وقّعت روسيا وإيران في الشهر الماضي اتفاق شراكة إستراتيجية غطى أوسع قطاع من التعاون على مدار تاريخ العلاقات بين البلدين، بما في ذلك الدفاع والتجارة والطاقة والتمويل والنقل. وكذلك الزراعة والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والرعاية الصحية. فضلا عن الاستخبارات ومكافحة الإرهاب. ويتكون الاتفاق الذي وقعه، في الكرملين الرئيسيان الروسي، فلاديمير بوتين والإيراني مسعود بزشكيان، من سبع وأربعين مادة، تغطي أكثر من ثلاثين مجالاً للتعاون المشترك. ومن المقرر أن تستمر لمدة عشرين عامًا. ويتناول هذا التقرير سياق الإعلان عن توقيع هذا الاتفاق، ودوافع إيران الرئيسية وأهدافها منه، وتداعياته وتحدياته المحتملة.
سياق توقيع الاتفاق:
يأتي توقيع الاتفاق في ظل تطورات دولية وإقليمية ساهمت في تحفيز البلدين لإعلان التوقيع في هذا التوقيت، وأبرزها:
· عودة الرئيس ترامب للبيت الأبيض
· تصاعد التوترات بين أوروبا وكل من روسيا وإيران، سواء بسبب الحرب الروسية الأوكراني، أو ملف إيران النووي.
· تصاعد النفوذ الإسرائيلي والتركي على حساب نفوذ إيران وروسيا في الشرق الأوسط إثر تداعيات طوفان الأقصى، وعودة النفوذ الأمريكي بشكل أكبر في ظل إعادة الانتشار الكثيف للقوات الأمريكية في المنطقة.
· تصاعد النفوذ الغربي في القوقاز.
· استمرار العقوبات الغربية على البلدين مما يشكل دافع نحو خلق بدائل استراتيجية في عدة مجالات.
الدوافع الإيرانية لتوقيع الاتفاق:
· شعور إيران بالتهديد، بعد الخسائر الجيوسياسية التي تعرضت لها، وتراجع نفوذها الإقليمي، وسقوط الخطوط الحمراء بينها وبين إسرائيل، وتمدد النفوذ الإسرائيلي والتركي في مناطق كانت تعد عمقا استراتيجيا لها. وذلك بالتزامن مع عودة الرئيس ترامب للبيت الأبيض وما قد يستتبع ذلك من فرض عقوبات صارمة ضدها.
· رغبة إيران في تسجيل حضورها على الساحة الدولية والإقليمية وإبراز فعاليتها، بعد تعرضها لضربات وخسائر؛ أدت لاهتزاز صورتها.
· تعقد المفاوضات بخصوص الملف النووي، ما قد يستدعي حاجتها للدور وللفيتو الروسي إذا تم تصعيد الملف لمجلس الأمن.
· محاولة الإبقاء على ما تبقى من محور المقاومة، بعد الانتكاسات التي تعرض لها. خاصة بعد سقوط الأسد، وما تبعه من جدل واستياء وتبادل اتهامات داخل المحور الإيراني ذاته، وبين إيران وروسيا.
· تعقد موقف روسيا في أوكرانيا، وانحسار نفوذها في سوريا، ورغبتها في تلميع صورتها الذاتية كقوة عظمى، مما يشكل ظرف مناسب للاستغلال كفرصة بالنسبة لإيران، في ظل وجود مصلحة مشتركة في مواجهة تصاعد النفوذ الغربي والتركي في كل من الشرق الأوسط والقوقاز، وكذلك العقوبات الغربية الموقعة على البلدين.
الأهداف الإيرانية من الاتفاق:
تحت مظلة الهدف الاستراتيجي الرئيسي الذي يجمع إيران وروسيا المتمثل مواجهة النفوذ والهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة، تتعدد الأهداف الرئيسية الإيرانية، ومعها المجالات التي شملها الاتفاق، والتي ترتكز في الأساس على المحاور الأمنية والعسكرية، والاقتصادية والتجارية، ويمكن استخلاص هذه الأهداف فيما يلي:
أهداف أمنية وعسكرية:
· التعاون الأمني والاستخباري المشترك لتعزيز الأمن والاستقرار لمواجهة التهديدات، وتقليص التدخلات الخارجية والحد من تأثيرها على مصالح البلدين.
· تبادل الخبرات وتعزيز القدرات والتعاون المشترك فيما يخص البنية التحتية الرقمية والأمن السيبراني.
· ضمان عدم استخدام الأراضي الروسية لتنفيذ أعمال عدائية ضد إيران، وفتح باب لفرص الدعم الروسي في حال تعرض إيران لهجوم عسكري (على الرغم من عدم نص الاتفاق على ذلك).
