بعد مفاوضات سرية مطولة جرت بين السعودية وإيران على مدى العامين الماضيين بوساطة عراقية وعمانية، تعرفت خلالهما كل من الرياض وطهران على شواغل الطرف الآخر ومخاوفه وتصوراته لحسم القضايا الخلافية بينهما، الأمر الذي وفر الأرضية المناسبة لتلبية نداءات الوساطة الصينية بوصفها الخيار الأمثل الذي يمكنه ضمان أي اتفاق يمكن التوصل إليه بين أكبر بلدين مطلين على مياه الخليج العربي والأغنى بين دول المنطقة بالنفط والغاز، كانا يوما هما ركيزة الولايات المتحدة لحماية الأمن وضمان تدفق الطاقة بمنطقة غرب آسيا والمحيط الهندي، ولكنهما انقلبا، منذ قيام الثورة الإسلامية، عام 1979م، إلى أعتى متنافسين على المستوى الجيوسياسي والتنافر الأيديولوجي، حتى بدى التقارب بينهما مستعصيا، خاصة بعد أن أدارا معارك دامية بالوكالة في عدد من الميادين المختلفة أدت إلى زعزعة الأمن والاستقرار الإقليمي.

وبناء على هذه الاستجابة، أجرى هذان الخصمان مباحثات سرية مكثفة على مدى خمسة أيام، انتهت بصدور بيان ثلاثي في بكين، يوم 10 مارس 2023م، فاجأ العالم بتوصلهما لاتفاق مصالحة تاريخي، يعد في الأساس شاهدا على قدرة الصين على تقديم نموذج ناجح لدبلوماسية الوساطة القادرة على صناعة السلام العالمي، وحل معضلة إقليمية لم تستطع أو لم تُرد لها الولايات المتحدة حلا. كما يعد تطورا إقليميا جذريا محملا بأبعاد استراتيجية تدخله ضمن التحولات الكبيرة التي تقودها الصين لتغيير ميزان القوى العالمي، انطلاقا من مقارباتها الاستراتيجية.

أولا: أسباب نجاح الوساطة

  1. المقاربة الصينية

من المعروف أن الصين تتبنى مقاربة التحوط الاستراتيجي، التي تسند فيها إلى قوتها الناعمة والخشنة، لتقليص التهديدات التي يمكن أن تعترض أمنها القومي، وتحويل التحديات التي تجابه مصالحها إلى فرص، وحماية الأمن والاستقرار بمراكز تدفق الطاقة التجارة ضمن مبادرة الحزام والطريق، التي تعول عليها لاكتساب السيادة العالمية من الباب الاقتصادي، وتجنب الدخول في صدام مباشر يمكن أن يستنزف قدراتها، خاصة في ظل تفاقم الحرب الاقتصادية مع الولايات المتحدة وتزايد المواجهة الحضارية مع الغرب كله.

وفي هذا الإطار، نجحت الوساطة الصينية في حل إحدى أكثر أزمات الإقليمية تعقيدا، على نحو يدل على أن المقاربة الصينية منطقية في نظر القوى الإقليمية ومقتنعة لها بأن الصين باتت هي الشريك القادر على تغيير الموازين الاستراتيجية، وإنشاء نظام دولي متعدد الأقطاب، ومقاسمة الولايات المتحدة نفوذها وزحزحة بعض الحلفاء بعيدا عنها، والإسهام في حل مشكلات المنطقة وأزماتها. وأن الولايات المتحدة لم تعد شريكا منصفا لديه القدرة على صنع سلام يماثل ما أنجزته تاريخيا بين مصر وإسرائيل، عام 1979م.

وقد كشف نجاح دبلوماسية الوساطة الصينية عوار دبلوماسية الضغط الأمريكية، وعدم قدرتها على إعادة هيكلة الشرق الأوسط على نحو يحفظ التوازن المطلوب لأثقاله الإقليمية؛ نظرا لأنها كانت دوما طرفا منحازا لطرف ضد آخر، فأحدثت خللا بتوازن القوى، خاصة بعد أدخلت العراق في دائرة الاستهداف المدمر، وتدخلت بشكل سلبي في سوريا واليمن وليبيا، وفرضت عقوبات قصوى على إيران، وفرضت صفقات تسليح استنزفت قدرات الدول الخليجية، آخرها صفقة بقيمة 450 مليار دولار للسعودية، لم تحصل الرياض في مقابلها على ضمانات أو مساعدة أمريكية كافية تحفظ لها التوزان مع طهران.

وبالتالي أصبحت القوى الإقليمية، بما فيها السعودية وإيران، ترى أن الصين تسعى استراتيجيا لتعزيز المصالح المشتركة دون أن تخضعها لشروط سياسية، أو تربطها بقضايا حقوق الإنسان، بدليل أنها قبلت تفسير الرياض لمقتل جمال خاشقجي، في 2018م، وتفهمت سلوك طهران حيال الاحتجاجات الشعبية المتكررة؛ الأمر الذي دفع الرياض وطهران، وهما الخصمان اللدودان، لاستدعاء الوساطة الصينية وإتمام المصالحة بينهما في بكين، وليس واشنطن؛ خاصة أن المقاربة الصينية تقوم على:

  • ‌أ- دعم الأمن والاستقرار: تحرص الصين على دعم الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط عامة، والخليجية منها خاصة، وبناء عليه سعت لهذه المصالحة؛ نظرا لأن استمرار التوتر بين السعودية وإيران يؤثر بالسلب على تحركاتها الدولية ومصالحها الجيوسياسية والاقتصادية المتعلقة بإمدادات الطاقة، بصورة أكبر مما يمكن أن تتعرض له مصالح واشنطن وموسكو. حتى دول أوربا يمكنها أن تستعيض عن نفط الخليج بنفط شمال إفريقيا.

