هل أصبحت النيجر البديل الفرنسى لمواجهة الارهاب فى الساحل..؟

على الرغم من الخروج الفرنسى من مالى وإعتباره بمثابة ذروة التراجع للنفوذ الأوروبى فى أفريقيا، إلا أن فرنسا ما لبثت أن بحثت عن موطىء قدم اخر لها فى منطقة الساحل الأفريقى (مالى- تشاد- النيجر- بوركينا فاسو- موريتانيا)، حيث وافق مجلس النواب فى النيجر على السماح بنشر قوات فرنسية لمحاربة الجماعات الإرهابية وذلك فى ظل حالة من الترحيب من الرئيس النيجرى محمد بازوم بالوجود الفرنسى ومساعدتها فى محاربة الارهاب.

فمنذ إعلان فرنسا فى فبراير 2021 انسحاب قوات برخان وقوات تاكوبا الأوروبية من مالى، تخشى النيجر من تعزيز الإرهابيين تواجدهم في منطقة تيلابيرى الشاسعة (غرب) فى منطقة “المثلث الحدودى” الواقعة عند حدود بوركينا فاسو ومالى، حيث يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية فى الصحراء الكبرى على مساحات شاسعة، وأصبح الإرهابيين على مسافات قريبة من عاصمة النيجر نيامى، هذا بالإضافة إلى هجمات بوكو حرام والجماعات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة، ومن خلال الترتيب الأمنى الجديد، أصبحت نيامى الأقرب إلى منطقة الحدود الثلاثية المضطربة، بحيث أصبحت هذه المنطقة نقطة دعم مهمة للعمليات العسكرية الفرنسية فى منطقة الساحل.

وتعد النيجر أحد أفقر دول العالم وأقلها نمواً على الإطلاق، إذ تغطى الصحراء الكبرى ما يقرب من 80 % من إجمالى مساحة البلاد البالغة نحو مليون و270 كم مربع، فى حين تُهدد الأجزاء الباقية مشكلات مناخية أخرى مثل الجفاف والتصحر، ووفقا للبنك الدولى، وصلت النيجر إلى مستوى من الفقر المدقع وبلغ 42.9 % فى عام 2020.

لماذا النيجر…؟

فى حين أن النيجر أقل تأثراً بالإرهاب من نظيراتها من دول الساحل، إلا أن ذلك مُثل ميزة لفرنسا بإعتبارها حليفًا أكثر أمانًا خاصة مع التدهور فى العلاقات بين فرنسا ومالى بعد الإنقلاب العسكرى الأخير بقيادة العقيد أسيمى جويتا، كما تتمتع النيجر بميزة رئيسية أخرى ، حيث أنها يقودها رئيس منتخب ديمقراطياً، مما يجعلها شريكًا أفضل ومثالًا للديمقراطية الغربية التى تدعى فرنسا أنها تسعى لنشرها فى أفريقيا، كما أن الرئيس محمد بازوم يدافع عن التواجد الفرنسى فى الساحل ويرى أنه مهم فى مواجهة الإرهاب فى وقت تتزايد فيه الإنتقادات للوجود العسكرى الفرنسى .

أرشيفية

هذا بالإضافة إلى موقع النيجر الاستراتيجى، وسابق حصول فرنسا على قاعدة فى نيامى تتشارك بها مع القوات الأميركية، كما أن الجيش النيجرى يواجه تحديات فى محاربة الجماعات الإرهابية وتدهور الوضع الأمنى وتأثيره على الأطفال والشباب الذين يُقتلون ويُستهدف تجنيدهم من قبل الجماعات المسلحة فى منطقة تيلابيرى الحدودية الثلاثية..

ويُعد الوجود الفرنسى فى النيجر منافس للتواجد الروسى فى مالى، حيث تنتشر قوات فاجنر الروسية فى عدد من دول غرب أفريقيا، وتهدد نفوذ الدول التى تعتبر مستعمرات سابقة لها.

وعلى الجانب الاقتصادى، فان النيجر على رغم من فقر شعبها إلا أنها تمتلك ثروات طبيعية كبيرة، حيث تُصنف بأنها الرابع عالميًا فى إنتاج اليورانيوم، وتمتلك أبارًا ضخمة من النفط، والذهب، وتسهم النيجر عبر ثرواتها فى تمويل مشروعات فرنسا من الطاقة النووية وتزويدها باحتياجاتها من الطاقة الكهربائية، ويمد يورانيوم النيجر فرنسا بـ35 % من احتياجاتها من الطاقة النووية، ما يمثل 75 %، من الطاقة الكهربائية الفرنسية التى تسعى باريس لمضاعفتها خلال المرحلة الحرجة الحالية فى ظل ازمة الطاقة التى خلفتها الضغوط الروسية على خلفية الازمة الاوكرانية، وهو ما يؤكد أهمية النيجر بالنسبة لفرنسا وإعتمادها على الموارد الطبيعية الموجودة فيها.

تحديات الوجود الفرنسى فى النيجر

يواجه الوجود الفرنسى فى النيجر العديد من التحديات سواء ما يتعلق بتنامى المشاعر المعادية لفرنسا داخل النيجر، وهو ما ظهر فى الواقعة التى حدثت فى 27 نوفمبر 2021 ، حيث اعترض متظاهرون نيجرون قافلة عسكرية فرنسية فى بلدة تيرا غربى النيجر، وقتلت القوات الفرنسية ثلاثة مدنيين نيجرين وهو ما ساهم فى تكريس مشاعر الاستقطاب، فضلًا عن تصنيف البعض الوجود الفرنسى بمثابة عودة للاستعمار تحت غطاء جديد وهو الإرهاب، وأن الفشل الفرنسى فى مواجهة التنظيمات الإرهابية فى مالى ساهم فى نقله لدول الجوار وعلى رأسها النيجر التى لم تكن تعانى من الإرهاب.

