تشهد الساحة الفلسطينية الإسرائيلية حربًا غير مسبوقة منذ يوم السبت 7 أكتوبر الجاري، في قطاع غزة وجبهات أخرى، في العملية المعروفة فلسطينيًا باسم طوفان الأقصى، وإسرائيليًا باسم السيوف الحديدية، وهي واحدة من أكبر العمليات العسكرية بين الجانبين والتي يمكن وصفها بالحرب المفتوحة والمتواصلة وليس مجرد جولة تصعيد في القطاع، بل خرجت الحرب أيضًا لساحات أخرى.

ومن منطلق توصيف عملية التصعيد العسكري الأخيرة في قطاع غزة بين الفلسطينيين وإسرائيل بالحرب متعددة الجبهات، جاء الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل بكافة أشكاله، وكأن تل أبيب تعاني من حرب أكتوبر جديدة أجبرت واشنطن على إمدادها بجسر مساعدات غير مقطوع، ليس هذا فقط، بل أن هذه الحرب أجبرت واشنطن لتعيد تفكيرها في تواجدها في المنطقة، وخشيتها من الدور الإيراني المتصاعد والذي ربما يساهم في تطور مسار الحرب.

أشكال الدعم الأمريكي لإسرائيل

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية منذ اليوم الأول للتصعيد في المنطقة  دعمها المطلق لإسرائيل على كافة الأصعدة، سياسيًا وعسكريًا وماليًا وحتى إنسانيًا لإنقاذها من حالة الآرباك التي فرضتها الفصائل الفلسطينية على إسرائيل، ويمكن حصر أبرز مظاهر الدعم الأمريكي لإسرائيل فيما يلي:

1- الدعم السياسي

أظهرت الولايات المتحدة الأمريكية دعمًا سياسيًا مطلقًا لإسرائيل، بداية من الرئيس الأميركي جو بايدن والذي أكد على الموقف الأميركي من دعم تل أبيب المطلق، زاعمًا في تصريحاته حول الحرب وصف إسرائيل بالضحية لهجمات الفصائل الفلسطينية، دون النظر لجرائم الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة والتي حولته لمنطقة منكوبة.

كذلك وجهت واشنطن بإيفاد وزراء خارجيتها ودفاعها لزيارة إسرائيل بشكل فوري، بل توجه الرئيس الأمريكي جو بايدن في زيارة تضامنية إلى تل أبيب، في ظل الحرب الدائرة لإعلان كامل التضامن معها وتقديم كافة أشكال الدعم، وكأن إسرائيل تعاني من أكتوبر جديد أجبر الأمريكان على التحرك الفوري لإنقاذها من الفصائل الفلسطينية التي هزت أركان إسرائيل على كافة الأصعدة.

وكذلك تجدر الإشارة إلى الدور الأمريكي في دعم إسرائيل في المحافل الدولية خاصة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وبالتالي إعاقة أي مشاريع قرار ضد الجرائم الإسرائيلية التي تُمارس على الشعب الفلسطيني بشكل عنيف في قطاع غزة، فعلى سبيل المثال معارضة واشنطن لمشروع القرار الروسي في مجلس الأمن الخاص بالتواصل لوقف إطلاق نار إنساني في قطاع غزة.

2- الدعم العسكري

كان الدعم العسكري لإسرائيل واضحًا منذ بداية الحرب في قطاع غزة، فقدمت واشنطن دعمًا مطلقًا لتل أبيب وعلى أعلى مستوى من تحريك القطع الحربية الثقيلة وإرسال الإمدادات العسكرية الضخمة من واشنطن والتي وصلت إلى إسرائيل بالفعل لمساعدتها في الهجوم المضاد على الفصائل الفلسطينية.

