رحل عام 2020م والذي اتسمت فيه سياسات الدولة التركية بالخشونة والصدامية مع العديد من القوى الإقليمية بالمنطقة، وقد شهدت العلاقات المصرية / التركية قدرًا كبيرًا من التوتر نتيجة التصعيد التركى المتعمد سواء على الساحة الليبية أو فى البحر المتوسط، ولكن في الأيام الأخيرة من العام المنصرم، صرح وزير الخارجية التركي بأن بلاده لديها قنوات اتصال مع مصر سواء على المستوى الاستخباراتي أو عبر قنوات وزارتي خارجية لوضع خريطة طريق لعودة العلاقات الثنائية بين البلدين.
وقد رفعت هذه التصريحات مستوى التوقعات بين المهتمين بالشأن التركي والشأن المصري حول عودة العلاقات ومدى إمكانية فتح قنوات دبلوماسية بين البلدين في إطار طي صفحة الخلافات السابقة والعودة إلى علاقات ما قبل يونيو 2013 وما تبعه من أعوام القطيعة السياسية بين البلدين.
وعندما ننظر إلى شكل ومستوى العلاقات بين البلدين قبل القطيعة، نجد أن تركيا كانت ذات علاقة وطيدة بمصر وكان هناك توافق في كثير من الأفكار والتحركات المشتركة بين البلدين. ولكن بعد الموقف التركى المعادى ثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو، وحالة العداء التى عبر عنها أردوغان صراحة ضد النظام السياسى المصرى، قد دفع مصر لطرد السفير التركي حسين عوني من القاهرة، وبالمقابل اتخذت تركيا نفس الإجراء مع السفير المصري عبد الرحمن صلاح الذي كان موجودا بالقاهرة للتشاور في تلك الفترة.
وشهدت أعوام القطيعة الثمانية حتى الآن استخدام لغة التصعيد بين البلدين في العديد من الملفات المشتركة أبرزها غاز المتوسط والقضية الليبية. وتعاملت الدولة المصرية في هذين الملفين بشكل إيجابي ودبلوماسي وعسكري عالى جدا، حتى وصلنا إلى منتصف عام 2020 لنشهد لغة خطاب مختلفة من جانب أنقرة تجاه القاهرة، تشير إلى محاولات التقارب من الجانب التركي.
التركية
وزير خارجية تركيا – أرشيفية
عنوان المصالحة من الجانب التركي:
تشير التصريحات التركية الأخيرة إلى النية الجادة في وقف أي تصعيد مع القاهرة خصوصاً في الملف الليبي، وأن تركيا لا تريد الصدام مع الجيش المصري وأن أنقرة تدرك حساسية ليبيا للأمن القومي المصري، وقد عبرت القيادات التركية عن ذلك بالتأكيد على أن جيش مصر هو جيش شقيق للشعب التركي ولا يجب الصدام معه. فيما صدرت كل تلك التصريحات التركية نتيجة للتحرك المصري ورسم الرئيس السيسي للخط الأحمر بليبيا “سرت والجفرة”، ومنذ ذلك الحين طرأ تغيير في الخطاب التركي تجاه مصر.
كما يستند الموقف التركى في المصالحة على التوافق المصري التركي بليبيا وغاز المتوسط من خلال القنوات المفتوحة بين البلدين حالياً، مع تنمية العلاقات الإقتصادية الثنائية لتكون قاطرة المصالحة بين البلدين، وذلك اعتمادا على أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين شهدت تطوراً ملموساّ في سنوات القطيعة باستثناء إلغاء مصر لاتفاقية “الرورو” التي قامت القاهرة بعدم تجديدها في عام 2015.