وبما أن الصين تدرك أن معادلات الأمن بمنطقة الخليج العربي لا تزال خاضعة للحماية الأمريكية، فقد أكدت أنها ليست طرفا في الصراعات القائمة بالمنطقة، وأنها ليست بصدد الانخراط فيها لصالح طرف على حساب آخر، سواء كان صراعا بين العرب وإسرائيل، أو بين العرب وإيران، أو بين إيران وإسرائيل. بدليل أنها أبرمت مع كل هذه الأطراف شراكات استراتيجية واتفاقيات تعاون متنوعة دون أن تفرض من خلالها سطوتها الجيوسياسية، مقارنة بما كانت فعلته واشنطن مع هذه الأطراف. وهو الأمر الذي أسهم في أن تصبح وسيطا فاعلا بين إيران والسعودية، وربما وسيطا منشودا تنتظره مهام أخرى بالمنطقة.

  • ‌ب- تعزيز المصالح المشتركة: تسعى الصين من خلال مبادرة الحزام والطريق، لتعظيم التجارة والاستثمار بمنطقة الخليج؛ التي توفر لها أكثر من 40٪ من وارداتها النفطية، حيث استوردت منها حوالي 200 مليون طن، في 2021م، بلغ نصيب السعودية منها 18٪، بينما بلغ نصيب العراق 10.2٪، وعمان 8.8٪، والكويت 6.2٪، والإمارات 6.1٪، وقطر 1.7٪. كما تعد دول الخليج العربية سوقًا رائجة لاستهلاك المنتجات الصينية، حتى أن حجم التجارة معها ناهز 230 مليار دولار. إضافة إلى أن عملاق الاتصالات الصينية «هواوي» يقوم بتوفير قدرات الحوسبة السحابية والتقنيات الفائقة للسعودية وإيران، وشبكات الإنترنت من الجيل الخامس لكل دول هذه الدول، على الرغم من أن الضغوط الأمريكية لوقف اعتمادها على التقنيات الصينية.
  • ‌ج- دعم التحول للبترويوان: تسعى الصين لتغيير النظام المالي العالمي الحالي، لإزاحة الدولار من ساحة التجارة العالمية لصالح اليوان، وتعظيم الفرص الجيوسياسية لاستبدال سياسة «البترودولار» بـ «البترويوان» وفقا لقواعد جديدة تتيح للقوى الإقليمية تعظيم مصالحها الخاصة مع الصين، وضمن منظمة شنغهاي للتعاون، أو «البتروبريكس» ضمن مجموعة البريكس، والتخلص من الضغوط الناجمة عن التعامل بالعملة الأمريكية وحدها. ولذا سارعت إيران بالتجاوب مع هذه المساعي وتبنت استراتيجية «الاتجاه شرقا» لتعزيز مكانتها الجيوسياسية، وتعظيم قدرتها على التغلب على العقوبات المفروضة عليها، وفتح آفاق أوسع أمام تعاملاتها التجارية بعيدا عن الدولار. كما تبنت السعودية أيضا استراتيجية «التحول إلى آسيا» لدواعي سياسية واقتصادية أخرى.
  1. تحول اتجاهات القوة

في ظل تزايد الحاجة إلى إعادة التوازن الإقليمي بعيدا عن الضغوط الأمريكية، والحسابات الإقليمية الدافعة لاستمرار الخصومة بينهما، اتجهت كل من إيران والسعودية لتعزيز علاقاتهما مع الصين، على الرغم من اختلاف المنطلقات والحسابات، بينهما.

  • ‌أ- الاتجاه الإيراني شرقا: لا تعد إيران نفسها مجرد قوة إقليمية فاعلة فقط بل وقوة عالمية مؤثرة، بحكم موقعها الجيوسياسي وقدراتها الشاملة، التي لا تجعلها في موضع مقارنة مع دول الجوار بما فيها السعودية، إضافة إلى سياستها المشابهة لروسيا والصين إزاء الولايات المتحدة والقوى الغربية. ولذا تبنت استراتيجية الاتجاه شرقا، لوضع روسيا والصين موضع الأهمية القصوى ضمن ديناميات حركتها بمنطقة آسيا ودول أوراسيا، الرامية لتعزيز موقفها الدولي وطموحها في بناء نظام أمني آسيوي جماعي، يحفظ لها نفوذها الإقليمي ويحقق لها التوازن الاستراتيجي مع الغرب، خاصة أنهما من بين الدول الخمس دائمة العضوية الموقعة على الاتفاق النووي.

