تداولت الصحف العبرية خلال الأيام القليلة الماضية الحديث عن تنظيم إسرائيلي غامض، بعث مؤخرا برسائل تهديد لأعضاء كنيست ومسؤولين في الائتلاف الحاكم برئاسة بنيامين نتنياهو، يتوعدهم فيها بالإيذاء والقتل إذا ظلوا ضمن الائتلاف الذي فشل في حماية مستوطنات غلاف غزة ولم يتمكن من إحباط عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي وأسفرت عن مقتل مئات الإسرائيليين.

وكانت الشرطة الإسرائيلية قد تلقت بلاغات من بعض أعضاء الكنيست تفيد بتسلمهم رسائل تهديد تحمل توقيع التنظيم الذي أطلق على نفسه “المنتقمون الإسرائيليون”، وهو ما دفع الشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن العام “الشاباك” ببدء إجراءات التحقيق، للتعرف  على الجهة التي تقف وراء التهديدات.

انتقامًا للفشل الأمني!

وفقًا للصحافة العبرية، فإن تنظيم “المنتقمون الإسرائيليون” قد أكد في رسائل التهديد على أنه يُحمِّل أعضاء الائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو، مسؤولية الفشل الذريع في التصدي لعملية طوفان الأقصى، والتي أسفرت عن مقتل قرابة 1400 إسرائيلي. ولم يقتصر التنظيم على تحميل أعضاء إئتلاف نتنياهو مسؤولية مقتل مئات الإسرائيليين، بل يرى أنهم يستحقون الإعدام، وعليه فقد قرر التنظيم قتلهم انتقاما لدماء الإسرائيليين الذين قُتلوا ومازالوا يقتلون منذ أحداث السابع من أكتوبر. ولم تكن رسائل التهديد موجهة فقط ضد أعضاء الكنيست والائتلاف الحاكم بل ضد زوجاتهم وأبنائهم وأحفادهم. ولم يترك التنظيم أمامهم مجالا للنجاة من القتل إلا عبر تغيير مواقفهم من حكومة نتنياهو وذلك بسحب الثقة عنها لإسقاطها وإجراء انتخابات جديدة. كما توعد التنظيم أيضا بقتل الصحافيين ومذيعي القنوات العبرية المسموعة والمرئية ممن يدعمون حكومة نتنياهو بشكل لافت.

تأسيس التنظيم وأهدافه!

بحسب المعلومات الواردة في رسائل التهديد، فقد تأسس تنظيم “المنتقمون الإسرائيليون” خلال الصيف الماضي، قبل وقوع زلزال “طوفان الأقصى”. وكان الهدف في البداية يتمثل في الانتقام ممن أسماهم “الإرهابيين العرب” من فلسطيني الـ48 سواء كانوا أفرادًا أم جماعات، ممن نفذوا عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي. ولكن فشل حكومة نتنياهو في إحباط هجوم المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي، وعدم تحقيق الأهداف العسكرية المرجوة من الاقتحام العسكري البري لقطاع غزة، هو الذي دفع التنظيم لإعادة ترتيب أولوياته ليكون في مقدمتها استهداف مسؤولي الائتلاف الحاكم بعد فشلهم في حماية الإسرائيليين، فتم إرسال خطابات تهديد بالقتل لهم  ولأفراد أسرهم إذا لم يُسقطوا نتنياهو وحكومته.

مرجعية دينية!

بحسب رسائل التهديد التي نشرتها الصحف العبرية، فإن تنظيم “المنتقمون الإسرائيليون” يعمل وفق مرجعية دينية، ويسير على نهج الانتقام الذي اتبعه اليهود الاقدمين، حيث ذكر التنظيم في رسائل التهديد فقرة “ليَ الانتقام والجزاء” التى وردت في سفر التثنية: الإصحاح 32 فقرة 35. وجدير بالذكر أن هناك كتابًا صدر عام 2019 يحمل نفس العنوان في شقه الأول، وهو كتاب:[“لي الانتقام والجزاء”: اليهود والمحرقة النازية وجماعة “أبا كوفنر” الانتقامية].

و”أبا كوفنر” (1918 –  1987) هو شاعر وكاتب إسرائيلي من أصل بولندي، كان قد دعا إلى تشكيل ميليشيا يهودية مسلحة لمقاومة النازيين بعد احتلالهم لبولندا. ويصف الكتاب المذكور ما قام به قرابة خمسين شابًا وشابةً يهودية، عندما قاتلوا ضد ألمانيا النازية في الأحياء اليهودية والغابات والمعسكرات. وحينما التقوا بعد المحرقة النازية على الأراضي الأوروبية، أدركوا أنهم فقدوا كل شيئ، فتعهدوا بالانتقام الرهيب من الألمان، وفاءً للقسم الذي أدوه لزعيمهم وقائدهم “كوفنر”.

