يعد الصراع الذي تجدد صباح يوم الـ 27 من سبتمبر 2020م، بين أرمينيا وأذربيجان، حول إقليم ناجورنو قره باغ، واحدا من أهم القضايا ذات البعد الجيوسياسي المعقد الذي وقع بمنطقة القوقاز؛ ولعبت فيه القوى الفاعلة والمنتفعة منه، سواء الإقليمية، أو فوق الإقليمية، دورا مؤثرا. كما إنه انطوى على أهمية استراتيجية بالنسبة لإيران؛ لكونه وقع على حدودها الشمالية، بما يحمله ذلك من تهديد لمصالحها في منطقة تتشابك فيها المصالح الروسية والإيرانية والتركية، ويمثل تهديدا لأمنها القومي لكونه صراعًا يماهي بين الهوية الدينية والعرقية، وله امتداد عرقي داخلي، يمثله الأذريون بوصفهم مواطنين يمثلون ثاني أكبر عرقية في المجتمع الإيراني بعد الفرس، سيما وأن هناك تاريخًا متراكمًا من محاولات الانفصال عن الدولة الإيرانية. فضلا عن امتداد آخر طائفي يمثله الأرمن، بوصفهم أقلية مسيحية معترف بها في الدستور، يمثلها نائب في مجلس الشورى الإسلامي.
وكان من الطبيعي أن يتفاعل كلا الامتدادين العرقي (الأذري) والديني (الأرمن) مع تطورات الأزمة، وكذا مع الدعاية الموجهة إليهما من طرفي الصراع أذربيجان وأرمينيا، أو من جماعات الضغط الإيرانية سواء المتواجدة داخل البلاد أو خارجها، بصورة عززت من احتمال انتقال هذا الصراع الخارجي إلى المجتمع الإيراني. وهو الأمر الذي أوجب على صانع القرار الإيراني التعامل معه بحذر شديد، إذ نادت طهران، منذ الوهلة الأولى، بالوقف الفوري لإطلاق النار، والبدء في المفاوضات بين الجانبين، خاصة أن خبراتها المكتسبة من التعامل مع أفغانستان والعراق، جعلتها تدرك أن إطالة أمد الصراع بين باكو ويريفان يستهدف ما يلي:-     
  • إعادة إنتاج الهوية في منطقة القوقاز على أسس عرقية وطائفية بطريقة ربما ستفضي إلى اندماج محافظتي أذربيجان الشرقية والغربية مع جمهورية أذربيجان (لتكوين أذربيجان الكبرى) خاصة أن هناك دعوات تتبناها جماعات داخلية وخارجية في هذا الشأن.
  • خلق بيئة مواتية لتجنيد ونقل الجماعات الراديكالية المتطرفة من المناطق المتوترة الأخرى إلى مناطق القتال، وربما توطينها على حدودها الشمالية، بما يزيد من احتمالات تعرضها لعمليات اختراق أمني كبير.
وفي هذا السياق، سوف تجيب هذه الورقة، على الأسئلة التالية:
الأول: ما محددات الموقف الإيراني من تجدد الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، في ضوء ما تمثله منطقة القوقاز من أهمية استراتيجية لها؟
الثاني: ما هو موقف إيران في مقتضيات الحفاظ على مصالحها تجاه منطقة القوقاز بعد انتهاء القتال بهزيمة أرمينيا؟
الثالث: ما هي تداعيات الصراع الأرميني الأذري على الدور الإيراني في منطقة القوقاز؟
أولا: محددات الموقف الإيراني
المحدد الأول: علاقات إيران بطرفي الصراع
تمثل منطقة القوقاز أهمية استراتيجية خاصة بالنسبة لإيران، وتتجلى هذه الأهمية إذا علمنا أن إيران هي الدولة الوحيدة التي لديها أطول حدود سياسية مع هذه المنطقة، تشمل كل من أذربيجان وإقليم نخجوان التابع لها، وأرمينيا وإقليم ناجورنو قره باغ المتنازع عليه. وقد انطلق موقف إيران من تجدد الصراع مؤخرا بين أرمينيا وأذربيجان من منظور علاقتها بطرفي النزاع، وبات أحد محددات تفاعلها مع تطورات هذا الصراع، منذ لحظة اشتعاله وحتى وقف إطلاق النار.
