تواجه المرأة في إسرائيل عددًا من المتناقضات بين كونها امرأة ملتزمة بالشريعة متمسكة بحدودها الصارمة، وقيامها بدور وظيفي اجتماعي ناجح في ظل الحداثة وتطورات العصرنة.
حيث يشهد المجتمع الإسرائيلي سلسلة من الإشكاليات، على رأسها الصراع بين المتدينين والعلمانيين، وعددًا من القضايا الحيوية الأخرى مثل تدني أوضاع المرأة اليهودية داخل المجتمع المعاصر، وعدم مشاركتها الفعلية في الحياة العامة، وتتناقض المواقف وتتفاوت لدى التيار الديني المتشدد الذي لا يؤمن بعمل المرأة أو انخراطها في المجتمع.
إسرائيل
نساء يهوديات يطالبن بحقوق الصلاة – أرشيفية
ولا يزال هناك تمسك بتلك النظرة القديمة التى ترى أن دور المرأة يقتصر على تربية الأطفال والقيام بأعمال الخدمة المنزلية والسهر على راحة الرجل، وبذلك فهي حسب اعتقادهم تؤدي خدمة حضارية جليلة .
هناك تيار آخر ينطلق من أسس علمانية، فلا يؤمن بالتيار المتشدد، بل يرفضه ويتربص به نقدًا ونقضًا، ويرى فيه اتجاهًا عقيمًا لا يعطي للمرأة حقها في الحياة. ومن ثم يتجه التيار العلماني نحو إعطاء المرأة دورها الحضاري اللائق بها، حتى تقف على قدم المساواة مع الرجل عملاً بمبدأ (التكافؤ والتميز على أساس القدرة وليس على أساس النوع)، وهو اتجاه عصري نهضوي يؤمن بقدرات المرأة وكفاءتها على تحمل المسئوليات في الإدارة والتفكير والعمل .
هناك اتجاه ثالث يقف في منطقة وسطى ما بين الاتجاهين السابقين، ويصف نفسه بمحور الاعتدال، حيث يرى أن إطلاق العنان لعمل المرأة في كل الاتجاهات يخل بالبنية الاجتماعية ويحدث إرباكًا في الحياة العامة، كما أن الإقصاء والحجب الكامل للمرأة بحسب المتدينين المتشددين، هو اتجاه لا يخدم المجتمع الإسرائيلي؛ لأنه يُهدر طاقات خلاقة ومبدعة في مجالات قد تتميز فيها المرأة عن الرجل .
ومع التطور العصري ظهرت حركات نسائية تطالب بتحرير المرأة من كافة الأنماط المتشددة التي تعود بها إلى الوراء، كما تطالب بأحقية الكيان النسائي في المساواة بالرجل. ومن أبرز تلك الحركات الداعية للنهوض بحقوق المرأة حركة “الفمينزم” وهى حركة نسوية عالمية تأسست بهدف تحسين مكانة النساء المضطهدات في شتى المجتمعات سواء من الناحية العلمية أو الثقافية أو لدى التيارات الفكرية والدينية.
وتتفرع من بين تلك التيارات، الليبرالية والماركسية والراديكالية والدينية. أما التيارات الليبرالية فتطالب بالحرية الكاملة للمرأة والمساواة بين الجنسين في جميع الحقوق والواجبات.
سلمى جيمس – صورة أرشيفية
التيار الماركسى:
فيما يقسم التيار الماركسي المجتمع إلى طبقتين: طبقة حاكمة، وأخرى محكومة، وهو يرفض مبدأ اعتبار المرأة شيئًا يُقتنى ويُستعبد، باعتبارها مساعدة ومعينة للرجل. وحتى تتحقق المساواة بينهما يرى أصحاب هذا الفكر ضرورة تحمل الدولة مسئولية الاهتمام بالأسرة وتوفير حاجة المجتمع من الطعام والتعليم، وعلى الدولة منح أجر للمرأة مقابل عملها في المنزل. وقد تبنت هذا المشروع حركة نسائية أسستها اليهودية “سلمى جيمس” تحت مسمى “الأجر مقابل عمل المرأة” – “Wages for Housework”.
التيار الراديكالى:
أما التيار الراديكالي فيطالب بإدخال إصلاحات جذرية على النظام الاجتماعي المسئول عن وضع المرأة السيئ في المجتمع، ويرى استحالة تحقيق المساواة في المجتمع إلا من خلال تحقيق مبدأ المساواة بين المرأة والرجل.
وتتضمن مطالب تلك التيارات ضرورة تحقيق المساواة بين الجنسين، والعمل على إيجاد مجالات جديدة تحد من سيطرة الرجل على المرأة، وعلى الأخص في الشريعة اليهودية .
ووسط هذا الخضم من الاعتراضات على جمود الشريعة اليهودية وقسوتها تجاه المرأة، ظهر التيار الديني في صورة حركة نسائية أرثوذكسية قامت بتأسيسها “أليس شلفي” تحت عنوان شبكة المرأة الإسرائيلية حيث نادت تلك الحركة بالتمسك بالعهد القديم ونصوص الشريعة اليهودية .
