عند الحديث عن انتصارات حرب أكتوبر هناك محطات رئيسية لابد التوقف عندها ومن أبرز هذه المحطات هى صلابة الجبهة الداخلية والدور الذي أداه الشعب المصرى العظيم بجميع طوائفه وفئاته، فالجيش المصري من ضباط وصف ضباط وجنود هو نتاج طبيعى من هذا الشعب المصرى، وهم نتاج أم وأب مصريين

 لقد اتسم الشعب المصرى على مر العصور بالولاء والانتماء لبلده ، وقد برزت هذه الصفة فى أسمى معانيها بعد حرب 67 حيث تحمل الشعب ظروفًا  اقتصادية غاية في الصعوبة، حيث توقفت عائدات الدولة من قناة السويس، وانعدمت التدفقات النقدية من بترول سيناء، وقبل الشعب عن طيب خاطر بالحد الأدنى من الاستهلاك وتطبيق نظام الحصص التموينية مع ضعف القوة الشرائية، كما ارتضى بالحد من ارتفاع الأجور، وخفض الاستهلاك وتحمل ارتفاع الأسعار وزيادة ساعات العمل.

 على الرغم من الظروف الاقتصادية القاسية، لم يتذمر الشعب المصري، ولم يتظاهر رفضًا للحالة الاقتصادية السيئة،  إنما تظاهر ليدعم الدولة ويطالبها بالعمل على تحرير الأرض، فهو شعب لا يرضى بالهزيمة والانكسار، بل إن الصعاب تجمعه ولا تفرقه. 

لقد كان أمام القيادة المصرية هدف رئيسي  ذكره الرئيس جمال عبد الناصر حين قال: ” ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة ” ومن بعده الرئيس السادات الذى قال: ” ان الشعب المصرى لا يرضى بالهزيمة وسوف يعمل أى شئ لإزالة عار الهزيمة”. من هنا بدأت القيادة المصرية ومن ورائها الشعب فى إعادة بناء القوات المسلحة، فتم تكريس معظم ميزانية الدولة المتاحة لهذا الغرض مما أثر بالسلب على المواطن المصرى الذى ارتضى ذلك فى سبيل تحقيق النصر وتحرير الأرض من العدو الذي احتلها، وضرب الشعب المصري أكبر مثال على الولاء والانتماء للوطن فلا نقص المواد التموينية أو زيادة الأسعار هي من تؤثر فى الولاء أو الانتماء للوطن؛ فهناك هدف أسمى بكثير وهو إزالة عار الهزيمة، بل أكثر من ذلك لم يتأخر الشعب المصرى فى إرسال أبنائه لأداء الخدمة العسكرية وهو يعلم أن الجيش فى حالة استعداد للحرب، بكل ما تعنيه كلمة حرب من احتمالات كبيرة بعدم عودة أبنائهم الذين سينالون شرف الشهادة، مع ذلك لم يتوانوا في إرسال ابنائهم لأداء الواجب الوطني المقدس، ولذلك لم تجد القيادة المصرية إلا جنودًا يدينون بالولاء للوطن والجيش… جنودًا  يريدون تحرير الأرض بأى ثمن وإزالة مرار الهزيمة حتى لوكان الثمن هو حياتهم .

هذا هو الولاء والانتماء من الشعب المصرى المتجسد فى أم وأب مصريين ربوا أبناءهم على أعلى درجات الإخلاص للوطن وهذا ما حدث قبل وأثناء الإعداد لحرب أكتوبر 73 . 

