يحتفل الشعب المصري بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة، والتي لم تأخذ حقها إعلامياً حتى الآن رغم مرور ما يقرب من 50 عاماً على وقوعها، وكمتخصص في الشؤون الإسرائيلية سأعتمد في تقديمي لبطولات الجيش المصري في تلك المعارك على ما تداولته الوثائق العبرية عن البطولات التي حققها الجيش المصري لتكون بمثابة اعتراف من العدو لتخليد ذكرى هذه المعارك العظيمة، وسأحاول إلقاء الضوء على معركة “المزرعة الصينية” والتي استطاع خلالها الجيش المصري إيقاع أكبر عدد من القتلى في صفوف القوات الإسرائيلية وفيما يلى سرد لتفاصيل معركة المزرعة الصينية وفقاً لرواية العدو.

تعد معركة المزرعة الصينية لقباً لسلسلة من المعارك بين قوات مشاة ومدرعات الجيش الإسرائيلي وقوات الجيش المصري المشاة الميكانيكية في شبه جزيرة سيناء بالقرب من قناة السويس والبحيرات المرة الكبرى في الفترة من ١٥ أكتوبر إلى ١٨ أكتوبر ١٩٧٣، بعد عشرة أيام من اندلاع حرب اكتوبر بدأت قوات هيئة الأركان العامة الاسرائيلية هجوماً للسيطرة على المحاور والتقاطعات لتتمكن من نقل كوبري العبور باتجاه الغرب.

أرشيفية

 القوات الاسرائيلية المشاركة:

اللواء 14 مدرع من فرقة شارون، اللواء 600 مدرع احتياطي، لواء المظليين من فرقة بران وقوات إضافية اخرى تم ضمها من الوحدات الخاصة.

القوات المصرية المشاركة:

الكتيبة ١٦ مشاة بقيادة المقدم/ محمد حسين طنطاوي من قوة اللواء ١٦ المشاة من الفرقة ٢١ مدرع.

خسائر إسرائيل:

 مقتل 122 ضابط وجندي من اللواء 14 الإسرائيلي ليلة 15 أكتوبر – 16 أكتوبر، ومقتل 41 من الكتيبة 890 ليلة 16 أكتوبر – 17 أكتوبر بالإضافة إلى عدد كبير من القتلى في لواء المظليين والوحدات الخاصة.

 خطة القتال (من واقع الوثائق الاسرائيلية)

 كانت خطة العبور الإسرائيلية إلى الغرب تسمى “عملية ذوي القلوب الشجاعة”، وتم تكليف الفرقة 143 المدعومة جواً بها تحت قيادة أريئيل شارون، وتضم ثلاثة ألوية مدرعة ولواء مظلي، وكانت المنطقة المقرر أن تعبر فيها قناة السويس في نقطة التماس بين الجيشين الثاني والثالث باعتبارها نقطة ضعف في منظومة الدفاع المصرية.

كانت تحت تصرف فرقة شارون ثلاثة ألوية مدرعة ولواء مظليين وقوات أخرى ملحقة بالفرقة استعدادًا للعملية.

 تم تكليف مهمة القيام بالثغرة إلى لواء المظليين 247 لعبور القناة في قوارب مطاطية وإقامة جسرًا غرب القناة. 

في الوقت نفسه تم إرسال دبابات اللواء المدرع 421 لسحب وسائل العبور عبر الثغرة (كوبري العجل وعبارات) أثناء الليل حتى يتمكنوا من إنزالها في الماء وعبور القناة لحمايتها واحكام قبضة المظليين الاسرائيليين على الضفة الغربية.

 تم تكليف اللواء الرابع عشر بقيادة العقيد أمنون رشيف باحتلال منطقة “المزرعة الصينية” وفتح المحاور المؤدية إلى القناة حتى يتمكن المظليين والمدرعات ووسائل عبور الثغرة من الوصول إلى منطقة الثغرة.

 بالإضافة إلى اللواء الرابع عشر (الكتيبتان 184 و 79 وهي كتيبة دعم من اللواء 401 أثناء الحرب)، تم تعزيز اللواء بكتيبة الدبابات 407 من (اللواء 600) ، وكتيبة الاستطلاع 87 ، الوحدة 424 (دورية شاكيد) و “قوة شموليك” بقيادة الرائد شموليك أراد آشر التي ضمت سريتين مظليين – واحدة من الكتيبة 202 والأخرى من الكتيبة 890 ، وكتيبة استطلاع و لواء مشاة 582 من لواء المظليين 317 بقيادة الملازم أول. العقيد ناتان شونري، وسرية مشاة من مدرسة الضباط بقيادة يتسحاق زامير.

وبحسب تقارير شعبة الاستخبارات العسكرية فإن اللواء 14 الإسرائيلي المدعم كان يواجه قوة مصرية ضمت الكتيبة ١٦ مشاه، كانت القوات المصرية في حال استعداد دفاعي ناحية الشرق، لذلك كانت خطة اللواء الرابع عشر الإسرائيلي هي التحرك جنوب المنطقة إلى المحور العرضي (طريق بطول قناة السويس بالكامل وعلى مسافة حوالي كيلومتر واحد من القناة)، من هناك يتم التحرك شمالًا على المحور العرضي ومهاجمة الجيش المصري في “المزرعة الصينية” (من الغرب إلى الشرق) وبالتالي يفاجئ قوة الكتيبة ١٦ من الأجناب والمؤخرة.

 في معركة “المزرعة الصينية” في ليلة الخامس عشر من أكتوبر، قُتل 122 جنديًا، الغالبية العظمى من اللواء 14.

