خامنئي

أفادت وكلات الأنباء العالمية والإيرانية على حد سواء أن الولايات المتحدة أغلقت، يوم الثلاثاء الموافق 22 يونيو 2021م، عددا من المواقع الإليكترونية الإيرانية والعربية المحسوبة على “محور المقاومة” على شبكة الانترنت؛ وذلك بموجب العقوبات الأميركية، وأنه قد ظهرت رسالة بهذا الإجراء على صفحات هذه المواقع مذيلة بختمي مكتب التحقيقات الفدرالي “أف بي آي” ووزارة التجارة، ولكنها أوضحت أن التضليل الذي تعمدته هذه المواقع يقف سببا وراء هذا الإغلاق.

بعد إعلان فوز “إبراهيم رئيسي” في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وتفوقه على كل منافسيه، يكون النظام الحاكم في إيران قد وضع المنطقة كلها وإسرائيل بصفة خاصة، أمام مشهد جديد، أصبحت فيه كافة مؤسسات السلطة خاضعةً للتيار المحافظ الذي يتبنى النهج المتشدد، وهذا لا يبشر بالخير بالنسبة لنظام الاحتلال في تل أبيب الذي لم يكن راضيا عن سياسة إيران حتى في ظل الرئيس الإصلاحي حسن روحاني، الذي اعتبره البعض أكثر عقلانية وموضوعية في التعامل مع القوى الإقليمية والدولية، مقارنة بالنهج المتشدد للمُرشد الإيراني علي خامنئي، وكبار قادة الحرس الثوري.

عكست جولة الصراع الأخيرة التي شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة، بدءا من أحداث حي الشيخ جراح وتبعاتها، وصولا إلى نجاح الجهود المصرية في إيقاف العدوان الإسرائيلي تأثيراتها على الأوزان النسبية للقوى الإقليمية المؤثرة فى أزمات الإقليم، فظهرت قوى إقليمية قادرة على إدارة الأزمات مثل مصر وإيران، فى حين تراجعت قوى أخرى نتيجة تآكل مصداقيتها مثل تركيا بعد أن قضت زمنا في منافسة السعودية وإيران على قيادة العالم الإسلامي.

من المعروف أن إيران إذا تبنت استراتيجية للتدخل في أزمة ما، فإن استراتيجية أخرى للخروج منها تكون جاهزة لديها أيضا. وبالتالي من المفترض أن تكون لديها سيناريوهات متعددة للتعامل مع الضغوط الدولية المختلفة فيما يتعلق بنفوذها المخل بالتوازن الإقليمي، الذي لم يعد مقبولا أو السكوت عليه أو التغافل عنه؛ وإذا لم يتم تفكيك هذا النفوذ وتقويض أدواته المكونة لمحور المقاومة، فسوف تنفرد إيران بالقدرة على هيكلة المنطقة وفق تصوراتها المدمرة وبأقل كلفة سياسية أو مادية، وربما تحول محور المقاومة إلى ناتو شيعي قوامه أشرس الجماعات الإرهابية المقاتلة.

إن بناء استراتيجية متكاملة لمواجهة خطر النفوذ الإيراني بالمنطقة، يتطلب منها فهما للوضع الجديد الذي تعاظم فيه هذا النفوذ. ولم تعد فيه العواصم العربية الكبرى: القاهرة ودمشق، وبغداد لاعبين رئيسيين على المستوى الجيوستراتيجي؛ بعد أن حطم الصراع الطائفي بغداد، منذ انهيار نظام صدام حسين، 2003م، ودمرت الحرب الداخلة دمشق، منذ 2011م، وكفأت القاهرة على شواغلها الداخلية منذ ذلك التاريخ.

استحدثت إيران مقاربة أيديولوجية لمنطقة الشرق الأوسط، منذ قيام ثورتها عام 1979م، استندت فيها إلى كل مكونات قدراتها الجيوسياسية، وقيمها الثورية، كما اصطحبت معها مفاهيم الصراع التاريخي على مركزية السلطة والثأر ممن اغتصب حق الأئمة في الخلافة. وقد عكست هذه المقاربة جوهر الاستراتيجية الإيرانية في بناء نفوذها الإقليمي، وإدارة ميزان القوى لصالحها، من حيث تشكيل جيوسياسية حصرية لها تسمى محور المقاومة، واختلاق هويات أيديولوجية موالية لها في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان وأفغانستان وباكستان.

إذا افترضنا أن إيران، يقطن بها حوالي 40% من شيعة العالم، فعلينا أن ندرك أيضا أن عملية التمدد الجيوشيعي جعلت إيران محورا لثلاث دوائر اهتمام، تضم كل دائرة منها ثلاث مناطق استراتيجية، لكل دائرة من هذه الدوائر آلية خاصة بها لبناء نفوذها.

تكشف استراتيجية إيران لبناء النفوذ الجيوشيعي، عن مدى قدرتها على رسم أجندة ثقافية متكاملة، تسهم في تحويل طهران إلى مركز لتغيير الانتماءات الأيديولوجية لدى شعوب العالم الإسلامي، بوصفهم مستضعفين، بما يتعين عليها نصرتهم ومساندتهم، بحكم الدستور. وتتجلى هذه النصرة وتلك المساندة عبر عدد من الآليات والوسائل التي تعتمد عليها في تصدير قيم الثورة ونشر معتقداتها المذهبية بين هؤلاء المستضعفين، وذلك من خلال:

مرورا بفيروس Stuxent واغتيال العلماء النوويين وسرقة الوثائق النووية والانفجار الأول في نطنز واغتيال فخري زاده إلى تفجير آخر في منشآت نووية.. فإن ضرب مسار النشاطات النووية لإيران ليس بالشيء الجديد، لكن الجديد هو تبعات هذا الحادث.