دارت معارك دامية بين جماعة “بوكو حرام” وتنظيم “داعش” في جزيرة استراتيجية واقعة شمال شرقي نيجيريا مساء ٢٩/٩/٢٠٢١، أسفرت عن سقوط أكثر من 100 شخص، واستمرت أكثر من تسع ساعات، من الساعة الرابعة عصراً حتى الفجر، ما يدل على بداية “معركة داخلية” بين هاتين المجموعتين المتنافستين للسيطرة على بحيرة تشاد.

 تخوض جماعة بوكوحرام معارك دامية مع ولاية داعش في غرب أفريقيا المتمركزة حول بحيرة تشاد منذ عام 2016، ونتناول في هذا التقرير  أسباب ظهور وتوغل تلك الجماعات بإفريقيا؟ و مصادر تمويلهم ؟  وسياسات تلك الجماعات ؟  و تفاصيل  المعركة الأخيرة ؟ ولماذا تجدد الاقتتال بينهم ؟ و تداعيات الاقتتال فيما بينهم ؟

أسباب ظهور تلك الجماعات ومصادر تمويلهم :

نشأت جماعة بوكو حرام عام 2002 على يد رجل الدين محمد يوسف الذى أعدمته الشرطة النيجيرية عام 2009 ومنذ عام 2009 بدأت الحركة فى القيام بأعمال إرهابية بهدف تطبيق الشريعة،  و إقامة دولة إسلامية شمال نيجيريا، حيث أصدرت بيانًا فى عام  2014 أعلنت فيه عن مبايعتها لتنظيم ‏داعش،  ومنذ ذلك الوقت بدأوا يحركون أنفسهم باسم «ولاية غرب إفريقية» أو «إقليم غرب إفريقيا»، ولكن انقسم التنظيم في نيجيريا فهناك مجموعة بايعت تنظيم داعش وهناك اخري مازالت تؤيد الجذور الأولى لتنظيم بوكو حرام.

وبعد الخلاف الذي صار بين بوكو حرام وتنظيم داعش بسبب قتل قائد تنظيم بوكو حرام شيكاو على يد المجموعة التي بايعت تنظيم داعش حتى بات تنظيم داعش له اليد الأولى داخل نيجيريا بهذا الفعل.

وكما هو الحال مع معظم التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، فإن هناك ثلاثة عوامل رئيسة ساعدت تلك التنظيمات على الصعود، وهي: ضعف مؤسسات الدولة، والدعم الخارجي، وتوافر التضاريس الجغرافية المواتية لهم ، كما أن عدم وجود الهياكل الأساسية الإدارية المختصة، وانعدام الفرص الاقتصادية؛ سهّل من صعود التنظيمات، وضم مجندين جدد إلى صفوفهم.

وقد أدي الصراع التاريخي في نيجيريا بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي إلي توفير البيئة الملائمة لانتشار الجماعات المتطرفة  الإضافة إلي حالة التهميش التي تعاني منها مناطق قبائل “الهوسا” التي ينتمي إليها معظم مقاتليهم في شمال البلاد، هذا فضلا عن التنافس الذي عرفته تلك المنطقة في العقود الماضية بين جماعات إسلامية ذات مشارب عديدة، منها جماعة “إزالة البدع وإحياء السنة” ذات التوجه السلفي العلمي الرافض للعنف، والمناوئ للطرق الصوفية المنتشرة بكثرة في شمال نيجيريا وجنوب النيجر، ودخول الدعوة الشيعية على الخط منذ الثمانينات، ووصول مجموعات من “جماعة الدعوة والتبليغ”  ذات المنشأ الباكستاني إلى المنطقة.

ولكن هناك ما هو غير معتاد، بالنسبة لسبب توغل تلك الجماعات المتطرفة، والذي يرجع إلى قمع الدولة وليس ضعف الدولة، فالجيش النيجيري ليس ضعيفًا، فهو مساهم رئيسي في عمليات حفظ السلام الإقليمية، ولديه خبرة في تنفيذ العمليات، ولكنه تبنى استراتيجية غير فعالة لمواجهة الحركات السياسية والاجتماعية المعارضة للدولة، مما ساهم في صعود “بوكو حرام” و ” داعش ” بدون قصد.