وكانت هناك تصريحات أمريكية وإسرائيلية على أعلى مستوى في هذا الصدد، فالرئيس الأمريكي قال في تصريحاته أنه وجه بكامل الدعم العسكري لإسرائيل وإرسال المساعدات لها، فجرى تحريك حاملتي  طائرات بالقرب من السواحل الإسرائيلية، أما نتنياهو فخرج في تصريحات رسمية يقول فيها علانية إن الدعم الأمريكي قادم لإسرائيل وسيجري العمل للقضاء على الفصائل الفلسطينية، وكذلك قال قائد القيادة المركزية الأمريكية: نقف بثبات مع شركائنا الإسرائيليين والإقليميين للتعامل مع المخاطر الناجمة عن تورط أي طرف يسعى لتوسيع الصراع. 

وأما فيما يتعلق بطبيعة الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل، فقد جاء دعم واشنطن لتل أبيب على أعلى مستوى، فبعد يوم واحد من بدء عملية طوفان الأقصى وجهت واشنطن بما يلي:

تحرك أسطول حاملة الطائرات الأمريكية للشرق الأوسط على غرار جسر أكتوبر 1973، وفي تفاصيل تحريك الأسطول الأمريكي:

حاملة طائرات البحرية الأمريكية يو إس إس جيرالد ر. فورد كارير سترايك 78-CVN

طراد الصواريخ الموجهة من فئة تيكونديروجا يو إس إس نورماندي (60 CG)

مدمرات الصواريخ الموجهة من فئة أرلي بيرك يو إس إس توماس هودنر (116) DDG)

يو إس إس راماج (61) DDG)

يو إس إس كارني 64 DDG)

يو إس إس روزفلت (80) DDG)

تعزيز أسراب الطائرات المقاتلة التابعة للقوات الجوية الأمريكية من طراز 15-F و 16-F و 10-A في المنطقة (1) 

كما وجهت الولايات المتحدة بتحريك حاملة طائرات ثانية وهي “أيزنهاور” وأرسلت قوات أمريكية خاصة لإسرائيل للمساعدة في محاولة إنقاذ الرعايا الأميركيين الأسرى لدى الفصائل الفلسطينية، والمساعدة في عمليات الاستخبارات والتخطيط العسكري.

كما تعمل الولايات المتحدة على إقناع شركات الدفاع الأمريكية بتسريع طلبات الأسلحة التي تقدمت بها إسرائيل بالفعل قبل هجوم حماس وأهمها الحصول على ذخائر لنظام الدفاع الجوي الإسرائيلي القبة الحديدية بشكل سريع. 

3 الدعم المالي والإنساني

تعهدت الولايات المتحدة الأميركية بتقديم الدعم الاقتصادي والمالي لإسرائيل في إطار إعلانها تقديم الدعم المطلق بكافة أشكاله لتل أبيب، فظهرت أصوات في الكونجرس الأمريكي تطالب بتقديم دعم مالي فوري لإسرائيل وربما على حساب أوكرانيا التي تحظى بدعم أمريكي كبير، ووجهت واشنطن بتخصص مساعدات مالية لتل أبيب بقيمة تفوق 10 مليار دولار، كذلك أدعى كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية أن إسرائيل تعاني من خطر إنساني بسبب الهجمات الفلسطينية، زاعمين أن الإسرائيليين في خطر وبحاجة للدعم، متناسيين الوضع الإنساني الصعب في غزة جراء العدوان الإسرائيلي على القطاع.

4- الدعم الشعبي

على الرغم من أن المجتمع الأمريكي كان يركز خلال السنوات الأخيرة على التحديات الداخلية، إلا أن الصراع الأخير بين إسرائيل والفلسطينيين حرك الشعب الأمريكي الذي خرج ليقدم كافة أشكال الدعم لإسرائيل، حتى عندما خرج بعض المتظاهرين في نيويورك لدعم القضية الفلسطينية، كانت هناك مظاهرات مضادة لتأكيد الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل.