ولهذا فإنها قامت، بعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة الاتفاق النووي، في 8 مايو 2018م، وفرض العقوبات القصوى عليها، في 5 نوفمبر 2018م، بتوقيع اتفاقية برنامج التعاون الشامل الاستراتيجي مع الصبن، في 27 مارس 2022م، الذي يتيح ضخ استثمارات صينية بـ 500 مليار دولار في البنية التحتية الإيرانية، على مدى ربع قرن، تشمل السكك الحديدية، والموانئ الجافة، والمياه والزراعة، والصناعة، مقابل شراء النفط الإيراني. ثم اكتسبت عضوية منظمة شنغهاي للتعاون. كما قامت بتوقيع عقد قيمته 40 مليار دولار مع شركة غازبروم الروسية، في 19 يوليو 2022م، لتطوير حقول الغاز بـ «كيش» و«شمال بارس» وغيرها، واستكمال محطات الإسالة ومد خطوط تصدير الغاز الطبيعي. ثم تقدمت بطلب للانضمام إلى مجموعة البريكس بقيادة روسيا.

  • ‌ب- التحول السعودي لآسيا: لا تعد السعودية نفسها مجرد قوة إقليمية فاعلة فقط، بل وقوة عالمية مؤثرة، بحكم قدراتها المالية وثرواتها النفطية وعلاقاتها الاستراتيجية بالولايات المتحدة، ولكنها تعيش مرحلة تحول كبرى على المستوى الهيكلي، في ظل عدم مراعاة واشنطن مخاوفها من تغول نفوذ إيران الإقليمي أو برنامجها النووي والصاروخي، على الرغم من تعرض منشآتها الحيوية، ومنها منشآت أرامكو، لضربات مؤثرة على يد أنصار الله الحوثية الموالية لإيران. الأمر الذي دفعها لاعتماد سياسة خارجية خاصة بها لحل مشاكلها، وعدم وضع كل البيض كله في السلة الأمريكية، وتبني استراتيجية «التحول إلى آسيا» بحثا عن التوزان مع إيران، وردا على استراتيجية اتجاهها شرقاً، وكبح تحركاتها في آسيا وأوراسيا، ناهيك عن السعي لاحتوائها والحد من أي مكاسب إقليمية ودولية محتملة يمكن أن تجنيها من وراء شراكتها الاستراتيجية مع كل من الصين وروسيا.

وبناء عليه، وقعت اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة مع الصين، خلال زيارة «شي جين بينج» للرياض في 7 ديسمبر 2022م، أي بعد عامين فقط من توقيع بكين اتفاقية مماثلة مع طهران، كما وقعت معها مجموعة أخرى من الاتفاقيات الضخمة بحوالي 30 مليار دولار، شملت مجالات الطاقة، والبتروكيماويات، والإسكان والتعليم، وبرنامجا للتكامل بين «رؤية 2030» ومبادرة الحزام والطريق؛ لتقليص فرص تفوق إيران عليها في الاستفادة من مبادرة الحزام والطريق، وضمان استمرار تدفق الاستثمارات الصينية إليها. خاصة في ظل وجود تعاون صيني معها في التسليح والتصنيع الصاروخي والطاقة النووية، وتصنيع المسيرات، يصعب تقييمه بمعزل عن الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية الأخرى التي أبرمتها الرياض أيضا مع كل ماليزيا وإندونيسيا والهند وكازاخستان وبنجلاديش، ضمن استراتيجية «التحول إلى آسيا».

وتستند الرياض في علاقتها مع بكين إلى أنها أكبر شريك تجاري للصين بمنطقة الشرق الأوسط؛ بحجم تبادل تجاري بلغ 82,4 مليار دولار، في عام 2021م، بما يعادل ستة أضعاف حجم التجارة الصينية مع إيران، الذي بلغ 14,6 مليار دولار بنفس العام. كما تعول أيضا على قدرات الصين الصناعية لإنشاء قاعدة صناعية متقدمة بأراضيها تعزز قدرتها على منافسة تقدم إيران التكنولوجي وتفوقها العسكري؛ والحفاظ على توازن القوى الصناعية معها. خاصة أن الرياض تنظر إلى المجمعات الصناعية الإيرانية على أنها تمثل تهديدا لها، من حيث أنها تساعدها على تصدير الصواريخ والمسيرات وتقنيات الاتصالات المتقدمة بما يقوض مصالحها الإقليمية. وإذا أضفنا إلى جهودها للسيطرة على ميزان القوى مع طهران، إلى إمكانية شرائها الأسلحة الغربية، وهو خيار تفتقر إليه إيران، فيمكن أن تحقق السعودية تفوقا نوعيا على إيران.

وتقوم الحسابات السعودية على فرضية مفادها أن شراكتها الاستراتيجية مع الصين سوف تجعل حجم التجارة الإيرانية الصينية أقل مما تطمح إليه إيران، وبالتالي يظل ميزان القوى الإقليمي لصالحها. خاصة أن إيران نجحت في استغلال فرض عقوبات على روسيا لصالحها، ووقعت اتفاقيات تعاون تجاري ضخمة مع روسيا، يمكن أن تزيد من حجم التجارة بينهما أكثر من حجمها البالغ أربعة مليارات دولار في 2021م، وفي هذا السياق، سعت الرياض كثيرا لتقليص دعم المنظمات الدولية غير الغربية الناشئة لإيران، خاصة منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس؛ نظرا لأنها تشعر بالقلق من تزايد أهمية إيران في مثل هذه التكتلات التجارية والأمنية البديلة؛ لكونها منطلقا لالتفافها على العقوبات المفروضة عليها، وتسمح لها بمواصلة أنشطتها الإقليمية التي تقوض المصالح السعودية. ولهذا، تقدمت هي وقطر والبحرين بطلب انضمام إلى منظمة شنغهاي، بعد فترة وجيزة من طلب إيران.

