بعد مرور “47” عاماً على نصر أكتوبر العظيم عام 1973 وفي ظل المتغيرات الجديدة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط ، وتنوع المخاطر الاستراتيجية التي يتعرض لها الكيان الإسرائيلي، والتي تعكس تداعياتها على مكانة الدولة في الإقليم، سواء نتيجة الإضطرابات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط بسبب التدخلات السلبية الإيرانية والتركية فيها، أو حالة الإنفلات الأمني، التي صاحبت ما يطلق عليه ثورات الربيع العربي، وإنهيار أنظمة الحكم في بعض الدول العربية، والإستفادة من الغطاء الأمريكي في تطوير العلاقات “الإسرائيلية/ العربية”، وبما قد تطرح تأثيرها السلبية على الأوضاع الفلسطينية الداخلية نحو مزيد من التطرف، فضلاً عن تنامي المخاوف من تداعيات إنتشار فيروس كورونا المستجد سواء داخل إسرائيل، أو في الضفة الغربية والقطاع، كيف يرى المركز المصرى للدراسات الاستراتيجية وتنمية القيم الوطنية المنظور الاسرائيلي لنظرية الأمن الجديدة .

  • يشير تقييم المنظور الإسرائيلي للمخاطر والتهديدات الإقليمية، إلى انفراده بمجموعة من السمات والخصائص، حيث يتأثر هذا المنظور إلى حد كبير برؤية إسرائيل الذاتية لماضي اليهود ونشأة الدولة وتطورها، بالإضافة إلى تطلعاتها المستقبلية ونواياها بالمنطقة، حيث تلاحظ في هذا المجال الآتي:
  • سمة التعددية الكبيرة لأنواع المخاطر وأشكالها، والتهديدات الإقليمية التي تستشعر إسرائيل أن بها مساساً بأمنها القومي في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
  • صعوبة الفصل أحيانًا بين ما يُمكن إعتباره مخاطر وتهديدات من وجهة نظر إسرائيل، وبين واقع كونه نوايا إسرائيلية مضادة لدول المنطقة.
  • عدم اقتصار الاهتمام من جانب إسرائيل على نوعية المخاطر والتهديدات الخارجية التي يُمكن أن يتعرض لها أمنها القومي فحسب، بل يتعدى إلى التحسب من نوعية المخاطر والتهديدات الداخلية، (التطرف الإسرائيلي بمختلف أشكاله، تباين تركيبة المجتمع ما بين يهود وعرب إسرائيل، الإفتقار إلى الموارد الطبيعية، النزوح العكسي، الأوضاع الاقتصادية).
  • احتكار المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بصورة شبه كاملة لتحديد البدائل في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بالأمن القومي، مما جعلها تسيطر على غالبية توجهات متخذي القرار، وفي نفس الوقت تنفرد تقريبًا بعملية صياغة المخاطر والتهديدات وكذ أساليب المواجهة، والتي غالبًا ما تركز فيها على إجراءات عسكرية ووسائل أمنية، مما يؤثر مباشرة على خطوات الفعل ورد الفعل الإسرائيلي ويجعلها إلى حد كبير ذات صبغة عسكرية.
  • عدم تخلي إسرائيل عن العديد من مفاهيمها الأمنية الخاصة ووجهات نظرها المتعلقة بذات السياق، رغم اختلاف الظروف والتوقيت والبيئة الإقليمية المحيطة في أعقاب ثورات الربيع العربي، والضغوط الأمريكية لتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل دون تقديم تنازلات جوهرية في عملية السلام.
  • صياغة المخاطر والتهديدات بما يتسق مع القناعة الأيديولوجية للأحزاب والقوى اليمينية الإسرائيلية وتوجاهاتها، والتي تسيطر حالياً على عملية صنع وإتخاذ القرار في إسرائيل، لما لها من قدرة في التأثير على أوساط الرأي العام الإسرائيلي.
  • تستند محددات الفكر الإسرائيلي على ضرورة الاعتماد على الأداة العسكرية بشكل خاص – طبقًا لمنظورها- في أسلوب مواجهتها للمخاطر والتهديدات الإقليمية، وترتكز مزاعمها في توضيح سلامة هذا الفكر على مجموعة من المبررات والتقديرات، كان أبرزها ما يلي:
  • تقدير إسرائيل بعدم انتهاء كاقة مظاهر العداء من بعض الأطراف والقوى الإقليمية تجاهها،حيث ترى ضرورة إضعاف التواجد الإيراني على الساحة السورية لتفادي ظهور بؤر جديدة من الصراع متعددة الأشكال، في إطار الحرب بالوكالة، لاسيما مع إستمرارية إسرائيل في تنفيذ طموحاتها، وتبني سياسات توسعية لتطوير كيانها ودعمه على حساب المصالح العربية.