بداية، تحظى العلاقات الإيرانية الأرمينية بأهمية خاصة؛ إذ تجمعهما حدود مشتركة تبلغ 35 كم2 تقريبا، يربطها معبر بري واحد هو معبر نوردوز ويحتفظان بعلاقات متعددة الجوانب. فعلى المستوى الاقتصادي، تمثل إيران شريانا حيويا بالنسبة لأرمينيا، نظراً لأنها محاطة بحدود تركية مغلقة من جهة الغرب، وبصراع مع أذربيجان من ناحية الشرق، وبعدم استقرار في جورجيا من جهة الشمال.
كذلك تمثل أرمينيا، وهي عضو بالاتحاد الأوراسي، منفذا مهما للصادرات الإيرانية إلى جورجيا وروسيا، في ظل العقوبات الأمريكية. فضلا عن أن كلا البلدين ضلعان في محور طهران -موسكو – يريفان، لتنسيق المصالح المشتركة في منطقة القوقاز. وقد نجح البلدان في إبرام عدد من اتفاقيات التعاون بخصوص مد خط أنابيب لنقل الغاز، وخطين لنقل الطاقة الكهربائية من إيران إلى أرمينيا، فضلا عن إنشاء مزرعة رياح بأرمينيا، والاستغلال المتبادل لأراضي كل منهما في نقل البضائع، والتعاون داخل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
الإيرانية
العلاقات الإيرانية – الأرمينية “أرشيفية”
كما شملت أيضا مجالات الزراعة والثروة السمكية والحيوانية، والمعاملات المصرفية، والاستثمار المشترك، والاتصالات، والألياف الضوئية وشبكات التليفون المحمول. فضلا عن التعاون الثقافي والعلمي والتعليمي. أما على المستوى السياسي فإن أرمينيا تمثل أهمية نسبية لإيران، لكونها خصم لأذربيجان، التي تتحسس بدورها من أي تطور إيجابي في العلاقات بين طهران ويريفان، لدرجة أن باكو تعد ذلك متغيرا سلبيا في علاقاتها مع طهران. خاصة أن الموقف الإيراني مساند لأرمينيا في النزاع معها حول ناجورنو قره باغ. ومع هذا يمكن القول إن الحسابات الإيرانية، كانت تأخذ في حسبانها أيضا أن أي تعاظم لقوة أرمينيا سوف ينعكس بالسلب على طائفة الأرمن في الداخل، خاصة في عالم اليوم الذي يتم فيه العمل على إعادة إنتاج دور الهوية الطائفية في السياسة. كما تأخذ طهران في حسبانها أيضا أن أرمينيا حريصة دائما على تعزيز علاقاتها بإسرائيل، وأعادت فتح سفارتها في تل أبيب، مما يشير إلى احتمال ألا يغفل القرار الأرميني في المستقبل المصالح الإسرائيلية، حيال أي مسألة تخص علاقاتها بإيران.
وفي المقابل، تلعب أذربيجان، ثاني أكبر دولة شيعية في العالم من حيث عدد السكان بعد إيران، دورا محوريا وحاسما في سياسات إيران تجاه منطقة القوقاز، كما أن إيران ليست مجرد دولة عادية بالنسبة لأذربيجان؛ إذ يتقاسمان معا حدودا مشتركة تبلغ 735 كيلومترا تقريبا، منها 578 كم2حدود بحرية على بحر قزوين، و178 كم2 حدودا برية. ويربط البلدين ثلاثة معابر برية، هي آستار، وبيله سوار، وأصلاندوز. كما يربط إيران بإقليم نخجوان المتمتع بالحكم الذاتي معبران هما پُلدشت، وجُلفا، كما تقع أذربيجان شمال أربع محافظات إيرانية هي: جيلان وأردبيل وأذربيجان الشرقية، وأذربيجان الغربية. وعلى الرغم من ذلك فإن العلاقات الإيرانية الأذرية ظلت تسير في الاتجاه الذي ترى طهران أنه لا يحقق مصالحهما المشتركة، وذلك للأسباب التالية:
العلاقات بين إيران و باكو – االمصدر: IRNA ARABIC
أولا: تنامي الشكوك، لحد تبادل الاتهامات بين البلدين، بسبب تناقض طبيعة نظامي البلدين وتوجهاتهما. فضلا عن أن القراءة الأذرية للتشيع، الذي يعول عليه النظام الإيراني لتعزيز علاقاته الثنائية مع باكو، تختلف اختلافًا جوهريًا، على مستوى المفاهيم والتصورات، عن القراءة الإيرانية. إضافة إلى أن النظام في إيران هو نظام أيديولوجي يقوم على بناء الدولة الإسلامية، التي لا يروق له كثيرا علمانية النظام في أذربيجان، لأنه يقوم على بناء الدولة القومية، ورفع شعار الوحدة بين أبناء العرق الواحد واللغة الواحدة. وهو أمر يمثل في حد ذاته تحديا عرقيا لإيران. وفي المقابل لا يروق لأذربيجان محاولات إيران المستمرة لتصدير قيمها الثورية إليها، إلى الجمهوريات المجاورة، كما ترفض عمليات التحريض المؤدلج للمجتمع الشيعي للتمرد على النظام الأذري. وبناء على هذا، تتبنى كل من طهران وباكو خطابا إعلاميا مناوئا لتوجهات الآخر ومقولاته المختلفة.