ومن ناحية أخرى، وفّر الفقر بيئة خصبة لبروز تلك الجماعات وتمردهم، حيث تتمركز عملياتهم في شمال شرق نيجيريا، وهي منطقة فقيرة يصل معدل الفقر فيها إلى ٧٦٪، ومعدل الأمية ٨٥٪.

جماعة بوكو حرام – أرشيفية

من يمول أنشطتهم ؟

تعتبر عمليات اختطاف الرهائن والسطو على المصارف، وتجارة وتهريب الأسلحة، وتجارة النفط والبترول  أهم موارد تمويل تلك الحركات ، التي يتهم الرئيس النيجيري أعضاء في الحكومة والبرلمان بدعم أنشطتهم ماليّاً ولوجستياً، وسبق لأجهزة الأمن النيجيرية أن ألقت القبض على بعض التجار والسياسيين، المتهمين بالمساهمة في تمويلهم.

كما أن هناك تمويل خارجي من بعض دول الغرب التي لها مصالح في استمرار أنشطته تلك الجماعات  .

سياسات تلك الجماعات الإرهابية :

على العكس من جماعة بوكوحرام، انتهج تنظيم داعش سياسة “استمالة العقول والقلوب” التي ساهمت في الحفاظ على نقاط تمركز ونطاق انتشار تنظيم داعش في منطقة الساحل، بل وسحب البساط من تحت أقدام التنظيمات الإرهابية المنافسة مثلما هو الحال مع جماعة بوكوحرام، عبر توظيف البيئة الأمنية والسياسية والاقتصادية التي ترسخ من حالة السخط الشعبي من الحكومات.

إلى جانب حرص التنظيم على تقديم الخدمات الأساسية للسكان القاطنين في مناطق نفوذه، لذا حرص مقاتلو ولاية داعش في غرب أفريقيا على توجيه رسائل إلى السكان بأنهم طالما يقومون بتنفيذ تعليمات التنظيم ويدفعون ما يسمى بـ”الخوة” فإنهم لن يتعرضوا لإجراءات عقابية، وهو ما يبدو أنه ساعده على استقطاب مقاتلين جُدد لصفوفه، وضخ مزيد من الموارد المالية التي تساعده على مواصلة نشاطه.

كما أن إرهابي داعش تمكنوا من السيطرة على عدد من المناطق دون استعمال القوة، فقد أعلنوا عن رعايتهم للصيادين المحليين، عن طريق خفضهم مبلغ الضرائب المفروضة، والتي كانت بضع عشرات من الدولارات خلال فترة هيمنة بوكو حرام، ووفرت الحماية للصيادين والمهربين.

وبالنسبة لسياسة بوكوحرام فعندما زادت الطموحات الإقليمية لـ”بوكو حرام” ازداد الصراع مع المدنيين في شمال شرق البلاد، وكانت الفترة من منتصف عام ٢٠١٤ وحتى منتصف عام ٢٠١٥ هي الأكثر دموية في تاريخ الجماعة، بمقتل ما يزيد عن ١٠ آلاف شخص، وتشريد الملايين.

ولهذا فإن التوسع الإقليمي للجماعة كان بمثابة خطأ استراتيجي فادح، فالطموحات الإقليمية غير المدروسة لا تضمن استمرارية التوسعات، وبذلك أصبحت الجماعة ضعيفة استراتيجيًّا مقارنة بداعش ، وعندما بدأت “بوكو حرام” في توسعاتها الإقليمية بين عامي ٢٠١٤-٢٠١٥، وسيطرت على مجموعة أراضٍ في شمال شرق نيجيريا، ووسعت عملياتها في الكاميرون وتشاد والنيجر؛ فإنها اعتمدت على الأساليب القسرية كالخطف والقتل الجماعي وقطع الرؤوس والتفجيرات مما أدى إلي نفور العديد من الانضمام إليها .

تفاصيل معركة ال ٩ ساعات :

هاجم عدد من مقاتلي بوكو حرام المدججين بالسلاح  جزيرة كيرتا وولجو الواقعة على ضفاف البحيرة في الجانب النيجيري والتي يسيطر عليها  تنظيم داعش في ولاية غرب إفريقيا (إيسواب).

