تفشى وباء الكورونا في شهر ديسمبر 2019 في مدينة “ووهان” بالصين، مما أدى إلى وفاة أكثر من 2400 شخص، وهو ما تسبب في حالة من الذعر العام شملت إسرائيل، إلى جانب المخاوف الصحية من تفشي هذا الوباء، تصدر تأثير هذا الوباء على الاقتصاد العالمي بصورة كبيرة، ولا سيما على الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعاني منذ أكثر من عام نتيجة عدم الاستقرار السياسي.

يتضمن هذا التقرير تأثير وباء “كورونا” على الاقتصاد الإسرائيلي في مجالاته المختلفة وأهم التوصيات التي خرجت بها الدوائر الاقتصادية المختلفة والخبراء للخروج من الأزمة الحالية بأقل خسائر ممكنة.

  • أولاُ: معدلات نمو الاقتصاد الإسرائيلي:

قد يؤدي تفشي “كورونا” إلى خسارة الاقتصاد الإسرائيلي حوالي 8 مليارات شيكل، وهي الخسارة التي أرجعها التقرير الذي نشرته صحيفة “يديعوت آحرونوت” في المجال الضريبي، نتيجة الانخفاض المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي، نظرًا للخسارة التي من المتوقع أن تسجلها العديد من الشركات هذا العام من جهة، وزيادة الإنفاق الحكومي الذي سيؤثر قطعًا على محاولات وزارة المالية الإسرائيلية خفض عجز الموازنة للعام الحالي. حيث بلغ الإنفاق الحكومي المباشر لتفادي الأزمة والتعامل معها حتى الآن أكثر من مليار شيكل، وفي الأسبوع الماضي أعلن رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” ووزير المالية “موشيه كحلون” عن تخصيص 2 مليار شيكل آخر للنظام الصحي ومكافحة الفيروس، أي أن الرقم آخذ في الزيادة.

وعلى الرغم من ذلك جاءت توقعات الخبراء الاقتصاديين أكثر سوداوية من التقديرات التي نشرتها صحيفة “يديعوت آحرونوت” حيث أشار التقدير المبدئي للخبير الاقتصادي في وزارة المالية “شيرا جرينبرج” إن خسارة الناتج المحلي الإجمالي من الأزمة ستصل إلى نسبة مئوية واحدة من الناتج المحلي الإجمالي، والتي تبلغ قيمتها حوالي 14 مليار شيكل، وقد تسوء الأمور إلى أكثر من ذلك نظرًا لأن هذا التقييم تم قبل قرار الحكومة بإغلاق المدارس، واتخاذ قرارات إضافية من المتوقع أن تُعرقل معظم النشاط الاقتصادي في إسرائيل أكثر مثل؛ إغلاق المطارات، وتسريح العمالة وغيرها. 

صورة

كما صرح كبير الاقتصاديين في بنك “هبوعليم”، البروفيسور “ليو ليدرمان” أن النمو الاقتصادي والذي بلغ حوالي 4 ٪ في الربع الأخير من عام 2019، سينخفض بشكل كبير بسبب الأزمة الحالية، وذلك بعد أن سجل حتى الآن 2٪ وهو معدل نمو لم تشهده إسرائيل منذ عام 2015، ومن المتوقع أيضًا أن يتم تسجيل أول نمو سلبي للفرد منذ سنوات. [1]

  • ثانيًا: القطاع المالي:

قام محافظ “بنك إسرائيل” بتشكيل إن طاقم في البنك لتحليل ومراقبة الجوانب الاقتصادية لتفشي المرض وتأثيره المحتمل على الاقتصاد الكلي على إسرائيل، والآثار المتوقعة على التضخم والأسواق المالية[2].

وقد حدد محافظ “بنك إسرائيل” سيناريوهان؛ الأول في حال استمرار الفيروس لمدة ربع عام فهناك تأثير محتمل بنسبة 0.2٪ على الناتج المحلي الإجمالي، وهو ليس تأثيرًا كبيرًا على الاقتصاد الكلي. وقد يؤدي السيناريو الثاني الذي يستمر فيه الفيروس لفترة أطول إلى أكثر من 1٪ تشمل انتشار فيروس الكورونا في إسرائيل على نطاق واسع[3].

وفي محاولة لتحسين الوضع الاقتصادي، أعلن البنك أنه سيقوم بعرض السندات الحكومية الإسرائيلية للبيع، بالإضافة إلى إجراء معاملات إعادة الشراء مع المؤسسات المالية ذات السندات الحكومية كضمانات.

