أدى توصل القوى الدولية لاتفاق يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم على أراضيها (مجموعة 5+1) في 14-7-2015م إلى إثارة مخاوف كبيرة وتحفظات شديدة من جانب الحكومة الإسرائيلية، وهو الاتفاق الذي ضم إيران وأمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وصف بالاتفاق التاريخى، تحد إيران بموجبه من أنشطتها النووية، وفى المقابل رفعت عقوبات اقتصادية عن إيران سُميت بخطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA)، حيث أكدت إيران انذاك على عدم رغبتها فى تخصيب اليورانيوم لصنع أسلحة نووية، وبالفعل دخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ عام 2018 م، ولكن لم تدم الصفقة طويلاً بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، وتعيد فرض العقوبات على إيران مجددا، ومن جانبها رفعت إيران مستويات تخصيب اليورانيوم، وقلصت دور مفتشي وكالة  الطاقة الذرية. وقد كشفت تقارير صحفية عن وجود مفاوضات أمريكية–إيرانية  بوساطة سلطنة عمان؛ للتوصل لاتفاق نووى متوازن، يحقق السلام فى منطقة الشرق الأوسط، ويعيد ثلاثة أسرى أمريكيين، بالاضافة لوقف العمليات الإيرانية من سوريا بالوكالة[1].

تسبب هذا التقارب فى إثارة مخاوف إسرائيلية؛ لأنها تعد إيران عدوها الأكبر فى المنطقة. ومع محاولات وصول طهران إلى حل دبلوماسي يمكنها من امتلاك أسلحة نووية، حتى ولو بعد فترة زمنية طويلة، تعتبر إسرائيل هذا تهديدا لأمنها، ومع استمرار بسط إيران لنفوذها فى الدول المتاخمة لإسرائيل لتوطيقها، تحاول إسرائيل بكل قوة ضرب المناطق التابعة لإيران فى سوريا ولبنان، كما تعرقل وصول إيران لأى اتفاق نووى جديد.

العداء بين الجانبين وتطوره

ترتبط المخاوف الإسرائيلية من هذا الاتفاق بتحسبها من مساعي إيران لتعزيز موقفها العسكري والاستراتيجي عن طريق السعى لامتلاك برنامج نووى، الأمر الذي سبق أن اثار حفيظة المجتمع الدولى، فتم فرض عقوبات اقتصادية قوية عليها، وهي مستمرة فى العمل على برنامجها النووي، ثم تم التوصل إلى الاتفاق النووى بين إيران والدول الغربية، ومع وصول إدارة ترامب أعلنت الولايات المتحدة إنسحابها من الاتفاق وفرضت عقوبات من جديد على إيران. ومن ناحية أخرى سعت إيران إلى دعم التنظيمات المناهضة لإسرائيل فى المنطقة، ولاسيما فى لبنان والعراق وسوريا وغزة. أضف إلى ذلك زيادة النفوذ الإيرانى فى سوريا، بعدما فرضت دول عربية عزلة على الدولة السورية، الأمر الذي جعل النفوذ الإيراني  قويا فى سوريا.

أرشيفية

استغلت إيران الوضع السياسي المتشابك فى إسرائيل لتلعب على عدة محاور، أبرزها التعاون العسكرى مع روسيا، فقامت بإمداد روسيا صواريخ باليستية وطائرات مسيرة تشارك في الحرب مع أوكرانيا. وفى المقابل بدأت روسيا فى تدريب الطيارين الإيرانيين على طيران مقاتلات سوخوى 35[2].

 وعلى الجانب الآخر تحاول إسرائيل تبني موقف محايد تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، وأن كانت تحاول مساندة أوكرانيا بضغط من الولايات المتحدة، وبالتالى تأثرت العلاقات الروسية الإسرائيلية بالسلب. وقد أعلنت مصادر عسكرية إيرانية مؤخرا عن صاروخ باليستى جديد، يصل مداه إلى 2000 كيلومتر، يمكنه أن يضرب أهدافًا داخل الأراضى الإسرائيلية والقواعد الأمريكية فى المنطقة[3].

نجحت إيران، برعاية صينية، في إعادة العلاقات مع المملكة العربية السعودية، باعتبارها دولة إسلامية قوية لها ثقلها السياسي بالمنطقة والعالم الإسلامي، فى حين تسعى إسرائيل إلى تطبيع العلاقات معها. من هنا انتقد زعيم المعارضة الإسرائيلى يايئر لابيد سياسة نتنياهو، التي وصفها بالفاشلة، قائلا: “الاتفاق الإيرانى السعودى فشل تام وخطر داهم على السياسة الإسرائيلية الخارجية، إنه انهيار للجدار الدفاعى الاقليمى الذى بدأنا فى بنائه ضد إيران”.