ثانيا: قيام طهران برعاية الإسلاميين وغيرهم من الجماعات المناهضة للحكومة الأذرية، في مقابل تبني باكو “حركة التحرير الوطني لجنوب أذربيجان” لتذكير طهران بأن لديها من الوسائل ما يمكنها من تهديد استقرارها. خاصة أنها ضمَّنت كتب مدارسها خرائط لأذربيجان تضم محافظات شمال غرب إيران، وبثت سلسلة من البرامج التلفزيونية التي تعزز الثقافة القومية لدى الأذربيجانيين
ثالثا: محاولات إيران إخضاع أذربيجان لإرادتها السياسية، إذ يرى الإيرانيون أن توجهات باكو الخارجية تشكل تحديا استراتيجيا لمصالحها الوطنية، من ثم، انتقدت بشكل دائم علاقات باكو الاستراتيجية بكل من تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك بحلف الناتو. ورداً على ذلك، أعلنت باكو أن سياستها الخارجية مستقلة، ولا تقبل أن تعترض إيران على علاقاتها الوثيقة مع أحد، وعليها احترام استقلالها، خاصة أن إيران تقيم علاقات وثيقة مع أرمينيا، على الرغم من احتلالها 20٪ من الأراضي الأذربيجانية، وتقدم لها كل الدعم والمساندة في صراعها حول ناجورنو قره باغ منذ مطلع التسعينات.
رابعا: استمرار الخلافات القائمة بين البلدين حول النظام القانوني لبحر قزوين، وخطوط الطاقة الممتدة عبر مياهه، ومحاولة طهران إحباط مشروعات تصدير الطاقة الأذرية. والإصرار على استعادة سيطرتها منفردة على منطقة بحر قزوين، التي تحوي أكثر من 300 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.
المحدد الثاني: القوى الفاعلة في الأزمة
تميز الصراع الأرميني الأذري، بأن إيران وتركيا وروسيا، كانت قوى فاعلة فيه، وتبنت سياسات خاصة تجاه البلدين المتصارعين. إلى جانب انخراط قوى فاعلة أخرى غير إقليمية مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، عملت على توسيع نفوذها السياسي وتعزيز مصالحها الاقتصادية والأمنية في منطقة القوقاز. ولعل هذا الانخراط هو الذي عقد الموقف الإيراني، حتى جعله أقرب إلى إدارة حسابات النفوذ مع هذه الفواعل جميعا، منه إلى باب الحرص على حل أزمة الصراع حول ناجورنو قره باغ في حد ذاتها. وبناء على هذا أدرجت طهران في حساباتها، أثناء إدارة أزمة هذا الصراع، الموقف الروسي، الذي يرى أنه لا يزال يعتبر منطقة القوقاز ضمن مجالاته السياسية والأمنية، ويحتفظ لنفسه بمهمة الحفاظ على الأمن والاستقرار فيها بوصفها جزءا من استراتيجيتها حيال هذه المنطقة. وبالتالي اقترب الموقف الإيراني نسبيا من الموقف الروسي، الذي تمتع بقدر لا بأس به من ضبط النفس، وعدم الاستعداد للتورط في الصراع، على الرغم من عضوية أرمينيا الرسمية في منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وبالتالي أصدرت الخارجية الروسية بيانًا دعت فيه إلى الوقف الفوري لإطلاق النار وبدء المفاوضات بين الجانبين. انطلاقا من الاعتبارات التالية:
أولا: أن أرمينيا نفسها لم تعترف باستقلال إقليم قرة باغ المتنازع عليه، كما لم تعترف به روسيا أيضا. إضافة إلى أن أذربيجان امتنعت، بحكمة، عن الغزو المباشر للأراضي الأرمينية، الأمر الذي كان من شأنه أن يثير مسألة التزامات روسيا تجاه أرمينيا