لقد أبهر الجندى المصرى فى أكتوبر 73 العالم، وهو صنيعة أم  وأب مصريين. تدرب هذا الجندي على يد ضابط وضابط صف أيضًا من أم وأب مصريين، وهم مكون أصيل من الشعب المصرى بجميع طوائفه وفئاته. ولعل أبرز الإشادات بالجندى المصرى جاءت على يد أحد أبرز قادة الجيش الإسرائيلى ألا وهو الجنرال أريئيل  شارون، خلال ندوة عقدت في أنجلترا عام 1975 عن حرب اكتوبر 73 ، سأله خبير معهد الدراسات الاستراتيجية: جنرال شارون. في رأيك، ما هي مفاجأة حرب أكتوبر بالنسبة لك من المصريين.. هل هجومهم يوم عيد الغفران؟ هل هجومهم في منتصف النهار وهو أمر لم يكن متوقعاً؟ هل قيامهم بغلق مضيق باب المندب؟ هل لأنهم نجحوا في التنسيق مع سوريا لشن الهجوم في توقيت مشترك؟ ؟ هل.. هل..؟ وذكر له عدة نقاط أخرى ولكن شارون أجاب: “إن ذلك كله لم يكن مفاجأة لنا.. إن بعض ما ذكرته ربما كان خارج توقعاتنا وحساباتنا، مثل إغلاق مضيق باب المندب. لكن المفاجأة لى شخصياً في حرب 1973.. هي «الجندي المصري».. هذا الجندى المصرى.. لم يكن هو الذي قابلته في حرب 1956 أو 1967، فالجندي المصري في الحروب السابقة كان لا يعرف القراءة والكتابة.. هذه المرة عندما كنت أستجوب الأسرى المصريين بنفسى فرأيت لأول مرة خريجى كليات التجارة والهندسة والحقوق.. إلخ. أيضاً الروح المعنوية لهذا الجندى هذه المرة كانت مختلفة تماماً” وأضاف قائلاً: إنه وهو يتقدم بسرية الدبابات نحو الإسماعيلية بعشر دبابات، فجأة خرج من بين الأشجار 5 جنود من الكوماندوز المصريين «يقصد الصاعقة» وقال في نفسه: “خمسة جنود، ضد عشر دبابات الأمر؟ واضح أنهم جميعاً قتلى.” لكنه أقر وقال إن المفاجأة أنهم أصابوا خمس دبابات إسرائيلية.. وتم القضاء على الكوماندوز المصريين.. ويقول شارون.. هذه كانت مفاجأة حرب أكتوبر.. الجندى المصرى الجديد..المتعلم خريج الجامعات، هذا الجندى المسلح بروح معنوية عالية.. تعلم شراسة القتال..لم يعد يرهبه جيش الدفاع الإسرائيلى كما كان من قبل”.

 هذه بسالة الجندى المصرى، جندى لايهاب الموت ، جندى تم تدريبة لينتصر، جندى يفضل النصر على العدو ومصلحة الوطن على مصلحته الشخصية، بل وحياته ولهذا انتصرنا فى حرب اكتوبر 73 بسبب الولاء والانتماء وتقديم مصلحة الوطن على أى شئ آخر.   

لذلك فطن أعداء الوطن إلى أنهم لن ينتصروا فى معركة ضد شعب له هذا الولاء والانتماء القوي لوطنه، شعب يحترم قادته ورموزه، شعب يفضل مصلحة الوطن عن أى مصلحة أخرى، لذلك طوروا أساليبهم حديثُا وفكروا فى إسقاط الدولة من الداخل بواسطة بث الشائعات المغرضة والأخبار المضللة  واستخدام أشخاص كارهين  للمجتمع، ليس لديهم أى ولاء أوانتماء للوطن، وذلك باستخدام سلاح جديد لا يكلف أى ثمن ألا وهو مواقع التواصل الإجتماعى، والتى تمثل من أبرز المؤثرات على الولاء والانتماء فى عصرنا الحديث حيث تستخدم لبث السموم والأخبار الخاطئة والشائعات المغرضة، وكثيرًا ما نتعرض فى حياتنا اليومية وعملنا إلى هذه الأساليب فنتلقى رسائل على وسائل التواصل الإجتماعى من مصادر مختلفة ( أشخاص – إعلام ) ، وعلينا أن نتحقق ونتأكد من صحة أو صدق هذه البيانات أو المعلومات قبل أن انقلها لأى شخص آخر، فالشخص الذى يأخذ المعلومات ويقبلها دون أن يناقشها أو يفكر فيها، أو يتساءل عن مدى صحتها من خطئها،  وينقلها لآخرين هو يساعد فى نشر الأخبار والشائعات المغرضة التى تستهدف تدمير المجتمع من الداخل. 

 من هنا يجب التحذير من خطورة وسائل الميديا الحديثة مثل وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، والتنبيه إلى عدم أخذ المعلومات منها ونقلها دون التفكير فى مدى صحتها  وأهدافها، لأنها تستهدف الوطن والمواطن فى آنٍ واحد، وتؤثر فى ولائه وانتمائه لكل ماهو حوله من أصدقائه وأسرته ووطنه.

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version