تزايدت أعداد الحركات المسلحة المنضمة لصفوف الجيش السوداني بدعوى قتال قوات الدعم السريع، انتقامًا منها على المجازر التي ارتكبتها ضد المدنيين، ومن أبرز تلك الحركات حركة “تحرير الجزيرة” التي أعلنت رسميًا تكوينها ووقوفها بجانب الجيش السوداني في محاربة قوات الدعم السريع، وتلك الحركة ما هي إلا واحدة من عشرات الحركات التي ظهرت في الآونة الأخيرة، ومثل حركة “الأورطة الشرقية” في شرق السودان، وهي قوات تدربت في إريتريا وتدعمها حكومة أسمرا، وحركة شبابية تُدعى “تيار الشباب البجاوي الحر ” التابعة لقبيلة “البجا” في شرق السودان، التي حذّر ت من عواقب الخطابات التي تثير النعرات القبلية التي تهدد وحدة الصف وتماسك المجتمع السوداني، وقد طالبت بطرد الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش من المنطقة، وتوعدت بإغلاق حدود الإقليم الشرقي، الذي تتخذ الحكومة من عاصمته بورتسودان مقرًا إداريًا بديلًا عن العاصمة الخرطوم، حتى خروج الحركات المسلحة منه، والضغط لإخراج المسلحين القادمين من أقاليم أخرى، وهذا ما ينذر بتداعيات كارثية على الأوضاع في السودان على المستويات الأمنية والسياسية وانتهاكات أحوال المدنيين، خاصةً بعد انشقاق قائد قوات الدعم السريع بولاية الجزيرة “أبو عاقلة كيكل” وعدد كبير من قواته، وانضمامهم إلى صفوف الجيش والقتال إلى جانبهم، وكذا والأمر نفسه نجده مع بعض أعضاء المجلس الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع وانحيازهم إلى الجيش السوداني مؤخرًا، وجاء رد قوات الدعم السريع سريعًا بصورة انتقامية على تلك الانشقاقات، حيث قام بتوجيه ضربات عنيفة ضد المدنيين في ولاية الجزيرة، تحديدًا في منطقة الهلالية، مما أسفر عن مقتل عشرات المواطنين ونزوح ما يقرب من 300 ألف.
أرشيفية
ويأتي كل هذا تزامنًا مع عدة أحداث مُهمة إقليمية ودولية تخص الشأن السوداني، أولهما تقديم المبعوث الخاص للهيئة الحكومية للتنمية “الايجاد” للسودان رؤية شاملة لتنفيذ اتفاق جدة، ونشر قوات أفريقية من دول ليس لها صلة أو علاقة مباشرة بالصراع الدائر في السودان، والتي تقدر بنحو 4500 جندي، موزعين من كل دولة 900 فرد لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد، على أن يكون مقر القيادة في العاصمة الخرطوم، ولم يُعلن حتى الآن ما هي الدول المرشحة للمشاركة في تلك القوات الأفريقية، وربما لن تكون مصر من تلك الدول المرشحة؛لأنها قريبة الأحداث في السودان.
أما الحدث الثاني فهو زيارة المبعوث الأمريكي لبورتسودان لمناقشة التطورات العسكرية والجهود الدبلوماسية الأميركية لحل الأزمة. ومن المقرر أن يجري لقاءات مع مسؤولين في مجلس السيادة الانتقالي ووزير الخارجية وحاكم إقليم دارفور ومفوض الإغائة الإنسانية.