ثانيا: أن أذربيجان تتمتع بعلاقات جيدة مع روسيا، خاصة أنها لم تغلق المدارس الروسية، التي ورثتها عن الحقبة السوفييتية، وحرصت على تطور علاقاتها التجارية والاقتصادية والعسكرية معها، كما لم تسع يوما ما للدخول في تحالفات معادية لها، وتعترف بمصالحها في المنطقة. في حين أن أرمينيا أظهرت، بعد تولي رئيس الوزراء الحالي، نيكول باشينيان، بكل الطرق الممكنة رغبتها في الاقتراب من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي على حساب المصالح الروسية.
ثالثا، أظهرت أرمينيا، على مر السنوات الماضية، عنادا يفتقر إلى المنطق السليم والقدرات العسكرية فيما يخص تسوية قضية قرة باغ، بما في ذلك عدم موافقتها على الصيغ التي اقترحتها موسكو في هذا الشأن.
ولذا، شعرت طهران بارتياح عندما نجحت الجهود الروسية في إيقاف الحرب، بصرف النظر عما حققته موسكو من مكاسب عدة، أهمها: أنها لم تستدرج للتورط في صراع يمكن أن يستنزف مواردها. وقلصت، بذات القدر بالتعاون مع الولايات المتحدة وحلفائهما، من تغول القوى الأخرى على المعادلات السياسية والاقتصادية التي أفضت إليها نتائج الحرب. فضلا عن أنها نجحت في الحفاظ على استمرار وجودها العسكري والأمني في القوقاز بوصفها راعية لوقف إطلاق النار، ولحفظ السلام في المناطق التي حررتها أذربيجان من القوات الأرمينية.
“باكو” هى أول عاصمة يزورها “أردوغان” بعد تنصيبه لولاية ثانية – المصدر:BBC
ومن ناحية أخرى، كان الموقف الإيراني معني بالبحث عن دور موازٍ يستهدف التقليل من تداعيات موقف المنافس التركي الداعم لأذربيجان بالتسليح والمقاتلين، على أمنها القومي ومصالحها في القوقاز، وهو موقف رأته طهران يمثل تحديا عرقيا لها، خاصة أن الخطاب السياسي التركي كان يؤكد، طوال مدة القتال، على استمرار دور الهوية العرقية في مساندة باكو، انطلاقه من شعار أمة واحدة في وطنين. وأن موقف أنقرة استهدف تعزيز الدور التركي في آسيا الوسطى والقوقاز، اعتمادا على استمرار العلاقات الاستراتيجية بينها وبين أذربيجان. وبالتالي فإن انتصار الجيش الأذري على أرمينيا قد ضمن لها حماية تدفق الغاز الأذري إلى أراضيها عبر خط أنابيب “تناب” الذي تم تنفيذه -1850 كم- في عام 2019م، كما ضمن لها أيضا أمن نقل الطاقة من أذربيجان وآسيا الوسطى إلى أوروبا، عبر أراضيها.
كما تعامل الموقف الإيراني من أزمة الصراع حول ناجورنو قره باغ من منظور العلاقات الوثيقة بين باكو وتل أبيب، لكونه يمثل تهديدًا استراتيجيًا لها استنادا إلى رؤيتها القائمة على أن هدف إسرائيل الرئيسي من هذه العلاقات يكمن في إنشاء منظومة تعاون عسكري واستخباراتي مشترك يمنع إيران من توسيع نفوذها في منطقة القوقاز. فضلا عن الحفاظ على الأقلية اليهودية داخل المجتمع الأذري، وتنظيم هجرة اليهود إليها، من خلال “الجمعية العالمية لإسرائيل -أذربيجان”. بينما يقوم هدف باكو من علاقتها بتل أبيب على كبح الدور الإيراني المساند لأرمينيا من ناحية، واستخدام اللوبي اليهودي لوقف تحركات اللوبي الأرميني في الولايات المتحدة، من ناحية أخرى.
