تستمر الاحتجاجات الاسبوعية في إسرائيل في ميدان رابين وأمام منزل رئيس الحكومة في بلفور منذ منتصف  شهر إبريل بشكل اسبوعي وبوتيرة متصاعدة ، وتزداد تنظيمًا وبرغم العنف غير المسبوق من الشرطة الاسرائيلية والإغراءات التي قدمتها الحكومة الاسرائيلية كإعانات لمساعدة الأسر اقتصاديا إلا أن هذه الاحتجاجات لم تنقطع ولم تقل وتيرتها ، بل ان الكثير من المحللين والمراقبين يتوقعون لها أن تكون ذات تأثير سياسي على المدى الطويل  إذ إنها تعطي جيلًا شابًا جديدًا فاقدًا للأمل والعمل في ظل هذه الحكومة الإسرائيلية طريقًا واداة للتأثير والتغيير على المجتمع الاسرائيلي .

منذ 18/1/2020 يوم إعلان ترامب لصفقته  (صفقة القرن) في البيت الأبيض في خضم الانتخابات الإسرائيلية لمحاولة تقديم يد العون لصديقه وحليفه نتنياهو لحسم الانتخابات لصالحه، جعل من حسمه للإنتخابات أمرًا بعيد المنال بسبب الفساد الذي تغطى به نتنياهو. وعلى الرغم من حصول كتلة اليمين بمجملها على عدد من المقاعد أكبر من كتلة اليسار بدون القائمة المشتركة، لكن لا نتنياهو ولا ترامب كان في حسبانهم  ما ستفعله جائحة كورونا في بلديهما مما أدى الى سوء إدارة للأزمة عمقت بشكل كبير الخسائر الاقتصادية في إسرائيل والتي يحسبها الخبراء الاقتصاديون أزمة لم تمر بها إسرائيل مسبقًا، تتجاوز فيها البطالة اكثر من 25% بخلاف الخسائر الاقتصادية لكافة القطاعات .

ولكي نستطيع ان نجيب عن التساؤل المركزي هل سيذهب نتنياهو الى الانتخابات؟ سنستعرض الأزمات الثلاث بشكل مركز بحيث تعطينا صورة أكثر شفافية عن خيارات نتنياهو .

أزمة كورونا …الاحتجاجات

في الحقيقة إن الاحتجاجات في اسرائيل ليست وليدة ازمة جائحة كورونا، ولكنها بدأت منذ إفشال جلسة انتخاب رئيس جديد للكنيست، وبدأتها حركة الرايات السود وكانت واضحة الأهداف والشعارات لإسقاط نتنياهو بسبب فساده المالي والسياسي وللحفاظ على ديمقراطية إسرائيل ، ولكن هذه الاحتجاجات أخذت أبعادا أكبر عندما انضم لها مواطنون يشعرون بحجم الأزمة والضائقة الاقتصادية التي تمر بها اسرائيل، وبدأت تتبلور لديهم قناعات بأن نتنياهو هو السبب الرئيسي لكل هذه الأزمات .

أسفرت جائحة كورونا عن أزمة اقتصادية عميقة أصابت العمق الاقتصادي الإسرائيلي والذي يتوقع أن يصل حجم الديونإلى ما يتجاوز 75 % من حجم الناتج العام حسب بنك اسرائيل المركزي بخلاف البطالة والتي تتجاوز 25% ،

هذه الأزمة الاقتصادية قد تَجُب ما قبلها بالنسبة لأي حكومة في اسرائيل ، لأن المقياس الأساسي الذي حافظ فيه نتنياهو على رئاسته للوزراء طوال العشر سنوات الماضية هو اقتصادي بالدرجة الأولى، وهو ما تسبب في إعادة انتخابه رغم تهم الفساد، إضافة لعوامل أخرى.

هذه الأزمة جلبت شريحة واسعة من المتظاهرين – جزء كبير منهم غير مسيس أو ذو ميول حزبية – برغم أن نتنياهو دائمًا ما يتهمهم ويصفهم باليساريين المتطرفين، مما يدلل أن هناك خوفًا ورعبًا لدى نتنياهو وحزب الليكود من فقدان السيطرة.

لذلك  لوحظ في الأسابيع الاخيرة استخدام الكثير  من العنف من قبل  الشرطة  الاسرائيلية ضد المتظاهرين، الأمر الذي أثار ضجة اعلامية واستنكارًا مما دفع بنتنياهو الى مهاجمة الإعلام خصوصًا القناة 12 والقناة 13، واتهام القنوات بانها مشاركة في الاحتجاجات وليست ناقلة أخبار.

وكعادة نتنياهو في استغلال الأزمات لتحصين نفسه، استغل أزمة كورونا والقانون الذي تم تمريره بالقراءة الاولى والثانية وضمّنه بندًا خاصًا  ” ينص، تحديداً، على تخويل الحكومة صلاحية تجريم كل من يخرق الأوامر ولا يلتزم بالتقييدات بمخالفة جنائية، ثم فرض عقوبة جنائية عليه. ”  أي أن الحكومة تستطيع فرض قيود على المظاهرات، مثل تحديد عدد المشاركين في المظاهرة، أو تغريم كل من لا يحافظ على مسافة مترين عن رفيقه، الأمر الذي يعني في النتيجة النهائية الفعلية تضييق حرية التظاهر والمس بالحق في التعبير عن الرأي.

