لم يكن هدف زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لجمهورية جيبوتى، فى 27 مايو 2021، والتى تعد الأولى من نوعها لرئيس مصرى منذ إستقلالها فى عام 1977، يقتصر فقط على تعميق التعاون مع الدولة التى تشرف على حركة الملاحة البحرية من مضيق باب المندب ، وتمثل المدخل الجنوبى للبحر الاحمر تجاه قناة السويس ، بل إن هذه الزيارة أتت أيضًا ضمن سياسة وإستراتيجية مصرية منذ ثورة 30 يونيو للاهتمام بالقارة الأفريقية بشكل عام ودول القرن الأفريقى وحوض النيل بشكل خاص وذلك لما يمثلوه من أهمية وارتباط وثيق بالأمن القومى المصرى.
ومع التعنت الإثيوبى والإصرار على الإضرار بحقوق مصر والسودان التاريخية فى مياه النيل، بدأت الدولة المصرية تبحث عن تحالفات إقليمية فى المحيط الأفريقى لحل أزمة سد النهضة وتحقيق مبدأ التكامل الاقتصادى وتفعيل منطقة التجارة الحرة الافريقية التى يسعى الرئيس عبدالفتاح السيسى لإقامتها.
مصر
الرئيس المصرى “عبدالفتاح السيسى” يُصافح رئيس جيبوتى “إسماعيل جيلة” أثناء زيارة سيادته لجيبوتى – أرشيفية
وتعتبر جيبوتى من الدول الهامة التى ستكون جزء من هذا التحالف وذلك لما تتمتع به من موقع إستراتيجى مميز فى قلب القرن الأفريقى، فضلًا عن أنها تشارك الحدود مع إريتريا فى الشمال، وإثيوبيا من الغرب، والصومال فى الجنوب الشرقى، وهو ما يجعل 80 بالمئة من التجارة الإثيوبية تمر عبرها، لأن إثيوبيا دولة حبيسة لا يوجد لها منافذ على البحر، كما أنها جزء من مجلس الدول العربية والإفريقية المتشاطئة على البحر الأحمر ومن ثم تلعب جيبوتى دورًا إستراتيجيًا لضمان أمن واستقرار الملاحة البحرية فيه.
ويشكل التقارب الإثيوبى الإريترى فى عهد أبى أحمد تهديدًا لقوة “جيبوتى” الإقليمية خاصة بعد الإعلان عن منظمة تعاون القرن الأفريقى فى يناير 2020 بين كل من إثيوبيا وإريتريا والصومال، والتطلعات الإثيوبية فى استخدام إريتريا كمنفذ بحرى لإثيوبيا بدلًا من جيبوتى، كما أن إريتريا وجيبوتى بينهم نزاعات حدودية منذ سنوات، لذلك فإن التقارب الإثيوبى الإريترى بهذا الحجم يضر بمصالح جيبوتى.
وقد تضمنت تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال زيارته لجيبوتى العديد من الرسائل التى تؤكد التعاون بين الدولتين فى كافة المجالات ومن أهمها التعاون العسكرى، حيث أكد الرئيس من أنه سيكون هناك تعاون بين الدولتين لمنع امتداد النزاعات التى تشهدها منطقة القرن الأفريقى لدول الجوار بما قد يهدد حالة السلم والأمن بأفريقيا.
مناورة “نسور النيل1” ضمن المناورات العسكرية المشتركة بين مصر والسودان – أرشيفية
مناورات عسكرية الأضخم بين مصر والسودان
شهد التعاون العسكرى بين مصر والسودان الفترة الاخيرة تطورا كبيرا لمواجهة التحديات المشتركة، والتهديدات التى تواجه الأمن القومى للدولتين، فى ظل أجواء متوترة بين البلدين وإثيوبيا، بسبب الإخفاق فى التوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة، فضلاً عن الحشود العسكرية على الحدود السودانية الإثيوبية على إثر خلافهما على ترسيم الحدود، وغيرها من التحديات.
وقد شهدت الخرطوم فى بداية مارس 2021 ، توقيع اتفاق تعاون عسكرى، يغطى مجالات التدريب وتأمين الحدود، بحضور قيادات الجيشين المصرى والسودانى ، الذين أكدوا أن البلدين يواجهان تهديدات مشتركة.