وبالتالي تزداد المخاوف الإيرانية طرديا مع تنامي العلاقات الإسرائيلية الأرمينية، خاصة أن أذربيجان اصبحت واحدة من أكبر مستوردي الأسلحة والخبرة العسكرية الإسرائيلية، وجعلت إسرائيل، في المقابل، واحدة من بين أكبر خمس شركاء تجاريين لأذربيجان، وثاني أكبر مستورد للنفط الأذري، الذي يصل إليها دون انقطاع عن طريق خط أنابيب تركي، بعد مروه بخط أنابيب: باكو -تبيليسي -جيهان، على بعد 600 كيلومتر من حيفا. ولكن الأخطر بالنسبة لإيران فيتمثل في أن إسرائيل أصبحت على أعتابها الشمالية، من خلال محطة التنصت والمراقبة التي أقامتها بالقرب من حدودها. وبالتالي استهدف الموقف الإيراني الحيلولة دون استمرار القتال بين أرمينيا وأذربيجان، والذي كان يزداد ثباتا، كلما تواردت الأنباء بانتصار القوات الأذرية، مقرونة بتحقيق الطائرات المسيرة الإسرائيلية والتركية تفوقا ملحوظا في العمليات
ثانيا: الموقف الإيراني من تجدد الصراع
واجهت إيران وضعا فريدا وصعبا، منذ تجدد المعارك بين أرمينيا وأذربيجان، حتى انتهائه يوم 9 نوفمبر الماضي؛ بسيطرة القوات الأذرية على المناطق السبعة المهمة المحيطة بإقليم ناجورنو قره باغ: أغدام، وجبريل، وفضولي، وكالبجار، وقوبادلي، ولاشين، وزانجيلان. بعد مضي ثلاثة عقود على احتلال أرمينيا لها. فقد بدا موقف طهران الرسمي حيال تجدد الصراع منفصلا عن الاتجاهات العامة في المجتمع، ولكن سرعان ما تداركت الأمر وتخلت عن تأييدها المعهود لأرمينيا، منذ سنوات طويلة ولكنه بدا موقفا باهتا أقرب إلى الحياد منه إلى تأييد طرف على آخر. صحيح أن موقفها حيال الصراع أتي من باب إحداث توازن مع التواجد الإسرائيلي والتركي في أذربيجان، من خلال مساندة أرمينيا، بموجب اتفاقيات التعاون الأمني مع مجلس الأمن القومي في يريفان، والتي مكنت أيضا وحدات الحرس الثوري من جمع المعلومات عن نشاط قوات الناتو في المنطقة، وتحديد طبيعة التواجد الإسرائيلي فيها، وفهم طبيعة التكنولوجيا الإسرائيلية، التي تُزوّد بها القوات المسلحة الجورجية وأجهزتها الأمنية.
وزير الخارجية الإيرانى “محمد جواد ظريف” – أرشيفية
الجدير بالذكر أن كلا من وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، والمتحدث باسم وزارة الخارجية سعيد خطيب زاده، قد صرحا في البداية، بأن إيران تراقب عن كثب النزاعات العسكرية في منطقة ناجورنو قره باغ. وتدعو الجانبين إلى ضبط النفس، ووقف إطلاق النار على الفور، والشروع في المفاوضات. وأنها على استعداد لاستخدام كل إمكانياتها لوقف إطلاق النار وتوفير المناخ المناسب لهذه المفاوضات. غير أن هذا الموقف الرسمي، كانت له أصداء سياسية واجتماعية واسعة فى المجتمع الإيراني، بسبب البعد العرقي للأزمة الذي غفلت عنه طهران؛ إذ تدفقت الاحتجاجات الشعبية الواسعة بالمحافظات الشمالية الأربع، ذات الأغلبية الأذرية؛ رفضا لموقف بلادهم المناوئ لباكو، والمؤيد ليريفان، وقد طالب المحتجون الدولة بمساندة بني عرقهم في جمهورية أذربيجان.