  1. العوامل المؤثرة

البيئة المواتية، حيث فرضت المتغيرات الإقليمية الدولية بيئة مواتية لأن تعدل إيران والسعودية توجهاتهما العدائية المتبادلة، وتسوية القضايا الخلافية بينهما، والاعتراف بنفوذ الطرف الآخر ومصالحه، بعد أن كادت الخلافات بينهما تصل لطريق مسدود استراتيجيا، قد يؤدي إلى مزيد من زعزعة استقرار البنية الأمنية بالمنطقة. فقد أرادت إيران الدخول في حوار إقليمي يسهم في إنهاء عزلتها، على أن يأتي هذا الحوار من مركز قوة؛ انطلاقا من أنها حققت أهدافها الاستراتيجية باليمن والعراق ولبنان وسوريا، وأفشلت جميع محاولات تهميش دورها في صنع القرار الإقليمي، ونالت من خصمها الجيوسياسي والأيديولوجي وفق تصوراتها التالية:

  • ‌أ- أنها استدرجت الرياض لمواجهات ميدانية لا تمتلك فيها خبرة كافية، مقارنة بخبراتها التي حققت لها أهدافها الإقليمية، حيث تمكنت قوات أنصار الله الحوثية الموالية لها من استنزاف القوات السعودية بطريقة عززت مكانة الحوثيين في الداخل اليمني؛ حتى أصبح فصيلا وطنيا يدافع عن التراب الوطني ضد الغزاة. وباتت لديه القدرة على تشكيل جبهة سياسية متماسكة تفرض إرادتها داخليا وإقليميا. كما نجحت إيران في تصوير القبائل اليمنية الموالية للسعودية على أنها مجرد حفنة من المرتزقة التي ترتهن مواقفها الوطنية بقدر ما تتلقاه من دعم سعودي وإماراتي، الأمر الذي أسهم في تعميق الخلاف بين قبائل الشمال والجنوب، الأمر الذي قد يزيد من احتمالات انقسام اليمن مرة أخرى بين شمال وجنوب.
  • ‌ب- نجحت إيران في تصدير القلق إلى الداخل السعودي، وتصوير الصراع باليمن على أنه مغامرة لم تجن منها الرياض إلا الخسران، كما نجحت في تعميق مخاوفها من الأقلية الاسماعيلية بمنطقة جازان ونجران، ومن الأقلية الشيعية بالمنطقة الشرقية، التي تعد أهم مناطق انتاج وتكرير النفط، كأن تتجه نحو المطالبة بالحكم الذاتي مدفوعة بتأثير الدعاية الإيرانية، وأن يقوم بعمليات مسلحة لتحقيق ذلك، مثلما حدث في الثمانينيات، عندما هاجمت عناصر حزب الله السعودي البنية التحتية النفطية بشكل متكرر. ناهيك عن أن إيران سعت لاختراق المجتمع السعودي وتعميق الفجوة بين قبائله الكبيرة بغرض تفكيك الكتلة المؤيدة لآل سعود، كما ساندت مساعي الأقلية الشيعية لتغيير البنية الديموغرافية بالمنطقة الغربية، لا سيما بمكة والمدينة، تمهيدا لإثارة قضية مقاسمة الإشراف على الحرمين بينها وبين السعودية عندما تحين الفرصة لذلك.

وفي المقابل، أرادت الرياض وضع حد للتكلفة السياسية والاقتصادية التي تتكبدها باليمن، بعد أن نالت، بالتنسيق مع الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، من إيران وكبدتها خسائر فادحة باليمن، واستطاعت تحقيق النجاحات التالية وفق تصوراتها:

  • ‌أ- أنها جابهت جميع التحركات الإيرانية على المستوى الإقليمي، بدءا من مساندة العراق أثناء حربه مع إيران، وصولا لتقويض مساعيها للهيمنة على اليمن، مرورا بإدارة الصراع معها في سوريا والعراق ولبنان. كما نجحت في نقل الصراع معها إلى الداخل الإيراني بصورة أدت إلى تعميق أزمة النظام على المستويات كافة. كما أنها نجحت في عرقلة حصولها على اعتراف دولي ببرنامجها النووي، وأفشلت الاتفاق النووي، فانسحبت واشنطن منه، عام 2018م، وأخذت تفرض عقوبات متتابعة على مؤسساتها المالية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، وأدرجت الحرس الثوري وعدد من كبار قادته وبعض كبار المسؤولين الأمنيينعلى قائمة الإرهاب. كما زعزعت الثقة الدولية والإقليمية في مصداقية نظامها وتوجهاته، لدرجة لم يعد أحد يثق في سلامة برنامجها النووي ولا في نواياها بشأنه.
  • ‌ب- أنها قادرة على كبح طموحات إيران الإقليمية حتى ولو توصلت لاتفاق بشأن برنامجها النووي والتزمت بالمعايير والقواعد الدولية. كما استطاعت تغيير التفاعلات الإقليمية، عندما اقتربت من إسرائيل، وقام بن سلمان بزيارات سرية لتل أبيب، وسمح لخطوطها الجوية بالتحليق فوق المجال الجوي السعودي لأول مرة. فضلا عن استعداده بن سلمان لنقل التطبيع مع إسرائيل للعلن؛ بما يزيد من وزنهما الإقليمي خصما من وزن إيران، وينذر باستمرار استهداف منشآتها الاستراتيجية واستمرار النيل من الفصائل المسلحة الموالية لها في كل مكان وأي زمان.

