تشهد الولايات المتحدة الأمريكية تراجعًا ملحوظًا بين حلفائها في الشرق الأوسط، خاصة بعد تخاذلها عن بعضهم. المملكة العربية السعودية، بوصفها المكان الذي سيشهد اللقاء المرتقب مع بايدن، تعد نموذجا لهذا الأمر؛ حيث انتهج الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال حملته الانتخابية وبعد توليه منصبه، نهجًا عدائيًا ضدها وضد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بصفة خاصة.

أحدثت الأزمة الروسية – الأوكرانية تحولًا في موقف إدارة بايدن تجاه المنطقة. لقد أدت الحاجة إلى إيجاد مصادر طاقة بديلة للنفط الروسي وارتفاع أسعار الوقود في العالم إلى قيام الإدارة بتقليل الانتقادات وإظهار موقف أكثر مرونة وأقل إنتقادًا تجاه دول المنطقة وقادتها، خاصة التعاطي مع الملف اليمني.

زيارة بايدن للشرق الأوسط

حظيت زيارة بايدن المرتقبة للشرق الأوسط، في منتصف يوليو المقبل، باهتمام وسائل الإعلام العالمية، وخاصة الإسرائيلية؛ لأنه سيحل ضيفًا عليها يوم الأربعاء 13 يوليو، وبعد انتهاء زيارته سوف يحضر قمة خليجية – عربية في جدة. سيلتقي بايدن فيها بقادة تسع دول عربية، هي دول الخليج ومصر والأردن والعراق.

وقد ركزت مقالات الرأي في وسائل الإعلام الإسرائيلية على هذه الزيارة ونتائجها ودلالتها وتوقيتها، وتأثيراتها على إسرائيل والسعودية بصفة خاصة، والمنطقة بشكل عام.

إسرائيل:

استعرض الباحث إيتامار إيخنر في صحيفة يديعوت أحرونوت برنامج زيارة بايدن لدى وصوله إلى إسرائيل وجدولها، وأهداف الزيارة، رغم ما تمر به إسرائيل من عدم استقرار سياسي، بعد الموافقة على مشروع قانون بحل الكنيسيت، الذي يعني بطيبعة الحال حل الحكومة. وقد أشار إيخنر إلى أن مسؤولًا أمريكيًا قال إن زيارة بايدن لإسرائيل “ليس لها علاقة بالوضع السياسي الداخلي في إسرائيل”. وأكد هذا المسئول أن “الزيارة سوف تنعقد حتى لو سقطت الحكومة في ذلك الوقت، وأن الرئيس سيؤكد أن العلاقات الإسرائيلية الأمريكية أوسع من العلاقات بين قادة الدول”. كما أكد السفير الأمريكي في إسرائيل توم نيديس، يوم الإثنين، أن زيارة الرئيس جو بايدن إلى إسرائيل ستمضي كما هو مخطط لها، على الرغم من عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل.

يبدأ الرئيس بايدن رحلته في الشرق الأوسط مساء الأربعاء 13 يوليو، ومن المتوقع أن يظل في إسرائيل لـ 40 ساعة. وسوف يستقبله كبار رجالات الدولة في مطار بن جوريون في حفل استقبال رسمي، ومن المتوقع أن يتناول العشاء مع رئيس الوزراء نفتالي بينيت. في اليوم التالي سيلتقي مع الرئيس يتسحاق هرتسوج. كما سيزور متحف ذكرى الهولوكوست “ياد فاشيم”، وقاعدة “بلماحيم” الجوية، حيث سيراقب عمل بطارية القبة الحديدية، وأنظمة الحماية التي تعترض الصواريخ، ويناقش أيضًا تطوير نظام الليزر للحماية من الصواريخ والطائرات بدون طيار.

ومن المتوقع أيضا أن يلتقي بايدن بالوفد الأمريكي المشارك في دورة الألعاب المكابية التي ستقام خلال الزيارة. كما يشارك في القمة الافتراضية بمشاركة رئيس الوزراء بينيت ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد والرئيس الهندي ناريندرا مودي، كما تتناول القمة الافتراضية أزمة الغذاء والأمن الغذائي العالمية.

كما أشار دان شابيرو، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي إلى احتمال أن تؤدي زيارة بايدن إلى إسرائيل والسعودية إلى إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين. وفي الوقت ذاته قال يوني بن مناحيم إن إدارة بايدن ستتعاون مع الحكومة الإسرائيلية في تنسيق الخطوات القادمة مع إيران بشأن الملف النووي، وخطر الصواريخ الباليستية، والطائرات بدون طيار، وسيدرس طرقًا أخرى لتعزيز أمن إسرائيل. ومن الأفكار الأمريكية المطروحة للنقاش خلال الزيارة إقامة تحالف دفاع جوي عربي- إسرائيلي يضم إسرائيل، ومصر، والأردن، ودول الخليج ضد خطر الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار الإيرانية.