وفي قطاع البورصة؛ أشارت التوقعات إلى انخفاض حاد في البورصة[4] بعد هبوط الأسواق، مع انخفاض حاد في ضوء تراجع الأسواق في نهاية الأسبوع الماضي[5].

  • ثالثًا: القطاع التجاري والصناعة:

 القطاع التجاري: من غير المتوقع أن تشهد عملية الاستيراد من الصين تأثيرًا سلبيا على المدى القصير والمتوسط، ومن غير المتوقع حدوث نقص في البضائع الواردة من الصين، حيث تحتفظ المتاجر في إسرائيل بمخزون منتجات لشهور.

والصادرات إلى الصين لن تتعرض للضرر أيضا؛ فنصف إجمالي الصادرات التي تصدرها إسرائيل إلى الصين عبارة عن مكونات الكترونية (12 مليار دولار في عام 2018) قامت بتصنيع معظمها شركة إنتل. وفق معهد التصدير الإسرائيلي، والمكونات التي يتم تصنيعها في إسرائيل يتم إرسالها إلى الصين للتجميع في منتجات مختلفة، لكن هذه الشركة الدولية لديها مصانع عديدة في أنحاء آسيا والعالم، التي من شأنها أن تكون بديل للمصانع بالصين.

قطاع الصناعة: عززت أزمة “كورونا” من حقيقة أن الصين هي مركز الصناعة العالمية، وخاصة للمنتجات النهائية والمواد الخام الأساسية في المعادن والبلاستيك والمواد الكيميائية والمواد الغذائية وغيرها. ومن جانبه قال أحد أصحاب المصانع في إسرائيل إنه لا يوجد منتج واحد في المصنع لا يحتوي على مكون من الصين، ولدينا كتالوج يضم 12000 عنصر.

بالإضافة إلى أن الصين تزود إسرائيل 9٪ من واردات المواد الخام. حتى الأدوية المصنعة في إسرائيل تحتوي على مكونات المواد الخام التي تأتي من الصين.

كما أعلنت الشركة الصينية لمكيفات الهواء عن زيادة في الأسعار، لأن هناك توقعات بمشكلات الإمداد، ولكن ليس على المدى القريب، لأن معظم مكيفات الهواء يتم تصنيعها في الصين.

تأثرت صناعة السيارات أكثر من المعتاد بسبب عطلة رأس السنة الصينية، ومع استمرار الأزمة من المتوقع في حال عدم عودة الإنتاج والعمالة في الموانئ إلى النظام بحلول أوائل مارس، سنبدأ في الشعور بالنقص. وفي الوقت الحالي، يوجد بالفعل عدد كبير من العملاء الذين يرغبون في تخزين قطع الغيار. لا يوجد منتج مُصنع فقط في الصين، ولن يتم إيقاف السيارات، ولكن في غضون أسابيع قليلة، سيكون هناك نقص في قطع الغيار الصينية، والتي هي أرخص بكثير من غيرها من المنتجات الأوروبية والأمريكية، وبعضها من نفس النوعية.

إن إعلان منظمة الصحة العالمية منذ حوالي ثلاثة أسابيع عن تفشي فيروس “كورونا” قد ضرب أسواق الأسهم العالمية. وعلى الرغم من أن عام 2019 كان عام الذروة في الأسواق، ولكن لا يبدو أن أي شيء كان سيغير اتجاههم في ضوء استمرار انخفاض أسعار الفائدة وارتفاع السيولة. ومع ذلك، فقد أدى الاعتراف الرسمي لمنظمة الصحة العالمية بفيروس “كورونا” بأنه طاعون إلى انخفاضات حادة في البورصات العالمية والصينية، حيث انخفضت بورصة “شنجهاي” للأوراق المالية بنسبة 10٪ في غضون بضعة أيام، وانخفضت البورصات في أوروبا والولايات المتحدة بمعدل 5٪.

ولكن رغم هذه التقارير إلا أن هذا ليس انهيارًا ساحقًا، وقد يقول البعض إنه أيضًا حل صحي للأسواق التي ترتفع منذ فترة طويلة. ومع ذلك، فقد مرت ثلاثة أسابيع ومنذ ذلك الحين صححت البورصات معظم الانخفاضات. وحتى عندما كانت العناوين في وسائل الإعلام مخيفة وسلبية، لم نر أي ذعر حقيقي في الأسواق. يقول البروفيسور “ليو ليدرمان”، كبير المستشارين الماليين في بنك “هابوعليم” إننا لم نشهد وضعًا يقوم فيه المستثمرون بتصفية المراكز في الأسهم والانتقال إلى الاستثمار في السندات التي تعتبر أكثر صلابة.