تصدع التحالف السعودي الإماراتي وتحوله لخلاف انتهى بانسحاب الإمارات منه، عام 2019م؛ الأمر الذي دفع السعودية للبحث عن سبل لإعادة التوازن لمواقفها حيال اليمن عبر التفاوض مع إيران. على الرغم من أن ذلك لا يمثل الوضع المنشود بالنسبة لها، ولا يتماشى مع طموحها الإقليمي، إلا أنها أصبحت مضطرة إليه كي تتخلص من الضغوط الناجمة عن تورطها باليمن. خاصة أن الإمارات سبق وفتحت قنوات اتصال مباشر مع إيران، وتعمل على تحقيق مصالحها منفردة بجنوب اليمن.

تراجع الثقة في الحليف الأمريكي، فقد أخفقت الرياض في الحصول على ضمانات أمنية من واشنطن، على الرغم من التكلفة الباهظة التي دفعتها لإقناعها بضرورة إيقاع الهزيمة بإيران؛ لأن واشنطن كانت ترى أن المفاوضات هي السبيل الوحيد الممكن لاحتواء إيران وإنهاء الصراع معها؛ لأنه لا يمكن لهذا الصراع أن يستمر بينهما إلى الأبد، ولا يمكن للرياض أن تحقق أي حسم أو انتصار لها في اليمن، حتى ولو على المدى البعيد. خاصة أن هذا الصراع جعل الأصوات تتعالي داخل الكونجرس لوقف الدعم العسكري لها؛ الأمر الذي أدى إلى تصدع التحالف الاستراتيجي التاريخي بينهما؛ ومن ثم الرضوخ للتفاوض مع إيران حلا للأزمة.

إعادة التموضع الأمريكي بالمنطقة، إذ بدأت الولايات المتحدة في إعادة تموضعها بمنطقة الشرق الأوسط، في ظل تفاقم التوتر مع الصين وروسيا، وعادت لترى أن الحقائق الإقليمية المتعلقة بأمن الخليج لا تزال ثابتة ولم يطرأ عليها أي تغيير مقارنة بالماضي. ومن ثم يجب على إيران والسعودية التعاون المشترك لضمان أمن هذه المنطقة على المدى الطويل، مثلما كان عليه الوضع خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي. إلى جانب أنها أخذت تتخلي عن تقديم الدعم المطلق لحلفائها بالمنطقة، داعية السعودية والدول الخليجية الأخرى للمشاركة بشكل مباشر في توفير الأمن لنفسها، من خلال شراء كل ما يلزمها في هذا الشأن.

بزوغ الدور الصيني، إذ تتضح رغبة الصين في اختراق خصوصية العلاقة القائمة بين واشنطن والرياض، ودفع السعودية لاستخدام ورقة الصين بطريقة مستقلة عن العلاقات مع الولايات المتحدة، مثلما نجحت في تعزيز علاقاتها مع إيران في إطار مساعيها لبناء مسارات القوة بالنظام العالمي الجديد. والذي يقوم على تعميق الشعور بالاستقرار عامة والاستقرار بمنطقة الخليج بشكل خاص، من خلال التوفيق بين تصورات الأطراف والقوى الإقليمية للأمن، وبناء الثقة فيما بينها، على نحو يعيد التوازن لميزان القوى الإقليمية

ثانيا: اتفاق بكين 2023م

في تطور جذري مفاجئ، صدر بيان ثلاثي بالعاصمة الصينية؛ ليعلن عن توصل الرياض وطهران لاتفاق وصفته الصين بأنه نصر للحوار والسلام الذي ستكون له آثار ملموسة في سوريا واليمن في المستقبل القريب. وقد لقي هذا البيان أصداء إقليمية ودولية واسعة، بقدر ما عكس قدرة بكين على التفاعل بكفاءة مع المتغيرات الإقليمية والدولية، ومحورية دورها في إتمام هذه المصالحة التي اجتمعت عليه مصالح الأطراف الثلاثة، والتقت إرادتهما في حسم الخلافات واستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما.

ويبدو أن عنصر المفاجأة لهذا البيان كان ضمن حسابات طهران والرياض؛ لإحداث أكبر صدى دولي، وخلق هامش مناورة لنظامي البلدين؛ لتخفيض حدة الاحتقان الداخلي المتصاعد لديهما، والذي تبدت مظاهره في كثرة احتجاجات الإيرانية، بسبب الفساد والانسداد السياسي وتدهور الوضع الاقتصادي. وتنامي الاحتجاج الوجداني الواسع بالمجتمع السعودي ضد سياسات الانفتاح التي يقودها بن سلمان انقلابا على المنظومة القيمية المتوارثة بالبلاد منذ قيام الدولة السعودية عام 1932م ناهيك عن التململ من استمرار الصراع باليمن، والتعامل الأمريكي الذي نال من هيبة النظامين الإيراني والسعودي على حد سواء.

