نشر موقع “ذا ماركر” تقريرًا مطولًا عن الرؤي المستقبلية لإسرائيل من خلال ما يتم تجميعه ودراسته من معلومات في أجهزة الدولة ولا سيما في جهاز المخابرات العامة الإسرائيلية “الموساد”، ويخبرنا التقرير الذي نشره الموقع أنه في إحدى غرف وزارة الاستخبارات، يجلس بعض موظفيها ويتلقون كميات هائلة من المعلومات من جميع الوزارات الحكومية. ويتمثل دورهم في تحديد الاتجاهات العالمية المؤثرة في النظام السياسي والاقتصادي العالمي في العقود المقبلة، وتحديد الطرق التي يمكن لإسرائيل من خلالها تطوير مميزاتها التنافسية في هذه المجالات.هذا النشاط، المسمى “المسح البيئي”، لم يُخترع في إسرائيل والغرض منه؛ تحديد الاتجاهات “الناشئة” التي لم يتم التعبير عنها بالكامل بعد، والتي لم تحظ باهتمام عام أو سياسي، على الرغم من الآثار الاستراتيجية التي ستكون لها في المستقبل. ويقوم بهذه المهمة قسم الأبحاث في الاستخبارات الإسرائيلية، والذي يُطلق عليه “خط الأفق” الإسرائيلي، برئاسة الدكتور “فيكتور إسرائيل”.وعلى عكس معظم أنشطة الاستخبارات الحكومية، وهي الأمن العسكري، يتعامل قسم الأبحاث مع أعمال جمع البيانات وتحليلها، والتي تهدف إلى الاستعداد لسيناريوهات المستقبل في المناطق المدنية. ومن المفترض أن تساعد تحليل المعلومات المرسلة من جميع الوزارات المدنية بطريقة موحدة في الوصول إلى الاستنتاجات من منظور أوسع.ومن جانبه أوضح “حجي تسورئيل” المدير العام للاستخبارات الإسرائيلية أن: “الفكرة من انشاء مثل هذه الأقسام هي؛ التعاون بين جميع الوزارات والمنظمات، والتي يوجد في كل منها وحدة تفحص مجالها على نطاق واسع، ويقوم المندوبون بتبسيط الرؤى بشكل منتظم في المكتب -المركز العصبي للجهاز -الذي يحلل المعلومات ويصدر رؤى ويقدم نتائج يمكن تسليمها، ليتم مشاركة إصدارات المكتب مرة أخرى مع جميع الوزارات والمنظمات، ومن ثم نقلها إلى رئيس الوزراء وصناع القرار”.ويُشير التقرير الذي نشره “ذا ماركر” إلى عدم إمكانية الكشف عن حجم المكتب أو الميزانية المستثمرة فيه لأسباب أمنية، لكن يبدو أنها ميزانية محدودة للغاية. ومن المقرر أن يقوم المكتب أيضًا بتوظيف علماء في المعلومات يقومون بجمع وتحليل البيانات الضخمة من مصادر مختلفة، ويساعدون في تحديد العلامات الأولى للأحداث أو الاتجاهات الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية.يتم توزيع إصدارات المكتب على منتدى “هوريزون”، الذي يجتمع كل شهرين ويحضره مسؤولون أمنيون ومدنيون، والغرض منه هو أن تشارك الأطراف المعنية بالمعلومات مع بعضها البعض، بينما تتلقى هذه الأطراف في الوقت نفسه صورة حديثة عن العالم المتغير، مما يتيح لهم تحسين الأفكار والتطورات التي يتحملونها.وعلق مدير عام الاستخبارات “حجي تسوريئل” عن المنتدى قائلًا: “لقد ركز الاجتماع الأخير للمنتدى على الذكاء الاصطناعي، وهو مجال يُعد القطاع الخاص رائدًا فيه بالفعل، لكنه يحتاج إلى توجيهات حكومية، وهو الأمر المدرج بالفعل في جدول أعمال العديد من البلدان مثل كوريا، لتحديد الاستراتيجية العامة لهذا المجال”.ويضيف تسوريئل قائًلا: “اليوم، يعتمد المكتب على العامل البشري، ولكن من أجل تحليل ومسح ومراجعة كميات كبيرة من المعلومات، هناك حاجة إلى تقنية ضخمة. ولهذا الغرض، تم فحص التقنيات المختلفة في مجال تحليل البيانات”.