كما تم إجراء عدد من المناورات العسكرية بين البلدين ففى ديسمبر ومارس الماضيين أنجز الجيشان السودانى والمصرى مناورات “نسور النيل 1 و2” الجوية بقاعدة مروى الجوية فى شمال السودان، والتى تزامنت مع دعم لوجيستى من سلاح المهندسين المصرى للجيش السودانى بمعدات لتشييد الطرق استُخدمت، بحسب العديد من الخبراء فى بناء جسور على نهر عطبرة لمنع انعزال الفشقة فى فصل الأمطار بعد أن استعاد السودان معظمها من إثيوبيا.
مناورة “حماة النيل” بين الجيشين المصرى والسودانى – المصدر: RT
إلا أن المناورات العسكرية التى انطلقت تحت اسم “حماة النيل” تعتبر الأضخم بين الدولتين لمشاركة القوات البرية والجوية فى مناورات فى 3 مناطق بالسودان، ومشاركة بعض قوات النخبة فى البلدين مثل الصاعقة والقوات الخاصة والمظلات والدفاع الجوى ضمن تلك المناورات، ويهدف هذا التدريب إلى تأكيد مستوى الجاهزية والإستعداد للقوات المشتركة وزيادة الخبرات التدريبية للقوات المسلحة لكل من البلدين.
وقد وجهت هذه المناورات رسالة لإثيوبيا وللمجتمع الدولى مفاداها أن القاهرة والخرطوم لن يسمحا بالتلاعب بالأمن المائى لكل من مصر والسودان، وهى الرسالة التى إستوعبتها إثيوبيا وردت عليها وفق تصريحات دينا مفتى المتحدث باسم وزارة الخارجية الاثيوبية ، بأن لديهم قوات مسلحة إثيوبية قوية تستطيع حفظ أمن البلاد.
إتفاقية التعاون الدفاعى بين مصر وكينيا – أرشيفية
توقيع إتفاقية التعاون الدفاعى بين مصر وكينيا
فى إطار التعاون العسكرى مع دول حوض النيل بادرت مصر بتوقيع إتفاقية للتعاون الدفاعى مع دولة كينيا، وتعميق الشراكة بين البلدين فى الأمور ذات المنفعة المتبادلة، حيث تجدر الإشارة إلى أن دولة كينيا من المتضررين من تعمد إثيوبيا السيطرة على مياه النيل والإضرار بجيرانها، حيث أن بحيرة توركانا الكينية التى تبنع من إثيوبيا والتى تعتبر أكبر بحيرة صحراوية فى العالم، تعرضت للجفاف، بسبب سد كهرومائى ضخم بنته إثيوبيا على نهر أومو الذى يغذى البحيرة، مما تسبب فى الإضرار بالاستزراع السمكى والزراعة وتشرد مئات الآلاف جراء نقص المياه فى كينيا ، لذلك فهى ترى أن تعاونها مع مصر والسودان قد يضمن لها الحصول على جزء من حصتها المائية التى استولت عليها إثيوبيا.
مصر وأوغندا توقعان اتفاقا للتعاون الاستخباراتي بين البلدين – أرشيفية
مذكرة تفاهم بشأن تبادل المعلومات الاستخباراتية العسكرية بين مصر وأوغندا
على الرغم من أن أوغندا كانت مقر توقيع اتفاقية عنتيى التى كانت ولا زالت تسعى إثيوبيا من خلالها لعزل دول المصب مصر والسودان واتخاذ القرارات بإجماع دول المنبع لرافدى النيل (النيل الأزرق والنيل الأبيض)، إلا أن الدولة المصرية تمكنت خلال السنوات الأخيرة من تعميق الشراكة معها فى المجال العسكرى، وفى إبريل 2021 تم توقيع مذكرة تفاهم بشأن تبادل المعلومات الاستخباراتية العسكرية بين مصر وأوغندا، وكانت الدولة المصرية قد افتتحت فى ال 27 أغسطس 2014، مكتبا فى أوغندا بهدف تعزيز العلاقات العسكرية.
وقد سعت أوغندا بقيادة الرئيس يورى موسيفينى، الذى تعهد بالتدخل لدى إثيوبيا وتقريب وجهات النظر فى ملف سد النهضة، إلى لعب دور وسيط فى المفاوضات المتعثرة والبحث على حلول وتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث، والتأثير على الموقف الإثيوبى الذى يذهب إلى الإضرار بالأمن والسلم الإقليميين.
