أرشيفية

ألقى رئيس الوزراء الاسرائيلي، نفتالي بينيت، يوم الإثنين الـ27 من سبتمبر الماضي، خطابًا هو الأول له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتضمن الخطاب ثلاثة محاور رئيسة: الأول عن خطة حكومته لمواجهة وباء كورونا، والتي اعتبرها نموذجا يُحتذى به. والثاني عن تشكيل ائتلافه الحكومي الذي يُعدُّ الأكثر تنوعًا في تاريخ الدول العبرية.

أما المحور الثالث والأخير فقد خصصه لمهاجمة إيران ورئيسها المحافظ إبراهيم رئيسي، مُحذرًا من التهديد النووي الإيراني، بعدما نفد صبر إسرائيل، في ظل عدم اتخاذ مواقف دولية ضد إيران.

كما أشار بينيت إلى قضايا هامشية، مثل معاهدات السلام مع مصر والأردن واتفاقيات التطبيع التي أبرمتها إسرائيل مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، معتبرًا أنها تمثل الجانب المُشرق لإسرائيل في المنطقة.

وبقراءة متأنية في خطاب بينيت، سنجد أنه تحاشى الحديث عن أي قضية تُهدد استقرار ائتلافه الحكومي، فلم يتحدث عن مستقبل التسوية السياسية مع الفلسطينيين، ولم يتحدث عن الاستيطان، ولم يتوعد حركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

خطاب داخلي تحت مظلة دولية:

تعلق خطاب بينيت بالسياسة الداخلية في إسرائيل، فأول موضوع تناوله بإسهاب، لم يكن عن التهديد النووي الإيراني ولا حتى عن وباء كورونا، بل كان عن المشهد السياسي والحزبي داخل إسرائيل. حيث زعم أنه تمكن من القضاء على الاستقطاب السياسي، في حين أن ما فعله على أرض الواقع أنه أخل بوعوده الانتخابية واستغل أصوات اليمينيين ونقل المقاعد البرلمانية التي حصل عليها إلى المعسكر المناوئ، لأن هدفه الوحيد كان تحقيق المصلحة الشخصية وتولي رئاسة الحكومة بأقل عدد من المقاعد.

 وكان يمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي إلقاء مثل هذا الخطاب من داخل مكتبه أو أمام الكنيست، ولكنه أراد أن يتواجد شخصيًا في مقر الأمم المتحدة، حتى يشعر بأنه رئيس حكومة لا يقل شأنا عن سلفه نتنياهو.

حامل لواء التغيير..

 يدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت، أن وقته قصير في منصب رئيس الوزراء، وبعد ذلك سيصبح مجرد وزير في الحكومة، ولذا فإنه يسابق الزمن لتعزيز مكانته السياسية وتنصيب نفسه حاملا لواء التغيير. وحاول بينيت في خطابه الأخير أن يبدو مغايرا تمامًا عن سلفه نتنياهو الذي كان يهاجم الأمم المتحدة في كل مرة. وأظهر بينيت أسلوب التودد والتقارب بين إسرائيل والمجتمع الدولي، وكأنما أراد القول: لقد كان نتنياهو ينتقدكم ويوبخكم، أما أنا فقد جئت للتقارب والتعاون، حتى تعم الاستفادة علينا جميعا. وبهذا الأسلوب يريد بينيت أن يكسب ود المجتمع الدولي للتحرك ضد إيران، كما يود جذب المزيد من الدول العربية لإبرام اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل.

أرشيفية

مهاجمة نتنياهو!

بدهاء شديد، وجه بينيت هجوما حادًا لخصمه السياسي بنيامين نتنياهو دون ذكر اسمه، حيث أكد أن الائتلاف الحكومي الجديد الذي يرأسه الآن، ويضم أطيافا سياسية متعددة، قد أنقذ إسرائيل من كارثة صحية، عبر اتباع خطة مُحكمة لمواجهة وباء كورونا، فضلًا عن إنقاذ إسرائيل من وباء آخر، وهو وباء “الاستقطاب السياسي”.

وبهذا القول أراد بينيت مخاطبة الجمهور الإسرائيلي تحديدا، حتى يؤكد له أنه لولا حكومته لتعرضت إسرائيل ليس فقط لكارثة صحية خطيرة، بل لكارثة سياسية أشد فتكًا، وأنه هو الذي أنقذ إسرائيل من الكوارث التي كانت ستواجهها لو استمر نتنياهو في منصبه.

تجاهل القضية الفلسطينية..

لم يقدم بينيت في خطابة أي مضمون جديد يهم المجتمع الدولي، بينما تجاهل أهم قضية شغلت العالم منذ عقود، وهي القضية الفلسطينية. وهذا يعكس نوايا حكومته ضد الشعب الفلسطيني وضد حقوقه المشروعة.

ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تعمد ألَّا يتطرق في خطابه للقضية  الفلسطينية أو حتى الرد على خطاب الرئيس الفلسطيني، أبو مازن، الذي أمهل إسرائيل عاماً واحداً للانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967م.

كما تجنب بينيت التعليق على خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي أكد على المواقف المتعلقة بالقضية الفلسطينية، معتبرًا أن حل الدولتين لا يزال مطلوبا، وإن كان بعيد المنال في المرحلة الحالية.

 رسالة تهديد!