مؤشر آخر على أن الأسواق لن تتأثر بصورة كبيرة، وخاصة في السوق الإسرائيلية، فعلى الرغم من حدوث بعض الانخفاضات الحادة في الأسابيع الأخيرة، إلا أن بعض الأسهم تتعرض للنشاط في السوق الصينية.

ولكن من المبكر الاحتفال والإعلان عن نهاية التراجع في الأسواق، ويعلق ليدرمان على ذلك قائلًا: “هناك شيء مختلف اليوم مقارنة بعصر السارس والذي ظهر في 2003، وتعد الصين الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إنها بمثابة مركز الصناعة العالمية، فهي توفر المواد الخام للصناعات والصناعات والمصانع، وأصبحت مشلولة تمامًا لمدة شهر ونصف. وخسر الربع الأول من عام 2020 للاقتصاد الصيني وسيكون له آثار على الاقتصاد العالمي. وفي تقديره ستشهد المزيد والمزيد من الكيانات في الأسابيع المقبلة، مثل صندوق النقد الدولي توقعات نمو للاقتصاد العالمي”.

ومما سبق نستطيع القول إن المستثمرين ليسوا هستيريين، وأن ما يميز النغمة في الأسواق هو انخفاض أسعار الفائدة وارتفاع السيولة في الأسواق. بالنسبة لإسرائيل، يمكنا القول إن الوضع الإسرائيلي في أزمة “كورونا” في إسرائيل جيد بالنسبة لمعظم الدول. وفيما يتعلق بالبورصة، التي تراجعت بعد إعلان منظمة الصحة العالمية، لكنها تمكنت منذ ذلك الحين من العودة إلى أعلى مستوياتها قبل هذه الأزمة. فعلي الرغم من أن إسرائيل بالفعل مستورد ومصدر من وإلى الصين، لكنها أقل تعرضًا لمصنعي السلع الأساسية مثل دولة “شيلي” التي تصدر النحاس إلى الصين ويعتمد اقتصادها عليها.

خلاصة القول؛ تأثير الفيروس على الأسواق في الوقت الحالي محدود للغاية، لكن لا أحد يعرف إلى أي مدى سيكون تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي. هذا يعتمد إلى حد كبير على المدة التي ستظل فيها الصين مشلولة، وفي نهاية المطاف سوف يتدفق التباطؤ الاقتصادي أيضًا إلى أسواق الأسهم. علاوة على ذلك، إذا بلغت الأسواق ذروتها، فإنها ستكون أكثر حساسية للمؤشرات السلبية للاقتصاد. وبالتالي قد نشهد تصحيحًا في الأسواق، لأنها في الوقت الحالي في ذروتها[6].

  • رابعًا: قطاع البنية التحتية والاستثمار:

في مجالات البنية التحتية والاستثمار، حيث تنشط شركات صينية في إسرائيل، يستمر النشاط على مدار شهور عديدة وحتى سنوات. وفي ضوء ذلك، يتضح أنه مع حصار الأزمة، العمل على المشاريع التي بدأت بالفعل سيكمل المتأخر؛ والمفاوضات التي كانت في مسارها ستستأنف من النقطة التي توقفت عندها؛ وسيقوم المستثمرون بسد الفجوات، وربما أكثر من ذلك.

أيضا بقطاع البناء الوضع ليس شديد الخطورة. على الرغم من عدم وصول عمال جدد من الصين كما كان مخططا، إلا أنه في المقابل، هؤلاء المتواجدون حاليا في إسرائيل مستمرون في العمل ولن يغادروا. وفي حال استمرار الأزمة ربما تضطر حكومة إسرائيل الى الاستجابة لمطالب “اتحاد بناة الأرض” والمساعدة في جلب عمال من شرق أوروبا ومن السلطة الفلسطينية لمنع حدوث أزمة في القطاع، الذي يعاني من نقص العمالة وأيضا للحد من تأثير الوباء.