ويأتي الحدث الثالث على مستوى أممي، وهو مشروع قرار بريطاني تقدمت به لمجلس الأمن الدولي، متضمنا سبع نقاط رئيسة، تُدين فيها الانتهاكات المُرتكبة ضد المدنيين، والدعوة إلى وضع خطة لتشكيل آلية تُلزم طرفي الصراع بالامتثال لمقررات اتفاق جدة، ووقف إطلاق النار وآليات لضمان تنفيذ ذلك عبر وحدة مراقبة والامتثال بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقي، والنظر في تشكيل وحدة حماية إقليمية بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقي والأطراف الدولية والإقليمية الأخرى، وكان هذا نتاج مناقشات رئيس تنسيقية القوى المدنية “تقدم” عبدالله حمدوك مع مسؤولين بريطانيين، وربما يُدعّم ذلك مقترح مبعوث “الإيجاد” بشأن نشر قوات أفريقية في السودان. وقد تواصل دبلوماسيون بريطانيون مع أطراف عديدة داخل مجلس الأمن وخارجه بما في ذلك دول عربية، في إطار تحركات أممية بريطانية مكثفة من أجل تمرير مشروع القرار، ومن اللافت للنظر أن التحركات البريطانية في ملف الأزمة السودانية جاءت على مستوى مغاير عما كان في السابق، والتي تمثلت في تخصيص مساعدة إنسانية جديدة بقيمة 113 مليون جنيه إسترليني لدعم الشعب السوداني، ومطالبة الجيش السوداني بالحفاظ على معبر “أدري” الحدودي بين تشاد ودارفور مفتوحًا بشكل دائم، ورفع القيود التي تعيق تدفق المساعدات عبره. جدير بالذكر أن هذا المعبر يُعتبر خط الإمدادات العسكرية لقوات الدعم السريع القادمة من تشاد، وهذا ما يُفسر الطلب البريطاني استمرار فتحه دومًا.
وبتحليل الوضع الراهن قد يكون أحد السيناريوهات الآتية هو الراجح وهي:
السيناريو الأول: صعوبة سيطرة الجيش السوداني على تلك الحركات المسلحة، مما يخلق بيئة مواتية لحرب أهلية في الأفق، لاسيما استغلال بعض الحركات الإرهابية الوضع الأمني غير المستقر في السودان للدخول في معترك الحرب الدائرة، وفرض أجندات خارجية تدعمها أطراف إقليمية أو دولية، وقد يكون هذا السيناريو مُرجحًا على المدى المتوسط، لاسيما مع استمرار التراشقات الإعلامية والبيانات الصادرة عن قيادات تلك الحركات المسلحة الناشئة والحركات المسلحة في دارفور.
السيناريو الثاني: اتساع دائرة الصراع بين الميليشيات ذات الطبيعة العرقية القبلية المناطقية، خاصةً بين “البجا” و”الأورطة الشرقية”، في ظل دعم الجيش السوداني لـ”البجا” لمواجهة تطلعات “الأورطة الشرقية”، واتهام “البجا” لإريتريا بدعم “الأورطة الشرقية” للتدخل في الشؤون الداخلية السودانية، وقد يكون هذا السيناريو مُحتملًا على المدى المتوسط، حال تفاقم الوضع وانتقال الموقف من مجرد حرب بين فصيلين عسكريين إلى صراعات قبلية وعرقية.
السيناريو الثالث: قد تُجبِر تطورات الوضع الميداني في الشرق السوداني قوات الدعم السريع على التوجه غربًا نحو إقليم دارفور وكردفان، وترك الخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الأبيض، مع تطوير أنظمة الدفاعات الجوية لإبقاء إقليم دارفور كله وقطاعات من كردفان تحت سيطرتها كمقدمة للانفصال، مما يضع الموقف في إقليم غرب السودان على المحك، وهذا السيناريو قد يكون مُحتملًا على المدي البعيد.
أكدت مصر ضمن وفد مجلس السلم والأمن الأفريقي، الذي زار بورتسودان الشهر الماضي، رفضها التدخل الأجنبي في السوادن بذريعة حماية المدنيين، ورفض غالبية الدول الأفريقية مقترح نشر قوات، ومن الضروري استمرار عمليات حشد الدول الأفريقية الأعضاء في مجلس السلم والأمن الأفريقي لاتخاذ المسار السياسي والدبلوماسي لحل الأزمة السودانية، والإسراع في عودة السودان إلى الاتحاد الأفريقي مجددًا، مما يدفع إلى وضع خارطة طريق أفريقية–أفريقية لفرض السيادة السودانية على الأراض، ودعم فكرة فتح الجيش السوداني أبواب التجنيد والتطوع للمواطنين السودانيين على أساس قومي، بدلًا من اللجوء لدعم التكتلات القبلية المسلحة، التي تعتبر قنابل موقوتة.