تسعى إسرائيل لتطبيع العلاقات مع السعودية بمباركة من الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل التحديات الكبرى التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط من صراعات وتحولات إقليمية ملحوظة في موازين ومحددات القوة في المنطقة، وتشير التقديرات إلى اقتراب الطرفين من التوصل إلى اتفاق بينهما، في خطوة ربما ستؤثر على المنطقة بأكملها.

ويأتي ملف التطبيع السعودي الإسرائيلي وسط تعقيدات كبرى وتباعد في وجهات النظر، ما بين مصالح إسرائيلية أمريكية منتظرة من الصفقة، وأهداف سعودية كبرى، ترغب الرياض في تحقيقها، بالتزامن مع وجود مخاطر إقليمية متوقعة لهذه الصفقة، أبرزها مايتعلق بالملف النووي الإيراني.

تطورات ملف التطبيع الثنائي

شهدت الأيام الماضية خطوات جادة نحو تطبيع للعلاقات بين إسرائيل والسعودية بمباركة الولايات المحتدة الأمريكية والتي تعد طرف ثالث في الصفقة، وتنوعت التحركات ما بين زيارات سرية وعلنية لمسؤولين إسرائيليين وسعوديين لواشنطن، في الوقت الذي تحركت فيه الولايات المتحدة فعليًا من خلال زيارت لتل أبيب والرياض لمناقشة تطورات الملف، بالتزامن مع رصد مؤشرات للتقارب بين الجانبين على النحو التالي:

أ – قام العشرات من رجال الأعمال الإسرائيليين مؤخرًا بزيارة المملكة العربية السعودية بجواز سفر إسرائيلي ووقعوا صفقات بملايين الدولارات، وتم استقبال مسؤول إسرائيلي كبير مؤخرًا في القصر الملكي في الرياض لمناقشة عدة ملفات على رأسها تطورات اتفاق تطبيع العلاقات بين الجانبين(1).

ب – توجه رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي دافيد بارنياع إلى واشنطن، لإجراء محادثات سرية مع كبار مسؤولي البيت الأبيض ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية تتعلق بهذا الملف، فعُقد اجتماع بين الجانبين الإسرائيلي والأمريكي، لمناقشة فرص توقيع اتفاقية تطبيع بين تل أبيب والرياض، حيث كان محور المحادثات مناقشة ملف إيران والتطبيع مع السعودية.

التقى بارنياع مع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، وبريت ماكغورك، المبعوث الرئاسي للشرق الأوسط، وآموس هوكشتين، كبير مستشاري بايدن للطاقة والبنية التحتية، فضلا عن لقائه مع نظيره في وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز. (2).

جـ ـ قيام مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان بزيارة إلى المملكة العربية السعودية رفقة بريت ماكغورك، وآموس هوكشتين، حيث التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومسؤولين سعوديين كبار آخرين، وتناولوا صفقة التطبيع بشكل حذر.

د – إيفاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أقرب مقربيه إلى الولايات المتحدة، وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون دريمر، لإجراء محادثات في البيت الأبيض حول مسعى إدارة بايدن للتوصل إلى صفقة ضخمة مع المملكة العربية السعودية يمكن أن تشمل اتفاقية تطبيع سعودية إسرائيلية. والتقي دريمر مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بيلنكن، وجيك سوليفان، وبريت ماكغورك وأموس هوشتاين، وقد زار مسؤولو البيت الأبيض السعودية مرتين خلال الفترة الماضية، وأطلعوا ديرمر على محادثاتهم مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان(3).

وقال وزير الخارجية الأميركي توني بلينكن، إن الولايات المتحدة لديها مصلحة أمنية في تعزيز التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، ونعتقد أنه يمكننا أن نلعب دورا كبيرا في هذا الأمر، لن يحدث ذلك بسرعة أو بسهولة، لكننا ملتزمون بالعمل عليه، ويجب حدوث تقدم في عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين لدعم ملف التطبيع السعودي الإسرائيلي(4).