وظفت الحكومة الإسرائيلية الدبلوماسية الهادئة لخلق توازن نسبي فى علاقاتها الدولية، فغازلت روسيا بعدم إرسال اسلحة ثقيلة لأوكرانيا، فيما أكدت رفضها لما يحدث فى أوكرانيا؛ إرضاءً للولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها فشلت فى خلق هذا التوازن. وعلى مستوى العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تأثرت سلبا نتيجة عنصرية وتطرف بعض وزراء الحكومة الإسرائيلية. كما أن التعديلات القضائية والاحتجاجات ضدها وضع إسرائيل فى موقف صعب، بالاضافة إلى عملياتها العسكرية فى الضفة الغربية وغزة، خاصة عملية جنين، وعلى إثرها قررت الإدارة الأمريكية إلغاء الزيارة الرسمية لنتنياهو إلى البيت الأبيض، فى إشارة قوية لرفض تلك الممارسات، خاصة الرافضة لحل الدولتين، بمعنى عدم إقامة دولة فلسطينية. ومؤخرا انتشرت تقارير تفيد بوجود اتفاق نووى إيرانى أمريكى، مما دفع رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى التصريح برفض اى اتفاق نووى وانها لن تكون ملزمة به.

تباينت الأراء الإسرائيلية حول الاتفاق الذى تسعى الولايات المتحدة الأمريكية للتوصل إليه مع إيران، فقد صرح مسؤولون إسرائيليون أن عدم تحرك الحكومة الحالية لمنع هذا الاتفاق يدل على وجود صفقات غير معلنة بين الجانبين الإسرائيلى والأمريكى. وعلى الرغم من نفى البيت الأبيض إجراء محادثات دبلوماسية مع إيران، إلا أن صحيفة “وول ستريت” ذكرت أن الولايات المتحدة أجرت محادثات دبلوماسية سرية مع إيران فى ديسمبر 2022م فى عمان.[4]

وذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن المحاولات الإسرائيلية لمنع الاتفاق بين إيران والولايات المتحدة ضعيفة للغاية، نتيجة توجيه الجناح اليسارى للحزب الديمقراطى الأمريكى نهجا انتقادا لسياسات إسرائيل فى الآونة الأخيرة، والتي تمثل ضغطا على إدارة بايدن للتحقيق بشكل صارم فى مقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عقلة، والحد من بناء المستوطنات، ووضع شروط جديدة لنقل المساعدات العسكرية لإسرائيل. اضف إلى ذلك تحالف إسرائيل مع دول عربية إسلامية ضد إيران، خاصة وأن نتنياهو صرح مقابلات إعلامية إن حكام العرب فى الخليج يتفقون على العداء لإيران، سرا وعلنا. وبات ممكنا الآن بعد التقارب الإيراني من الدول العربية إنشاء تحالف بحرى اقليمى لحماية الملاحة فى الخليج العربي[5].

وقد أكد تقرير نشره معهد الأمن القومى الإسرائيلى على وصول إيران لتقدم كبير فى برنامحها النووى يمكنها من صنع خمس قنابل نووية، ويتوجب على إسرائيل اتخاذ إجراء عسكرى يردع قوة إيران النووية.

وفى سياق متصل أوصى التقرير بالموافقة على الاتفاق الذى تسعى إليه الولايات المتحدة، فى مقابل حصول إسرائيل على دعم عسكرى لعدة سنوات بما يتناسب مع التهديد النووى الإيرانى. كما أوصى أيضا بأن دعم إسرائيل للولايات المتحدة سيمهد لاتفاق تطبيع مع المملكة العربية السعودية، خاصة اذا واقفت الولايات المتحدة على مطالب السعودية النووية. وأشار التقرير إلى ضرورة استمرار ضغط اسرائيل على الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على ضمانات لعرقلة اى تقدم محتمل فى البرنامج النووى الإيرانى، والاستعداد لحدوث اتصالات مستقبلية بين ايران والولايات المتحدة الأمريكية[6].

وذكر تقرير آخر، نشره مركز القدس للشؤون العامة، عبر خلاله كل من مستشار الأمن القومي تساحي هنجبي، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر عن قلقهما بشأن القضية الإيرانية بعد لقائهما الأخير مع جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، في واشنطن، فيما زعمت مصادر إسرائيلية أن المفاوضات السرية بين الولايات المتحدة وإيران تقوم على مبدأ “الأقل مقابل الأقل”. وهذا يعني التوصل إلى اتفاق مؤقت حول قضايا محددة فقط يمكن أن يتفق عليها الطرفان[7].

ويرى يوسي كوبرفاسر- الرئيس السابق لقسم الأبحاث في AMN – أن الاتفاقية الجديدة أشد خطورة من سابقتها، لأنها تضمن لإيران القدرة على إنتاج كمية كبيرة من الأسلحة النووية بحلول عام 2031 حتى لو التزمت بها، وأن التصريحات الأمريكية التى تؤكد أنهم ملتزمون بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي مجرد كلام؛ لأن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على منعه، وأكد على أن الأمريكيين يخدعون أنفسهم لأنهم يقولون إنه بسبب الاتفاق لن تمتلك إيران أسلحة نووية، ولكن عمليا، في غضون ثمان سنوات ستزداد قدرة إيران على امتلاك أسلحة نووية. [8]