هل هو تنظيم وهمي؟

تتضمن رسائل التهديد التي تلقاها بعض المسؤولين الإسرائيليين، بيانات شخصية دقيقة لهم وللكثيرين من أبنائهم وزوجاتهم وأقاربهم مثل العناوين وبطاقات الهوية وأرقامها وغير ذلك. ولعل دقة تلك المعلومات الشخصية، تعزز التقديرات بأن ذلك التنظيم ما هو إلا تنظيم وهمي، روَّج له الائتلاف الحاكم من أجل تشويه المعارضة الإسرائيلية التي تمارس الضغوط على حكومة نتنياهو للتوصل إلى هدنة وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وهو ما يرفضه نتنياهو وحلفاؤه المتطرفين وعلى رأسهم بن جفير وسموتريتش.

فيما يرى مؤيدو هذا الطرح أن حكومة نتنياهو باتت في وضع لا تُحسد عليه بعدما فشلت في القضاء على فصائل المقاومة وعجزت عن تحقيق أهم أهداف الحرب وهو إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المُحتجزين في قطاع غزة بعد قرابة خمسة أشهر من العدوان المتواصل على القطاع. ولعل تراجع التأييد الغربي والأمريكى لاستمرار عدوان حكومة تل أبيب على قطاع غزة، هو الذي ألجأ حكومة نتنياهو لحيلة التعرض لتهديدات إرهابية من ذلك التنظيم المزعوم لاستعادة تعاطف الجبهة الداخلية معها ولتشويه صورة معسكر المعارضة.

ولعل نتائج تحقيقات الشرطة وجهاز الأمن العام “الشاباك” خلال الأسابع والأشهر القليلة المقبلة، ستُظهر إن كان ذلك التنظيم الإسرائيلي الغامض حقيقي أو وهمي. رغم أن كثيرا من الردود الداخلية الإسرائيلية تُرجح كونه وهميا أو مصطنعا لعدة أسباب منها:

1-  أنه ليس هناك جهة معلومة تقف وراءه، وحتى الآن لم تتوصل السلطات الأمنية لأي خيط يدل على منتسبي التنظيم أو مؤسسيه.

2- أن التنظيم يوجه التهديد بالقتل لأعضاء ائتلاف حكومي هم الأشد تطرفا في تاريخ إسرائيل، والذين لم يتورعوا عن ارتكاب أبشع المجازر في حق الفلسطينيين سواء في غزة أو القطاع أو حتى داخل حدود الـ 48. أي أن الائتلاف الحالي يلبي طموح أشد التنظيمات اليهودية تطرفًا، ولذا فلا مبرر لأن يتعرض للتهديد بالقتل من جانب أي تنظيم يهودي متطرف.

3- أن التنظيم الجديد يزعم انتماؤه للمرجعية الدينية اليهودية، فكيف يسعى لإسقاط الائتلاف الحالي الذي يعمل على إبادة الفلسطينيين أو تهجيرهم قسريًا؟ وكيف يطالب بإجراء انتخابات جديدة ستُفضي حتما لعودة المعارضة التي تقوم على أحزاب الوسط واليسار.

4- بقى الافتراض بأن ذلك التنظيم الإسرائيلي الجديد ينتمي لمعسكر اليسار، وهو افتراض غير مُرجح لأنه يعمل وفق مرجعية دينية، ويطالب بسفك دماء مسؤولين يمينيين ومتدينين انتقاما لدماء إسرائيليين قُتل أغلبهم في مهرجان للرقص بمنطقة غلاف غزة.

وختاما فإنه إذا ثبت أن لهذا التنظيم الإرهابي اليهودي الجديد تواجدًا حقيقيًا في إسرائيل فستكون له تداعيات خطيرة على المشهدين الاجتماعي والسياسي، لأن التهديد الحالي يصدر عن تنظيم يهودي ضد اليهود أنفسهم، وهذا بالطبع سيُحدث جدلا فقهيا دينيا لأن الشريعة تمنح أعلى درجات القدسة لروح الإنسان اليهودي باعتباره يحمل مكانة خاصة عند الرب ورسالة خاصة للبشرية. وبالتالي فإن الانقسام الفقهي سيتبعه انقسام حاد داخل المجتمع بكل شرائحه العلمانية والدينية والقومية

أما التداعيات على المستوى السياسي الداخلي فقد تؤدي إلى إسقاط حكومة نتنياهو، خاصةً أن تلك التهديدات لا تقتصر فقط على أعضا الحكومة بل على كل المسؤولين الداعمين لائتلاف نتنياهو.

ومن المؤكد أن خطورة تهديدات التنظيم الجدبد على  حكومة نتنياهو سوف تزداد كلما استمر العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة دون تحقيق الأهداف الأساسية لذلك العدوان وفي مقدمتها القضاء على حركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في القطاع.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version