د. عبده رمضان كامل (كبير مذيعين بالبرنامج العبري- الإذاعة المصرية)

مقدمة

تتسم الخريطة السياسية الحزبية في إسرائيل بالديناميكية والتغير المستمر منذ قيام إسرائيل وحتى الآن. ونظرة سريعة على تلك الخريطة تكشف أنه دائما ما تختفي أحزاب وتظهر أخرى بدلا منها, ومن أشهر صور نشأة الأحزاب الجديدة:

1- امتزاج أحزاب قائمة, إما لتعظيم قوتها السياسية وعدد مقاعدها في البرلمان, وإما تفاديا لخطر عدم الحصول على الحد الأدنى من الأصوات اللازمة لدخول الكنيست. ومن أشهر حالات الامتزاج القائمة حاليا على الساحة السياسية الإسرائيلية “המחנה הממלכתי: المعسكر الرسمي” الذي تشكل في 10 يوليو 2022 بامتزاج أحزاب “כחול לבן: كاحول لافان” بزعامة رئيس هيئة الأركان السابق بني جانتس وحزب”תקווה חדשה: تكفاه حداشا”[1] برئاسة عضو حزب الليكود السابق جدعون ساعار.

2- انسلاخ عضو أو أكثر من حزب قائم بهدف تشكيل حزب جديد نتيجة لعدم التوافق الأيديولوجي مع برنامج الحزب القائم. ومن أشهر تلك الحالات انسحاب عضو حزب الليكود أريئيل شارون ومعه ثلث أعضاء الحزب في الكنيست وتشكيل حزب “קדימה: كاديما” في نوفمبر 2005 على خلفية رغبة شارون في الانسحاب من قطاع غزة بشكل أحادي الجانب فيما عُرف باسم “خطة الفصل أحادي الجانب” ومعارضة الحزب لتلك الخطة.

3- تبلور قوة اجتماعية جديدة تحتاج إلى صوت سياسي يرفع لواءها, وهذا الأمر شائع نتيجة لاستمرار الهجرات اليهودية إلى إسرائيل, ومن أشهر تلك الأحزاب حزب المهاجرين الروس “ישראל בעליה: إسرائيل بعاليا” الذي يظهر حاليا باسم “ישראל ביתנו: إسرائيل بيتنا” بزعامة وزير الدفاع السابق أفيجدور ليبرمان.

الصور الثلاث المذكورة هي غيض من فيض من الصور التي تجعل الخريطة الحزبية في إسرائيل تتسم بالتغير المستمر.

تداعيات عملية “طوفان الأقصى” على الخريطة السياسية في إسرائيل

تسببت عملية “طوفان الأقصى” في حدوث تغيرات واسعة في الخريطة السياسية الحزبية في إسرائيل؛ حيث تضررت أحزاب, وفي المقابل استفادت أحزاب بشكل كبير, وبين هذا وذاك بقيت مجموعة من الأحزاب دون أدنى تغير في قوتها السياسية. وقد اعتمد الباحث في رسم صورة تقريبية لتلك الخريطة السياسية على استطلاع للرأي نشرته صحيفة معاريف بعد مرور قرابة أسبوعين على اندلاع تلك العملية, وتحديدا في 20 أكتوبر 2023[2]. الجدول التالي يتضمن عدد المقاعد التي حصل عليها كل حزب في استطلاع الرأي المذكور مقابل عدد المقاعد الفعلية التي يمتلكها كل حزب في الكنيست الحالي (الكنيست ال-25):

اسم الحزب عدد المقاعد في الكنيست الحالي عدد المقاعد في استطلاع الرأي
الليكود 32 18
المعسكر الرسمي 12 40
يش عاتيد 24 15
حزب شاس الديني 11 8
حزب الصهيونية الدينية 7 5
حزب عوتسما يهوديت 6 5
حزب نوعام (محسوب على تيار الصهيونية الدينية) 1 صفر

 

 

حزب يهودية التوراة (حريديم) 7 7
حزب إسرائيل بيتنا 6 7
الأحزاب العربية 9 9
حزب العمل 4 حصل على 2%[3]
حزب ميرتس صفر 6

 

نلاحظ من الجدول السابق ما يلي:

أ. أحزاب تضررت بشدة. على رأس الأحزاب التي تضررت بشدة نتيجة لعملية طوفان الأقصى يأتي حزب الليكود الذي تراجعت حصته من المقاعد – طبقا لاستطلاع الرأي – إلى 18 مقعدا فقط مقابل 32 مقعدا, وهذا راجع إلى حالة الانقسام الشديد داخل المجتمع الإسرائيلي نتيجة للتعديلات الدستورية التي قادتها حكومة نتنياهو ، والارتباك الشديد الذي تعيشه إسرائيل في المجالات كافة منذ اندلاع عملية “طوفان الأقصى”.

هناك أيضا حزب يش عاتيد بزعامة زعيم المعارضة يائير لابيد الذي تضررت قوته الانتخابية, والراجح أن السبب في هذا التراجع يرجع إلى عدم استجابته لدعوات الانضمام إلى حكومة الطوارئ بسبب رفضه التواجد في حكومة واحدة مع وزراء تيار الصهيونية الدينية وعلى رأسهم إيتامار بن جفير, وبتسلئيل سموطريتش.

