برزت أزمة تجنيد المتدينين الحريديم في الجيش الاسرائيلي على سطح الأحداث في الأونة الأخيرة في ضوء الخسائر البشرية التي منى بها الجيش الإسرائيلي في مواجهة المقاومة الفلسطينية أثناء عدوانه على غزة، وقد تعزز طرح هذه القضية على خلفية تهديد الحاخام الأكبر بترك إسرائيل إذا أجبر المتدينون على التجنيد في الجيش الإسرائيلي.

وهكذا وفي ظل الظروف غير المسبوقة التي يمر بها المجتمع الإسرائيلي، يبدو أن المسألتين الجديرتين بالبحث فيما يتعلق بالقطاع اليهودي المتدين في إسرائيل هما: تمويل المدارس الدينية من أموال الضرائب، ومسألة تجنيد الطلاب الحريديم، الذين يبلغ عددهم حوالي 66 ألف من طلاب هذه المدارس. حيث أصبح من غير المقبول أن تنفصل شريحة اجتماعية عن واجبها في تأدية الخدمة العسكرية فى هذا التوقيت الحرج الذي يمر به المجتمع الإسرائيلي، وهي مسألة قد تهدد استقرار الحكومة إذا ما أضيفت لقائمة الاحتجاجات التي تملأ الشوارع والميادين الإسرائيلية، سواءً من مؤيدي أو معارضي هذا الطرح.

وما زاد الأمر تعقيدًا هو التحذير الذي وجهته المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية – المدعي العام “جالي بهراف ميارا” للحكومة فيما يتعلق بقانون التجنيد ومفاده: أنه إذا لم تقم الحكومة بتمديد إعفاء طلاب المدارس الدينية من التجنيد بحلول نهاية شهر مارس 2024م؛ فسيتم تطبيق  قانون التجنيد الإجباري فورًا فى اليوم التالي على جميع طلاب المدارس الدينية دون استثناء، ثم دعوة  “يوآف جالنت” وزير الدفاع الإسرائيلي إلى التصديق على خطة توافقية جديدة بشأن تجنيد فئة اليهود المتشددون دينيًا/ حريديم ورفض أعضاء الحكومة الإسرائيلية الحالية ممن ينتمون لنفس التيار لهذه الفكرة.

إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية: الخلفيات والسياسات

أمر رئيس أركان منظمة “هاجانا” اليهودية “يسرائيل جاليلي” عام 1948م بموافقة “دافيد بن جوريون” بعدم تجنيد أعضاء المدرسة الدينية المدرجين على قوائم معتمدة، وذلك ردًا على طلب قدمه ممثلو حزب “أجودات يسرائيل” بإعفاء 400 طالب من طلاب المدرسة الدينية النشيطين من الخدمة العسكرية. ورغم ذلك تطوع  العديد من اليهود المتشددين دينيًا للخدمة العسكرية في حرب عام 1948م، وخاصة في المدن التي كانت تحت الحكم العسكري مثل القدس. ثم مثل قرار “بن جوريون” في ضوء الزيادة في عدد طلاب المدارس الدينية هناك مجالا لإعادة النظر في مسألة الإعفاء الكامل. وفي عام 1958م طلب “شمعون بيرتس” المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية آنذاك من قادة المدرسة الدينية تعديل الإجراءات التي وضعوها سابقًا لإعفاء من يقع عليهم الاختيار من طلاب المدرسة الدينية، لتكون تأجيل الخدمة العسكرية حتى الانتهاء من الدراسة الإلزامية في المدرسة الدينية، على أن تتاح إمكانية ترك المدرسة الدينية بداية من عمر 25 وحتى 29 عامًا للالتحاق بالخدمة العسكرية النظامية لمدة 3 أشهر ينتقل بعدها إلى قوة الاحتياط، وأما الطالب الذي يترك المدرسة الدينية فوق عمر 29 عامً ينتقل إلى قوة الاحتياط بشكل مباشر.

وبعد حرب  يونيو 1967م تم تقليص الزيادات المستمرة فى عدد طلاب المدارس الدينية الذين يحصلون على الإعفاء التام، ثم استقر الحال على إعفاء حوالي 800 طالب من طلاب المدارس الدينية كل عام. ليتغير هذا الوضع خلال حكومة مناحيم بيجين الأولى التي ألغت عام 1975م جميع القيود على عدد المدارس الدينية التي يمكن إعفاء الدارسين بها من التجنيد،  وألغت عام 1977م القيد على العدد الإجمالي لطلاب المدارس الدينية الذين يحق لهم الحصول على الإعفاء السابق تحديده. وتم التوسع في الإعفاءات بعد عام 1981م بواسطة تخفيف شروط استحقاقه؛ ليرتفع بذلك عدد طلاب المدارس الدينية المؤهلين للإعفاء من التجنيد، حتى أوصت لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست عام 1988م بالعودة للقيود عام 1975م، ولم يهتم أحد بهذه التوصية، ثم نُشرت لجنة تابعة لوزارة الدفاع توصيات أخرى في ذات الشأن عام 1995م بموافقة “يتسحاق رابين” تتضمن تشديد الرقابة ومعايير الإعفاء على طلاب معاهد دراسة التوراة من خلال وضع قانون أساس خاص بذلك حتى يكون الإعفاء على أساس تشريعي.