وللتأكيد على ذلك، أجرت صحيفة NPR الأمريكية استطلاعًا للرأي حول الحرب الأخيرة بين إسرائيل والفلسطينيين، والذي جاء فيه أن ثلثا الأمريكيين يقولون أنهم يؤيدون الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

لماذا تقدم واشنطن كل هذا الدعم لإسرائيل الآن؟

لم تشهد إسرائيل مثل هذا الهجوم المباغت والشرس منذ حرب أكتوبر 1973، والذي شل حركة تل أبيب والتي دخلت في حالة إرباك كبيرة، وسط تحذيرات من توسع دائرة الصراع، وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم الدعم الفوري لها، ويعود ذلك لعدة أسباب ومنها:

1- مساعدة إسرائيل في التصدي للهجوم الفلسطيني المباغت على مستوطنات غلاف قطاع غزة والذي وصل حتى تل أبيب مما يعني أنها في خطر كبير يلزم التدخل الأمريكي.

2- تخوف الولايات المتحدة الأمريكية من انتقال الحرب من قطاع غزة لحرب إقليمية كبرى تهدد بقاء إسرائيل، والتحسب من فتح جبهات أخرى على تل أبيب من الشمال حيث الحدود اللبنانية وسوريا، والتي شهدت بالفعل حتى الآن مناوشات بين الفصائل الفلسطينية المسلحة في هذه الدول والقوات الإسرائيلية.

3- تخشى أمريكا على نفسها وعلى إسرائيل من التدخل الإيراني بشكل مباشر في الحرب حيث أعلنت واشنطن صراحة أنها تحرك قواتها في المنطقة كرسالة ردع لإيران حتى لا تتدخل بشكل مباشر في الصراع، وبالتالي فإن تحركات واشنطن في المنطقة تعود بشكل كبير إلى المخاوف من تحرك إيراني يهدد استقرار إسرائيل ويزعج أمريكا.

4- إن تواجد رهائن أمريكيين لدى الفصائل الفلسطينية دفع واشنطن للتحرك بقوة، وإرسال قواتها الخاصة والتلويح باستخدام القوة، نظرًا لوجود الرعايا الأمريكيين كرهائن لدى الفصائل.

5- تحاول الولايات المتحدة الأميركية حفظ ماء الوجه، بعد تراجع دورها في منطقة الشرق الأوسط، كقوة دولية رادعة في المنطقة، وبالتالي تعمل على إرسال قواتها للتأكيد على أنها مازالت متواجدة في المنطقة، وذلك خشية الصعود الملحوظ للمنافسين الآخرين لواشنطن وهما روسيا والصين.

تداعيات الدعم الأميركي لإسرائيل في الحرب

لا شك أن الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل في حربها على قطاع غزة، سيكون له تداعيات إقليمية ودولية كبرى، ومنها:

1- إن الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل قد يسفر عن حدوث اضطرابات كاملة في منطقة الشرق الأوسط، وخروج الحرب من قطاع غزة لدول الجوار خاصة في سوريا ولبنان والجماعات المسلحة في اليمن والعراق. 

2- قد يدفع الدعم الأميركي لإسرائيل إلى زيادة المشاعر المعادية لأمريكا في جميع أنحاء العالم الإسلامي. 

3- لا شك أن الدعم الأمريكي الكبير لإسرائيل سيؤثر بالسلب على موقف السعودية من تطبيع العلاقات مع إسرائيل برعاية أمريكية في المستقبل القريب، خاصة أن هناك تقارير تشير إلى وقف مفاوضات التطبيع بالفعل في الوقت الراهن. 

4- تراجع الدعم الأمريكي لأوكرانيا، فمن الواضح أن واشنطن تتحول لدعم إسرائيل بكامل ثقلها في حربها على قطاع غزة، وربما يكون ذلك على حساب أوكرانيا التي تستمر في حربها مع روسيا، وهو ما دفع إلى وجود مواقف متباينة في الكونجرس الأمريكي بشأن المساعدات الأمريكية لكل من إسرائيل وأوكرانيا.

5- زيادة حالة السخط داخل المجتمع الأمريكي من بعض الفئات الذين يرون أن واشنطن تبالغ في دعمها لإسرائيل وأوكرانيا في حروبهم الخاصة على حساب التحديات الداخلية التي تعيشها أمريكا خاصة الملف الاقتصادي. 

مصادر:

(1) بيان رسمي من القيادة المركزية الأميركية

 

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version