ان الطريقة العنيفة التي يتم التعامل بها مع التظاهرات و تفصيل بند في القانون من أجل قمع التظاهرات يعبر عن الأزمة والخشية أن تقود هذه المظاهرات الى واقع جديد لا يستطيع معه نتنياهو أن يحمي نفسه من السجن .

الضم إلى أين ؟

تفتق ذهن نتنياهو عن خطة الضم والتي هي رؤية مجلس “يشع” للمستوطنين، والسفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان، والتي سوّق لها في الانتخابات الأخيرة بعد رفض الفلسطينيين لصفقة ترامب، والتي لا تختلف كثيرًا عنها بخلاف أن في خطة ترامب سيكون هناك على إسرائيل التزام بقبول ما يمكن أن يسمى دولة فلسطينية وإن كانت متقطعة الأوصال ولا تلبي احتياجات الفلسطينين. لقد أراد نتنياهو من خلال خطة الضم أن يسوّق نفسه وكذلك تاريخه بأن يكون أول من وضع الخطة على طاولة الحكومة الاسرائيلية بحيث تكون هي الدافع لإنقاذه من السجن بعد سن قانون يمنع محاكمته أو يعطيه عفوًا .

ورغم أن خطة الضم تعتبر أحد بنود الائتلاف بين نتنياهو وجانتس، إلا أنها مقيدة بالحصول على الضوء الأخضر من أمريكا, إلا ان هذا الشرط قد حدّ من طموح نتنياهو للعب بهذه الورقة وأصبحت عبئًا عليه بعد أن تم تشكيل جبهة عربية وعالمية ضد الضم؛ مما وضعه بمواجهة حلفائه اليمينيين الذين لا يفوتون فرصة من أجل الضغط عليه لتنفيذ الضم .

إلا أن حليف نتنياهو الرئيس الامريكي (ترامب ) أصبح لديه أولويات ليس على أجندتها الضم لأسباب داخلية كثيرة ، بالإضافة الى معارضة  جانتس، وجزء من الفريق الأمريكي الذين يريدون الضم بعد الانتخابات الامريكية. هذا الأمر اأضا يثير مخاوف نتنياهو وتحالفه اليميني في حال لم يتم إعادة انتخاب ترامب سيجدون أنفسهم أمام جو بايدن الذي أعلن بكل وضوح انه ضد الضم، وانه يفضل العودة الى محادثات تفضي الى سلام .

وهناك أيضا تقارير الجيش التي تؤكد أن أي خطوة للضم ستفتح الباب إلى تغيير دراماتيكي في العلاقة مع الفلسطينيين، خصوصا بعد أن أثبت الرئيس الفلسطيني مدى جدية الفلسطينيين في اتخاذ خطوات تؤدي إلى تحمل إسرائيل الكامل للاحتلال ودفع ثمنه ولن يكون احتلالًا مجانيًا .

نتنياهو يعلم إنه لن يستطع تنفيذ الضم، الأمر الذي سيؤدي إلى فتح جبهة مع حلفائه من اليمين الاستيطاني ستؤدي الى انسحابهم من الائتلاف؛ مما يضعه تحت رحمة شريكه في الائتلاف جانتس.

إيران

منذ نهاية التسعينات وهناك قرار إسرائيلي داخلي بمحاربة إيران وبرنامجها النووي، رغم أن اجهزة امنها الخارجي لم تكن مستعدة للقيام بهذه المهمة، إلا أن التمديد لمهمة يوسي كوهين كرئيس للموساد بعد انتهاء خدمته يوحي بأن نتنياهو يريد للجهود التي بذلها كوهين أن تثمر في الحرب ضد برنامج إيران النووي. وربما تشير الضربات الاخيرة التي سمعنا عنها في إيران مؤخرًا إلى نفس النهج الذي يتبعه واحد من مؤسسي الاستراتيجية الاسرائيلية ضد إيران التي طورها نائب رئيس الموساد السابق تامير باردو وأطلق على هذه الاستراتيجية اسم “سياسة الأرجل الخمسة “

  • إحباط سياسي، أي ممارسة ضغوط دولية على إيران
  • إحباط سياسي داخلي، اي تشجيع مجموعات معارضة للوقوف ضد النظام .
  • إحباط اقتصادي، أي نظام عقوبات دولية واسعة وصارمة تؤدي إلى انهيار الاقتصاد الإيراني .
  • إحباط ذكي، أي القيام بالعمليات الخاصة التي لا تترك اثرا وراءها .
  • إحباط عنيف، والذي تستخدم فيه وسائل عنيفة وتفجيرات وقصف وما شابه .