القضية الفلسطينية:

أضاف إيخنر أن بايدن سيزور الضفة الغربية في وقت لاحق ويلتقي مع أبو مازن في بيت لحم. وقال بيان البيت الأبيض إن بايدن سيعيد التأكيد على دعمه الثابت لحل الدولتين. وقال المسؤول الأمريكي إن “الرئيس يتوقع مناقشة سبل خلق أفق سياسي يضمن درجة متساوية من الحرية والأمن والازدهار والاحترام للإسرائيليين والفلسطينيين”. وقال يوني بن مناحيم إن الهدف من الزيارة هو تقوية الاقتصاد الفلسطيني، والاستمرار في إدارة الصراع على الرغم من غياب ما يسميه “الأفق السياسي” في هذه المرحلة. ومن المتوقع أن يعلن الرئيس بايدن عن استئناف المساعدات المالية الأمريكية للنظام الصحي في القدس الشرقية بعد أن أوقفتها إدارة ترامب، ويبدو أنها مساعدات اقتصادية إضافية لمنع انهيار السلطة الفلسطينية.

المملكة العربية السعودية:

لقد اختلفت التقارير الواردة من الرياض وواشنطن حول الزيارة المرتقبة وبرنامجها المرتقب، ففي حين يشير البعض إلى أن ولي العهد السعودي سيجتمع مع بايدن في اليوم الأول من زيارته، تؤكد واشنطن على أن الرئيس الأمريكي سيحضر إلى السعودية للمشاركة في حضور قمة تضم قادة تسعة دول عربية، وصرح بايدن قائلا: “لن أقابل ولي العهد السعودي على حدة… سألتقي في أول يوم لي في المملكة الملك سلمان، وعلى الأرجح سيكون ولي العهد السعودي متواجدًا أيضًا”. قرر بايدن وفريقه للأمن القومي أن تجميد العلاقات مع السعودية- وخاصة مع ولي العهد- يتعارض مع المصالح الأمريكية، وخاصة في أعقاب ارتفاع أسعار الوقود وتزايد المخاوف من البرنامج النووي الإيراني. وقد ذكرت شبكة سي إن إن وفقًا لمصادر رفيعة في إدارة بايدن، أنها تعتزم الآن “إستئناف” العلاقات مع السعوديين، مع ضرورة تنحية غضب بايدن الأخلاقي جانبًا، ولكن هذا لا يعني التسامح والنسيان.

كان من المتوقع أن تؤدي العقوبات المفروضة على صادرات النفط الروسية إلى أوروبا إلى نقص مؤقت في الإمدادات إلى أوروبا ومن ثم بدأت الولايات المتحدة التفكير في إيجاد مصادر بديلة، وكانت السعودية، الدولة التي لديها أكبر طاقة إنتاجية فائضة في العالم، هي العنوان. من هنا صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن أن زيارته المرتقبة للسعودية الشهر المقبل تتماشى مع المصالح الأمنية لإسرائيل، ونفى أن تكون الرحلة مرتبطة بمحاولة تعبئة السعودية للحد من أسعار النفط العالمية.

وفي السياق ذاته أشارت معلقة شؤون العالم العربي سميدار بيري في صحيفة يديعوت أحرونوت أن الرئيس الأمريكي جو بايدن تلقى خطابًا من 13 منظمة حقوقية أمريكية، تضم أعضاءً من حزبه الديمقراطي، تذكره بأن تكون الزيارة في بلد عربية أخرى. كما نصح  رئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب “آدم شيف” الرئيس الأمريكي بايدن بعدم مقابلة ولي العهد السعودي أو مصافحته؛ بسبب مسؤوليته عن مقتل الصحفي “جمال خاشقجي”.

ومن المتوقع أن يبحث بايدن في القمة ملفات عدة وشائكة، منها وقف إطلاق النار في اليمن، والتعاون الاقتصادي والأمني، و​​جهود مواجهة  النفوذ الإيراني في المنطقة، وأزمة الطاقة، وأزمة الإمدادات الغذائية التي تفاقمت في أعقاب الحرب في أوكرانيا.

لماذا زيارة بايدن للسعودية؟

أرجعت التقارير الإسرائيلية أهمية زيارة بايدن للسعودية، وإعادة صياغة العلاقات معها بصفة عامة، ومع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بصفة خاصة إلى عدة أسباب، منها:

– أن بن سلمان سيحكم السعودية على مدى العقدين أو الثلاثة عقود القادمة.

– الولايات المتحدة لها مصلحة واضحة في استمرار وقف إطلاق النار في اليمن.

– لاتزال السعودية، رغم التوترات الحالية، حليفًا أساسيًا لمواجهة نفوذ إيران في المنطقة.

– في ظل غياب فنزويلا وإيران عن سوق النفط العالمية، لخضوعهما لعقوبات صارمة، أصبحت السعودية مصدرًا بديلًا للنفط الروسي.

– إقامة علاقات بين السعودية وإسرائيل يخدم الاتجاه الأمريكي لفك الارتباط عن الشرق الأوسط ونقل التركيز والموارد إلى المحيط الهادئ واحتواء الصين.