ويدرس الرئيس الأمريكي جو بايدن الاجتماع مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على هامش قمة مجموعة العشرين الشهر المقبل في الهند، في محاولة التوصل إلى صفقة ضخمة يمكن أن تشمل ضمانات أمنية أمريكية للرياض، وكذلك اتفاقية التطبيع بين السعودية وإسرائيل(5).

ويتحرك الرئيس الأمريكي جو بايدن بشكل كبير لتغيير جوهري في الشرق الأوسط، محوره الأساسي هو التطبيع بين السعودية وإسرائيل، مقابل التزام إسرائيلي بسلسلة من الخطوات بشأن القضية الفلسطينية، وموافقة أمريكية على عدد من المطالب السعودية الكبيرة، ولا تزال فرص نجاح هذه الخطوة غير واضحة حتى الآن، ويبدو أن بايدن يدرك أن هذه الخطوة تتطلب من اللاعبين الإقليميين، وخاصة الحكومة الإسرائيلية، اتخاذ قرارات تاريخية. (6)

ويعمل البيت الأبيض الآن على إقناع كبار أعضاء الحزب الديمقراطي في الكونجرس بالقضايا الشائكة في ملف التطبيع بين السعودية وإسرائيل، تمهيدا لإبرام اتفاقية دبلوماسية بين الرياض وتل أبيب، ويحتاج البيت الأبيض إلى إقناع الخصمين التاريخيين بإيجاد أرضية مشتركة بينهما بشأن القضايا الشائكة مثل التخصيب النووي، ومبيعات الأسلحة، وحقوق الفلسطينيين المشروعة، ولكن الإدارة الأمريكية تواجه بعد ذلك تحديًا، ربما يكون أكثر صعوبة، وهو إقناع 67 عضوًا في مجلس الشيوخ بالموافقة على كل ذلك(7).

ويأتي ذلك في الوقت الذي استبعد فيه قطع مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان هذه التوقعات، مستبعدًا حدوث ذلك قريبًا. وقال سوليفان، إن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل سيكون حدثًا عظيمًا، وسيقود إلى شرق أوسط أكثر استقرارًا واندماجًا، لكنه من غير المتوقع الإعلان عن تقدم في المفاوضات بين السعودية وإسرائيل في وقت قريب، وغير المتوقع حدوث أي تقدم في جهود في ملف الرياض النووي أيضًا، ومن جهة أخرى استبعد مستشار الأمن القومي جاك سوليفان التوصل إلي اتفاق للتطبيع العلاقات خلال الفترة المقبلة. (٨)

المكاسب المتوقعة لأطراف التطبيع

يسعى كل طرف من أطراف صفقة التطبيع إلى تحقيق مصالحه وأهدافه.

أولًا: السعودية: وضعت السعودية مجموعة أهداف جوهرية كشروط رئيسة لتوقيع اتفاق التطبيع، ومن هذه الأهداف: 

1ـ تقوية نفوذها في الشرق الأوسط كدولة محورية تلعب دورًا استراتيجيًا في التحديات التي تواجه الإقليم، وهو ما يمكن أن تحققه بالاتفاق مع الجانب الأمريكي في صفقة كبرى تتضمن التطبيع مع إسرائيل.

2ـ الحصول على ضمانات أمريكية بدعم برنامج نووي سعودي، وتخصيب اليورانيوم، بما يحقق رؤية المملكة المستقبلية كشرط من شروط توقيع اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وضمان التوقيع على اتفاقية دفاعية مشتركة مع واشنطن وفق رؤية ولي العهد السعودي.

3ـ ضرورة حدوث تقدم ملموس في عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين وإيجاد الحلول الملائمة للصراع، وربما يكون هناك دعم لفكرة حل الدولتين، ودعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة في إطار مبادرة السلام العربية.

4ـ ستكون صفقة التطبيع برعاية أمريكية دافعًا لتجاوز الولايات المتحدة ملفات تتعلق بمجال حقوق الإنسان في المملكة، والحديث يدور بشكل كبير حول قضية مقتل الصحفي السعودية جمال خاشقجي، وهو ما يخدم السعودية في تخطي هذه الأزمات.