نظرًا لضررها على الاقتصاد المصري، وهي في الحقيقة الاتفاقية الخاطئة، لشدة ضررها على المواني والطرق المصرية، ولشدة ضررها أيضا على صناعة الغزل والنسيج والصناعات الخشبية والغذائية بمصر، بسبب عمليات التهريب التي حدثت جراء نقل الحاويات التركية بالناقلات التركية من مواني دمياط وبورسعيد والأسكندرية إلى ميناء الأدبية والعين السخنة ومنها للموانئ الخليجية والسعودية تفاديا لنقل تلك البضائع عبر قناة السويس، وذلك لتحسين أسعارها التنافسية مع الدول الأخرى.
وكان لإلغاء تلك الاتفاقية أثر بالغ على الاقتصاد التركي حيث كانت تنقل بضائع دول الخليج والسعودية وفق تلك الاتفاقية، مما أحدث تغييرا في سعر تلك البضائع خصوصًا الملابس والصناعات الخشبية والغذائية والأجهزة الكهربائية التركية -والتي شهدت تطوراً وازدهاراً خلال سريان تلك الاتفاقية، حيث كانت تعبر الأراضي المصرية بدون جمارك أو ضريبة مضافة، باستثناء دفع رسوم المرور فقط.
الاعتماد الاّخر من الجانب التركي هو إحياء التراث الإسلامي والتاريخي المشترك بين البلدين وكذلك إعادة ترميم الاّثار العثمانية القديمة بالقاهرة لأن الاّثار العثمانية بالقاهرة هامة ومتعددة وتساعد في إحياء التاريخ العثماني العريق الذي ظل بمصر عقود طويلة.
وزير الخارجية المصرى “سامح شكرى” – أرشيفية
عنوان المصالحة من الجانب المصري:
أصبح للدولة المصرية بعد 30 يونيو عنوان واضح وهو “البناء والتنمية في الداخل، والسلام مع الجميع وعدم السماح بتدخل أطراف خارجية في شأنها الداخلي”.
ومن هنا ستحدد الدولة المصرية شروطها مع الدولة التركية التي تسعى لعودة العلاقات الثنائية وتطويرها، وتتمحور الشروط المصرية حول عدة نقاط كما يلى:-
أولا: ملف جماعة الإخوان الإرهابية،ودعمه من تركيا لتضع حدًا للدعم السياسى والمالى والإعلامى والتنظيمى الذى تقدمه تركيا للتنظيم الدولى للإخوان المسلمين.
ثانيا: التواجد التركي بليبيا وخطورة ذلك على الأمن القومي المصري.
ثالثا: غاز المتوسط ومحاولات تركيا فرض سياسة الأمر الواقع بالمياه الدولية.
رابعا: التمدد التركي بأفريقيا وخصوصًا دول حوض النيل، وتعاون تركيا مع الدولة الإثيوبية في بناء سد النهضة. وسيكون ذلك المحور أهم المحاور النقاشية بين الجانبين وذلك خطورة سد النهضة على الأمن القومي المصري.
ولا شك أن الدولة المصرية التي وضعت عنوانها البناء والتنمية، لا تريد مواجهه عسكرية مع تركيا أو غيرها إلا إذا اضطرت إلى ذلك لحماية أمنها المائي والقومي.
ختاماً:
فإن المصالحة بين القاهرة وأنقرة تصب في صالح الدولتين، وهي دعوة لبدء صفحة جديدة من تاريخ العلاقات الثنائية التي شهدت مواقف أكثر حدة، ولكن التاريخ أثبت دوماً أن الأمة المصرية والأمة التركية في حاجة إلى بعضهما البعض ليتكاملا ويتوافقا في ملفات شائكة ومعقدة إقليمياً ودولياً. ويشهد التاريخ أن الأمة التي تسعى إلى السلام والتوافق هي الأمة المنتصرة دائماً لصوت الحق والعدل والأخوة الدينية والإنسانية، فمهما تعالت أصوات القطيعة فستعلو أصوات المصالحة ونبذ الخلافات والعداوات، لأن هذه هي الطبيعة البشرية السمحة التي تدعو إلى التقارب والأُلفة بين أبناء الدين الواحد. وأختم بقول الحق تبارك وتعالى ” وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ” سورة الأنفال – آية 61.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version