واحدة من الأدوات التي يقوم عليها المكتب هي تطوير ما يُعرف بـ GeoQuant[1] الإسرائيلي، الذي أنشأ محركًا في مجال “بينتك”، يقوم المحرك بفحص مواقع الأخبار والشبكات الاجتماعية لاكتشاف التغييرات في السياسة والتنظيم والاتفاقيات الاجتماعية؛ وكذلك الأزمات السياسية حول العالم. ويقوم النظام بتحليل المعلومات وإصدار تصنيف لكل بلد. ويجب أن تكون في النتيجة مؤشرًا يسمح بمقارنة وتحديد المخاطر السياسية التي تضر بممارسة الأعمال التجارية في إسرائيل.يقول رئيس المكتب “فيكتور إسرائيل”: ” ستكتشف بسرعة أن الأماكن المثيرة للاهتمام مشتركة بين كل الاتجاهات”. المثال الأول للاتجاه الضخم هو العولمة؛ التي بدأت في أواخر السبعينيات، وأدت إلى توسيع العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية بين البلدان. وسمحت العولمة بخروج جزء كبير من سكان العالم من الفقر والأمية؛ ومن ناحية أخرى، فقد عمّق عدم المساواة داخل البلدان وفيما بينها. الاتجاه الرئيس الثاني؛ هو التطور التكنولوجي والذي يؤثر في جميع الاتجاهات الأخرى تقريبًا. وفي تحليل الذي يقوم به المكتب فإن الثورة التكنولوجية جلبت إلى جانب أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، تقنيات تحلية المياه والوصول إلى الموارد الطبيعية، وهو أمر مهم بسبب الاتجاه الضخم لتغير المناخ. بالإضافة إلى ذلك، فإن التطور التكنولوجي، بالتزامن مع تطور التكنولوجيا الحيوية، قد خلق اتجاهًا آخر وهو زيادة متوسط العمر المتوقع للإنسان”.يحلل المكتب أيضًا تأثير تغير المناخ، مثل ذوبان الأنهار الجليدية، ليس فقط من خلال أنها ظاهرة تهدد الدول المنخفضة والمسطحة، ولكنها أيضًا تسمح بالوصول إلى الموارد الطبيعية في القطب الشمالي، وبخلق مجالًا جديدًا للمنافسة الدولية. وتتجلى هذه المنافسة في طرق الإبحار الجديدة، وتقنيات إنتاج الغاز والنفط، وكذلك التقنيات الخاصة بحماية الأساطيل في المناطق البحرية. ولكن النتيجة الأكثر وضوحًا لتغير المناخ هي الهجرة الجماعية، وخاصة من العالم الثالث، وهو تحد لجميع البلدان الغربية.ومن الأمور التي يدرسها المكتب أيضًا التغيرات الديموجرافية؛ وهو اتجاه مهم تتطور من خلاله ظواهر مثل ارتفاع متوسط عمر السكان واستهلاك الموارد والفقر والبطالة. وتجلب التغييرات الديموجرافية اتجاهًا عملاقًا آخر، وهو التحضر المتسارع، والذي يسبب ضغطًا على الخدمات في المناطق الحضرية المتنامية. هذا العبء يؤدي إلى الفقر والاكتظاظ والجريمة.من بين الاتجاهات الرئيسة التي تم رصدها أيضًا التمرد ضد العولمة؛ وهو رد فعل مضاد نتيجة لقاء العولمة والثورة التكنولوجية. وفي هذا الشأن يقول رئيس مكتب “المسح البيئي” في الاستخبارات الإسرائيلية: “إنه عندما تنظر إلى الاتجاهات، يجب أن تفهم قوانين الفيزياء، لكل فعل رد فعل، وكل ضغط يؤدي إلى المقاومة. ولذلك كانت هناك العولمة ومناهضة العولمة. على هذه الخلفية، يمكننا دراسة صعود النظم القومية في العديد من البلدان وتطور الحروب التجارية. ويتم التعبير عن التمرد ضد العولمة، من بين أمور أخرى؛ من خلال تعاظم القومية وكره الآخر والسياسة القبلية، وغيرها من الظواهر”.تُشير نتائج الدراسات الصادرة عن المكتب إلى استنتاج واحد وهو؛ “المنافسة من أجل التفوق” والذي يتمركز حول الصراع بين القوى العالمية والقوى الناشئة في جميع أنحاء العالم، حول من سيحصل على أفضلية داخل النظام العالمي الجديد.