وحدة الدراسات الفلسطينية

علا عزالدين

تتصاعد مخاوف الشعب الفلسطيني يومًا بعد يوم من تآكل خيار”حل الدولتين” وتبديد آمال إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 المعترف بها دولياً في ظل حكومات إسرائيلية يمينية متعاقبة  تتنافس فيما بينها على انتهاج سياسات أكثر تعسفية واستيطانية تجاه الشعب الفلسطيني رافضة لمبدأ ” حل الدولتين ” العودة إلى حدود 1967 واعتبار القدس بشطريها الشرقي والغربي عاصمة أبدية لها الأمر الذي ينذر بتفجر العلاقة ما بين الطرفين في ظل عالم مضطرب لم تعد القضية الفلسطينية ضمن أولوياته خاصة الولايات المتحدة الأمريكية المنشغلة بمهددات هيمنتها العالمية فلم تكن إدارة الرئيس جو بايدن بالقدر من الحزم في المشاركة السياسية لتسوية القضية حيث حصرت إدارة بايدن القضية ضمن “تحسين الواقع الاقتصادي والإجتماعي للفلسطينيين وتخفيض التوتر” دون فتح آفاق لإطلاق عملية سياسية الأمر الذي لايمكن أن تتقبله السلطة والشعب الفلسطيني ، بناءً عليه وضع الرئيس عباس أبومازن في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر سقف زمنى حدده ” سنة ” لتحريك المسار السياسي وتغيير الوضع الراهن، ثم اعقبه تحركات دولية وعربية لبلورة الرؤي الفلسطينية ووضع خارطة طريق لإستعادة مسار المفاوضات المتوقفة منذ عام 2014 لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، على أساس حل الدولتين، باعتباره مطلبا لا غنى عنه، لتحقيق سلام شامل في المنطقة والتى عرضها المجلس المركزي الفلسطيني في دورته العادية الحادية والثلاثين، ونستعرض في تلك الورقة منطلقات الموقف الفلسطيني ومساراته.

أولا منطلقات الموقف الفلسطيني :

وضع المجلس المركزي الفلسطيني في دورته العادية الحادية والثلاثين منطلقات الموقف الفلسطيني التى سينطلق من خلالها إلى مسارات عدة في محاولة لحماية مقدرات الشعب الفلسطيني وحقه في اقامة دولة مستقلة وهو مايمكن انجازه في التالي:-

  1. الامتناع عن مواصلة تنفيذ الاتفاقيات من جانب واحد حيث علقت السلطة إلتزامها بكافة الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل وعلى رأسها اتفاق أوسلو خاصة فيما يتعلق بإنهاء التنسيق الأمنى بكافة أشكاله مما يهدد الأمن القومي الاسرائيلي والذي تسعى إسرائيل دومًا إلى الابقاء عليه وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية ، فإلغاء التنسيق سيؤدي إلى تفجر الأوضاع في الضفة الغربية، جراء عنف المستوطنين والرد الفلسطيني الغاضب عليهم
  • رفض الطرح الاسرائيلي اليميني المدعوم أمريكيًا والذي يعمل على تجاوز مطلب إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة القائم على مشروع السلام الاقتصادي أو ما يطلق عليها  السلام من أجل الإزدهار وتقليص الصراع وبناء الثقة
  • الاعتراض على صفقة القرن التى أعلنها الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب  و قرار الاعتراف الامريكي بالقدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل، ونقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس
  • التأكيد على أن الولايات المتحدة الامريكية فقدت أهليتها كوسيط و التأكيد على الرفض الفلسطيني بعدم تفرد أية جهة برعاية عملية السلام
  • التمسك بالثوابت الفلسطينية، وقيود وأحكام مبادرة السلام العربية دون تغيير، مع حث الدول العربية والاسلامية على عدم الإعتراف أو تطبيع العلاقات مع إسرائيل إلا بعد انهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية

المطالبات الفلسطينية

  1. الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام كامل الصلاحية على أساس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية برعاية جماعية تضم الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن وتوسيع دائرة المشاركة.
  2. إنشاء حماية دولية للأراضي الفلسطينية المحتلة بمافيها القدس الشرقية لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني من الانتهاكات الإسرائيلية إستنادًا إلى تجارب دولية والتى تتطلب اصدار قرار من  مجلس الأمن بهذا الشأن الأمر الذي يصطدم حينئذ بموقف الولايات المتحدة الأمريكية .
  3. مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لإنهاء إجراءات تدمير الاقتصاد الفلسطيني والاستيلاء على الأراضي وحجز أموالها .
  4. مطالبة مجلس الأمن بتنفيذ قرار رقم 2334 لعام 2016 واتفاقيات جنيف الرابعة ، ودعم جهود اقامة الدولة الفلسطينية القادرة على البقاء.