أدت التشريعات بالإعفاء  إلى اندلاع احتجاجات عمت إسرائيل، لتخرج منظمات المجتمع المدني فى تظاهرات ضد الإعفاء؛ لأنه ضد مبدأ تساوي الأعباء والمسؤوليات الموضوع من قِبل ممثلي الأحزاب السياسية، وقدم ناشطو هذه الاحتجاجات التماسات إلى المحكمة العليا بدعوى أنه إجراء غير قانوني، وأدى فحص هذه الالتماسات إلى تفكيك مسوغات الإعفاء، وأصدت المحكمة إطارًا معياريًا يجب أن يتوافق معه أي قرار للإعفاء من التجنيد بعد ذلك استنادًا على قانون المساواة، حتى ألغت قانون 2015م لإعفاء الحريديم من التجنيد رسميا عام 2017م، ويُمنح بموجبه وزير الدفاع هامشًا تقديريًا واسعًا لمنح الإعفاء لأسباب أمنية عندما لا يتعارض ذلك مع متطلبات الأمن العام، أو أن يمس هذا الإعفاء قيمة المساواة التأسيسية ووضع هذا المبدأ في إطار التشريعات الثانوية[1].

واقع القطاع اليهودي المتشدد دينيًا

لا يحصل الغالبية العظمى من فئة اليهود المتشددين دينيًا على تعليم أكاديمي أو مهني، ولا يكتسبون مهنة ولا يحترفون حرفة في سنوات شبابهم الأولى، ويتزوجون في متوسط عمر 22 عامًا، ويُصبحون آباءً فى متوسط عمر 24 عامًا، ولذلك تدفعهم أعباء إلى مهن ذات إنتاجية منخفضة.

وهكذا يفقد المجتمع الإسرائيلي قدرات هؤلاء الشباب في على مستويين، الأول عند عدم انخراطهم فى سوق العمل، والثاني عدم انضمامهم للخدمة العسكرية، فتبلغ نسبة الرجال المتدينين في سوق العمل 53% فقط ولا تتجاوز رواتبهم 53% من دخل الأسرة في هذا القطاع. وأظهر استطلاع أجري في أغسطس 2020 في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية بين فئة الشباب الحريدي الذين تتراوح أعمارهم بين 18- 30 عامًا، أن 20-33% منهم يتركون المدرسة الدينية ويدخلون سوق العمل إذا تم تخفيض سن الإعفاء، كما أظهرت نتائج هذا الاستطلاع أن هذا سيؤدي إلى زيادة محتملة في عدد المتشددين دينيًا فى سوق العمل تصل إلى حوالي 10.000 عامل بحلول عام 2030م، وزيادة في الناتج المحلي الإجمالي تقدر بنحو 15 مليار شيكل.

كما أظهرت الأبحاث الدورية التي تدرس واقع هذا القطاع أن تخفيض سن الإعفاء من التجنيد لن يكون له تأثير سلبي كبير على عدد الجنود اليهود المتشددين دينيًا  في الجيش؛ لأن بعض المجندين من هذه الفئة  حاليًا ينضمون للجيش ببلوغهم سن 21 عامًا (وفقًا لبيانات عام 2017م أن 70٪ من المجندين المتشددين دينيًا كانوا في عمر 21 عامًا) ومنهم من يتجند بعد سن الإعفاء الحالي، وفي استطلاع عام 2020م أن 80٪ من الشباب المتشدد دينيًا الذين خدموا في الجيش قرروا أنهم كانوا سينضمون للجيش حتى مع وجود سن إعفاء أقل. وأظهر بحث لمعهد “سياسات الشعب اليهودي” أن الشباب الذين يلتحق بالجيش من هذه الفئة حتى سن 21 عامًا يتقدمون للخدمة القتالية، وترتبط دوافعهم للتقدم للخدمة بشكل أساسي بالتنمية الذاتية والتمكين الشخصي والاجتماعي. بينما يلجأ كبار السن منهم إلى الخدمة في الأقسام المتعلقة بالتكنولوجيا بهدف خلق أفق عملي مستقبلي جيد. وفي ظل تفهم القيادات المتشددة دينيًا لاحتياجات الشباب المعيشية المُلحة وترويج بعضهم إلى ضرورة خفض سن الإعفاء إلى 21 عامًا، أظهر استطلاع أُجري عام 2020 أن أغلبية الشباب من هذه الفئة تصل إلى حوالي 62%، تعتقد أن على الأحزاب الدينية المتشددة الدفع إلى خفض سن الإعفاء بينما عارض ذلك حوالي 17.5%[2].