عادة يستغل نتنياهو الملف الايراني كفزاعة يسوقها داخليًا عن أهمية وجوده لحماية إسرائيل من إيران، كما يستغلها لاستقطاب المزيد من المساعدات العسكرية لإسرائيل، إلا أن نتنياهو لا يريد أن يختم حياته السياسية دون أن يضع بصمته على هذا الملف؛ لذلك كان حريصًا طوال الفترة الماضية على متابعة إيران وتمددها في الخارج (سوريا ولبنان)، وإحباط تموضعها ووصل الأمر الى القيام بعمليات في العراق وحتى إيران كما تدعي بعض المصادر .

إلا ان فكرة احتمال مجيء بايدن في الانتخابات الأمريكية القادمة تزعج نتنياهو كثيرًا على اعتبار أن بايدن سيعود إلى الاتفاق النووي، وهذا سيحد من طموح نتنياهو بتوجيه ضربة قوية لإيران .

وللتذكير في العام 2010-2012 خطط نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك لشن هجمات بطائرات حربية ضد منشآت ايران النووية، ولكن تم إحباط هذه المخططات من إدارة أوباما وكذلك رئيس الأركان الإسرائيلي جابي أشكنازي في ذلك الوقت .

هل سيذهب نتنياهو للانتخابات ؟

عند الاطلاع على القضايا التي تشغل إسرائيل نجد أن نتنياهو لم يقم فعليًا بأي إنجاز يحسب له، وهذا لن يجعله في موقف قوي لفرض شروط داخل الائتلاف، او الذهاب إلى انتخابات مبكرة  ولكن هناك مستجد رئيسي يجعل الحديث مختلفًا، وهو قرارات المحكمة باستئناف المحاكمات من بداية العام بشكل اسبوعي من يوم الإثنين الى الأربعاء من كل اسبوع، وهذا يعني أن نتنياهو سيطبق عليه أحد بنود اتفاق الائتلاف، مما يستدعي تخليه عن منصبه حتى انتهاء محاكمته .

بالاضافة الى ذلك ، هو عدم حسم المحكمة العليا  مسألة إن كان يحقّ لرئيس الحكومة البديل (وهو المنصب الذي سيشغله نتنياهو بعد التناوب) أن يشغل منصبه بعد توجيه لائحة اتهامات له. ويفترض نتنياهو أن الحسم سيكون في التوقيت الأسوأ بالنسبة إليه، وهو عند حلول موعد التناوب، وعندها لن يكون هناك مَخرج. من الصّعب رؤية نتنياهو يخاطر وينتظر حتى اللحظة الأخيرة.

وكذلك، فان استمرار تدهور قوّة الليكود في استطلاعات الرأي، يصب في مصلحة معارضيه، وكل يوم تستمرّ فيه حكومة “الوحدة”، سيستفيد منه رئيسا قائمتي “يش عاتيد – تيلم”، يائير لابيد، و”يامينا”، نفتالي بينيت؛ “ولذلك، من غير المستبعد، أن يفضّل نتنياهو 30 مقعدًا في انتخابات تجري في نوفمبر على مقاعد أقلّ، لاحقًا”.

كل ما سبق يؤكد ان خيار الانتخابات هو الأفضل لنتنياهو لذلك نلاحظ ان ازمة الموازنة ستشكل سببًا يلقي فيه اللائمة على شريكه جانتس لفك الائتلاف ولكن بعض المحللين يعتقدون  أنّ نتنياهو يفضّل أن تكون الانتخابات في يونيو أو يوليو على أن تكون في نوفمبر ، وعزا ذلك إلى احتمال أن يتراجع فيروس كورونا وأن يكون اللقاح في اليد ما سيؤدي إلى تحسّن الأوضاع الاقتصاديّة، بينما ظروف كهذه لن تكون متوفرة في نوفمبر.

ولعل البعض يعتقدون ان التوجه إلى الانتخابات في الوقت الحالي بسبب الخلاف داخل الائتلاف الحكومي حول مسألة إقرار الموازنة بـ”القرار غير المسؤول”.

لاسباب  مختلفة لذلك، من أهمها:
_تحدي الكورونا في الشتاء.
_الكورونا من شأنها تشويه توجهات الجماهير في الانتخابات.
_ الانتخابات تعني إبقاء البلاد بدون ميزانية.
_ الانتخابات تعني وجود حكومة انتقالية غير فعالة.
_الانتخابات ستزيد من عدم ثقة الجمهور بالسياسة.
_الانتخابات تتطلب صرف ملايين الشواقل في ظل عدم وجود مسؤولية اقتصادية.
_ من شأن الانتخابات في الوقت الحالي زيادة الانقسام في المجتمع الإسرائيلي.
_ كما أن الانتخابات لن تغير كثيراً من الأوضاع الحالية ولن تحل المشاكل بشكل جذري.

رغم كل المبررات السابقة، إلا أن الأرجح طبقا لشخصية نتنياهو وسلوكه النرجسي سوف يفضل نفسه على دولته وشعبه .

وانتظارًا حتى موعد إقرار الموازنة 25 اغسطس سيحاول نتنياهو إلقاء اللائمة على شريكه جانتس والإفلات إلى انتخابات ربما رابعة لإنقاذ نفسه.

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version