· رفع كفاءة القوات المسلحة الإيرانية، عبر التدريبات والمناورات المشتركة بين البلدين، وصفقات التسليح. خاصة في مجال الدفاع الجوي والطائرات الروسية المقاتلة، والتعاون في تطوير الصناعات العسكرية.
أهداف تجارية واقتصادية:
· مواجهة العقوبات الغربية، والنفوذ الاقتصادي الغربي والتركي في القوقاز والشرق الأوسط.
· تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي في آسيا الوسطى.
· تعزيز التجارة الثنائية بين البلدين.
· توسيع التعاون في مجال الطاقة، ودعم روسيا لمشروعات البنية التحتية الإيرانية بما في ذلك مفاعلات الطاقة النووية.
· تطوير أدوات مالية وأنظمة دفع جديدة (خاصة الرقمية منها) لمواجهة العقوبات الغربية، وتقليل اعتماد الدولار في التعاملات بين البلدين.
· خلق طرق تجارة بديلة لتلك التي تسيطر عليها الدول الغربية.
· تحسين البنية التحتية للنقل عبر جنوب ووسط آسيا، بما يعزز مركزية إيران فيها.
التداعيات المحتملة للاتفاق:
· زيادة استعداء الولايات المتحدة ضد روسيا وإيران في ظل إدارة ترامب.
· تشجيع تشكيل المزيد من التحالفات والتكتلات بمنأى عن الغرب والولايات المتحدة.
· التأثير الإيجابي على الشراكات الأخرى متعددة الأطراف التي تضم البلدين كمنظمتي شنغهاي والبريكس
· في حال فعالية الاتفاق واستمراريته:
Ø تعزيز النفوذ الإيراني والروسي في الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى.
Ø تنمية القدرات الاقتصادية والعسكرية لإيران وروسيا، وما يستتبع ذلك من استقرار داخلي للنظام الإيراني.
Ø تعزيز الاستقرار في آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين.
Ø اعادة تشكيل موازين القوى العالمية.
التحديات التي تواجه الاتفاق:
تواجه اتفاق الشراكة تحديات التي قد تعيق فعاليتها وتهدد مستقبلها، أهمها:
· طبيعة العلاقة بين إيران وروسيا، فهي علاقة تاريخيا تتسم بالتشكك والتقلب، ويمكن وصفها بالتنافس أكثر من الشراكة، ويتضح ذلك عبر محطات تاريخية مختلفة أبرزها مؤخرا الملف السوري.
· الرؤية الروسية للنظام الإيراني بأنه غير مستقر تحت المؤثرات الداخلية والخارجية.
· عدم القدرة على الحد من تأثير الضغوط والعقوبات الغربية، مع احتمالية توسعها خاصة في ظل إدارة ترامب، بما يؤثر بالسلب على تحقيق الأهداف الاقتصادية والتجارية للاتفاق، ويقلل من فرص الاعتماد المتبادل بين البلدين.
· استمرار سعي الطرفين لتوسيع نفوذهما في مناطق كالشرق الأوسط والقوقاز، مما قد يعزز التنافس أكثر من الشراكة، كما أن سعي كل منهما لخلق علاقات متوازنة مع دول تلك المناطق قد يعوق دعم كل منهما للآخر في ظل طبيعة المصالح المتضاربة في تلك المناطق.
· رغبة كل طرف في توسيع حصته في أسواق الطاقة العالمية، ما قد يسبب احتكاكات ويعرقل التعاون.
الخلاصة:
على الرغم من الطموحات الاستراتيجية بين إيران وروسيا، ورغبتهما المشتركة كقوتين في مواجهة النظام الدولي القائم بقيادة الولايات المتحدة، يواجه الاتفاق العديد من التحديات، و تظل فعاليته ومستقبله رهنا بالحسابات والإرادة الروسية أكثر من الإيرانية (حسابات القوى الشاملة لصالح روسيا) وبسياق الأحداث على الساحتين الدولية والإقليمية، فزيادة الضغوط والتهديدات المشتركة التي تواجه الدولتين – كسقوط نظام الأسد في سوريا-، واستمرار الوضع الجيوسياسي الراهن، يدفعهما تجاه تجاوز الخلافات وتعزيز الشراكة، مقابل التنافس فيما يمكن وصفه ب”تحالف الضرورة”. ومن منظور أشمل، يأتي هذا الاتفاق كمؤشر على اتجاه العالم إلى التعددية القطبية، كبداية لنهاية حقبة الهيمنة الأمريكية المنفردة.