والحقيقة أن هذا الاتفاق يعد دالة على متغيرات جيوسياسية واستراتيجية على المستويات كافة من حيث:

  • المحورية الأمنية للاتفاق: بدليل أن رئيس مجلس الأمن القومي الصيني هو من قاد المباحثات بين الجانبين، وأن من مثل وفدي البلدين رجلان دل اختيارهما على محورية القضايا الأمنية للاتفاق، تمهيدا لتسوية القضايا السياسية؛ فقد مثل الجانب السعودي الدكتور «مساعد بن محمد العيبان» وزير الدولة وعضو مجلس الشئون السياسية والأمنية ومستشار الأمن القومي، الذي نجح في ترسيم الحدود مع اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي، بينما مثل الجانب الإيراني الأدميرال «علي شمخاني» أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي، ووزير الدفاع الأسبق، الذي كان له دور في القضاء على حركات المعارضة للثورة الإسلامية، فضلا عن أنه من أصول عربية ورمزا من الرموز الإصلاحية.               

وبناء عليه، يمكن الاستنباط بأن الأطراف الثلاثة اتفقوا على إرجاء معالجة القضايا السياسية المتعلقة باليمن ولبنان والعراق وسوريا وغيرها إلى الجهود الديبلوماسية، وهذا ما يعني أن الطريق لا يزال طويلا وربما وعرا أيضا.

  • إعادة بناء العلاقات الثنائية: إذ نجحت الصين في إعادة بناء علاقة البلدين على المستويات الأمنية والدبلوماسية والاقتصادية، على نحو يعزز الثقة المتبادلة بينهما، على نحو يضمن الاستقرار بمنطقة الخليج، ولهذا تم الاتفاق المبدئي بين الأطراف الثلاثة على:
  • استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتبادل فتح سفارتيهما في غضون شهرين، على أن يجتمع وزيرا الخارجية لاتخاذ الترتيبات اللازمة في هذا الشأن.
  • تفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بين البلدين، بتاريخ 17 أبريل 2001م، التي تشمل مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب الدولي ومراقبة الحدود البحرية والمياه الإقليمية، ومكافحة جرائم التربح غير المشروع، والجرائم الاقتصادية المتعلقة بعمليات غسيل الأموال، وتهريب الأسلحة والمخدرات، والتسلل غير المشروع، وتهريب الآثار والتراث الثقافي، وتزوير الوثائق الحكومية وتبادل المعلومات والخبرات بين الأجهزة الأمنية، وتسهيل تنقل رعايا البلدين.
  • تفعيل الاتفاقية العامة للتعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري والتقني والعلمي والثقافي والرياضي، المبرمة بينهما، بتاريخ 27 مايو 1998م، والتي شملت تشجيع وتسهيل الاستثمارات المشتركة وتبادل زيارات الوفود التجارية، وإمكانية توقيع أي اتفاقيات أخرى يريانها مناسبة في أي من هذه المجالات، وتشكيل لجنة اقتصادية مشتركة على المستوى الوزاري.
  • بزوغ التعدد القطبي: يعد هذا الاتفاق بمثابة الضربة الصينية الثانية للهيمنة الأمريكية على العالم، بعد الضربة الأولى بتشكيلها أكبر اتفاقية للتجارة الحرة في العالم بعيدا عن الولايات المتحدة، في 15 نوفمبر 2020م، وهو الأمر الذي يؤكد قدرة الصين على تشكيل الهيكل الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط، والتأثير الجيوسياسي عليها، وفرض التعددية القطبية القائمة على بناء المصالح المشتركة وليس تأجيج الصراع بين المتنافسين، وممارسة الضغوط وفرض الشروط، على نحو يزيح الولايات المتحدة من الانفراد بتحديد إيقاع الأحداث بها، وأنها لم تعد القوة الوحيدة القادرة على صنع السلام،
  • استقطاب القوى الإقليمية: يعكس هذا الاتفاق، الذي حظي بإشادة أممية ودولية وإقليمية، نجاح الصين في استقطاب أكبر منتجين للطاقة في العالم، وقدرتها على تشكيل اتجاهاتهما الاستراتيجية، ودفعهما لاستخدام ورقة الصين في إدارة علاقاتهما مع الولايات، على نحو يزيد من احتمال استدعاء دورها الفعال لحسم قضايا إقليمية أخرى، كأن تطلب دولة الإمارات مساعدتها في حل نزاعاتها الإقليمية، على الرغم من احتفاظها بعلاقات دفاعية مع الولايات المتحدة،أو أن تدعوها مصر للتوسط في حسم أزمة سد النهضة مع أثيوبيا، ضمانا للمصالح الصينية والمصرية والأثيوبية على حد سواء.
  • عدم تهديد المصالح الأمريكية: فالصين ليست بصدد تهديد المصالح الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط؛ بدليل أن الاتفاق الذي رعته بكين ربما يساعد واشنطن على إعادة هيكلة مصالحها الأساسية بهذه المنطقة الحساسة من العالم؛ نظرا للاعتبارات التالية:
  • أن الاتفاق لا يقوض المصالح الأمريكية بشكل خطير، بعكس مما قد يبدو للوهلة الأولى، كما أنه يعد في نهاية المطاف استكمالا لجهودها الرامية لاحتواء إيران، ويحقق الاستقرار الإقليمي الذي تحتاجه لاحتواء الصين، ويقلل نفقات التزاماتها المتعلقة بالدفاع عن دول الخليج العربية؛ بدليل أن إدارة الرئيس بايدن لم تعرب عن قلقها الجاد لا بشأن هذا الاتفاق، ولا حتى بشأن الشراكة الاستراتيجية بين السعودية والصين.
  • أنه يسهم في إزالة التوتر من التفاعلات البينية بالشرق الأوسط، ويوفر أساسا للدول العربية لتحسين علاقاتها بإيران، وهذا يعني اعترافا ضمنيا بدورها في صنع القرار الإقليمي، بقدر ما يعني أيضا مساعدة السعودية في صياغة تفاعلاتها الخارجية وفقا لتصوراتها الاستراتيجية على نحو يحقق طموحاتها بالريادة العربية والإسلامية من باب السياسة وليس الاقتصاد والثروة.
  • أنه يمثل استجابة مقنعة لشواغل السعودية ومخاوفها الأمنية بشأن برنامج إيران النووي، وبالتالي فمن المحتمل أن تبدي الرياض مرونة في مواقفها المتصلبة حيال إحياء الاتفاق النووي ينهي أي سباق إقليمي نحو امتلاك أسلحة نووية.

