شهدت العلاقات المصرية الأفريقية تطورًا كبيرًا منذ عام 2014، حيث سعت الدولة المصرية إلى استعادة دورها فى أفريقيا وذلك بعد حالة التراجع التى أصابت هذه العلاقات السنوات الماضية، والاقتراب المصرى من دوائر أخرى على حساب الدائرة الأفريقية المرتبطة بشكل مباشر بالأمن القومى المصرى.

ونظرًا لتعدد المصادر والمراكز المؤثرة فى مصالح الدولة المصرية والتى لم تعد قاصرة على المؤسسات الرسمية بدأ الحديث يتعاظم عن دور المجتمع المدنى فى دعم العلاقات المصرية الأفريقية وحماية وتعزيز مصالح الشعبين، ويشمل ذلك مراكز الأبحاث والجمعيات الأهلية والنقابات المهنية والمنظمات غير الحكومية المعنية بقضايا (المرأة-البيئة-الطفل-حقوق الانسان،…) بشكل مكمل ومساعد للمؤسسات الرسمية، ومتفاعل مع العديد من القضايا والأزمات التى تخص القارة الأفريقية خاصة القضايا المتعلقة بالمرأة وملفات التنمية مثل تحقيق أهداف التنمية المستدامة وحديثًا بدأ يظهر التحول الرقمى وكيفية تعزيز الشراكة بين المجتمع المدنى فى مصر وأفريقيا فى هذا المجال ومواجهة الجرائم السيبرانية.

تعزير دور المجتمع المدنى المصرى

كان لمصر دور ريادى فى التنظيمات الأهلية والخيرية والحركات الاجتماعية والعمالية، فقد نشأت فيها أول جمعية خيرية سنة 1821 تحت اسم الجمعية اليونانية بالإسكندرية، كما ولدت أول نقابة فى مصر سنة 1876 وتعنى بالمحاماة، كما عرفت أول تنظيم تعاونى سنة 1907  وعموما فإن أغلب الحركات الاجتماعية والتنظيمات الأهلية والجمعيات المختلفة التى نشأت فى هذه الفترة ارتبطت بالكفاح والنضال من أجل التحرر والاستقلال.

وشهدت  الأعوام الأخيرة طفرة فى نمو الجمعيات الأهلية فى مصر، فقد بلغ عدد الجمعيات الأهلية المسجلة فى وزارة التضامن الاجتماعى 50572 فى 2019، وذلك وفق دراسة منشورة على موقع الهيئة العامة للاستعلامات، وتسير الدولة المصرية بخطوات ثابتة فى سبيل دعم المجتمع المدنى وذلك من خلال إصدار قانون العمل الأهلى رقم 149 لسنة 2019، والذى يضع ضوابط لشكل وأنشطة عمل المؤسسات الأهلية المختلفة، وهو ما يمثل نقلة هامة بتاريخ العمل الأهلى فى مصر، كونه يعكس إيمان الدولة بالدور الحيوى لمنظمات المجتمع المدنى فى تحقيق التنمية فى مختلف المجالات حيث أصبح  تأسيس الجمعية الاهلية  وأن تكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار، كما أجاز القانون فى المادة “35” للجمعية، بممارسة الأنشطة المالية غير المصرفية اللازمة لممارسة نشاطها بعد الحصول على ترخيص من الهيئة العامة للرقابة المالية وإخطار الجهة الإدارية.

كما أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى، عام 2022 “عامًا للمجتمع المدنى”، ودعا المجتمع المدنى إلى مواصلة العمل بجد واجتهاد جنبًا إلى جنب مع مؤسسات الدولة المصرية، لتحقيق التنمية المستدامة فى كافة المجالات، هذه التحركات المختلفة تؤكد حرص القيادة المصرية لتفعيل دور المجتمع المدنى بالنحو الذى يساعده فى القيام بدوره الوطنى وزيادة التقارب مع القارة السمراء.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يعلن عام 2022 عام المجتمع المدني – أرشيفية

 على الصعيد التنموى والإنسانى

فى ظل التطورات التى تشهدها الساحة الأفريقية والتكالب الدولى والإقليمى عليها، لتوطيد العلاقات والاستفادة من موقعها الاستراتيجى ومواردها الاقتصادية، أصبح ضروريًا أن تضطلع منظمات المجتمع المدنى المصرى  بدور فعال  على الصعيدين التنموى والإنسانى، وإيلاء اهتمام كبير بالمشكلات التى تعانى منها إفريقيا على الصعيدين التعليمى والصحى، وذلك لبناء جسر إنسانى بين الشعبين الإفريقى والمصرى.