كما طالب أحد أعضاء مجلس الشورى الإسلامي عن مدينة تبريز “علي رضا بيگي” الحكومة بوقف دعمها العسكري لأرمينيا عبر “نوردوز”. وإزاء تصاعد الاحتجاجات أعلن ممثلو المرشد الأعلى للثورة في المحافظات المذكورة مساندة إيران لأذربيجان، ودعمها لحق الشرعي والقانوني في استعادة إقليم ناجورنو قره باغ. كما أصدر آية الله “علي رضا الأعرافي” رئیس الحوزات العلمیة بمدينة قم، بيانا رسميا في هذا الخصوص، أكد من خلاله على أن هذا الإقليم أرض إسلامية، ملمحا إلى احتمال الدعوة للجهاد لتحريرها من الاحتلال الأرميني. الأمر الذي اضطر طهران لإغلاق معبر نوردوز مع أرمينيا، وإغلاق مجالها الجوي، ورفض الطلب الروسي لنقل الأسلحة والمعدات اللازمة للقوات الأرمينية عبر أراضيها، وكان ذلك موضع إشادة من الرئيس الأذري “إلهام علييف”
ثالثا: تداعيات الصراع على الدور الإيراني
تركَ الصراع الأرميني الأذري حول إقليم ناجورنو قره باغ، تداعيات مباشرة على الساحة الداخلية في إيران، إلى جانب تداعياته الأمنية على الحدود. والتي حدّدت في مجملها ملامح موقف طهران تجاه هذا الصراع. تلك الملامح التي عكست مدى الضعف الذي أصاب الدور الإيراني في منطقة القوقاز، وزاد من احتمالات النيل منه في المستقبل المنظور. في مقابل الدور المتزايد للقوى الفاعلة في هذه المنطقة الواقعة شمال إيران. ولعل ما يعزز من هذه الاحتمالات تلك النتائج التي ترتبت على إنهاء الصراع، التي نوجز أهمها على النحو التالي:
  1. أدى انتصار أذربيجان في الحرب إلى أن تحصد روسيا وتركيا وإسرائيل ثمرة هذا النصر.
  2. فرضت الإرادة الروسية تصوراتها للازمة، واستطاعت وقف إطلاق النار، وعززت تواجدها بالمنطقة من خلال قوات حفظ السلام التابعة لها، التي ستتولى حماية الممرين الذين سيتم إنشاؤهما للربط البري الحر بين أرمينيا وناجورنو قره باغ، من جهة. وبين نخجوان وأذربيجان من جهة أخرى.
  3. عززت تركيا تواجدها بالمنطقة من خلال استقرار وحداتها العسكرية المشاركة في حفظ السلام، بمدينة ايغدير الواقعة بالقرب من إقليم نخجوان
  4. أدى انتصار أذربيجان إلى تشجيع تركيا لتحقيق المزيد من التوسع في آسيا الوسطى والقوقاز والشرق الأوسط عامة
  5. وضعت الحكومة الآذرية قواعدها العسكرية الواقعة على الحدود مع إيران تحت تصرف الجيش الإسرائيلي.
  6. أدت الحرب وما ترتب عليها إلى إيجاد وضع جيوسياسي جديد بمنطقة القوقاز لا تمثل إيران محورا مهما فيه.
7.     كشفت الاحتجاجات الشعبية في محافظات إيران الشمالية، مدى ضعف الموقف الرسمي من الأزمة.
  1. أثارت الأزمة فكرة الانفصال لدى شباب أذربيجان.
  2. أحدث اتفاق وقف إطلاق النار وضعا جيوسياسيا ستكون إيران مضطرة لقبوله، فقدت بموجبه أهمية الدور الذي كانت تلعبه في الاتصال البري بين أذربيجان وإقليم نججوان، بعد توافق الأطراف على أن إنشاء ممرين جديدين، يظلا تحت الحماية الروسية والتركية، والذي ستشارك في إنشائهما مؤسسة إنتاج الطائرات المسيرة الآذرية التركية الإسرائيلية المشتركة.
  3. أدت الضغوط الداخلية ذات البعد العرقي إلى تغيير الموقف الرسمي لإيران من تطورات الأزمة في القوقاز.