قطف ثمار الاتفاق الإبراهيمي

كتب الصحفي باراك رابيد إن زيارة بايدن لإسرائيل والسعودية الشهر المقبل ترمز إلى حقيقة أن إدارة بايدن تحاول إحماء العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي بعد الاتفاقات الإبراهيمية المبرمة في فترة ولاية إدارة ترامب، وذلك من خلال “تكامل أنظمة الدفاع الصاروخي والدفاع البحري” بين الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية ومن بينها السعودية.

وقد صرح وزير الدفاع بيني جانتس للجنة الخارجية والدفاع أن الولايات المتحدة وإسرائيل تعملان على مبادرة تسمى “الدفاع الجوي في الشرق الأوسط”، وتركز على التعاون بين القيادة المركزية العسكرية الأمريكية ودول المنطقة ضد ضربات الطائرات بدون طيار، وصواريخ كروز، وصواريخ إيران، والمنظمات الإرهابية التي تدعمها. وقال مسؤول إسرائيلي رفيع إن الفكرة تتمثل في إنشاء شبكة إقليمية من الرادارات، وأجهزة الاستشعار، وأنظمة الدفاع الجوي، سيتم ربطها، لتوفير الإنذار المبكر واعتراض مثل هذه الهجمات.

بحسب مقال نشرته صحيفة “يسرائيل هيوم” يبدو أن بايدن سيعلن عن إقامة منتدى أو ترتيب أمني يشمل إسرائيل والسعودية والدول الموقعة على الاتفاقات الإبراهيمية ومصر والأردن. وعندما تطرق غانتس إلى هذا الملف قال: “طالما أن إيران ترفض محاولات التوصل إلى اتفاق نووي معها، وتستمر في المعارضة، فهناك حاجة ليس في التعاون فحسب، بل في بناء قوة إقليمية مشتركة بقيادة الولايات المتحدة لتعزيز كل شركائها”.

قالت المحللة لاهاف هاركوف في صحيفة جيروزاليم بوست إن إدارة بايدن لعبت دورًا في التوسط في اتفاق بين الرياض والقدس من المتوقع أن يعلنه الرئيس في رحلته، وإن كانت بعيدة عن كونها اتفاقية إقامة علاقات. وبدلاً من ذلك، ستوافق إسرائيل على تغيير الترتيبات الأمنية في مضيق تيران التي كانت قد وافقت عليها في معاهدة السلام مع مصر، حتى تتمكن السعودية من السيطرة على الجزيرتين في المضيق دون وجود عسكري دولي عليهما. في المقابل، ستتمكن شركات الطيران الإسرائيلية من التحليق فوق المملكة العربية السعودية، وهي تقوم بذلك حاليًا فقط في طريقها إلى الإمارات العربية المتحدة أو البحرين.

الخلاصة

– تكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة في ضوء ما سوف يتمخض عنها من قرارات قد تغير شكل الشرق الأوسط، ولكن ما هو أكيد أن بايدن سيتعرض لانتقادات بالغة القسوة؛ بسبب زيارته للسعودية، سواءً في حزبه أو في وسائل الإعلام الأمريكية خاصة فيما يتعلق بفكرة إنشاء تحالف أمني برعاية أمريكية.

– على الدول العربية مراعاة مصالحها جيدًا، والتأكد من أن هذا التحالف لايخدم سوى إسرائيل والولايات المتحدة أكثر من الدول العربية، وهو ما عبر عنه بايدن حينما قال إن هذه الزيارة تخدم الأمن القومي الإسرائيلي؛ لأنه عند الحاجة لن تجد الدول العربية إسرائيل أو أمريكا بجانبها، ولنا في الحرب الروسية – الأوكرانية العبرة والعظة، فقد تخلت أمريكا وأوروبا عن أوكرانيا وتركتها وحيدة، كما اتضح أيضًا في التخلي عن السعودية والإمارات بعد الاعتداءات الحوثية – الإيرانية عليهما.

– إسرائيل هى المستفيد الأكبر من نتائج هذه الزيارة، إذا تمخضت عنها تحالفات مع دول منطقة الشرق الأوسط؛ لأنها تعزز وترسخ نفوذها في المنطقة، كما إنها تعكس عمليًا ما تحلم به إيران من إنشاء حلقة من نار حول إسرائيل، وبالتالي هذه التحالفات تخشاها إيران بقوة؛ لأن التواجد الإسرائيلي على حدودها يهدد أمنها القومي بشكل مباشر.

– رغم أن هدف هذه الترتيبات الأمنية، كما هو معلن- هو الردع، إلا أن إيران قد تعدها تحديًا عسكريًا، وهو ما يزيد من فرص المواجهة بين إيران وحلفاءها من جهة والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ودول المنطقة من جهة أخرى وهو ما يشعل المنطقة بدلًا من تهدئتها.

– الولايات المتحدة الأمريكية سوف تعمل جاهدة لإذابة الخلافات مع ولي العهد السعودي حتى تتمكن من تنفيذ أغلب مخططاتها، لأنها تعلم جيدًا مدى نفوذها على دول المنطقة، بالإضافة إلى تمهيد السبل لتحقيق انفراجة نحو التطبيع بين المملكة وإسرائيل.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version