ومن هنا كان هناك أدوار منفردة من قبل بعض الجمعيات الأهلية التى تقدم المساعدات للفقراء فى بعض الدول الافريقية، فضلًا عن المساهمة فى حفر الابار لتوفير مياه صالحة للشرب، بالإضافة إلى الدور المتميز لمراكز والجمعيات المهتمة بالصحة وعلاج المرضى وذلك مثل الجمعية الإفريقية لرعاية مرضى الكبد ألبا “ALPA فى ظل وجود ملايين المرضى الذين يعانون من أمراض الكبد والفيروسات الكبدية وهؤلاء المرضى فى كل البلاد الإفريقية لا يجدون علاجا أو رعاية فى معظم الدول الإفريقية، فضلًا عن مركز مجدى يعقوب للقلب والذى كان له  دور مهم فى بعثات طبية متفرقة فى العديد من الدول الأفريقية خصوصا فى إثيوبيا.

وهناك عدد من جمعيات رجال الأعمال التى تتعاون مع شركاؤها الاستراتيجيين من رجال الأعمال والشركات الأفريقية وذلك للعمل فى العديد من المجالات منها  دعم ملفات التنمية، وتمكين المرأة، وتوفير الفرص الاستثمارية، وتوطين التكنولوجيا، والتحول الرقمى، وتوفير فرص للشراكات والمشروعات المشتركة بين المجتمع المدنى و القطاع الخاص والحكومات داخل دول القارة.

المجتمع المدني في أفريقيا – أرشيفية

تطلعات بدور أكبر للمجتمع المدنى المصرى فى أفريقيا

على الرغم من الجهود الكبيرة التى تبذلها الدولة المصرية بمؤسساتها الرسمية  إزاء أفريقيا، إلا أن مؤسسات المجتمع المدنى تبدو بعيدة عن إدراك أهمية القارة الأفريقية لمصر، وفى كثير من الأحيان تركز فقط على دول حوض النيل، وهو ما يفسر غياب مصر عن مجهودات مقدرة  تبذلها الدول الأفريقية للحاق بركب خطط التنمية المستدامة المعلنة من جانب الأمم المتحدة منذ عام 2015، لذلك فأنه لكى يتم تفعيل دور المجتمع المدنى المصرى فى أفريقيا بالشكل الذى يجعله أحد أدوات القوة الناعمة المصرية فى التقارب مع أفريقيا يتطلب الاتى …

المشروعات المصرية في أفريقيا – أرشيفية
  • تشجيع منظمات المجتمع المدنى المصرى على إقامة مكاتب فاعلة لها فى إفريقيا، خاصة المهتمة بالمجال الصحى والتنمية بما يساهم فى التواصل المباشر مع الأفارقة.
  • الشراكة بين القطاع الخاص والمجتمع المدنى المصرى فى تنفيذ مشروعات متنوعة فى إفريقيا.
  • عقد شراكات بين منظمات المجتمع المدنى المصرى والأفريقى  لتبادل المعلومات ووجهات النظر والبحث عن مواقف مشتركة حول عملية الشراكة وتنفيذها من خلال عدة منتديات تعقد على مراحل.
  • تقديم الدعم المالى اللازم لمنظمات المجتمع المدنى من قبل الدولة ، نظرا للأهمية التى تكتسبها منظمات المجتمع المدنى وقدرتها على إحداث تغيرات إيجابية فى العلاقات المصرية الأفريقية.
  • تفعيل الدبلوماسية الشعبية من  قبل منظمات المجتمع المدنى ولكن من خلال ضوابط محددة واختيار الأشخاص أصحاب الكفاءة والخبرة والدراية بطبيعة الشعوب الأفريقية، ويجب أن يتم ذلك من خلال الاعتماد على الإعلام الجديد الذى يتمثل فى التقنيات الحديثة فى الإتصال مثل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى.
  • زيادة وعى المجتمع المدنى  بالقضايا الأفريقية وإدراك متطلبات الشعوب الأفريقية وتقديم مراكز الأبحاث المتخصصة دراسات مصاغة بشكل علمى ومترجمة إلى اللغات الأفريقية بحيث تدور معظمها على دعم مصر للتنمية فى أفريقيا  وأنها جزء لا يتجزء من القارة السمراء.

وختامًا….على الرغم من حاجة منظمات المجتمع المدنى المصرى إلى رؤية تنموية شاملة واستراتيجيات وطنية وآليات محددة لتعزيز دورها فى أفريقيا، إلا أنها إذا لم تقم بالتنسيق مع  الجهات الأساسية الفاعلة، لاسيما الحكومة والقطاع الخاص فلن تستطع القيام بدور فاعل فى القارة السمراء كأحد الأدوات القوية للسياسة الخارجية المصرية.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version