أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخرا، أن بلاده ترغب في علاقات أفضل مع إسرائيل، وهناك تقارير تفيد بأن رئيس الاستخبارات التركية، هاكان فيدان، قد زار إسرائيل في نوفمبر الماضي، بما يعنى أن هناك صداقة جديدة على الأبواب. لكن ثمَّة من يرى خلاف ذلك، معتبرا أن المساعي التركية لا تهدف للمصالحة مع إسرائيل، بل لتخريب الصفقات التي أبرمتها تل أبيب مع اليونان وقبرص.
في هذا السياق نشر موقع صحيفة “ماكور ريشون” العبرية مقالا للمحلل الإسرائيلي الاستراتيجي “أسف جبور”، يقول فيه: “إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يطمح إلى تنصيب نفسه سلطاناً على المسلمين، وقد حقق بالفعل عدة خطوات لأجل ذلك”.
ولكن حتى يُكمل غايته يلزمه أيضا أن يسعى لتعزيز مكانته حتى داخل الدولة العبرية من خلال تقديم الدعم والمساعدات للقطاع العربي داخل إسرائيل ولا سيما للمواطنين الفلسطينيين المقيمين في القدس الشرقية. فضلا عن ذلك يحاول أردوغان إنشاء قواعد بحرية في ليبيا، تُمكِّنه من استكمال مشروعه التوسعي.
أردوغان
رجب طيب أردوغان – أرشيفية
يغير نبرة تصريحاته
كان الرئيس التركي أردوغان قد وصف حكومة بنيامين نتنياهو بأنها تسير على نهج هتلر، رافضا زيارة اليهود إلى ساحة الحرم القدسي، قائلا إن “الصهاينة الأنجاس يدنسون المسجد الأقصى”. وقبل عامين طرد أردوغان السفير الإسرائيلي وأعاد السفير التركي احتجاجا على نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس.
واستخف أردوغان باتفاقية المصالحة الموقعة في عام 2016 بين أنقرة وتل أبيب، ولكنه أخذ الآن يغير نبرة حديثه وتصريحاته، داعيا إلى تعزيز علاقات بلاده مع إسرائيل. الأمر الذي يطرح سؤالا هاما وهو: هل يساوم أردوغان بورقة العدوان الإسرائيلي ظاهريا بينما تشير كل الدلائل على أنه يقيم علاقات استراتيجية غير معلنة مع إسرائيل؟
يسعى للسيطرة على الشرق الأوسط
بحسب المحلل الإسرائيلي، فإنه من المتوقع وصول سفير تركي جديد إلى إسرائيل قريباً، ومن المعلوم أن رسائل السلام والمصالحة بين أنقرة وإسرائيل لم تتوقف، لكن أردوغان في الوقت نفسه يتحرك بقوة للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، حيث يتطلع إلى إعادة أمجاد تركيا في عصر الإمبراطورية العثمانية، ويسعى لتنصيب نفسه سلطاناً للمسلمين.
خطة أردوغان
يوضح “جبور” خطة أردوغات لتحقيق مبتغاه فيقول: “إن الرئيس التركي يسعى لتنفيذ خطة “الهلال التركي” لبسط هيمنته الاستراتيجية. وتبدأ منطقة الهلال التركي من شمال سوريا، وهي المنطقة المتاخمة لتركيا، مرورا بشمال قبرص، ووصولا إلى إسرائيل.
وكان أردوغان قد قدم الدعم للجماعات السورية المتمردة وجعلها تحت رعايته، كما أنشأ منطقة عازلة بين سوريا وتركيا وأخضعها لسيطرة تلك الجماعات، أو بالأحرى لسيطرته شخصيا، حيث تُزعن تلك التنظيمات لأوامره، كما يمتد نفوذها إلى داخل لبنان.
التدخل في الشأن اللبناني
يضيف المحلل الإسرائيلي أن تركيا تُكثِّف نشاطها في الوقت نفسه داخل لبنان، حيث تستغل تردي الأوضاع الاقتصادية هناك لبسط المزيد من نفوذها على بلاد الأرز. ومنذ الانفجار الذي وقع في ميناء بيروت في شهر أغسطس الماضي، تُقبل الكثير من الشركات التركية على المناقصات المطروحة لترميم ذلك الميناء، بل وبناء موانئ جديدة في لبنان. كما تتواجد سفن الطاقة التركية قبالة الساحل اللبناني لبيع الكهرباء للبنانيين.
ويرجع سبب الوجود التركي في تلك المنطقة إلى تطلع أنقرة لوضع سفن الصواريخ التركية قُبالة السواحل اللبنانية لحماية الموانئ وسفن الطاقة وبالتالي حجز موطئ قدم لتركيا في المياه اللبنانية.
حسن نصر الله – أرشيفية
إسرائيل وحزب الله في خندق واحد!
رغم العلاقات المتوترة بحدة بين إسرائيل وإيران مرورا بحزب الله، إلا أن الكاتب الإسرائيلي يرى أن هناك مصلحة مشتركة تجعل تنظيم حزب الله اللبناني وإسرائيل في خندق واحد، حيث تكمن مصلحة الطرفين في منع تركيا من التدخل في شؤون المنطقة ولبنان تحديدا. إذ يود تنظيم حزب الله أن تظل إيران وحدها هي المهيمن على لبنان، أما إسرائيل، فلا تود خوض مواجهة بحرية مستقبلية مع الأتراك لأنها في غنى عن ذلك.
