البلدين على خلفية مجموعة من الملفات أهمها اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمذابح الأرمن  وتوصيفها بأنها “إبادة جماعية” وهو ما يمثل حساسية شديدة على صورة تركيا وعلاقتها الدولية .

مما سبق نخلص إلى ،، أن العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا علاقة معقدة محددها “المنفعة الخالصة ” حيث تدرك تركيا أهمية موقعها ودورها فى مناطق وملفات متشابكة مع مصالح الولايات المتحدة لذلك تسعى لتحقيق مكاسب من توافق سياساتها مع سياسة الولايات المتحدة واستثمار خلافاتها فى ملفات آخرى لتعظيم المكاسب وتنميتها ، ومن ناحية الولايات المتحدة فإنها تتعامل مع تركيا على هذا النحو حيث تستغل النفوذ التركى لحماية المصالح الأمريكية من جهة ومجابهة النفوذ الصينى والروسى فى مناطق حيوية بالنسبة للولايات المتحدة من جهة آخرى

 

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version