طائفة الحريديم المتشددة – أرشيفية
التيار الدينى الحريدى:
وقد تمثلت مطالب ذلك التيار الديني بوجوب تعليم النساء التوراة, سواء في الأكاديميات أو في مؤسسات أخرى. وتعليم النساء التلمود الذى لا يتعلمه إلا الرجال, وفتح المدارس الدينية التوراتية للنساء مثل مدراش ليندنباوم לינדנבאום، إلى جانب زيادة عدد النساء في الصلاة.
ودعوة المرأة لشغل منصب مستشار تشريعي فيما يختص بالأسرة وشؤون المرأة. إضافة إلى وجوب الاعتراف بدور المرأة للعمل بالقضاء وتوليها منصب حاخام في دار القضاء، ولم تسلم تلك الأنشطة النسوية من نقد الكثير من الحاخامات.
حيث بادر الحاخامات الذين ينتمون للتيار (الحريدي القومي) “חרדי לאומי” بتأسيس حركة نسائية مضادة تُدعى “البناء المتكامل בנין שלם”، وتقوم بمعارضة التغييرات المقترحة من منظمة “صوتك” الأرثوذكسية، التى نادت بالمساواة الكاملة مع الرجال فيما يختص بأمور الدين، ومنهم الحاخام (مردخاى إلياهو) “הרב מרדכי אליהו” الذى نادى بمنع دخول المرأة إلى المعابد.
ومع ارتفاع أصوات الرجال المنادية بقصر عمل النساء داخل المنازل، وإرهاقهن بالأعمال المنزلية، بدأت النساء تعلن العصيان وترفضن الحمل، وترتدى ملابس الرجال وتقص شعرهن؛ تأكيدًا على المطالبة بالمساواة بين الجنسين، وقد انضم لتلك الحركة بعض الرجال الذين حاولوا دعم مطالب المرأة عن طريق التشبه بهن في عدة أمور.
وفي ظل الثورة النسوية التى قامت مؤخرًا برزت عدة مؤشرات لتلك الاحتجاجات ومنها: “ممارسة لعبة كرة القدم لتصبح رياضة نسائية, وارتفاع معدلات الطلاق”.
هذا وتخوض المرأة حروبا ضد الجناح المتدين في إسرائيل والذى ينادى بمنعهن سواء من المشاركة فى العمل بالدوائر الحكومية، أو الترشح للانتخابات النيابية، أو الانخراط فى الأحزاب، إضافة إلى منعهن من ممارسة العمل السياسي.
حيث تنص المادة السادسة من قانون حزب إسرائيل الأرثوذكسي، على أن الرجال وحدهم هم المخولون بالمشاركة السياسية، الأمر الذى جعل المجتمع المدني الإسرائيلي يطالب بفك قيود العزلة المفروضة على النساء الأرثوذكس. وفى مقابل ذلك واجهت المرأة الإسرائيلية هجوما كبيرا من جانب الحاخامات، وقد وصل الأمر إلى تهديدها بحرمان أطفالها من دخول المدارس الدينية في حال مشاركتها فى أي من الحركات النسائية.
بنيامين نتنياهو – أرشيفية
الخلاصة:
ومن أجل تحقيق المساواة بين النساء والرجال تسعى أكثر من 50 منظمة نسائية إلى المطالبة بتحقيق المساواة فى الأجور، وتوفير المزيد من أماكن العمل، وتمكين المرأة سياسيًا وكذلك تمكينها من الزواج مرة أخرى، ولكن عجلة التغيير لا تزال بطيئة حيث أوضحت رئيسة شبكة المرأة الإسرائيلية التى أنشئت عام 1984 أن إسرائيل مجتمع متعصب، حيث لا تزال النساء تشغل 2% فقط من مناصب رئاسة البلديات، ولهذا فهي تشجع النساء للترشح لرئاسة البلديات ومجالس الأحياء فى المدن.
ونتيجة لتلك الاحتجاجات، تم التعاون بين الكنيست وشبكة المرأة الإسرائيلية، حيث تم قبول تشريعات جديدة من قبل أعضاء الكنيست مثل قانون مكافحة التحرش الجنسي، وقانون مكافحة العنف الأسري، إلى جانب إنشاء لجنة برلمانية فى الكنيست للنهوض بالمرأة، وهي تهدف إلى تحقيق مساواة المرأة فى الأجر مع الرجل، وتخصيص كوتة للمرأة فى الشركات المملوكة للدولة بحيث يكون عدد النساء متساوٍ مع عدد الرجال فى مجالس إدارتها، علما بأن نسبة المرأة فى الكنيست تشكل حوالي ربع الأعضاء.
والسؤال الذى يُطرح حاليًا: ما هو موقف الحكومة المحافظة تجاه الحقوق المتساوية التى حققتها المجموعات النسائية في إسرائيل؟
مراجع التقرير:
1- בל הוקס , “פמיניזם זה לכולם”, פרדס , חיפה , 2002.
2- بيل هوكس , “حركة الفمينزم للجميع ” , براديس , حيفا , 2002 م.
3- wikipedia.org/wiki/Selma_James
4- تومى, حركة تحالف النساء من أجل السلام, 27/6/2011 – www.coalitionofwomen.org
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version