ثانيًا: إسرائيل: إسرائيل هي صاحبة المكاسب الكبرى من التطبيع مع السعودية برعاية أمريكية، كونها هي التي تسعى لتطوير علاقتها مع الدول المحيطة لتخرج من دائرة العزلة التي طوقتها على مدار عقود، وقد تحقيق إسرائيل عده مكاسب، منها:

1ـ تسعى إسرائيل لتوقيع اتفاقية التطبيع مع السعودية، على الرغم مما قد تقدمه من تنازلات، ولكنها ستعزز تفوقها وسيطرتها الإقليمية وتدعيم شرعيتها.

2ـ رغبة إسرائيل في التوقيع على اتفاقية أمنية مشتركة مع الولايات المتحدة الأميركية والسعودية لتضمن وجود قوة معاونة وداعمة لها في مختلف التحديات، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني، مع تملكهامن نشر التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية في الإقليم.

3ـ رغبة بنيامين نتنياهو في تحقيق سياسته الخارجية بنجاح من خلال التطبيع مع السعودية حيث سيكون انتصارًا كبيرًا له في ملف السياسة الخارجية، وبالتالي سيكسب المزيد من الدعم الداخلي، كما سيغطي على أزماته الداخلية، وعلى رأسها ملف التعديلات القضائية.

4ـ يفتح اتفاق تطبيع إمكانية توقيع اتفاقيات مع دول عربية أخرى، كما ترى تل أبيب أن التطبيع مع الرياض يساهم في عزل إيران.

ثالثًا: الولايات المحتدة: تلعب الولايات المتحدة الأمريكية دور الوسيط في اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول الشرق الأوسط، بعد اتفاقيات التطبيع بين تل أبيب ودول الإمارات والبحرين، وقد جاء الدور على السعودية لتحقيق مصالحها أيضا، ويمكن حصر مكاسب واشنطن في ما يلي:

1ـ إقامة علاقات رسمية بين إسرائيل والسعودية سيكون بمثابة انتصار كبير في ملف السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي جو بايدن في الوقت الذي يستعد فيه لحمله إعاده انتخابه لرئاسة الولايات المتحدة في عام 2024.

2ـ رغبة واشنطن في تقوية نفوذها بمنطقة الشرق الأوسط، وكبح جماح الصين وروسيا في المنطقة، والذين طورا خلال الفترة الماضية من علاقاتهما ومد نفوذهما بشكل كبير في الشرق الأوسط وهو ما يقلق واشنطن التي ترى تراجعًا في قوتها.

3ـ يأتي الملف النووي الإيراني على رأس المكاسب التي ترغب الولايات المتحدة الأميركية في تحقيقها من خلال تحقيق التقارب السعودي الإسرائيلي في المنطقة، وهو ما يمكنها من فرض سيطرتها بشكل أكبر مع وجود حلفاء أقوياء لدعم تقارب وجهات النظر وبحث سبل السيطرة على نووي إيران الذي يؤرق واشنطن وتل أبيب والرياض أيضًا، على الرغم من إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران.

4ـ إستفادة واشنطن من السعودية وتعميق التعاون معها في مجال الطاقة، لمحاولة التصدي للأزمة الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يقوي ذراع واشنطن ضد موسكو في حال تغلبها على أزمة الطاقة.

التداعيات الإقليمية للتطبيع السعودي الإسرائيلي

أي تغيير في العلاقات بين السعودية وإسرائيل قد يكون مؤثر ويتأثر بالعديد من العوامل السياسية والدينية والاجتماعية في المنطقة، وسيكون لأي تطور في هذا الملف تأثيرات واسعة النطاق على الشرق الأوسط بأكمله، ومنها:

1ـ إذا ما تم التطبيع بين السعودية وإسرائيل بدون ضمان حلول فعالة للقضية الفلسطينية، سيضر ذلك الفلسطينين والسعوديين معًا، لأن ذلك يقلل من دعم المملكة ودورها القوي في التوصل إلى تسوية سلمية، وينهي المبادرة العربية التي قدمتها السعودية نفسها، وكان شرطها الأساس إنسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967م.