وبعد ساعات من القتال، تمكنوا من السيطرة على هذه الجزيرة التي كانت ميناء يستخدمها تنظيم داعش في «ولاية غرب افريقيا» لاستيراد الأسلحة والمواد الغذائية إلى الأراضي الخاضعة لسيطرته، بحسب مصادر أمنية وصيادين محليين

وقد كانت معركة مدمرة للطرفين واستمرت أكثر من تسع ساعات، و حشدت بوكو حرام مقاتليها من معسكري جيجيمي وكواتار موتا على الجانب النيجيري من البحيرة ومن كايجا- كنجيريا على الجانب التشادي.

وتجمعوا في جزيرة تومبون علي الجانب النيجيري من البحيرة وأزالوا ست نقاط تفتيش تابعة لتنظيم داعش في «ولاية غرب افريقيا» قبل الاستيلاء على كيرتا وولجو.

والشهر الماضي، تكبدت بوكو حرام خسائر فادحة في محاولة غزو فاشلة لكيرتا وولجو إذ تصدى لها تنظيم داعش في ولاية غرب افريقيا.

ولتعزيز وجودها على الضفة النيجيرية لبحيرة تشاد سيسمح لجماعة بوكو حرام على وجه الخصوص بتحصيل حصتها من رسوم الصيد، التي كان يحصل عليها حتى الآن تنظيم داعش من الصيادين النيجيريين.

مع هذه النكسة، قد يسعى التنظيم للانتقام من بوكو حرام التي تشكل تهديدًا جديًا، حيث صارت بوكو حرام الآن قريبة جدا من معاقل داعش بنيجيريا ، في سابون تومبو وجبيلارام وكواليرام.

وكل هذه الجزر تهددها الآن بوكو حرام، فستبذل داعش قصارى جهده لضمان سلامة (رجالها) من مقاتلي بوكو حرام الذين يريدون فرض سيطرتهم بأي ثمن، فهذه ليست سوى بداية معركة داخلية بين الفصيلين، ستكون معركة حتى النهاية.

لماذا تجدد الاقتتال من جديد بينهم  ؟

أرسل تنظيم “داعش” الإرهابي بعض مسؤوليه إلى نيجيريا في بداية شهر مايو الماضي،  لإجراء تغييرات تنظيمية في فرعه بغرب أفريقيا، حيث تم إجراء تغييرات على مستوى القيادة وطريقة تنفيذ التنظيم لعمليات الإعدام، وبعد يوم واحد من مغادرة عناصر “داعش” نيجيريا بدأت مطاردة زعيم تنظيم “بوكو حرام” الإرهابي، أبو بكر شيكاو، الذي بدا كأنه كان يعلم بحتمية هذه التغييرات بتنظيم “داعش في غرب أفريقيا”.

تزامن ذلك أيضا مع مصادرة قوات الجيش والشرطة شاحنة محمّلة بالأسلحة في منطقة “مايدوجوري”، عاصمة ولاية برنو بنيجيريا، وبعد أيام، وتحديدا في 19 مايو، قُتِل “شيكاو”، ما تسبب في تشرّد أتباعه، إذ اتجه بعضهم شرقاً إلى الكاميرون، وآخرون غرباً داخل نيجيريا، في حين انضم فريق ثالث منهم إلى تنظيم “داعش في غرب أفريقيا”، الذي تمكّن زعيمه، أبو مصعب البرناوي، خلال الأشهر الأخيرة، من التمركز في شمال نيجيريا، وبالتالي ملء الفراغ، الذي خلفه تنظيم “بوكو حرام”، كما شرع “البرناوي” في إعدام القادة، الذين شك في ولائهم له، لكن بعض وسائل الإعلام أفادت بمقتله في الأسبوع الأخير من أغسطس الماضي داخل ولاية “برنو”، شمال شرق نيجيريا.

من ناحية أخرى، وخلال سبتمبر الجاري، وردت تقارير تفيد بأن تنظيم “داعش في غرب أفريقيا” استقبل عناصر إرهابية قادمة من ليبيا لتعويض خسائره، وأن قادته قد عقدوا اجتماعاً سرياً في ليبيا مع تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب”.

في غضون ذلك، شوهدت فصائل “بوكو حرام” بمنطقة بحيرة تشاد في غوزا، على بعد 10 كيلومترات من الحدود مع الكاميرون، وقد تسللوا داخل الكاميرون انطلاقاً من محافظة “مورا”، الواقعة على بعد 20 كيلومتراً من الحدود.

ووقعت الأحداث سالفة الذكر في شرق وشمال نيجيريا، فيما شن الجيش النيجيري هجوماً انطلاقاً من غرب البلاد، تسبب في فرار إرهابيين من ولاية “زامفارا” إلى منطقة “كادونا”.