  • تحسب إسرائيل المستمر لامكانية صياغة علاقات إقليمية ذات توجه إستراتيجي مضاد لها بصرف النظر عن المستجدات التي تشهدها علاقاتها مع بعض الدول العربية، في ظل مساعي مع بعض الدول الإقليمية المحورية، للمزايدة على القضية الفلسطينية، مما يسفر عن مخاطر وتهديدات مباشرة أو غير مباشرة تؤثر على الأمن القومي الإسرائيلي، ويتطلب استخدام الأداة العسكرية في مواجهة ذلك.
  • استمرار ثبات المواقف الإسرائيلية والمفاهيم الأمنية إزاء العناصر اللازمة لإستبقاء سيطرتها على المناطق العربية المحتلة (ترتيبات الأمن، الانسحاب، أوضاع القوات الإسرائيلية العسكرية، ضم مناطق في غور الأردن، رفض قيام دولة فلسطينية، التمسك بالقدس كعاصمة موحدة أبدية، مفهوم التطبيع)، وبالشكل الذي قد يسفر عن تعارض جوهري مع مواقف الأطراف العربية والإقليمية، ويطرح احتمالات انهيار إتفاقيات السلام الموقعة مع الفلسطينيين، خاصة مع رفض القيادة الفلسطينية لمحاولات إسرائيل تجاوز الممانعة الفلسطينية لتطبيع العلاقات مع الدول العربية.
  • وبتقييم محصلة ما سبق، يتضح عدم توافق الفكر الأمني الإسرائيلي حتى الآن مع متطلبات مرحلة التحول للمناخ السلمي بالمنطقة، في ظل تزايد الإعتماد على الأداة العسكرية وما يحيط يها من فعاليات، (الردع التقليدي وغير التقليدي، الحرب الوقائية والإجهاضية)، ولحسم وتسوية بعض أشكال صراعاتها الإقليمية، الأمر الذي يطرح المزيد من انعكاساته السلبية على مناخ الإستقرار والأمن الإقليمي، لاسيما مع إستمرار التهديدات الإسرائيلية التي تشكلها سياساتها لتحقيق الردع الإستراتيجي، الأمر الذي يمكن إيجازة في التالي:
  • استمرار تعنت إسرائيل وتمسكها بالخيار النووي الإستراتيجي، ورفض أي حوار فيما يتعلق بانضمامها لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ونسف أية احتمالات، لإبداء أي مرونة من جانبها للتنازل عن الخيار (الدفع بعدم التوصل لسلام شامل مع جميع دول الشرق الأوسط).
  • تراجع إسرائيل عن توقيعها على معاهدة الأسلحة الكيمائية الجديدة، والتي لم تصدق عليها حتى الآن.
  • تكثيف اتجاه سباق التسلح العسكري الإسرائيلي على مستوى المنطقة، مع تقييد محاولات الدول العربية للحصول على أسلحة متطورة (مطالبة الولايات المتحدة بعدم تنفيذ صفقة طائرات “F35” مع الإمارات العربية المتحدة).
  • وبالنظر إلى المخاطر والتهديدات المستحدثة نتيجة الصراع على الغاز في شرق المتوسط، فقد قام السلاح البحري الإسرائيلي بتشكيل وحدة بحرية جديدة باسم (وحدة الحماية الإستراتيجية)، تتشكل هذ الوحدة من عناصر ذات تدريب قتالي عالى ومزودة بأحدث الأسلحة والمعدات (لنشات يتم التحكم فيها عند بعد طراز “بروتكتور” ولنشات صواريخ بالتعاون مع عناصر سلاح الجو والفضاء لتوفير الحماية الجوية) على أن يتم تمركزها بقاعدة (حيفا) البحرية، تتركز مهامها في الآتي:
  • توفير الحماية والتأمين لمنصات حقول النفط الإسرائيلية والغاز المكتشفة بشرق المتوسط.
  • المساهمة في توفير قوة ردع بحرية خارج المياه الإقليمية الإسرائيلية.
  • التصدي للأعمال الإنتحارية والإختراق ومحاولات التسلل.
  • منع أعمال التهريب المختلفة.
  • معاونة في أعمال القتال التي تقوم بها عناصر القوات البرية بمحاذاة الساحل.
  • دعم أعمال الإبرار البحري أو الإشتراك في صد الإبرار البحري المعادي.
  • توفير الحماية والتأمين لمشروعاتها الاقتصادية (منصات الغاز والنفط).