ثالثا: التداعيات المحتملة:

من الواضح أن هذا الاتفاق الذي يعد جزءا من الاستراتيجية الصينية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، ونطاقا للمنافسة الأمريكية ـ الصينية، سوف تكون له تداعيات إقليمية ملموسة على المدى القريب، من حيث:

  • إيران: يعد الاتفاق جزءا من نجاح الجهود الإيرانية لتحسين علاقاتها الإقليمية وعلى رأسها السعودية، تمهيدا لتنفيذ استراتيجية «الخطوة الثانية» المتعلقة بتعزيز نفوذها الناعم للتأثير على المكون الديموغرافي للشريط الجنوبي للخليج العربي، الممتد من البصرة جنوبي العراق وصولا إلى اليمن، مرورا بالكويت وقطر والبحرين والمنطقة الشرقية السعودية والإمارات العربية المتحدة. بغرض استعادة القاعدة الجماهيرية التي تقلصت في ظل ممارستها العدوانية تجاه الشعوب العربية
  • تشعر إيران بأنها حققت انتصارا جيوسياسيا ضمن لها عدم استمرار السعودية، وهي الدولة التي لا يمكن تجاهلها على المستوى العربي والإسلامي، على الجهة المعادية لها؛ نظرا لأن هذا الاتفاق أخرجها من محاولات إسرائيل والدول الأعضاء بالاتفاقيات الإبراهيمية لتشكيل نظام دفاع جوي متكامل ضدها. إلى جانب أنه يعزز موقف إيران الإقليمي والدولي في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل. فضلا عن أنه ساعدها بالتعاون مع الصين، في زحزحة السعودية بعيدا عن واشنطن حليفتها الاستراتيجية كما ضاعف من حظوظها المتعلقة بالاستفادة من خطوط الغاز، خاصة خط إيران -باكستان والهند المعروف بخط أنابيب السلام، في حال مده إلى الصين، وأن تصبح أراضيها جسرًا لحركة التجارة العابرة من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق.
  • أنه يزيد من قدرة إيران على الحركة داخل عمقها الاستراتيجي بالعراق وسوريا ولبنان، وتعزيز التبادل التجاري والتعاون الصناعي معها، وتفعيل الاتفاقات الموقعة في هذا الشأن، وإنشاء قنوات اتصال برية وجوية وبحرية معها، وعلى رأسها خط سكة حديد «خرمشهر -البصرة -اللاذقية» ليكون محورا استراتيجيا لعبور الصادرات الإيرانية وغير الإيرانية إلى الأسواق العراقية والسورية واللبنانية، وربما الوصول لأسواق شمال أفريقيا وأوروبا في وقت لاحق
  • سوف يسهم هذا الاتفاق، بعد تفعيل الاتفاقية العامة للتعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري مع السعودية، في خروج إيران من عزلتها الاقتصادية، ويخفف من وطأة العقوبات المفروضة عليها. خاصة أن تطوير الصين للبنية الصناعية والإنتاجية والبنية التحية في كل من إيران والسعودية، سوف يؤدي إلى زيادة طموحاتهما للتحول إلى عملاق اقتصادي عالمي، بفضل امتلاكهما لاحتياطيات هائلة من الطاقة والخامات الطبيعية، الأمر الذي ربما يعزز التعاون الاقتصادي بينهما مستقبلا، من جهة. ويزيد المنافسة الاقتصادية بين أبو ظبي والرياض من جهة أخرى.
  • السعودية: تشعر أنها حققت انتصارا إقليميا لكونها الطرف العربي القادر على تحديد إيقاع التفاعلات الإقليمية، والإمساك بأهم القضايا العربية في كل من اليمن وسوريا والعراق ولبنان وفلسطين؛ الأمر الذي يمكن استنباط النوايا السعودية تجاه تكثيف مساعيها لإعادة هيكلة المنظومة العربية وفقا لتصوراتها الخاصة ومحورة دورها العربي والإسلامي، الأمر الذي يعزز احتمالات ممارسة ضغوطها على مصر لتحقيق ذلك، خاصة أنها تشعر أنها كانت السند الأقوى لثورة 30 يونيو التي أطاحت بنظام الإخوان المسلمين من مصر ومن المنطقة بالتبعية.