على الجانب الاخر تشكل المشكلات اللوجيستية أيضًا تحديًا لنقل قيادة تاكوبا إلى نيامى، حيث أنه بعد أشهر من إعلان ماكرون فى يوليو 2021 نقل الثقل العسكرى للقيادة الفرنسية فى الساحل من العاصمة التشادية نجامينا إلى عاصمة النيجر ميامى، إلا أنه لم يتم النقل إلى الان.

كما تزداد قوة التنظيمات الإرهابية فى الساحل مع توقعات بأن عام 2022 سيكون أكثر السنوات فى معدلات العمليات الإرهابية، فى ظل تمدد تنظيم داعش الإرهابى ومحاولته فرض سيطرته على وسط وغرب القارة الأفريقية، فضلا عن انتشار خلايا جديدة للإرهاب، وارتباط الإرهاب فى أفريقيا بـاحتدام الصراع بين القوى الكبرى والأجندات الدولية سواء المرتبطة بالظاهرة الإرهابية أو بالصراع الاقتصادى على قارة أفريقيا.

هل ستنجح فرنسا فى مواجهة الارهاب من خلال النيجر..؟

بالنظر للمعطيات السابقة فأنه من غير المتوقع أن تنجح فرنسا فى مواجهة التنظيمات الإرهابية فى منطقة الساحل الأفريقى، بل يتوقع أن تزداد العمليات الإرهابية وتنتشر الجماعات بشكل أكبر فى أفريقيا، وذلك لعدة أسباب…

أرشيفية

* فوز الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فى الانتخابات الفرنسية واستمرار إستراتيجيته تجاه الساحل الأفريقى المُفرِطة فى التسلح، بما يحاكى النمط الأمريكى فى مكافحة الإرهاب وهو النمط الذى أثبت فشله فى “عملية برخان”، وحتى الان لم تعلن فرنسا عن إستراتيجية مختلفة لمواجهة الإرهاب، كما تسببت هذه الإستراتيجية فى تنامى الحركات الإرهابية التى أصبحت أكثر قوة وتبنت نهجاً أشد راديكالية، فضلًا عن تعامل ماكرون بفوقية وهو ما دفع البعض لتصوير فرنسا انها واصية على الدول الأفريقية وشعوبها.

* النظرة المعادية للوجود الفرنسى فى النيجر على غرار دول الساحل، وهو ما يعزز انضمام العديد من الشباب للتنظيمات الإرهابية باعتبار أنهم يحاربون المستعمر الفرنسى، على غرار ما حدث فى مالى، وبالتالى سيزيد من أعداد المنضمين لهذه التنظيمات من النيجر وقد يجعلها بؤرة للإرهاب فى الساحل الأفريقى.

* إمكانية حدوث انقلاب عسكرى فى النيجر يطيح بالرئيس محمد بازوم، فى ظل اعتراض المعارضة على نتيجة الانتخابات التى فاز فيها بازوم ووصفها بالانتخابات المزورة، وذلك على غرار ظاهرة الانقلابات العسكرية الموجودة فى غرب أفريقيا، والذى حال حدوثه قد يأتى هذا الانقلاب بنظام عسكرى لا يؤيد الوجود الفرنسى.

* وجود فاعلين اخرين منافسين بقوة لفرنسا، مثل الصين وروسيا وتركيا، يترقبون عثرات فرنسا فى أفريقيا وذلك للانتشار بشكل أكبر وتقوية العلاقات مع الدول الأفريقية باساليب مختلفة عن التواجد العسكرى على حساب فرنسا.

*زيادة تدهور الاقتصاد فى النيجر وارتفاع نسبة الفقر ، وذلك بفعل التغيرات المناخية التى تزداد تداعياتها السلبية بشكل متصاعد فى ظل عدم وجود إستراتيجية لمواجهتها، فضلًا عن احتدام الصراع العالمى بما أثر سلبًا على الدول الأفريقية ومنها النيجر، لذلك فأن الفقر يعد بيئة خصبة للإرهاب ويمثل سبب هام فى انضمام الشباب والعاطلين للتنظيمات الإرهابية.

* عدم سعى فرنسا مواجهة الأسباب الجذرية لانتشار الإرهاب فى الساحل خاصة ما يتعلق بالتهميش السياسى والاقتصادى، وتدهور الأوضاع الاقتصادية الناتجة عن الفساد وسوء الحكم واستغلال فرنسا ثروات وموارد هذه الدول

وختامًا يمكن القول أن مستقبل الحضور العسكرى الفرنسى فى النيجر مرهون بفهم الواقع الأفريقى ومدركاته السلبية تجاه الاستعمار الفرنسى، فضلًا عن العمل على حل الأسباب الجذرية لظهور الإرهاب سواء كانت سياسية أو اقتصاية أو اجتماعية ، أما استمرار تبنى فرنسا نفس الإستراتيجية التى ثبت فشلها فى مالى، سيؤدى إلى مزيد من التعقيد فى النيجر ويزيد من التنظيمات الإرهابية فى دولة ينهكها الفقر وتعانى من الإرهاب بشكل أقل من جيرانها.

 

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version