  • حماية أهدافها الحيوية الساحلية ضد الأعمال العدائية الخارجية.
  • الإرتقاء بقدرات وإمكانيات السلاح البحري الإسرائيلي في مواجهة التهديدات التي قد تتعرض لها المنشآت النفطية البحرية.
  • كما حرصت القيادة الإسرائيلية على وضع تصور لأولويات التطوير في الجيش الإسرائيلي خلال السنوات العشر القادمة للتغلب على التحديات والتهديدات التي تواجهها، حيث إرتكزت الخطة على عدد من المحاور الرئيسية تمثلت في الآتي:-
  • تحقيق التفوق النوعي في مجالات ( الإستخبارات – سلاح الجو والفضاء – الحروب الإلكترونية وحرب المعلومات – أنظمة حماية وتأمين الحدود)
  • إنتهاج وتطبيق عدد من مبادئ الحرب في الجيش الإسرائيلي خلال الفترة المقبلة تمثل أبرزها في ( عدم إطالة زمن العمليات العسكرية – تأمين وتحصين الجبهة الداخلية – إستمرار تدفق المعلومات – كثافة نيرانية ودقة في إصابة الأهداف).
  • خفض تدريجي في حجم القوات البرية (خفض ميزانية القوات البرية بنسبة 25%) مع تخفيض في إنتاج الدبابات طراز “ميركافا” ووقف كامل لإنتاج ناقلات الجند المدرعة مع الإعتماد على المركبات خفيفة الحركة والتي لها القدرة على المناورة العالية، فضلاً عن تقليص أفراد الخدمة الدائمة بالجيش.
  • وتعكس خطة تطوير الجيش الإسرائيلي العديد من الدلالات، أبرزها ما يلي:-
  • حرص الجيش الإسرائيلي على امتلاك العديد من المقومات التي تساهم في نجاح عملياته المستقبلية، وبما يواكب التطور في نوعية التهديدات المحتملة (معلومات دقيقة وموقوتة – خفة حركة ومناورة عالية – كثافة ودقة نيرانية).
  • سعى القيادة الإسرائيلية إلى توفير ظروف تمكنها من تحقيق (الحسم في تنفيذ المهام مع عدم إطالة زمن العملية – الدقة في تدمير الأهداف – تجنب الخسائر البشرية وخسائر الجبهة الداخلية).
  • تقدير القيادة الإسرائيلية بمحدودية أن تكون المواجهات المستقبلية المحتملة مع جيوش نظامية تقليدية، ولكن مع تنظيمات ومليشيات مسلحة في صورة حرب عصابات، كنتيجة طبيعية لتطورات الأوضاع على الجبهتين الشمالية والجنوبية.
  • قناعة المخطط العسكري الإسرائيلي بانتهاء حقبة معارك القوات البرية ذات الحشود الضخمة، خاصة في مسارح العمليات ذات الكثافة السكانية العالية، مع الاتجاه للتوسع في تكتيكات حرب العصابات، بجانب أساليب القتال في المناطق ذات الطبيعة الخاصة (الجبلية – الزراعية – المدن – ذات الموانع الطبيعية والصناعية).
  • توظيف الجيش الإسرائيلي الانفاق الدفاعي طبقًا لأولويات المرحلة القادمة، وبما يتواكب مع متطلبات المعارك الحديثة غير النمطية دون اغفال اعتبارات تخفيض ميزانية الدفاع لمواجهة التحديات والتهديدات المنتظرة التي يواجهها الأمن الإسرائيلي.
  • وقد حددت إسرائيل أبرز التحديات والتهديدات المؤثرة على الوضع الإستراتيجي للدولة من وجهة النظر الإسرائيلية (تنامي التهديد النووي الإيراني – حالة عدم الاستقرار على الجبهة الشمالية “سوريا / لبنان”– احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة في المناطق الفلسطينية – تعزيز قدرات حركة حماس والأوضاع في قطاع غزة)، ومن ثم تواجد إسرائيل أربع دوائر تهديد تقليدية (جيوش)، إضافة إلى التنظيمات المسلحة، والتهديدات غير التقليدية (سعي العديد من القوى الإقليمية لإمتلاك التكنولوجيا النووية)، وأمن القضاء الإلكتروني في ظل تعدد الهجمات السيبرانية التي تتعرض لها إسرائيل مؤخراً، فضلاً عن تداعيات إنتشار وباء “كوفيد-19” والتي تشكل كارثة كبرى تهدد إستقرار الدولة، نتيجة فشل الحكومة في التعامل مع هذه الأزمة بمختلف أبعادها الصحية والإقتصادية والإجتماعية.
شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version