2ـ حذرت طهران، على لسان المتحدث باسم خارجيتها، من خطورة التطبيع، فهي لن تقف مكتوفة الأيدي حيال ذلك، مما قد يدفع لنشوب صراعات في المنطقة تقودها إيران.

3ـ قد تكون هناك معارضة من الشعب السعودي لعملية تطبيع العلاقات مع إسرائيل في حال عدم ضمان تحقيق مطالب الفلسطينين، وهي أهداف جوهرية وضعتها كشرط أساسي للتطبيع مع إسرائيل.

4ـ التأثير بالسلب على علاقات الرياض مع دول عربية لا توجد بينها وبين تل أبيب علاقات رسمية مثل سوريا والعراق والكويت والجزائر وغيرها، خاصة  الدول التي تتواجد فيها إيران بشكل قوي، مما قد يدفع إلى تصاعد التوتر العسكري أو الاقتصادي أو السياسي بين هذه الدول، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الصراعات الإقليمية.

 

5ـ ستصبح إسرائيل مركز الثقل الاقليمي في الشرق الأوسط لتحل محل  بعض الدول العربية الأخرى، بما يضعف مكانة المملكة كدولة محورية في المنطقة، وربما يؤثر ملف التطبيع على وحدة مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.

6ـ إحجام بعض الدول العربية عن التعاون، فقد تتردد بعض الدول العربية في التعاون مع السعودية إذا قامت بعملية التطبيع مع إسرائيل، وقد تفضل هذه الدول تقليل التعاون في مجالات مثل الأمن والدفاع والاقتصاد.

7ـ إمكانية استغلال التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة عملية التطبيع لتأجيج الشعور بالانتهاك والظلم، وقد يستخدمونها لتجنيد المزيد من الإرهابيين لتنفيذ هجمات إرهابية، فقد يزيد التطبيع من نفوذ هذه الجماعات ويعزز قدرتها على تنفيذ أعمال إرهابية.

9ـ قد تؤثر عملية التطبيع بين إسرائيل والسعودية على الديناميات الإقليمية وتغيرها والتأثير على القضايا السياسية الأخرى في المنطقة، فيتحول اهتمام الدول والمنظمات الإقليمية من قضايا محورية إلى قضايا أقل أهمية، مثل الأزمة السورية أو الأزمة اليمنية.

ختامًا:

إن العلاقات بين السعودية وإسرائيل تمثل موضوعًا حساسًا ومعقدًا في السياسة الإقليمية، ومنذ عقود تأخذ الرياض موقفًا قويًا ضد تل أبيب، لكن في السنوات الأخيرة، ظهر تقاربا بين البلدين في بعض القضايا المشتركة، مثل التحديات الأمنية في المنطقة، وقد أُجريت بعض اللقاءات السرية بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين، وتم تبادل المعلومات والآراء فيها، وسط مؤشرات على توقيع اتفاقية تطبيع بين البلدين في ظل رغبة مشتركة بين البلدين، إضافة للولايات المتحدة، ليحقق كل طرف أهدافه، وفي التقدير، فأن إسهام التوصل لاتفاق بين إسرائيل والسعودية لتطبيع العلاقات بين البلدين في طرح مزيد من التداعيات السلبية سواء على القضية الفلسطينية وسبل حلها، وربما يؤدي ذلك إلى سيطرة مناخ من عدم الاستقرار بالإقليم.

 

المصادر:

(1) https://www.israelhayom.co.il/news/geopolitics/article/11286920

2) https://www.axios.com/2023/07/31/israel-mossad-cia-biden-saudi-arabia-normalization

(3) https://www.axios.com/2023/08/11/israel-saudi-normalization-biden-netanyahu-dermer-security

(4) https://news.walla.co.il/break/3584160

(5) https://www.axios.com/2023/08/21/biden-mbs-g20-meeting-saudi-israel-megadeal

(6) https://www.inss.org.il/he/publication/usa-saudi-arabia-israel/

(7) https://www.nytimes.com/2023/08/17/us/politics/saudi-arabia-israel-senate-white-house.html?searchResultPosition=1

(8) https://www.maariv.co.il/news/politics/Article-1032315

 

 

 

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version