يعلم رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت أن حكومته الهشة ستكون عاجزة عن اتخاذ قرارات مصيرية، سواء فيما يخص القضية الفلسطينية أو فيما يخص توجيه ضربة عسكرية وقائية ضد المنشآت النووية الإيرانية. وعليه فقد استغل بينيت خطابه أمام الأمم المتحدة، لتوجيه رسالة ضمنية للمجتمع الدولي، مفادها أن تل أبيب قد نفد صبرها حيال استمرار المحاولات الإيرانية لامتلاك السلاح النووي، وأنها قد تتصرف بمفردها لضرب المنشآت النووية الإيرانية. وتحمل تلك الرسالة تهديدًا للغرب ولا سيما الولايات المتحدة التي لها قواعد عسكرية في المنطقة، وستكون مُستهدفة من قِبل إيران إذا تعرضت لهجوم إسرائيلي. كما أن دول الخليج ستكون هي الأخرى مُستهدفة من قِبل القوات الإيرانية بعد أي هجوم إسرائيلي ضد منشآتها النووية.

ردود الأفعال الداخلية..

أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي البديل، ووزير الخارجية يائير لبيد، بخطاب بنيت أمام الأمم المتحدة وقال إن كل مواطن إسرائيلي يشعر بالاعتزاز بذلك الخطاب. فيما اعتبرت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن بنيت كان مُوفقًا في خطابه، ولم يلجأ إلى ألاعيب صبيانية كما فعل سلفه نتنياهو، بل أثبت أنه رئيس حكومة مختلف  تماما وأنه أكثر ودية وإيجابية تجاه المجتمع الدولي.

أما حزب الليكود المعارض، الذي يرأسه بنيامين نتنياهو، فقد انتقد بشدة رئيس الوزراء، بنيت، واتهمه بتبني سياسة تتسم بالضعف، مما سيعرض أمن إسرائيل للخطر وسيشجع حركة حماس على شن هجمات ضد المدن الإسرائيلية. وسخر الليكود من قرار بنيت إلقاء كلمته في اليوم الأخير من عمل دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة، حيث لا يكون هناك أي زعيم آخر سواه.

كما أصدر حزب ميرتس اليساري، الشريك في الائتلاف الحكومي، بياناً انتقد فيه بنيت على تجاهله القضية الفلسطينية والحل السلمي الدائم لها. مؤكدًا أن تجاهل القضية الفلسطينية، لا يعني أنها غير موجودة، بل إنها تلاحق الإسرائيليين في كل لحظة من حياتهم. كما انتقدت القائمة المشتركة تقاعس بينيت عن ذكر الفلسطينيين في خطابه امام الأمم المتحدة.

ردود الأفعال الخارجية..

جاء الرد الأبرز من ممثل ايران الدائم لدى الأمم المتحدة، حيث انتقد خطاب بينيت، مُضيفا أن إسرائيل التي تمتلك مئات الرؤوس النووية لا يحق لها التحدث عن برنامج ايران النووي الذي وصفه بالسلمي. وأشار إلى أن خطاب بينيت كان مليئا بالأكاذيب، وأن تجاهله للقضية الفلسطينية يثبت عزم اسرائيل على سلب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

من خلال ما سبق يتبين أن:

  1. رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت، أكثر اهتماما بالقضايا الداخلية التي تساعده على البقاء في السلطة، فهو يعدد إنجازاته في الساحة الداخلية لتعزيز مكانته السياسية، خاصة أنه لا يستند إلى قاعدة شعبية أو كتلة تصويتية. كما أنه يستغل منصبه، استعدادا لأي انتخابات مبكرة في حال سقوط الحكومة الحالية.
  2. 2-   حكومة بينيت ستظل عاجزة أن اتخاذ قرارات مصيرية نظرًا لأنها تتكون من أطياف سياسية غير متجانسه، فضلا عن وجود القائمة العربية الموحدة ذات التوجه الإسلامي. مما يعني استحالة الإجماع على القرارات المصيرية مثل حل القضية الفلسطينية أو الحرب على غزة أو التوسع الاستيطاني.
  3. 3-   خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي لم يتطرق للقضية الفلسطينية، يؤكد نواياه ومواقفه اليمينية التي ترفض حل القضية الفلسطينية أو حتى استئناف المفاوضات بين تل أبيب ورام الله.
  4. 4-   طالما بقي نتنياهو زعيما للمعارضة أو متواجدًا في المشهد السياسي، فإن شبحه سيظل يلاحق بينيت في كل خطاباته وفعالياته، خاصة أن بينيت فقد كتلته التصويتية اليمينية بعدما خدعها وانضم للمعسكر المعارض الذي يضم اليساريين والقائمة الموحدة.
  5. لا أمل في عقد لقاء قريب يجمع بين نفتالي بينيت وأبو مازن، وعليه فإن القضية الفلسطينية ستظل مُعلقة إلى أن تُجرى انتخابات جديدة في إسرائيل وتُشكَّل حكومة أخرى، يرأسها زعيم حزب كبير، وحينئذ سيكون قادرًا على اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بحل القضية الفلسطينية.

خلاصة القول، إن الحكومة الإسرائيلية الحالية ستسعى فقط لتحقيق مزيد من الإنجازات حتى يمكنها البقاء لنهاية مدتها، وسيكون ذلك عبر حل الأزمات الداخلية مثل الحد من انتشار وباء كورونا وتحسين الاقتصاد، إضافة إلى الحصول على المزيد من المساعدات العسكرية الأمريكية وتحريض واشنطن على طهران، وإقناع المزيد من الدول العربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ونظرا لهشاشة الائتلاف الحكومي الذي يرأسه بينيت، فلن يغامر بمهاجمة إيران، ولن يُقدم على التفاوض بشأن القضية الفلسطينية. ومن المتوقع ألا تمارس إدارة بايدن ضغوطا على بينيت، إذ يكفي أنه أسقط نتنياهو الذي كان حليفًا للرئيس السابق دونالد ترامب وعدوًا للحزب الديمقراطي.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version