مسارات السلطة الفلسطينية

تسعى السلطة الفلسطينية إلى الانخراط  باسرع وقت ممكن في التفاوض على حل الدولتين لذلك سارت في عدة مسارات أولا اقناع أطراف اللجنة الرباعية الدولية (الولايات المتحدة، الأمم المتحدة، روسيا، الإتحاد الأوروبي) بالعودة إلى مفاوضات السلام والوفاء بالتزاماتهم الأخلاقية تجاه الشعب الفلسطيني والضغط على إسرائيل للوفاء باستحقاق التفاوض ، ثانيًا بلورة موقف عربي موحد قائم على التنسيق العربي الفلسطيني لتكوين ظهير عربي داعم لحقوق الشعب الفلسطيني .

  1.  موقف أطراف اللجنة الرباعية الدولية

سعت السلطة الفلسطينية من وراء الاتصال بأطراف اللجنة الرباعية إلى اقناعهم بعقد اجتماعات اللجنة على المستوى الوزاري، من أجل البدء بعملية سياسية حقيقية وفق قرارات الشرعية الدولية ، فقد طالب وزير الخارجية والمغتربين في السلطة الفلسطينية رياض المالكي مجلس الأمن في جلسته المنعقدة يوم  20 يناير 2022 بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني الذي يتعرض لسياسة تمييز عنصري، وإجبار إسرائيل على الانخراط في عملية سلام ومفاوضات حقيقية وجادة بإشراف اللجنة الرباعية الدولية وضمن سقف زمني محدد لإنهاء احتلالها لأرض دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية ، مشيرًا إلى ضرورة فرض عقوبات حقيقية علي إسرائيل من قبل مجلس الأمن والجهات الأممية ذات الاختصاص لمحاسبة إسرائيل والعمل على وقف “تمردها” المتواصل على الشرعية الدولية وقراراتها .

خلال جلسة مجلس الأمن اتفق ممثلو روسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة على أهمية عقد لقاء لوزراء خارجية “الرباعية” الدولية المعنية بالاضافة إلى العمل على تهيئة الظروف لتحقيق “حل الدولتين” ، وفقًا للصيغة المدعومة في قرارات الأمم المتحدة، أما عن موقف إدارة الرئيس جون بايدن نجد أن الإدارة  تسير نحو إجراءات تحسين الاوضاع المعيشية للشعب الفلسطيني، دون التطرق إلى مسألة العودة للمفاوضات، وذلك لاعتبارات متعلقة بالداخل الأمريكي والأولويات المطروحة لدى الإدارة الجديدة، فضلاً عن قناعتها بعدم قدرة الائتلاف الحكومي في إسرائيل حاليًا على القيام بهذه الخطوة.

  • المسار العربي : يأتى التحرك الفلسطيني الاقليمي بالتوازي مع التحرك الدولي لتنسيق المواقف العربية، خاصة بين الدول المحورية على رأسهم مصر والأردن لوجود اتصالات مباشرة مع إسرائيل وامكانياتهما لفتح أي مسار بما في ذلك توجيه رسائل مباشرة ومعلنة إلى إسرائيل وبدأ الحراك العربي قبل أسابيع من تولي الرئيس المنتخب جو بايدن مقاليد الحكم في البيت الأبيض حيث كانت قمة وزراء خارجية مصر والأردن وفلسطين في القاهرة في 19 ديسمبر 2020 نقطة البداية لرسم إستراتيجية التحرك العربي باتجاه الجانبين الإسرائيلي والأمريكي للتعامل مع التطورات الجارية في الأراضي الفلسطينية ، ثم تلتها القمة الثلاثية المصرية-الأردنية-الفلسطينية التي عقدت في مدينة شرم الشيخ في الثاني من سبتمبر في محاولة لإقناع واشنطن بأهمية باتخاذ موقف إيجابي حيال القضية الفلسطينية من خلال إطلاق العملية السياسية والتى أعقبها دعوة رئيس الحكومة الاسرائيلية نفتالي بينيت إلى شرم الشيخ ، في زيارةٍ هي الأولى من نوعها لرئيس حكومة إسرائيلي منذ أكثر من عشر سنوات، في 27 من ديسمبر شهدت توسعت القمة (المصرية-الأردنية-الفلسطينية)  بانضمام مديرى اجهزة المخابرات لمتابعة نتائج القمة الثلاثية لتنسيق المواقف والرؤى وتقييم الأوضاع الميدانية في دولة فلسطين، وتأتى تلك التحركات بالتنسيق مع جامعة الدول العربية التى من المقرر عقدها في الجزائر والذي يتزامن مع انخراط الجزائر كوسيط لانهاء الإنقسام الفلسطيني بما يخدم القضية الفلسطينية .