وفى ظل تضارب الآراء بين مؤيد ومعارض داخل إسرائيل، نقل المحلل عاموس هرئيل عن مسؤول إسرائيلى كبير أن “الحكومة الإسرائيلية لم تقرر موقفها النهائى بشأن هذه المحادثات، وأوضح أن الادعاء بوجود تسريبات تهدف لإفشال الاتفاق هو ادعاء زائف”، وأضاف “لدينا أسئلة ومخاوف نطرحها فى حوارنا المفتوح مع الإدارة الأمريكية، والمحادثات لم تكن سرية”[9]

وفي السياق ذاته صرح بنيامين نتنياهو بأن “أي اتفاق مع إيران غير ملزم لإسرائيل” وعلى النقيض أكد السفير الإسرائيلى لدى واشنطن أن “الدبلوماسية مع إيران، ليست بالضرورة شيئًا سيئًا” ، فيما عارض يائير لابيد، زعيم المعارضة الإسرائيلى، موقف الحكومة الحالية، معتبرًا أنه فى حالة نجاح الاتفاق بين إيران والولايات المتحدة الامريكية سيكون فشلا ذريعا للحكومة.

إن تباين التصريحات من الجانب الإسرائيلى يعكس مدى ضعف نتنياهو أمام اتخاذ القرار المناسب فى ظل التوترات الداخلية الإسرائيلية، ولهذا يسعى لارضاء الولايات المتحدة لكسب دعمها، في محاولة لعلاج التوتر في علاقات الجانبين، إلى جانب محاولاته لتهدئة السخط الشعبي فى إسرائيل عن طريق تصريحاته الرافضة للاتفاق بين إيران وأمريكا.

خلاصة القول إن التوصل لاتفاق أمريكى إيرانى نووى، ستكون له أثار سلبية على إسرائيل إذا لم تشارك فى محادثات هذا الاتفاق برغبتها، ومع استمرار الولايات المتحدة للتوصل لاتفاق؛ فلن يكون هناك خيار آخر لإسرائيل سوى الموافقة على المشاركة.

[1] Karen DeYoung& Joby Warrick& Steve Hendrix, U.S. and Iran in indirect talks over nuclear program and prisoners, The Washington Post, 12/7/2023, available on : https://www.washingtonpost.com/national-security/2023/06/20/iran-us-nuclear-talks-prisoners/

[2] סימה שיין& ארקדי מיל-מן& שרה לרך זילברברג& בת חן דרויאן פלדמן، העמקת שיתוף הפעולה בין איראן לרוסיה،  INSS، 19/7/2023، متاح على :https://www.inss.org.il/he/publication/iran-russia-relations/  

[3] _______، אחרי אזהרת הרמטכ”ל, איראן חשפה טיל חדש – לצד מודל ענק של הר הבית: “יכול לפגוע במטרות בישראל” | תיעוד השיגור، Ynet ،20/7/2023، متاح على الرابط : https://www.ynet.co.il/news/article/s1kchohhn

[4] שחר ברדיצ’בסקי , באופן חשאי באו”ם ובעומאן: פרטים חדשים על שיחות ארה”ב – איראן

באופן חשאי באו”ם ובעומאן: פרטים חדשים על שיחות ארה”ב – איראן,  מעריב , 15/7/2023, متاح على الرابط: https://www.maariv.co.il/news/world/Article-1015101

[5] גדעון קוץ ,   חשש בישראל: זו “הברית הימית” החדשה של איראן עם המדינות השכנות, מעריב , 11/7/2023 , متاح على الرابط: https://www.maariv.co.il/news/world/Article-1012502

[6] Eden Kaduri& Tamir Hayman, A Framework of Understandings between the United States and Iran: The Significance for Israel, INSS, 14/7/2023, available on: https://www.inss.org.il/publication/usa-iran-deal/

 

[7] Yoni Ben Menachem, A New Iranian Nuclear Agreement Poses a Threat to Israel, Jerusalem Center for Public Affairs, 15/7/2023, available on: https://jcpa.org/a-new-iranian-nuclear-agreement-poses-a-threat-to-israel/

[8] ____،נערכים להסכם גרעין חדש: “הקודם היה רע, המתגבש עוד יותר. גם המצב הקיים בעייתי”، המרכז הירושלמי לענייני ציבור ומדינה ، تاريخ الدخول 25/7/2023، متاح على الرابط: https://jcpa.org.il/article/%d7%a0%d7%a2%d7%a8%d7%9b%d7%99%d7%9d-%d7%9c%d7%94%d7%a1%d7%9b%d7%9d -%d7%9 2%d 7%a 8%d7%a2%d7 %99%d7%9f-%d7%97%d7%93 %d 7%a9 -%d7%94%d7%a7%d7%95%d7%93%d7%9d-%d7%94%d7%99%d7%94-%d7%a8%d7%a2-%d7 %94 %d7 %  9e/

[9] Amir Tibon, Amos Harel، Senior Israeli Official Says Israel Getting Updates From U.S. on Iran Talks, Not Trying to Thwart Them,Haaretz,24/7/2023, on https://www.haaretz.com/israel-news/2023-06-16/ty-article/.premium/israeli-official-says-israel-getting-updates-from-u-s-on-iran-talks-not-thwarting-them/00000188-c271-d7cb-afcd-da7b48f40000

 

 

 

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version