  • من المحتمل، أن تتفاقم الخلافات بين الرياض وأبو ظبي بسبب عدم رضا السعودية عن سيطرة الإمارات على مناطق تعتبرها حيوية بالنسبة لها بجنوب اليمن وجزيرة سقطرى، إضافة إلى سيطرتها على المطارات والموانئ اليمنية الاستراتيجية المطلة على بحر العرب وخليج عدن، فضلاً عن حقول غاز ونفط بمحافظاته الشرقية، الأمر الذي ربما يزيد من احتمالات انقسام الجمهورية اليمنية مرة أخرى بين جنوب وشمال، وإفشال خطط السعودية لمد أنابيب نقل الطاقة عبر شقه الجنوبي.
  • من المحتمل أن يوظف محمد بن سلمان الاتفاق مع إيران في تعزيز انفراده بالعرش السعودي متغاضيا عن تفاقم الانقسام داخل العائلة المالكة، وأن تزيد طموحاته للانفراد بالزعامة الإقليمية، على نحو يعرقل طموحات القاهرة لاستعادة الثقل السياسي والاقتصادي إليها مرة أخرى، ويعرقل، بالاتفاق مع إيران، مشروع الشام الكبير.
  • الصين: من المحتمل أن يؤدي الاستقرار الإقليمي وتطور العلاقات الإيرانية العربية إلى نجاح المساعي الصينية لإنشاء منطقة تجارة حرة، تعزز مكانتها بمنطقة الشرق الأوسط على المستويات كافة، ويصب في مصلحة جميع الأطراف فيها، خاصة أن مصالح طهران والرياض وبكين سوف تكون آمنة.
  • أن تتقلص التهديدات الإيرانية المستمرة بإغلاق الملاحة الدولية بمياه الخليج العربي، وبالنظر إلى اتفاقيات التعاون والشراكات الاستراتيجية التي وضعت كل من إيران والسعودية في مركز الإسقاط الاقتصادي لبكين تجاه الشرق الأوسط، في ظل تعطشها المتزايد للنفط والغاز. الأمر الذي يزيد من احتمالات اشتراك الرياض وطهران في بناء نظام أمني آسيوي جماعي شامل في المستقبل المنظور، وفق التصورات الصينية والروسية.
  • إسرائيل: من المحتمل أن يؤدي تنامي دور الصين بمنطقة الخليج العربي إلى تعقيد الموقف الإسرائيلي من إيران؛ خاصة بعد أن بات عليها أن تأخذ مصالح الصين في اعتبارها إذا أرادت توجيه ضربة وقائية ضد إيران. وبالتالي ربما تنحصر المواجهات بينها وبين إيران على الأراضي السورية واللبنانية والأراضي المحتلة، وتنفيذ عمليات نوعية ضد المنشآت الاستراتيجية بالداخل الإيراني. غير أنه من المحتمل أن تضع السعودية تطبيع العلاقات مع إسرائيل ضمن خياراتها الاستراتيجية المستقبلية؛ استنادا إلى أنه جزءا من التصورات الأمريكية والصينية لضمان تماسك البنية الأمنية على المستوى الإقليمي.
  • مصر: من المحتمل أن يقلص الاتفاق السعودي الإيراني من فرص استمرار دور مصر الضامن لأمن وسلامة منطقة الخليج بعد أن باتت لها قوة إيرانية وسعودية اتفقت على أن تحميها، طالما تذرعت به مصر لمواصلة هذا الدور. كما قلص من هامش المناورة المصرية مع إيران التي تدرك أن تحسن علاقاتها مع السعودية سوف تفضي إلى تحسين علاقاتها مع مصر بالتبعية. وبالتالي من المحتمل أن تواصل الحوار مع الجانب المصري لحسم الملفات العالقة بينهما.
  • في حال استئناف العلاقات المصري الإيرانية، أيا كان التوقيت، فإن ذلك سيعد قبلة الحياة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، الذي ينطلق هو والنظام الإيراني من مفهوم أيديولوجي متقارب في الأهداف والوسائل. كما يمنحها الفرصة المواتية لاختراق المجتمع المصري، المرهق اقتصاديا والمهتز قيميا، لنشر قيم المذهب الشيعي بما يؤدي إلى صحوة سلفية تلقائية، تحول مصر إلى ساحة خلفية للصدام الطائفي، الذي اضطرت إيران والسعودية للتوقف عنه بشكل مباشر بينهما.
  • العراق: يعزز الاتفاق السعودي الإيراني من احتمالات بقاء العراق مجرد دولة تابعة لإيران، على المدى القريب والمتوسط
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version