  • خامسًا: قطاع السياحة

أشارت التقارير الاقتصادية المختلفة إلى الصرر الذي لحق بقطاع السياحة نتيجة تفشي الوباء، وذلك نظرًا لتأثر القطاع بانخفاض السياحة القادمة من الصين، بعد أن سجلت زيادة بلغت 37% هذا العام. غير أن معهد “دراسات الأمن القومي” يرى أن تأثير السياحة الصينية سيكون غير فعال، مدعيًا أن 16 ألف سائح صيني دخلوا إسرائيل العام الماضي يمثلون نسبة ضئيلة، لم تتجاوز (3.4 %) فقط من حجم السياحة الداخلة إلى إسرائيل. غير أن الذعر من وباء الكورونا دفع العديد من الإسرائيليين إلى إلغاء رحلاتهم إلى الشرق والاكتفاء بالتنزه داخل إسرائيل، وهو ما يمثل تعويض عن الخسارة من السياحة الصينية.

الخلاصة:

  • تحاول وسائل الإعلام الإسرائيلية والجهات الرسمية في إسرائيل نشر صورة متفائلة عن الاقتصاد الإسرائيلي في ظل الأزمة وذلك بهدف مواجهة الذعر المجتمعي، ودعم الاقتصاد وعدم تدهور الوضع أكثر. ونجد تقرير لمعهد دراسات الأمن القومي عن تأثير تفشي الوباء على الاقتصاد ينقل صورة متفائلة مؤكدين أن جميع الدول التي تمثل أي منها جزء من الاقتصاد العالمي، والتي من بينها إسرائيل بالطبع، لن تكون محصنة في مواجهة أزمة تستمر لعدة أشهر وتشل مناطق اقتصادية واسعة حول العالم. هناك مخاوف من حدوث أزمة مالية واسعة النطاق، والتي من المتوقع حدوثها نتيجة للأزمة الوبائية السائدة على نطاق واسع والتي تسفر عن تباطؤ حاد في الاقتصاد العالمي، كل هذا من شأنه أن يلحق أضرارا بإسرائيل. لكن يؤكد التقرير، مخالفًا بذلك الذعر الإعلامي في إسرائيل، أنه من المتوقع أن يكون الضرر محدود في نطاقه ويعتمد على مدى الضرر بالاقتصاد العالمي. بل ويشير التقرير إلى الفرص الجديدة التي قد تتوفر لشركات إسرائيلية لتطوير حجم تجارتها مع الصين. مثل، الشركات التي تعمل في مجال تطوير منتجات خاصة بالرعاية الصحية والخدمات عبر الإنترنت، والتي ستجد كم آذان صينية صاغية للتعاون. حيث تمثل صادرات الأجهزة الطبية إلى الصين حصة ضئيلة (6%) من إجمالي الصادرات للصين. وينصح التقرير باستغلال إسرائيل لسمعتها الجيدة في هذا المجال لزيادة حجم الصادرات فيه. بالإضافة إلى ذلك، الأزمة الصحية من شأنها أن توفر لإسرائيل فرصة لتوطيد العلاقات مع الصين أيضا في المجالات التي لا ترتبط مباشرة بالصحة وتوجيه التعاون التكنولوجي لمجالات حديثة، لا تتعارض مع المطالب الامريكية بهذا الشأن. وهو الهدف الذي يتطلب إنجازه أن تعمل إسرائيل بحذر وبمسئولية، وتقديم التأييد والمساعدة أيضا ولو بشكل رمزي. وهو ما أكدت عليه معظم المواقع الإسرائيلية مثل موقع “واللاه” الإخباري الذي أكد على أن العالم يواجه وقتًا صعبًا للغاية وأن الشركات الناشئة التي تمر بأزمة اقتصادية لأول مرة يمكن أن تكون بمثابة صدمة كبيرة. تحتاج الشركات إلى إعادة النظر هيكل إنفاقها، والتأكد من استثمارها بعناية وبأكثر الطرق إنتاجية، وأنها تقدر بشكل صحيح التوقعات ولديها ما يكفي من المال في شباك التذاكر لتخوض فترة الشتاء القاسية. ومع ذلك، نعتقد أن التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية قوية وأن الطبيعة الخاصة لرجال الأعمال الإسرائيليين ستساعدهم على التحرك بسرعة والتكيف مع السوق وتساعد أيضًا في إيجاد حلول مبتكرة واغتنام الفرص[7].


[1] موقع “يديعوت آحرونوت” 17/2/2020.

[2]  يديعوت أحرونوت، 24/2/2020.

[3]  يديعوت أحرونوت، 24/2/2020.

[4] يديعوت أحرونوت، 9/3/2020

[5] موقع واللا،  السبت 29 فبراير 2020.

[6] موقع “ذا ماركر” 15/2/2020.

[7]  موقع واللا، 7/3/2020،

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version