السيطرة علي خطوط الملاحة البحرية
وفقا لما سبق فإن خريطة الهلال التركي تمتد إلى شمال قبرص، أو كما يسميها الأتراك – قبرص التركية. علما بأن أردوغان قد زار شمال قبرص في نوفمبر الماضي، وصرح حينها بأن الحل الوحيد لإنهاء الصراع القبرصي هو تقسيم الجزيرة إلى دولتين.
وبصرف النظر عن طبيعة المنطقة الجغرافية أو مسألة العدالة التاريخية، فإن الأتراك يحتجون بأن قبرص التركية كانت خاضعة أصلًا لسيطرة الإمبراطورية العثمانية، وأول ما يهم أردوغان في هذا الشأن هو السيطرة علي خطوط الملاحة البحرية.
يزاحم الدور الأردني في القدس الشرقية
بحسب المحلل الإسرائيلي، لا يمكن استبعاد الدولة العبرية من مشروع أردوغان، لأنها تُعد جزءًا من الهلال التركي، لذا يُنفق أردوغان الكثير من الأموال والطاقات لدعم المواطنين الفلسطينيين في القدس الشرقية من أجل بسط نفوذه على المسجد الأقصى.
كما تقوم تركيا بالإنفاق على جمعيات خيرية وعلى ترميم مباني أثرية في القدس الشرقية، بالإضافة إلى دعم وترميم جميع المتاجر والمطاعم المحلية التي ترفع أعلام تركيا أو صور رئيسها أردوغان. وبالطبع فإن تدخل أنقرة، الذي يخدم أجندة الإخوان المسلمين في القدس الشرقية، يأتي على حساب الدور الأردني والخليجي، لذا فإن إسرائيل تجد نفسها مُضطرة للتصدي لهذا التدخل التركي.
فايز السراج – صورة أرشيفية
مخاوف القاهرة من التدخل التركي
اتخذ أردوغان خلال العام المنصرم، خطوة أخرى لتوسيع نفوذه الإقليمي واستكمال خريطة الهلال التركي، حيث تدخل في الحرب الأهلية الليبية لصالح الحكومة الإسلامية برئاسة فايز السراج والتي تتخذ من العاصمة طرابلس مقرا لها. وأدت المساندة التركية لحكومة طرابلس إلى احتدام التوتر بين أنقرة والقاهرة، حتى كاد الأمر يُسفر عن اندلاع مواجهة مباشرة بين القوات العسكرية المصرية والقوات العسكرية التركية التي وصلت إلى ليبيا.
وتخشى مصر، التي تدعم الجنرال خليفة حفتر المعارض لحكومة طرابلس الإسلامية، من أن يؤدي تنامي قوة الإسلاميين في ليبيا إلى تقوية شوكة تيار الإخوان المتواجد ضمن تلك القوات الموالية للسراج.
يهدد مصالح إسرائيل
يزعم ” جبور” أنه وفقا لتقارير أجنبية، فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي أراد الاستفادة من اتفاق السلام مع إسرائيل لتوسيع دائرة المساعدات العسكرية التي تقدمها تل أبيب لمحاربة التنظيمات الموالية لداعش في سيناء، لتشمل أيضا الحرب الليبية.
ومن جهتها تطمح تركيا للوصول إلى خليج سرت الغني بالنفط، بهدف السيطرة على المياه الإقليمية الليبية وتحقيق السيطرة البحرية التركية في منطقة الشرق الأوسط. وإذا تمكنت تركيا من توسيع دائرة نفوذها من خلال إنشاء قاعدة بحرية تركية في ليبيا، فإن ذلك يهدد مصالح إسرائيل، التي تنقل 90٪ من تجارتها الدولية عبر البحر الأبيض المتوسط.
الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى – أرشيفية
من خلال ما سبق يتبين أن أردوغان يسعي بكل السبل المشروعة وغير المشروعة لبسط نفوذه وإتمام خطته للهيمنة على مقدرات المنطقة، لذا يجب على القاهرة مراعاة :
1- أن ما يدفع تركيا للتقارب مع إسرائيل هو ضمان مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في منطقة شرق البحر المتوسط الغنية بمصادر الوقود والطاقة، لذا ينبغي على القيادة المصرية بحث تداعيات ذلك التقارب على مصالح مصر الحيوية في المنطقة.
2- ينبغي رصد التدخل التركي في القدس الشرقية ومعرفة أثر ذلك على الرأي العام الفلسطيني داخل حدود الاحتلال الإسرائيلي. كما ينبغي اتخاذ خطوات مصرية موازية تجاه عرب إسرائيل عموما وعرب القدس الشرقية خصوصا للحفاظ على مكانة مصر باعتبارها الداعم الأكبر للقضية الفلسطينية.
3– إن مواقف الرئيس أردوغان لا تعرف الجمود أو الثبات، فرغم طرده للسفير الإسرائيلي إلا أنه يغير مواقفه الآن لخدمة مشروعه القومي أو حتى مصالحه الشخصية. لذا يجب على القاهرة عدم الجمود على موقف واحد، فلا مانع من محاولة التقارب مع الدول المخالفة لنا، إذا كان ذلك سيخدم مصالحنا ولا يهدد أمننا القومي. فيمكن على سبيل المثال، التقارب مع حكومة السراج لقطع الطريق على محاولات أردوغان لبسط نفوذه في المنطقة، ولضمان حق الدور المصري في إعادة إعمار ليبيا بعد انتهاء الحرب الأهلية.
4- على الجانب الآخر، فإن تركيا قد وجهت مؤخرا رسائل تحمل نوعا من التهدئة والمصالحة مع مصر، فيمكن اللعب بتلك الورقة حتى تعلم الأطراف الأخرى سواء إسرائيل أو غيرها، أن كل الخيارات متاحة أمام مصر لخدمة مصالحها القومية.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version