الخطوط العريضة لمشروع قانون تجنيد الحريديم الجديد

رغم الاتفاق القديم بين الدولة والقيادات الحاخامية على إعفاء طلاب المدرسة الدينية من الخدمة، إلا أن عدد الطلاب آنذاك كان لا يتعدى عدة مئات من الطلاب بينما يُشكل الحريديم حوالي 13.5٪ من المجتمع الإسرائيلي، وتبلغ نسبة الشباب الذين في سن التجنيد حوالي 18٪ (تتضاعف هذه النسبة كل 16 عامًا أي أنها فئة سريعة النمو)، وبلغ عدد طلاب المدراس الدينية الكبرى في عام 2021 حوالي  138,367 طالبًا تتراوح أعمارهم بين 17 -21 عامًا. وطالما كان عدم تجنيد طلاب المدارس الدينية مؤرقًا للمجتمع الإسرائيلي على مستوى المواطن العادي، ويشكل تحديًا أمام الجيش الإسرائيلي. وحاولت حكومات إسرائيل المتعاقبة في العقود الأخيرة تعزيز دمج اليهود المتشددين دينيًا في الجيش، ولكن هذه المحاولات لم تأت ثمارها إلا بشكل جزئي، لأن هذا الدمج غير إلزامي ودون عقوبات تترتب على التخلف عنها.

وشهدت إسرائيل زيادة كبيرة فى أعداد المتشددين دينيًا في صفوف الجيش بدءًا من عام 2007م حتى وصلت في عام 2015م إلى 2145 مجندًا، ثم أخذت الأعداد فى التراجع حتى وصلت بين الأعوام 2019م-2020م إلى 1200 مجند متشدد دينيًا فقط، وهي نسبة تتراوح من 10٪ -11٪ من الشباب الذين ينتمون إلى هذه الفئة. وعزى الباحثون هذا التراجع إلى عدم وجود أهداف حقيقة وراء التجنيد، فضلا عن عدم وجود عقوبات للامتناع عن الخدمة العسكرية لهذه الفئة؛ ولذلك أعدت الحكومة الإسرائيلية (الحالية) تعديلًا على قانون جهاز الأمن العام، وتعمل على صياغة قانون جديد، ليضعا معًا سياسة جديدة لتجنيد فئة اليهود المتشددين دينيًا في الجيش الإسرائيلي، بحيث تنضم هذه الفئة بموجبها إلى الخدمة في الجيش بشكل شبه كامل (لم يتم تسميتها بالإلزامية فى الاقتراحات المُعلنة)، وسيتم تخفيض “سن الإعفاء” وهو السن الذي يستطيع فيه اليهودي المتدين ترك المدرسة الدينية والذهاب إلى الجيش أو العمل من 26 عامًا (الوضع القائم اليوم) إلى 21-23 عامًا(لازالت نقطة خلافية). كما ستُجرى تغييرات عامة على نموذج الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي بشكل عام، حيث ستتم تقليص فترة خدمة من ينضم  للجيش فى مواقع أقل أهمية عامين (بدلاً من 32 شهرًا حاليًا)، خلافًا لأولئك الذين سيخدمون كمحاربين أو في مواقع تكنولوجية الذين ستظل فترة خدمتهم كما هي وسيحصلون على تعويض مالي يصل إلى 6000 شيكل، وهو نفس الحد الأدنى للأجور في إسرائيل. إضافة للمزيد من المزايا في التعليم والإسكان[3].

ولكن سيظل التساؤل عن مدى تحقق المساواة بشكل كامل في المجتمع الإسرائيلي بعد تطبيق هذا القانون؛ لأنه لن يُلزم أو يُجبر جميع الرجال والنساء المتشددين دينيًا على التجنيد، ولذلك يجب أن يضع التشريع الجديد زيادة تدريجية في الأعداد التي ستنضم للخدمة العسكرية من هذه الفئة، إضافة إلى وضع أهداف ومميزات واضحة وعقوبات مالية لمن يخالف القانون، وتستهدف جميعها طلاب المدارس الدينية في سن التجنيد، على أن يتم ذلك بالتنسيق والتعاون مع القيادات الحاخامية المتشددة، لترغيبهم فى الخدمة في الجيش والمشاركة المجتمعية وتطوير الذات.