توقيع بروتوكول تعاون عكسري مشترك بين مصر وبوروندي – أرشيفية
بروتوكول تعاون عسكرى مشترك بين مصر وبوروندى
كما قامت القاهرة فى إبريل 2021 بالتوقيع على بروتوكول تعاون عسكرى مشترك بين مصر وبوروندى يتضمن التعاون فى مجالات التدريب والتأهيل والتدريبات المشتركة ، ويتيح البروتوكول تبادل الخبرات بين الجانبين، تأكيداً على توافق الرؤى تجاه الموضوعات التى تمس المصالح المشتركة للقوات المسلحة لكل من البلدين.
التحركات المصرية وأثرها على سد النهضة
تسعى مصر بقوة إلى تعزيز علاقاتها مع دول حوض النيل، من خلال توقيع اتفاقيات للتعاون العسكري، الذى يعتبر قمة التعاون بين الدول، وذلك فى خطوة تهدف بالأساس إلى حماية أمنها القومى والمائى، لعزل الدولة الإثيوبية عن محيطها الإفريقى وضمانة دعمهم للموقف المصرى فى المحافل الدولية والإقليمية فيما يتعلق بأزمة سد النهضة.
لذلك يمكن القول أن هذه الاتفاقيات العسكرية وأهمها التعاون العسكرى مع السودان ومناورة “حماة النيل” تهدف إلى ما يلى:
  1. استخدام تلك الاتفاقيات للضغط على إثيوبيا وذلك فى الوقت التى لم تعلن فيه الدولة المصرية عن الخيارات التى ستتخذها فى حالة بدء إثيوبيا الملئ الثانى لسد النهضة، ومع غموض تصريحات المسؤولين المصريين إلا أنه عادة ما تحتوى على تهديدات مبطنة.
  2. الاستفادة من هذه الدول فى جمع المعلومات الاستخباراتية عن سد النهضة أو أى سدود إثيوبية أخرى قد تبنى فى المستقبل على منابع نهر النيل.
  3. تقديم الدعم للسودان فى إستعادة أرض الفشقة المحتلة من قبل إثيوبيا خاصة بعد أن نجحت الدولة السودانية فى استعادة أكثر من 90% من أراضى الفشقة.
  4. زيادة القلق لدى الجانب الإثيوبى من عدم معرفته أهداف هذه الاتفاقات والمناورات، التى قامت بها مصر مع السودان، وهو ما يجعلها تجهل اتخاذ الإجرءات المناسبة للتعامل معها، فهى لا تعرف هل تأخذ هذه الإجراءات على محمل الجد، فتستدعى قوات الإحتياط وتتأهب لحدوث الحرب، أم تستكمل ملئ السد فى التوقيت الذى حددته فى يوليو القادم.
  5. توجيه رسائل حاسمة للمجتمع الدولى وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، التى كانت الداعم الرئيسى لأبى أحمد من أن التعامل ببطء مع أزمة سد النهضة، وعدم احترام الحقوق التاريخية لمصر والسودان فى المياه سوف ينذر بحرب كبرى تكون تبعاتها خطيرة على المنطقة بشكل عام.
  6. فى حالة لجوء مصر للخيار العسكرى فأنها ستكون قد استفادت بشكل كبير من مناورة حماة النيل ، وذلك لأهميتها فى تدريب القوات فى ساحة المعركة، حيث أن الفرق بين التدريبات المصرية السودانية المشتركة “حماة النيل” وما سبقها، “نسور النيل 1” و”نسور النيل 2″، هو أن القوات اقتربت جغرافيًا أكثر من الحدود السودانية –الإثيوبية وهذا من شأنه اكتساب الخبرة والتدريب على البيئة القتالية هناك، الأقرب إلى الأهداف التى قد تتعامل مصر معها عسكريًا فى إثيوبيا، إن قررت ذلك.
  7. سعى الدولة المصرية لتجاوز أخطاء الماضى بالابتعاد عن القارة الأفريقية والعودة لتعزيز العلاقات والتعاون بما يضمن تشكيل مصر قوة إقليمية كبيرة فى القرن الأفريقى، وذلك فى ظل ضعف إثيوبيا ومعاناتها من حروب أهلية قد تؤدى إلى تفككها.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version