تداعيات الاقتتال بين داعش وبوكو حرام  :

استناداً لما تعكسه المعركة الأخيرة بينهم من دلالات، وما تقدمه الساحة الأمنية والسياسية في منطقة الساحل الأفريقي من معطيات عدة، يمكن تلمس أبرز انعكاسات الاقتتال الذي حدث بينهم على أمن منطقة الساحل، فيما يلي

١-صراع مستمر :

من الواضح أن جماعة بوكوحرام لن تستسلم بعد مقتل زعيمها وخروج عدد من أفردها لمبايعة داعش فأخذت تعيد تنظيم نفسها للرد علي داعش بتلك المعركة الضارية، وفي المقابل لن تصمت داعش عن ضربها في معقل دارها ، فمن الواضح أنه ستستمر المعارك فيما بينهم الفترة المقبلة بشكل عنيف.

٢- التشكيك بأهدافهم :

أن الخلاف بين بوكوحرام وتنظيم داعش تسبب في تشكيك المجتمعات الأفريقية في أهدافهم وما يطلقوه من مزاعم لاستقطاب الشباب، مما سيؤثر على معدل تدفق الموارد المادية والمالية والبشرية لهم ، خاصة وإن الاندماج ثم الانقسام الذي شهدته بوكوحرام مع داعش ، أصاب تماسك وثبات الجماعة بشكل واضح باعتبارهما مرتكزات رئيسية لقوة وصلابة أي تنظيم.

٣-ضعف وهشاشة النظم الأمنية والعسكرية بنيجيريا :

علي الرغم من استمرار تلك المعركة ٩ ساعات إلا أن لم يكن هناك دور للقوات النيجيرية، مما يؤكد على ضعف وهشاشة الخطط والاستراتيجيات الأمنية والعسكرية، وأن تنظيم داعش وبوكو حرام  يتسموا بقوة وصلابة وتماسك ومهارات قتالية عالية، يفتقد إليها الجيش النيجيري، وغيره من القوات النظامية الإقليمية والدولية المنوط بها مكافحة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل.

 ٤– انخراط مزيد من القوى الدولية والإقليمية في المنطقة تحت شعار “مكافحة الإرهاب”:

تشير التحركات الأخيرة في منطقة الساحل ودعوات فرنسا للمجتمع الدولي لتقاسم عبء التحديات الأمنية في منطقة الساحل، إلى أنه من المتوقع أن تنخرط مزيد من القوى الدولية وكذلك الإقليمية في المنطقة، انطلاقاً من ضرورة التكاتف وتكثيف الجهود لوضع حد لتنامي تنظيم داعش وبوكو حرام والقاعدة في منطقة الساحل، باعتبار أن ما تفرضه العمليات الإرهابية من اضطرابات وتوترات في المنطقة يجعل منها قناة أساسية لضخ مزيد من المهاجرين إلي أوروبا، بالإضافة إلي كونه بمثابه فرصة للقوى الدولية والإقليمية للبحث عن موطئ قدم لها في المنطقة الغنية بالعديد من الثروات الطبيعة، أبرزها النفط والفوسفات والكبريت.

قوات من الجيش النيجيري – أرشيفية

في النهاية  يبدو أن نيجيريا و منطقة الساحل الأفريقي مقبلة على مرحلة حرجة تعاني خلالها من أزمات وتوترات سياسية وأمنية، مما يفرض على دولها تحمل مسئوليتها الكاملة لمعالجةما تواجهه من تحديات على المستوى الوطني والإقليمي، بما في ذلك العمل على رفع كفاءة وقدرات الجيوش، وإعادة هيكلة الخطط والاستراتيجيات الوطنية والإقليمية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، بما يمكنها من فك الارتباط ولو على مستوى الإمدادات بين التنظيمات الإرهابية وبعضها البعض، بالإضافة إلي ضرورة إيلاء اهتمام بالغ بالآليات الاقتصادية والاجتماعية لمعالجة ما تواجهه المجتمعات الأفريقية من تحديات، لاسيما القاطنة في المناطق الحدودية،  والحرص على التوصل لتسوية سياسية بدلاً من توظيف الآليات الأمنية والعسكرية في معالجة الأزمات السياسية التي تواجهها المنطقة.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version