ختامًا

يُمكن القول بأن وضع تشريع خاص بتجنيد اليهود المتشددين دينيًا سيؤدي إلى زيادة أعداد اليهود المتشددين دينيًا في صفوف الجيش وفي الخدمة المدنية، كما سيزيد من الاقبال على الانضمام لدورات التدريب المهني والدراسات الأكاديمية للشباب من هذه الفئة، ما من شأنه تحسين وضع الأسرة في هذا القطاع، ومن ثم المساهمة في تحسين الوضع الاقتصادي فى إسرائيل نتيجة الاندماج فى المجتمع بشكل عام. ويجب أن يتضمن هذا القانون بنودًا أساسية ترسخ لمبدأ المساواة الاجتماعية والاقتصادية، فضلًا عن المساواة في أداء الخدمة العسكرية الإلزامية، كما يجب أن يتضمن التشريع عقوبة لمن يخالفه، يُمكن أن تكون في صورة تخفيض مخصصاته الشخصية أو ميزانية المدرسة الدينية حيث يدرُس. ورغم أن التشريع الجديد يُعد خطوة عادلة، تعمل على إرساء مبدأ المساواة بين الجنود في الخدمة والمواقع والفترات الزمنية للخدمة العسكرية وفي المزايا الممنوحة للجنود بعد انقضاء فترة الخدمة، إلا أنه لن يحل مشكلة عدم المساواة بين من يجبرون على الخدمة الإلزامية بحكم قانون أساس الخدمة في الجيش ومن لا يخضعون لهذا الالتزام مطلقًا، وسيزيد الإعفاء من الخدمة العسكرية بشكل كامل لليهود المتشددين دينيًا من تجذر التمييز وعدم المساواة فى المجتمع الإسرائيلي، وهو أمر لايُمكن تعويضه اقتصاديًا.

وفي هذا السياق يجب تغيير قناعات راسخة عند القطاع اليهودي المتشدد دينيًا في إسرائيل، الذي يكره حد التحريم مشاركة الرجال في الخدمة العسكرية والاندماج في الخدمة الوطنية غير العسكرية، باعتبارهم حماة الشريعة عماد أعمدة إسرائيل ومخاطبتهم بالروح التي خاطب بها موسى بعض أسباط “بني إسرائيل” خشية تخلفهم: “فَقَالَ مُوسَى لِبَنِي جَادٍ وَبَنِي رَأُوبَيْنَ: «هَلْ يَنْطَلِقُ إِخْوَتُكُمْ إِلَى الْحَرْبِ، وَأَنْتُمْ تَقْعُدُونَ ههُنَا؟”[4]

وتبقى حاجة الجيش إلى انضمام هذه الفئة إلى صفوفه هي  الفاصل فى عدد الأفراد الذين سيلتحقون به في مختلف المواقع القتالية والخدمات التكنولوجية، حيث لايتعلق الأمر باحتياجات الجيش للقوى البشرية فقط ولكن بما سيحقق تماسك المجتمع الإسرائيلي أيضًا.

[1] للمزيد حول نشأة فكرة إعفاء فئة الحريديم من الخدمة العسكرية وعلاقتها بمبدأ المساواة  وقانون أساس كرامة الإنسان وحريته؛ ובל שני ומירית שרעבי “שירות צבאי ושירות חלופי בראי עקרון השוויון”, המכון הישראלי לדמוקרטיה, עמ”5- 15؛ ההיסטוריה של (אי) גיוס החרדים לצה”ל, 25 בפברואר 2024 ,https://www .idi.org.il/articles/530899, cited in, 29Feb,2024, 12am.

 

 

[2]ציונים-חרדים: האם בחירות 2022 יחשפו את השינוי המושתק שעובר הרחוב החרדי? שומרים, https://www.shomrim.news/hebrew/zionist-orthodocscited in; 3March, 2024,11am؛ גלעד מלאך, ד“ר לי כהנר, יעל בכרשנתון החברה החרדית 2022, המכון הישראלי לדמוקרטיה, 2023, עמ” 48- 57, עמ” 62- 66؛ ממצאי סקר חוק הגיוס של המכון למחקרי ביטחון לאומי – ספטמבר 2023https://www.inss.org.il/he/publication/recruitment-surveycited in; 2March, 2024,10am

[3]) שוקי פרידמן, חוק הגיוס המוצע – לא יהודי ולא שוויוני, 25/02/2024, המככון למדיניות העם היהודי, cited in,2 march,2024, 10am https://jppi.org.il/he,  שלומית רביצקי טור-פז ,מהו חוק הגיוס המוצע על ידי הממשלה? https://www.idi.org.il/articles/49150, cited in,2 march,2024, 10am.

[4]) سفر العدد32/ 6؛ שלומית רביצקי טור-פז ,? פטור מגיוס לחרדים: כל מה שצריך לדעת על הצעת הממשלה

https://www.idi.org.il/articles/49150, cited in,2 march

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version