  4. ازدادت احتمالات تراجع القدرات الجيوسياسية الإيرانية في مجال نقل الطاقة، من خلال:
  • تزايد احتمالات إلغاء خط نقل الغاز الإيراني إلى إقليم نخجوان التابع لأذربيجان
  • تزايد احتمالات إلغاء خط نقل الغاز الإيراني إلى تركيا
  • تزايد احتمالات إلغاء خط نقل الغاز من تركمانستان إلى تركيا عبر الأراضي الإيرانية
  • تزايد احتمالات إحياء المشروع الأمريكي لنقل غاز تركمانستان وكازاخستان إلى الاتحاد الأوروبي، عبر خط أنابيب عابر لبحر قزوين وصولا إلى الأراضي الأذربيجانية، ليمر منها إلى الأراضي الجورجية، ثم التركية. أهم ما يميز خط الأنابيب هذا هو تجاوز إيران وروسيا
  • تزايد احتمالات انخفاض أهمية خط نقل الغاز الإيراني إلى أرمينيا.
 ——————————————————————————–
أهم المراجع
  1. نقش‌آفرینی ایران در دوگانه آذربایجان و ارمنستان، متاح على الرابط:
http://tabyincenter.ir/38901/%D9%86%D9%82%D8%B4%E2%80%8C%D8%A2%D9%81%D8%B1%DB%8C%D9%86%DB%8C-%D8%A7%DB%8C%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%AF%D8%B1-%D8%AF%D9%88%DA%AF%D8%A7%D9%86%D9%87-%D8%A2%D8%B0%D8%B1%D8%A8%D8%A7%DB%8C%D8%AC%D8%A7-2/
  1. دشواری سیاست‌ورزی تهران در دوگانه باکو و ایروان، متاح على الرابط:
http://tabyincenter.ir/38918/%d8%af%d8%b4%d9%88%d8%a7%d8%b1%db%8c-%d8%b3%db%8c%d8%a7%d8%b3%d8%aa%e2%80%8c%d9%88%d8%b1%d8%b2%db%8c-%d8%aa%d9%87%d8%b1%d8%a7%d9%86-%d8%af%d8%b1-%d8%af%d9%88%da%af%d8%a7%d9%86%d9%87-%d8%a8%d8%a7%da%a9/
  1. آسیب شناسی روابط ایران وجمهوری آذربایجان، متاح على الرابط: https://www.magiran.com/article/2281808
https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/azerbaijans-cooperation-with-israel-goes-beyond-iran-tensions
  1. خبرگذارى تسنيم، على الرابط:
https://www.tasnimnews.com/fa/news/1399/07/06/2358058/%D8%AC%D9%85%D9%87%D9%88%D8%B1%DB%8C-%D8%A2%D8%B0%D8%B1%D8%A8%D8%A7%DB%8C%D8%AC%D8%A7%D9%86-%D9%88-%D8%A7%D8%B1%D9%85%D9%86%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86-%D8%B1%D9%88%DB%8C-%D8%AE%D8%B7-%D8%A2%D8%AA%D8%B4
  1. دنياى اقتصاد، على الرابط: https://www.magiran.com/article/4053133
  2. الكسندر نازاروف: في الحرب الأرمينية الأذربيجانية انتصرت روسيا وتركيا، على موقع ار تيـ على الرابط
https://arabic.rt.com/press/1172288-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D9%85%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B0%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%AC%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B5%D8%B1%D8%AA-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7
  1. أرمينيا وأذربيجان.. ساحتان خلفيتان لصراع استخباراتي بين إيران وإسرائيل، متاح على الرابط:
  http://khabararmani.com/?p=11286
  1. الموسوعة الحرة: ويكبيديا، على الرابط:
https://ru.wikipedia.org/wiki/%D0%90%D0%B7%D0%B5%D1%80%D0%B1%D0%B0%D0%B9%D0%B4%D0%B6%D0%B0%D0%BD%D0%BE-%D0%B8%D0%B7%D1%80%D0%B0%D0%B8%D0%BB%D1%8C%D1%81%D0%BA%D0%B8%D0%B5_%D0%BE%D1%82%D0%BD%D0%BE%D1%88%D0%B5%D0%BD%D0%B8%D1%8F
 
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version