سارة طارق النادي
يشكل سقوط نظام الأسد في سوريا يوم الأحد (8 ديسمبر) تحولاً جذريًا في مسار الأزمة السورية وذلك بعد أن شنت فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا، هجومًا عسكريًا واسع النطاق في (27 نوفمبر) الماضي ضد قوات النظام السوري، حققت خلاله مكاسب ميدانية كبيرة. وفي تطور مفاجئ للأحداث، أعلنت هذه الفصائل عن سيطرتها على العاصمة دمشق، معلنة بذلك سقوط نظام بشار الأسد. ويثير هذا التطور السريع لسيطرة فصائل المعارضة على دمشق وإسقاط النظام السوري عدة تساؤلات حول الموقف التركي من سقوط النظام السوري وتداعياته الإقليمية، وأيضًا حول الدور التركي المتوقع في الفترة الانتقالية في سوريا، والتحديات التي تواجهها أنقرة في هذه المرحلة.
الموقف التركي من سقوط النظام السوري:
تدعم تركيا الفصائل المسلحة المعارضة للرئيس السابق بشار الأسد منذ اندلاع الأزمة السورية، وقد دفعتها إلى ذلك عدة أهداف جيوسياسية، أهمها: تأمين حدودها الجنوبية من خطر تمدد نفوذ الأكراد المسلحين في شمال سوريا، فتركيا تصنف حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، وتعتبر وحدات حماية الشعب الكردية التي تشكل قواتها العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) امتدادًا لحزب العمال الكردستاني. وبالتالي، فإن أي توسع للنفوذ الكردي في شمال سوريا يعتبر تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.
لم يكن الدعم التركي لهذه الفصائل لوجستيًا وعسكريًا واستخباراتيًّا فحسب؛ بل امتد للدعم السياسي والإعلامي أيضًا؛ فاعترفت سياسيًّا بالمعارضة السورية كممثل شرعي للشعب السوري، ووفرت لهم منصات إعلامية تسلط الضوء على الانتهاكات التي يرتكبها النظام السوري.
واستمر هذا الدعم التركي على مدار سنوات، حتى منحتهم أنقرة الضوء الأخضر، لشن هجوم واسع النطاق ضد النظام السوري في (27 فبراير الماضي)، أسفر عن سقوط النظام في غضون اثني عشر يومًا، وسرعان ما زار رئيس جهاز الاستخبارات التركية إبراهيم قالن دمشق مع وفد قطري، واجتمع مع أحمد الشرع (الجولاني)، لتصبح هذه أول زيارة رسمية رفيعة المستوى إلى سوريا بعد سقوط النظام السوري، كما تم إعادة فتح السفارة التركية في دمشق.
التداعيات الإقليمية لسقوط النظام السوري:
رغم صعوبة تقييم تداعيات هذه المرحلة بشكل دقيق، إلا أنه من المؤكد أن ميزان القوى الفاعلة في سوريا يشهد تغييرات كبيرة ومُتسارعة، فمع التراجع الملحوظ للنفوذ الإيراني والروسي، أصبحت تركيا اللاعب الإقليمي الأكثر نفوذاً في سوريا، كما لا ينبغي إغفال ما قامت به إسرائيل فور إعلان سقوط النظام السوري موجهة رسالة أنها قوة فاعلة في المنطقة، ولن تسمح بتنامي نظام يمثل لها تهديدًا لا سيما إذا كان على حدودها، حيث سارعت بشن هجوم عسكريّ واسع النطاق على عدة مناطق بسوريا، هدفت من خلاله تدمير قدرات الجيش السوري، واحتلت المنطقة العازلة في الجولان ومنطقة جبل الشيخ السورية ساعية بذلك توسيع المنطقة العازلة في الجولان.
أما تركيا، فعلى الرغم من سيطرة الجيش الوطني السوري على عدة مناطق تابعة للنفوذ الكردي مثل تل رفعت ومنبج، إلا أنها تصطدم مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة أمريكيًا والتي استغلت الأوضاع في سوريا ووسعت مناطق نفوذها، وهو ما يشكل تهديدًا كبيرًا لأهداف تركيا في سوريا، ويهدد بتحول المنطقة إلى ساحة صراع بالوكالة بين أنقرة وواشنطن مالم يتم التنسيق بينهما.
وبالنسبة لإيران، تراجع نفوذها بشكل ملحوظ ولن تسمح القوى الفاعلة الحالية في سوريا في استعادة نفوذها السابق. لكن الوضع يختلف بالنسبة لروسيا بسبب وجودها العسكري في قاعدتي طرطوس البحرية وقاعدة حميميم، وقد اعتبر الكرملين أنه من السابق لأوانه تحديد مستقبل القواعد العسكرية الروسية في سوريا، مضيفاً أن “هذا كله موضوع للمناقشة مع أولئك الذين سيتولون السلطة في سوريا”.
دور تركيا المتوقع في المرحلة الانتقالية في سوريا:
- الاستمرار في دعم فصائل المعارضة المسلحة وتشكيل حكومة انتقالية: من المرجح أن تستمر تركيا في دعم فصائل المعارضة السورية التي تتفق مع أجندتها عبر تقديم الأسلحة والتدريب لمواجهة الفراغ الناجم عن سقوط الأسد، كما ستسعى لتشكيل حكومة انتقالية في سوريا تتوافق مع مصالحها، وهذا ما قد حصل بالفعل.
- توسيع المنطقة الآمنة: من المتوقع أن تسعى تركيا بشكل أكبر لزيادة المنطقة الآمنة في شمال سوريا بهدف حماية حدودها ومنع تسلل الأكراد أو المتطرفين إلى أراضيها، بالإضافة إلى منع أي محاولة لتأسيس كيان كردي مستقل في شمال سوريا.
- العمل على عودة اللاجئين السوريين: ستسعى تركيا إلى عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم ويقدرون بحوالي (3.6 مليون سوري)، مما يخفف الضغط على الاقتصاد التركي، ويخفض معدل البطالة، وتهدئة الداخل التركي المعارض لوجود السوريين في تركيا.
- المشاركة في إعادة إعمار سوريا: ستسعى تركيا لإعادة إعمار المناطق التي تسيطر عليها، وستشجع الاستثمارات التركية في سوريا.