ب. أحزاب استفادت بشدة. على رأس تلك الأحزاب حزب “المعسكر الرسمي” بزعامة بني جانتس الذي حصل في استطلاع الرأي على 40 مقعدا مقابل 12 مقعدا في الكنيست الحالي. كما نلاحظ أن هناك أحزابا لم يكن لها تمثيل في الكنيست الحالي مثل حزب ميرتس الذي حصل في الاستطلاع على 6 مقاعد.

ج. أحزاب لم تتأثر بتلك الحرب سلبا ولا إيجابا. يأتي على رأس تلك الأحزاب حزب المتدينين المتذمتين (الحريديم) “يهودية التوراة”، والأحزاب العربية، ويأتي معهم حزب المهاجرين الروس “إسرائيل بيتنا”. السبب في ذلك هو أن تلك الأحزاب ذات قاعدة انتخابية أيديولوجية: “الحريديم”, العرب, المهاجرون الروس على الترتيب. وعادة لا يغير هؤلاء أنماط تصويتهم والتصويت لصالح أحزاب أخرى.

من خلال النتائج التي كشف عنها استطلاع الرأي المذكور تظهر لنا الصورة التي ستكون عليها الكنيست في حال إجراء الانتخابات اليوم: اللون الأحمر هو عدد مقاعد أحزاب المعارضة, واللون الأزرق هو عدد مقاعد أحزاب الائتلاف  الحاكم.

كما كشف استطلاع الرأي أن رئيس حزب “المعسكر الرسمي” يبدو في نظر 48% من المشاركين في الاستطلاع بأنه الأنسب لرئاسة الوزراء في إسرائيل مقارنة ب-28% فقط حصل عليها بنيامين نتنياهو, في حين أجاب 23% بأنهم لا يعرفون.

توصيات

أولا: في ضوء أن حزب “المعسكر الرسمي” هو النجم الساطع حاليا في الحياة السياسية في إسرائيل, وفي ضوء الفجوة الكبيرة التي تفصل بين زعيم هذا الحزب بني جانتس وبين أقرب منافسيه لرئاسة الوزراء أجد من المفيد الإشارة إلى ما يلي:

أ. يُصنف حزب “المعسكر الرسمي” باعتباره من أحزاب الوسط.

ب. يوصف رئيس الحزب بني جانتس باعتباره شخصية معتدلة تتطلع إلى إحلال السلام.

الحقيقة أن حزب “المعسكر الرسمي” ليس حزب وسط, وسيكون من الخطأ النظر إليه باعتباره من أحزاب الوسط. هذا حزب يمين بكل ما تحمله الكلمة من معنى. هو حزب يمين من حيث المظهر، ومن حيث الجوهر. من حيث المظهر: يمتلك الحزب في الكنيست ال25 عدد 12 مقعدا في الكنيست, 4 مقاعد منها هي لحزب “تكفاه حداشا” بزعامة جدعون ساعار. ولمعرفة إلى أي مدى هذا الحزب هو يميني متطرف دعا ساعر خلال مقابلة تلفزيونية مع التلفزيون الإسرائيلي مع بداية عملية “طوفان الأقصى” إلى احتلال أجزاء من قطاع غزة, وترسيخ مبدأ أن أي دولة أو جهة تشن حربا على إسرائيل يجب أن تفقد جزءا من أراضيها في نهاية تلك الحرب.

هناك أيضا مقعد في حزب “المعسكر الرسمي” ل”ماتان كهانا” وكان في السابق عضوا في الحزب اليميني المتشدد “يمينا: Yamina”

أما من حيث الجوهر فإن هذا الحزب يرفض مبدأ دولتين لشعبين كحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.رئيس الحزب نفسه بني جانتس قال في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية: “من يعتقد أن دولتين لشعبين هو حل للصراع فإنه يعيش في وهم”[4].

ثانيا: بعيدا عن التداعيات السياسية لعملية طوفان الأقصى على الخريطة الحزبية فإن استطلاع الرأي المذكور قد كشف عن نتيجة مهمة وهي أن 25% من إجمالي المشاركين في استطلاع الرأي (أي ربع سكان إسرائيل على اعتبارأن هذا استطلاع رأي يعبر عن مجمل سكان الدولة) قالوا إنهم يشعرون بالتشاؤم تجاه مستقبل الدولة (ويشير إليه اللون الأحمر, في حين يشير الأخضر إلى المتفائلين, والرمادي لا يعرف). هذا مُعطى يجب دراسته ودراسة أسبابه، وهل يشير إلى اتجاهات مستقبلية في المجتمع الإسرائيلي.

 

[1] تأسس هذا الحزب في 8 ديسمبر 2020 بعد انسحاب ساعار من الليكود على خلفية خلافات مع رئيس الحزب بنيامين نتنياهو.

[2] https://www.maariv.co.il/news/politics/Article-1046219. تمت العودة إلى هذا الاستطلاع الساعة التاسعة صباح السبت 21/10/2023.

[3] الحد الأدنى اللازم لدخول الكنيست أو ما يُعرف باسم “نسبة الحسم” هو 3.25%. كانت هذه النسبة 1% بين عامي 1951 حتى 1952, ثم ارتفعت لتصبح 1.5% بين عامي 1992 حتى عام 2003. وفي مايو 2004 ارتفعت هذه النسبة إلى 2%, واستمرت تلك النسبة حتى عام 2014. وبدءا من مارس عام 2014 ارتفعت هذه النسبة لتصبح 3.25%, ولا زالت تلك النسبة هي السارية حتى وقتنا هذا.

[4] مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية بتاريخ 22/8/2022

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version