وفي هذا الصدد أوضح رئيس مكتب إدارة العقول “فيكتور إسرائيل”: “أن الدول تحاول استعادة القيادة التي فقدتها في العقود الأخيرة لصالح عمالقة التكنولوجيا، كجزء من اتجاه مركزي آخر، وهو عودة الدولة. في عملية العولمة، تراكمت لدى الشركات والأفراد قوة اقتصادية وتكنولوجية، وضعفت قوة الدولة بالمقارنة. وفي المنافسة على التفوق، تعود الدولة وتبني استراتيجية وخطة للمستقبل، كجزء من التنافس على السيادة، وتغلق الدول بعضها بعضًا، و”ترفع الجدران” في حماية الملكية الفكرية. وتؤدي “المنافسة على التفوق” أيضًا إلى قيام الدول بإنشاء مشاريع وطنية في المجالات التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي والفضاء والحوسبة الكمومية والروبوتات”.وأشار المكتب إلى تقدم القوى العظمى الثلاث؛ الولايات المتحدة والصين وروسيا في جميع هذه المعايير كجزء من المنافسة المتزايدة بين هذه الدول.يُشار إلى أن مكتب “المسحة البيئي” نشر في مارس وثيقته الثالثة، والتي تدور حول “المنافسة من أجل التفوق”، وتعرض الوثيقة مجال الذكاء الاصطناعي باعتباره مركز الثقل الذي توجه به العديد من الدول استثماراتها، لأنها تساعدنا على فهم عالم البيانات الضخمة، لكنها موجهة في الأساس إلى عالم الاستثمار، وصرح مسؤولو المكتب أنهم يحاولون إجراء تعديلات على المناطق التي تهمهم وعلى رأسها “الصين”.وفي سياق متصل، عيّن رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” منذ حوالي عام البروفيسور “يتسحاق بن إسرائيل”[2] والدكتور “إيفاتار ماتانيا” لقيادة برنامج يهدف إلى تحويل إسرائيل إلى دولة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، وبالفعل أسسا بن إسرائيل وميتانيا فريقًا صاغ استراتيجية الدولة في مجال الذكاء الاصطناعي.يُشار إلى أن الوثائق السياسية التي سيتم كتابتها، من بين أمور أخرى، من خلال البحث والاستنتاجات من مكتب” المسح البيئي”، والتي سيتم تقاسمها معهم، سوف تستخدمها جميع الوزارات الحكومية والأنظمة العامة في إسرائيل.وختامًا علق مدير عام الاستخبارات الإسرائيلية على أنشطة المكتب قائلاً: “على الرغم من أن إسرائيل تقع في مرحلة يمكن وصفها بأنها “مشكلة استراتيجية” لأنها محاطة بدول معادية، إلا أنها تعتبر رائدة في مجال التكنولوجيا، ويمنحها هذا ميزة إقليمية. حيث تتمتع إسرائيل بقدرات كبيرة ومزايا عديدة في بعض المجالات، مما يعني أن هناك إمكانية للتعاون مع دول المنطقة، على سبيل المثال في مجالات المياه والزراعة والصحة. إن إسرائيل لديها الكثير لتقدمه بسبب تقدمها التكنولوجي، في مجال الري وتحلية المياه والزراعة والطب الذكي. ومن أكثر الرسائل الموجهة إلى مختلف الوزارات أهمية، التأكيد على أن هناك فرصة غير عادية للتعاون”.


[1] ويعني تعزيز السياسة وقياسها من أجل إنتاج رؤية عملية للمخاطر والفرص الاقتصادية عبر البلدان وعلى مر الزمن.

[2]بن إسرائيل: رئيس ورشة عمل “يوفال نيمان للعلوم، ورئيس مركز الإنترنت في جامعة “تل أبيب” ورئيس وكالة الفضاء الإسرائيلية في وزارة العلوم، وكان ضابطًا كبيرًا في جهاز “الأمن العام” ورئيسًا سابقًا للمقر الرئيسي للإنترنت ورئيس شبكة الإنترنت الوطنية في إسرائيل.

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version