نتيجة للجهود الفلسطينية المضنية ، تقاطع المسار الدولي مع المسار العربي في مؤتمر ميونخ  للسياسات الأمنية في نسخته الخامسة والخمسين – شاركت فيه فلسطين، لأول مرة، باسم دولة فلسطين – حيث دعت رباعية ميونيخ “مصر والأردن وفرنسا وألمانيا” لعقد الرباعية الدولية وفتح مسار المفاوضات على أساس الشرعية الدولية  لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين وذلك بالتوازي مع إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس في نفس المؤتمر موافقة إسرائيل على اقامة كيان للفلسطينيين في المستقبل، مما يحمل اشارات على اعتراف المجتمع الدولي بأحقية الشعب الفلسطيني باقامة دولته المستقلة  من جانب،  ومن جانب آخر أظهر تصريحات جانتس حدود الموقف الإسرائيلي الجديد الذي قد تتبناه في حالة الرضوخ للضغوط الدولية للرجوع إلى المفاوضات .

السيناريوهات المتوقعة

  1. رفض العودة للمفاوضات : رفض الجانب الاسرائيلي العودة للمفاوضات و فشل الضغوط الغربية على إسرائيل  خاصة في ظل انشغال الغرب ( الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ) لمواجهة التصعيد الروسي في أوكرانيا قد ترجئ المفاوضات وهو تخوف أشارت إليه بعض الدوائر السياسية الفلسطينية والعربية
  2. العودة إلى المفاوضات : في ظل  ترحيب اللجنة الرباعية الدولية لعقد اجتماع دولي لبحث سبل دعم المفاوضات الفلسطينية و رباعية مؤتمر ميونخ 2022 فمن المتوقع أن تستجيب الولايات المتحدة الامريكية وتدعم هذا المؤتمر خاصة وأن موقفها المعلن مع حل الدولتين وضد سياسات الاسيتطان ،لاسيما وأن  المناخ العام الأمريكي أصبح مناهضًا للسياسات الاسرائيلية والذي بدى جليًا بمعارضة الحزب الديمقراطي في الكونجرس المصادقة على مساعدة أمنية لدعم القبة الحديدية ، ولكن من غير المنتظر أن تدخل الحكومة الاسرائيلية الحالية مفاوضات لرفضها الجلوس مع السلطة الفلسطينية حيث من المتوقع أن تتم مفاوضات غير مباشرة  تحت رعاية الرباعية الدولية قد تسفر عن تلبية بعض المطالب الفلسطينية كإعادة أموال السلطة الفلسطينية وتسهيل عملية إعادة إعمار قطاع غزة ولكن يبقى الملف الأكبر في تلك القضية ألا هو وضع حد للإستيطان الاسرائيلي من خلال فرض الحماية الدولية على الاراضي المحتلة لمنع ابتلاع المزيد من الاراضي الفلسطينية فهو مرهون حاليًا بموافقة مجلس الأمن عليه ، كما أنه يبدو أن هناك رؤية إسرائيلية  تتبلور في إطار المنظور اليميني الرافض لوجود دولة فلسطينية والتى صرح ببعضها وزير الدفاع الاسرائيلي في مؤتمر ميونج 2022 .

وأرجح  سيناريو العودة إلى المفاوضات خاصة  مع  التصعيد الاسرائيلي الفلسطيني المتبادل مما ينذر بتفجر أزمة كبيرة  ولكن أيضًا من المتوقع أن تتعثر المفاوضات بعد بعض من السيولة بفضل الضغوط الدولية وذلك بسبب الطرح الاسرائيلي المناهض لقيام الدولة الفلسطينية  و موقف الحكومة العنيد من الاستيطان الذي لم يقبله الجانب الفلسطيني .

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version