المشير الراحل محمد حسين طنطاوي – أرشيفية

معارك يوم 16 أكتوبر

في البداية أرسل اللواء ٢١٧ لمهاجمة القوات المصرية من جهة الشرق وبعد عدة محاولات فاشلة توقف اللواء في محله، حيث تصدت المجموعات المسلحة بصواريخ صقر / مولوتيكا للقوة المهاجمة وأوقعت فيها خسائر، لذلك قرر قائد الفرقة مهاجمة الخط ليلاً  بدفع قوة مشكلة من  لواء مجهزة للعمل الليلى، إلا أنها واجهت مقاومة عنيفة من قوة الكتيبة ١٦ مشاة، فأصابتهم برشاشات جرينوف وإطلاق النار المباشر من مدافع مضادة للطائرات وإطلاق نيران الدبابات وقذائف الهاون، وسرعان ما أصيب أو قُتل معظم جنود القوة، وأصبحت المعركة جهدًا يائسًا لإخلاء الجرحى الاسرائيليين، مما أدى إلى سقوط المزيد من الجرحى والقتلى.

ولإنقاذ الجرحى تم إرسال الكتيبة 100 بقيادة إيهود باراك رئيس وزراء إسرائيل لاحقاً، والتي تألفت من جنود الاحتياط، وبناءً على طلب باراك، قام المظليون بإطلاق قنبلة دخان حتى يمكن تحديد موقعها.  فتعرفت كتيبة باراك على الدخان وهاجمت القوات المصرية.  من ناحية أخرى رد المصريون بوابل من صواريخ صقر من الأطراف ونيران الدبابات من الأمام فتوقف هجوم الكتيبة 100 والدبابات السليمة لجأت إلى مواقع دفاعية وغطت إجلاء المظليين الجرحى في منطقة خلفية.  ولكن نفدت ذخيرة باراك، وبدأ هو وجنوده في إلقاء قنابل يدوية لمنع الجنود المصريين الذين كانوا يتقدمون نحوهم وخسرت الكتيبة خمس دبابات و2 عربة جند مدرعة، وعلى ضوء ذلك تراجعت الكتيبة، وعند الفجر، تم إرسال الكتيبة 142 من اللواء 217 جنوب غربًا إلى قوة المظليين لتغطية إنقاذ الجرحى والقتلى.

 في هذه المعركة الصعبة قُتل 43 جنديًا من كتيبة المظليين الإسرائيليين وأصيب أكثر من مائة ، إضافة إلى مقتل 10 من قوات المدرعات الإسرائيلية وإصابة 20 جريحاً و4 في عداد المفقودين، وانسحبت القوة أخيرًا بعد 17 ساعة من المعركة.

جرحي إسرائيليين – أرشيفية

لقد آثرت أن أنقل لحضراتكم الرواية الإسرائيلية لهذه المعركة التى أحدثت شرخاً في العقيدة القتالية الإسرائيلية والتي كانت تنظر الى الجيش الإسرائيلي باعتباره الجيش الذى لا يقهر وسط اعتراف قياداته وجنوده بأن المقاتل المصري ببعض الأسلحة البسيطة و المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات، استطاع أن يقهر فرقة المدرعات التي قادها أرئيل شارون للدرجة التى أوغرت صدر شارون لسنوات عديدة بعد ذلك حتى أنه طلب خلال رئاسته للحكومة الإسرائيلية مقابلة قائد الفرقة التى قاتلت في معارك المزرعة الصينية، وكان وقتها الفريق/ عبد رب النبي حافظ – رئيس اركان حرب القوات المسلحة، إلا أن الأخير رفض هذا اللقاء، مشيراً إلى أن الجندي المصري الذى دمر بمفرده 25 دبابة إسرائيلية من فرقة شارون هو الأحق بهذه المقابلة.

في هذه المرحلة من تاريخ الوطن يستحق أبناؤنا واحفاد الأبطال الذين رووا بدمائهم أرض سيناء الغالية دفاعًا عن ترابها الوطني، أن يطلعوا عن قرب على تلك البطولات، وتوثيق هذه الحرب الخالدة، ولدينا كمتخصصين  وخبراء في الشئون الاسرائيلية تفصيلات اعترافات القيادات السياسية والعسكرية الاسرائيلية سواء التي تضمنتها أوراق تحقيقات لجنة “اجرانات” التي شكلتها اسرائيل للتحقيق في هزيمة يوم “كيبور” (عيد الغفران الاسرائيلي)، أو الافلام الوثائقية التي سجلتها وسائل الاعلام الاسرائيلية، وقصص الادب الاسرائيلي التي تحدثت بحسرة عن هزيمة الجيش الاسرائيلي في السادس من أكتوبر.

وفي ضوء قرب احتفالات مصر بمرور 50 عامًا على هذه الحرب الخالدة، وفقدان العديد من قادتنا الذين شاركوا فيها، نسأل الله أن يبارك في أعمار المتبقين منهم، تحتاج مصر في الجمهورية الجديدة لقرار من السيد المشير القائد العام للقوات المسلحة بعمل فيلم وثائقي يخلد ذكرى انتصارات جيش مصر العظيم الذي حافظ على تراب مصر، ولا زال يحافظ على هويتها ومكانتها وهيبتها، وقد أثبتت الدراما المصرية في السنوات الأخيرة قدرتها على إخراج أعمال تمجد البطولات المصرية على غرار فيلم “الممر” الذي حاز على اعجاب ابنائنا.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version